فلسفة الأخلاق(لوحة الصدق والكذب)

سامح عسكر Ýí 2012-10-12


في أثناء رحلتي إلى القرية اشتقت إلى المشي وسط الزراعات وعلامات الريف والاستمتاع بالمسطحات الخضراء التي لطالما اشتقت إليها كثيراً وأنا في المدينة، فقلت لزوجتي وأهلي أنا ذاهبٌ بمفردي للمشي وإذا أرادني أحد فالهاتف الخلوي مفتوح..كان هناك طريقاً زراعياً أحبه لذكريات الماضي، فذهبت إليه حاملاً لوحات تأمل برّاقة.. شجعتني على التفكير.. ثم اخترت لنفسي أمراً لأحدث به نفسي وما أحلى محادثة النفس في قضايا فكرية وفي هذا الجو المشجع.

اخترت أن أتحدث في موضوع الصدق والكذب، فالصدق يعني المطابقة مع الواقع أما الكذب فيعني عدم مطابقة الواقع، وهنا تُثار إشكالية من هو الراصد الذي عن طريقه سنعرف الكاذب من الصادق؟..هذا السؤال يذكرني براصد إينشتين -في نسبيته -ويعني أن حدوث حادث يرصده أكثر من راصد فيختلف الحُكم باختلاف الرؤية، لذلك جاءت أهمية الراصد في النسبية كونه الحاكم بُحكم الرؤية..فراصد الكذب-كمثال- هو بعينه راصد إينشتين،لأن الكاذب قد لا يشعر بكذبه ويظن تطابقه مع الواقع يتحقق، بينما باختلاف مكان وجوده في القضية-ذات الشأن-ولكونه طرف فيحجبه ذلك عن الرصد إما لتعمده أو لخطأ حواسه وإدراكه وبالتالي تزييف وعيه..في النهاية يخرج علينا الكاذب بصورة رجل.. "مزيف الوعي"..حتى مع تعمده فتدفعه أهواءه للكذب ظناً منه بوجود منفعة سواء مادية أو معنوية.

حقيقة فالإنسان منا قد يتعرض للكذب مجبراً -لما أشرنا إليه بتحصيل المنفعة، وهذا النوع من الكذب على نوعين ..الأول مذموم والآخر محمود..فالكذب المذموم يعني نقل أو تبني "خبراً" غير متطابق مع الواقع بدافع التشويه أو المنفعة"المتوهمة" أو بوجود إحدى حالات الكسل أو الجهل أو المكابرة..فقد يُظهر الإنسان منا شكليات لا علاقة لها بمضمون القضية، وتجاوزه عن المضمون في الغالب ما يكون إما عن جهل وكسل وإما عن عناد ومكابرة فتخرج أفعاله مخادعة ليست فقط للوسط المحيط بل للنفس أيضاً، ومع توالي حدوث هذه الأفعال دون رصد أو أي محاولة للرصد -بسماع النصائح أو أساليب التقويم-يتعايش المرء مع كذبه حتى يسري في دمائه مسرى الدم في العروق، فجميعنا لا يشعر بسريان الدم في عروقه، ورغم ذلك فالدم يسري حقيقة في كافة أوردته وشرايينه، هكذا الكاذب لن يشعر بكذبه رغم وجوده واقعاً.

أما الكذب المحمود فهو لتحصيل المنفعة درءاً لأذى النفس أو الدين أو المال أو العقل أو النسل فيما يُعرف لدينا.."بمقاصد الشرع"..وقد يختلف تقييم الإنسان لهذا النوع بخلاف طبائعه وثقافاته ومستوى إدراكه..ولكن ينقلب هذا النوع ويُصبح مذموماً فيما لو تعارض مع الأصول الأخلاقية الأخرى كالتضحية والكفاح والإيثار وغيرها..بينما تظل مقاربة هذه الأمور مع بعضها برباط الموازنة الشرعية والأخلاقية وهو الفيصل في التعيين...وينتشر هذا النوع من الكذب في أجواء الحرب والمصالحة ونلاحظ هنا أن وجود الكذب المحمود للموازنة"الأخلاقية" بين متضادين..وحقيقته تبقى كأثر فعّال لبقاء النفس الإنسانية بين رُحى الحرب والسلام، لأن الكذب لو كان على نوعٍ واحد "مذموم" لما ساد السلام على كوكب الأرض، وانتشر العداء بفِعل طبيعة الإنسان"قليل الحكمة".

أما الصدق فكما أسلفنا في تعريفه أنه مطابقة الواقع ،وكافة أعراض تمييز الكذب من عمليات رصد تنطبق عليه ولا داعي لتكرارها،وأضيف أن الصدق-غالباً- ما يأتي للمرء من تحكمه في كافة قوى الشر لديه كتحكمه في غضبه أو شهوته أو في قوته العقلية وهي أقسام النفس الإنسانية عند ابن سينا..فوقوع التحكم لديه يعني حضور الاتحاد مع النفس وبالتالي الشعور بالراحة والطمأنينة ليس لجنس العمل فحسب بل لأعراضه ونتائجه -حسب مستوى إدراكه...إضافة إلى أن الصدق يُعد هو الخُلق الرئيسي في حضور الأمانة والإخلاص والتضحية وغيرها من الأخلاق القيمية الحقيقية والاعتبارية..وكأن الصدق هو صانع الفضائل في نفس الإنسان ولما لا وقد أمر الله عباده بلزوم الصادقين.."ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"..بينما لو كان محل الصدق ليس ملزوماً بالأمر به لأصبح الصدق خيارا مندوباً وليس واجبا، وحينها يدور الإنسان في فلك التفسير والإسقاط بينما القضية لديه بداهة، أن الصدق والكذب يتضادان في العمل والنتائج.

انقطع حبل أفكاري فجأة برنين الهاتف وإذ بالوالد يتصل ويطلب مني طلباً لا يحتمل التأجيل

اجمالي القراءات 7729

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,598,157
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt