تأملات فى قصة يوسف فى القرآن العظيم (5 )
النظام السياسي في مصر القديمة في عصر يوسف عليه السلام (5 )

في الأحد ٢٩ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


تاريخ النشر: 2009-03-25


مقدمة :

1 ـ القرآن الكريم ليس كتابا في التاريخ ، ولكنه رسالة إلهية في الهداية ، ومن خلال الدعوة للهداية حفلت آيات القرآن العزيز بإشارات علمية ومعلومات تاريخية ، وورد منها إشارات تاريخية عن مصر القديمة من خلال قصة يوسف عليه السلام

2 ـ والدولة المصرية القديمة كانت فيما بين ( 3200 : 2250 ) ق . م تقريبا .
بدأت بتوحيد القطرين ثم ازدهرت ثم انهارت. ولم يحدث وقت انهيارها أن استولى على مصر عدو خارجي ، لسبب بسيط ، فلم توجد في ذلك الوقت السحيق قوة تجرؤ على استغلال الضعف الداخلي في مصر .
ولذلك عادت مصر للإتحاد والقوة في عصر الدولة الوسطى ، إلا أن الانهيار ما لبث أن لحقها وحينئذ ظهرت قوة خارجية استغلت ذلك الضعف فسيطرت على الدلتا ثم أجزاء من الصعيد ثم مصر كلها ، وكانوا الرعاة الهكسوس الوافدين من الشرق ، وعاد الحكم المصري الفرعوني يستعيد نفوذه شيئا فشيئا في الصعيد إلى أن تمكن أحمس الأول من تحرير مصر كلها وبذلك بدأت الدولة الحديثة التي بلغت عظمتها في عصر الرعامسة ، خصوصا رمسيس الثاني ..

3 ـ وقد تعرض القرآن الكريم للتاريخ المصري القديم في مرحلتين هامتين تمثلان مرحلتي الحكم المصري الأصيل ومرحلة الحكم الوافد،ففي قصة يوسف كان الهكسوس يحكمون مصر ، وفى قصة موسى كان الفرعون ممثلا لمصر والمصريين. والتاريخ المصري هو أطول تاريخ ممتد فى العالم ، وهو نتاج للاثنين معا ، الحكم المصري الوطني والحكم الأجنبي الوافد .

4 ـ ومن إعجاز القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنا من الزمان أن يتحدث عن حاكم مصر في عصر يوسف بوصفه ( الملك) بينما يتحدث عن حاكم مصر في عصر موسى بأنه( فرعون ) . وأن تأتي الإشارات توحي بالاختلاف بين نظم الحكم في العصرين لتؤكد بأن كلا منهما يختلف عن الأخر .
في قصة يوسف وصف القرآن حاكم مصر وقتها بأنه ( الملك ) في خمسة مواضع ، ولم يصفه بالفرعون ، بينما ذكر القرآن في قصة موسى لقب الفرعون ( 74 ) مرة . ولم يجعله مجرد ملك .

5 ـ ويقول المؤرخون لمصر القديمة أن الهكسوس لم يتركوا بمصر آثارا يمكن أن نستخلص منها شيئا عن نظام حكمهم ، الأمر الذي يجعل من الإشارات القرآنية عن ملك الهكسوس في مصر المصدر الوحيد المتاح ، علاوة على أنه المصدر اليقيني الذي لا ريب فيه في كل ما يخبر به من أقوال وأحداث ..

أولا :
ويمكن أن نتخيل شخصية الملك الهكسوسي من خلال قصة يوسف ..
1 ـ فهو ملك له " ملأ " أي مجلس شورى يستشيرهم . وإن كانت علاقته بذلك الملأ لا ترقى إلى العلاقة العضوية التي كانت بين فرعون موسى وملئه , فبينما يجد فرعون موسى كل التأييد من الملأ التابع الوفي له نرى الملك الهكسوسي يفتقد حماس أتباعه حين يقص عليهم رؤياه ؛ يقول لهم كما لو كان يرجوهم (يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) ويردون عليه في تثاقل واستهتار :( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ ) ( يوسف 43 – 44 ). ومن دراسة النصوص القرآنية التي تتناول علاقة فرعون بملائه يمكننا أن نتوقع رد فعل مناقضا ،لو أن الفرعون سألهم تفسير رؤيا رآها ، فلو سألهم لأسرعوا فحشروا له السحرة والمنجمين والعرافين ..

2 ـ ومع ذلك فالملك الهكسوسي في عصر يوسف كان لا يخلو من فراسة صادقة ومعرفة بأقدار الرجال ، ويتجلى ذلك في اختياره ليوسف الذي تم بعد تفكير ودراسة نعرفها من خلال الآيات . فالملك حين خاب أمله في الملأ الذي عجز عن تعبير رؤياه، رشح له الساقي – زميل يوسف في السجن من قبل – يوسف ليأخذ منه تعبير الرؤيا ، وأرسله الملك إلى يوسف فى السجن ، ثم عاد الساقي بتفسير الرؤيا وعرضها على الملك.
ولأنه ملك عاقل وعلى قدر المسئولية فقد أدرك أن تعبير الرؤيا ليس مجرد كلام يقال على عواهنه بل هو أمر خطير سيحدث في المستقبل ، وانه ليس مجرد تفسير بل هو خطة متكاملة للمستقبل تستلزم استعدادا لسنوات المجاعة القادمة ، وتوفيرا من إنتاج المحاصيل في سبع سنوات من الرخاء ليستعين بها المصريون ومن حولهم في سبع سنوات أخرى من المجاعة . وأيقن الملك بعد تفكير أن الحل الأمثل هو أن يستدعي ذلك السجين ويحرره من السجن ليستعين بمشورته. وكون يوسف سجينا لم يجعل الملك يتردد فى ذلك . وذلك الحرص على الاستشارة من جانب الملك الهكسوسي في قضية مصيرية تهم العامة والخاصة يعتبر من الجوانب الايجابية في شخصيته .

3 ـ كان يمكن للملك أن يأمر مدير السجن باطلاق سرح يوسف كما يحدث عادة فى اطلاق سراح المساجين ، ولكن من حصافة الملك أن جعل الافراج عن يوسف مقترنا بتكريمه ، إذ أرسل الملك رسولا خاصا من لدنه إلى يوسف في السجن ، وذلك تكريم خاص ليوسف لا يحلم به سجين في تلك العصور. ولأن يوسف يستحق أكثر من التكريم فقد أصرّ أن يخرج من السجن وصفحته نقية من تلك التهمة الكاذبة التي ألصقوها به ظلما.
وأدى ذلك الموقف من يوسف إلى تصعيد جديد أثار اهتمام الملك بيوسف أكثر وجعله يعتقد أن يوسف ذلك السجين إنما هو شخصية فريدة لابد أن يتعرف على خباياها , ولا ريب أن الساقي قد حدث الملك من قبل عن شخصية يوسف من خلال احتكاكه به في السجن , وأدى ذلك كله إلى أن يقوم الملك بنفسه في التحقيق في ملابسات الحادث الذي مضت عليه عدة سنوات ، ولذلك فالملك يستدعي النسوة ويحقق معهن ويبدأ التحقيق باتهامهن بأنهن اللاتي راودن يوسف عن نفسه ، أي يتهمهن بدلا من اتهام يوسف ، أي أنه من البداية نصب نفسه محاميا عن يوسف البريء ، فالحق هنا تعززه القوة والسلطان ، لذا يعترفن وتعترف امرأة العزيز بأنها المذنبة وأن يوسف بريء وطاهر .
وبعد ذلك الموقف الفريد الذي علم به يوسف يقبل الخروج من السجن ومقابلة الملك ويدور بينهما الحديث الذي كان يتوق إليه الملك فيزداد اقتناعا بيوسف وإعجابا بشخصيته ويصبح يوسف مشرفا على خزائن مصر وثروتها الاقتصادية ، وكل ذلك برضى الملك واقتناعه بيوسف . ويعني ذلك ان ذلك الملك المستبد ـ بحكم الثقافة السائدة ـ قد تنازل مختارا عن النفوذ الفعلي ليوسف اعترافا بمقدرته على إدارة أمور مصر في تلك الأزمة.
وبعد أن تحدث القرآن عن تولي يوسف " خزائن الأرض " تتوارى شخصية الملك كأنما يوحي لنا القرآن بين السطور أنه قد أصبح في الظل وترك ليوسف كل شيء، وذلك يعطي ملمحا ايجابيا آخر في شخصية ذلك الملك الهكسوسي ، فيه العدل حين أظهر وأعلن براءة يوسف ، وفيه الحرص على المصلحة حين سمح بنفوذ يوسف يعلو في عهده لينقذ المملكة .
والمستبد فى عصرنا البائس يفضل خراب الدنيا في سبيل أن يبقى مستبدا .. وكم عانينا ونعاني منهم في عصرنا الراهن .

4 ـ ومن المسكوت عنه لأنه مفهوم فى السياق ـ أن الملك الهكسوسى قد أقام حركة اصلاح نتج عنها عزل عزيز مصر وبطانته وولى يوسف مكانه .
لقد كان آخر العهد بعزيز مصر هذا حين اعترفت امرأته أمام الملك وعلى أعين الجميع بأنها التى راودت يوسف على نفسه : (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) ( يوسف 51 ) ،أى كانت وقتها زوجة العزيز ، وكان زوجها وقتها عزيز مصر المشرف على شئونها فى المملكة ، وهى التى تحدثت علانية بنفسها كزعيمة للنسوة . والمفهوم بين السطور أن الملك حين حقق فى الأمر بنفسه تكشّف له الفساد الأخلاقى فى الطبقة العليا فى مملكته ، والفساد عادة يؤدى الى تحكم النساء وسيطرتهن ، وظهور جرائم أخلاقية ، وهذا ما حدث فى قصة يوسف ، وهو نفس ما يحدث فى كل زمان ومكان حتى فى عصرنا وفى (مصرنا )، حيث مكائد القصور والصرعى فى جرائم غامضة ( هل تتذكر مقتل سعاد حسنى و سوزان تميم ، وفضيحة حسام أبو الفتوح ودينا الراقصة والأشرطة الغامضة المصادرة من مكتبه والاختفاء الغامض للصحفى رضا هلال ؟ مجرد أمثلة ، وفى المستقبل ستتكشف الأمور عن أهوال و مقابر جماعية ).
ولأن الملك هنا نظيف ولأنه أراد أن يعرف الحق فالمنتظر منه أن يصلح الفساد الذى تبين له. وهذا مافعل ، فعزيز مصر السابق إطيح به من منصبه . والخادم (السابق) لعزيز مصر ( السابق ) سرعان ما تولى نفس المنصب، ودخلت مصر عهدا جديدا نظيفا .( هل ممكن أن يحدث هذا الآن ؟ قل يا رب ..!!)

5 ـ وبعض مؤرخي مصر القديمة يقولون أن الهكسوس عاملوا المصريين بالعنف والقسوة .
وبعضهم يرى أن المصريين تحاملوا على الهكسوس حين وصفوهم بالعنف والقسوة ، وأن الهكسوس كانوا أقرب إلى التسامح ..
والقرآن يتوسط بين هذا وذاك ..
وقد رأينا بعض الملامح الايجابية في شخصية ملك الهكسوس ..
ولكن كان هناك مظالم اقترفها النظام الهكسوسي .. وإن كانت لا تقارن بمظالم حسنى مبارك فرعون مصر في عصرنا الراهن .
هناك شخص بريء دخل السجن ظلما ليستر فضيحة امرأة العزيز والنسوة المترفات في المدينة ، وكل الذنب الذي وقع فيه يوسف عليه السلام أنه تمسك بالعفة مع تهديدهن له بالسجن إن لم يستجب لنزواتهن .
وكان من الممكن أن يظل يوسف في السجن منسيا حتى الموت لولا أن مسار الأحداث اتجه إلى رؤية الملك وحاجته إلى يوسف .. ومعنى ذلك أن الطبقات الفقيرة كانت تدفع فاتورة الترف والانحلال الذي تعيشه الطبقات الحاكمة من الهكسوس ، وحين تمسك يوسف بعفته ولم يرضخ لامرأة العزيز ونساء الطبقة الراقية دفع الثمن من حريته ، وكان ممكنا أن يبقى في السجن طيلة عمره . أى خرج من السجن مكرما لأنه يوسف الذي أوتي بالعلم بتأويل الأحاديث ، ولو كان شخصا آخر لاختلف الأمر .
ونلمح موقفا آخر يتجلى فيه ظلم الهكسوس للمصريين ، في قصة صاحبي يوسف في السجن . وأحدهما خباز والأخر ساقي ، وقد دخلا السجن مع يوسف في نفس الوقت ، وقد رأى كل منهما رؤيا مستوحاة من مهنته الأصلية ؛ فالخباز رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه ، والساقي رأى أنه يعصر خمرا .
وتداعيات الأحداث تخبرنا بأنهما ينتميان لطبقتين مختلفتين ؛ فالساقي الذي حظي بعفو الملك لم يلبث أن أصبح ساقيا للملك وأشد الناس قربا منه حتى أنه يشترك في مداولات الملك مع الملأ ، ولأنه من الطبقة العليا فانه بمجرد العفو عنه وخروجه من السجن حظى بتلك الوظيفة ونسي يوسف ونسي وعده ليوسف بأن يحدث الملك في قضيته وكيف دخل السجن ظلما. والساقي يعرف أن يوسف مظلوم ، وكان يرى الملك كل يوم ويستطيع الحديث معه متى شاء ، ويمكنه أن يرفع الظلم عن يوسف السجين البريء ، ولكن الساقي انشغل بهموم الطبقة العليا وحياة القصور ونسي ذكريات السجن والسجين المظلوم الذي كان يستضيء به في ظلمات الزنزانة ، ولم يتذكره إلا عندما اقتضت مصلحة الملك ذلك ،أى عندما عجز الملأ عن تفسير الرؤيا : (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) (يوسف 45 ).
والذي يعنينا هنا أن الساقي الذي ينتمي للطبقة الحاكمة قد خرج من السجن ووجد وظيفته في البلاط بجانب الملك . هذا بينما الخباز المسكين يلقي حتفه مظلوما – في أغلب الظن ـ ويموت مصلوبا تأكل الطير والهوام جسده و رأسه ..!!
والخباز بحكم مهنته لابد أن ينتمي للطبقات الشعبية , والمفهوم أن جريمته قد لا تتعدى السرقة مما تقع عليه يداه من دقيق وخبز ، وذلك ما يعكسه المنام الذي رآه وحكاه ليوسف وهو أنه يحمل خبزا تأكل الطير منه ، أي أنه ربما جوزي بسرقته الخبز فصلبوه !!

6 ـ وقد كان السجن هو المرحلة الأولى التي مر بها الخباز المسكين قبل أن يصلب ، وهناك إشارة تاريخية هامة عن مصر واستبداها العريق الذى لا يزال رائدا حتى الان فى عصر الحرية وحقوق الانسان.
مصر هى أقدم دولة فى العالم ، وكانت ولا تزال أقدم دولة استبدادية ، والاستبداد فيها عريق عراقة ظلم الانسان لأخيه الانسان. وتعلم البشر منذ فجر التاريخ تكوين الدولة المستبدة من مصر. ومن معالم الدولة المستبدة (السجن ) . أى تعلم البشر إقامة السجون من مصر ضمن أشياء أخرى .
وللسجن فى الدولة المستبدة وظيفتان : ارهاب المواطنين الأحراروتعليمهم الخنوع للمستبد ، ثم عقوبة الجناة ، وأغلب من تقع عليه العقوبة فى دولة الاستبداد هم الأبرياء وليس المجرمين الحقيقيين .
ولارتباط الاستبداد المصرى العريق بالسجن ولأن السجن كان ـ ولا يزال ـ ذا أهمية خاصة في تاريخ مصر القديمة والمعاصرة على السواء ، فان كلمة السجن ومشتقاتها لم ترد في القرآن الكريم إلا فيما يخص الأحداث الخاصة بمصر.
ونستشهد بقصة يوسف :
فامرأة العزيز تهدد يوسف بالسجن أمام زوجها "قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )( يوسف 25 ) فارتبط السجن بالعذاب الأليم في الجسد طبعا .
وتهدده بالسجن أمام النسوة "وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين : يوسف 32 " فارتبط السجن بالذل والمهانة أي العذاب النفسي أيضا .
ويرضى يوسف بالسجن مع ذلك ويدعو ربه أن ينجيه من كيدهن له في السجن أو من العذاب والإهانة والآثار الجانبية للسجن أو بدون السجن "قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ )( : يوسف 33 )..
وفي السجن تكون الرابطة قوية بين يوسف وصاحبيه فيقول لهما "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ يا صاحبي السجن " !!( يوسف 39 ، 41 )
ويكفي في قسوة السجن أن يقول يوسف للساقي الذي بشره بالخروج : ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ) وينسى الساقي (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ )(يوسف 42 )..
ولا ينسى يوسف مرارة السجن حتى بعد أن أصبح عزيز مصر وله فيها مطلق السلطة ، يقول وهو في تمام النعمة : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ) (يوسف 100 )..
وظل السجن المصري مرعبا بعد يوسف ، ففي قصة موسى نرى الفرعون يهدد موسى قائلا : ( قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ )( الشعراء 29) .
ونلاحظ هنا أن السجناء فى قصة يوسف كانوا من المظاليم . ربما دخل الخباز السجن ثم عوقب بالقتل لسبب جنائى ، وهو السرقة ، وربما عوقب الساقى بالسجن مؤقتا بسبب صراع ومكائد سياسية ، بدليل أنه تم العفو عنه ،وأصبح ساقيا للملك. أما يوسف فقد عوقب ظلما بتهمة جنائية ، وهى فى الأصل لدوافع سياسية طبقية نسائية .
أما السجن فى عهد فرعون موسى فالاشارة فيه تومىء الى أن أغلب الضحايا كانوا من أصحاب الرأى ، لذلك هدد فرعون النبى موسى عليه السلام بالسجن إن لم يعبد الفرعون . وخوفا من السجن فان أحد الأمراء المصريين من اسرة الفرعون كان مؤمنا يكتم ايمانه خوفا ، وقد ذكر القرآن الكريم وعظه لقومه : (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) ( غافر 28 ـ ) أى أن السجن الفرعونى أرهب الجميع حتى الأمراء .. فما بالك بغير الأمراء ؟
وهذا الارتباط فى القرآن الكريم بين (مصر ) و ( السجن ) يعطى دلالة هامة ، هى موقع السجن واهميته فى أى نظام مستبد ،وفى مصر بالذات ـ أقدم دولة مستبدة فى العالم ـ وفرعونها لا يمكن أن يستغنى عن السجن ، ليس لاقرار العدل ولكن لاقرار سيطرته المستبدة.
بالطبع هناك مستبد درجة أولى ودرجة تاسعة ، هناك مستبد مثل الملك الهكسوسى وهناك مستبد شرس مثل فرعون موسى .
ولا يزال هذا حتى الآن فى التاريخ المصرى الحديث والمعاصر ، فهناك مستبد مستنير مثل الخديوى اسماعيل الذى (سمح ) بوجود مجلس نواب كان الأول فى نوعه فى تاريخ العرب و المسلمين ، وهناك مستبد عسكرى لا يدانيه فى الاستبداد سوى تعمقه فى العناد مثل حسنى مبارك.
وفى كل الأحوال فالسجن المصرى مقترن بالتعذيب لا ينفك أحدهما عن الآخر ، وهذا ما تبدى بين السطور فى الكلام عن السجن فى قصة يوسف .
وفى كل الأحوال فالاستبداد الخانق يجعل مصر كلها سجنا للمصريين الأحرار ..
وفى كل الأحوال فمن العار الهائل أن تظل مصر بكل هذا الاستبداد حتى فى عصرنا عصر الحرية و الديمقراطية وحقوق الانسان .
وفى كل الأحوال فأسوأ أنواع العار لمصر والمصريين أن يكون المحتل الأجنبى أكثر رفقا بمصر و المصريين من المستبد المحلى أو المحتل العسكرى المحلى ، ففرعون موسى ـ المصرى الصعيدى الأصيل ـ كان أشد قسوة من الملك الهكسوسى ، و المحتل الانجليزى و الفرنسى بل الخديوى اسماعيل كان أفضل لمصر من العسكر المصريين الذين دمروا مصر وقهروا شعبها منذ انقلاب 1952 .
ونعود الى الملك الهكسوسى ـ المستبد المستنير ـ وعصره..كى نتحسر على عصرنا ..!!

7 ـ إلى جانب الملك الهكسوسي نلمح وظيفة أخرى رفيعة وهي عزيز مصر .
وجاء هذا اللقب مرتين في الحديث عن المرأة التي راودت يوسف عن نفسه ، وجاء مرتين وصفا لمكانة يوسف بعد أن مكن الله جل وعلا له في الأرض .
وقد عبر القرآن عن تخاذل شخصية الرجل الذي كان عزيز مصر وتربى يوسف في بيته ، فجعله القرآن يتوارى خلف شخصية زوجته اللعوب ، فكانت هي التي تتكلم وتقرر وتدعو من تشاء لبيتها وتحكم على يوسف بالسجن ، وهو يكتفي بالطاعة والتنفيذ ، مع أنه كان متحكما في السجن كما نفهم من السياق .( هل يوحي ذلك لك بشيء عزيزي القاريء ؟ ألا يعني ذلك أن بعض الظلمة المتحكمين في السجون والأبرياء يعانون من تحكم الزوجة في البيت ؟ ..)
ونترك ذلك الرجل ونعود إلى يوسف حين تولى ذلك المنصب متحكما في ثروة مصر ، وقد قام به بجدارة حتى أن أخوته حين دخلوا عليه لم يعرفوه :(وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ )( يوسف 58 )، وقد أخذتهم هيبة يوسف فقالوا له: ( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ )،( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ )(يوسف 78 ، 88).
ومن القرآن نعرف أن منصب عزيز مصر الذي كان ليوسف هو الإشراف على خزائن مصر أو التمكين في النفوذ مشاركة للملك الهكسوسى ، ويوسف يشكر ربه قائلا: ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ) ( يوسف 101 ) فلم يقل (آتيتنى الملك ) ولكن (من الملك )، أى (بعض الملك).
كان " عزيز مصر " زوج السيدة اياها مثل وزير الداخلية المشرف على السجون ، لذا وضع يوسف فى السجن بسهولة . ثم أصبح منصب (عزيز مصر ) بيوسف أكثر نفوذا ، يشمل مفردات الحياة اليومية للمصريين بما فيها الاقتصاد والزراعة والتموين والمالية .. الخ
وذلك التحول أحدثه توقع المجاعة .. أى ان القبضة الأمنية خفّت فى عهد يوسف عزيز مصر وحل محلها حكومة خدمية انتاجية تؤدى وظيفة اجتماعية .
وكان المصريون في عصر يوسف يقولون عنه باللغة المصرية القديمة " عزيز مصر " أي كان ذلك من ألقاب التشريف في عصر الهكسوس القادمين من الشرق . وإلى عهد قريب كان من ألقاب التشريف فى مصر أن يقال بالعربية التركية ( عزتلو) وبالعربية الفصيحة ( صاحب العزة ) ..وكان ذلك فى عصر الأتراك .. وهم أيضا قادمون من الشرق ..

8 ـ ونستفيد من قصة يوسف أن مصر في عصر الهكسوس كانت لها حدود شرقية ، تقوم عليها بوابات حراسة ترصد القادم والداخل ، وذلك تطور هام في الدولة المصرية القديمة يؤكد من أهميته أن الهكسوس وقتها حرصوا على تأمين الحدود الشرقية لمصر ، هذا مع ترحيبهم بالوافدين من آسيا الذين يأمنون جانبهم كما فعلوا مع أبناء يعقوب " إسرائيل " .
وقد كان دخول الحدود المصرية من ناحية الشام أمرا يستحق الإعداد والاستعداد ، ونلمح من ذلك قول يعقوب لبنيه : (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) والتزموا بوصية الأب : (وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ )( يوسف 67 ، 68 ).
أي أن الحدود المصرية الشرقية كانت عليها بوابات متفرقة وحراس شديدو الملاحظة ، وقد خشي يعقوب أن يرتابوا في أبنائه فيحدث لهم مالا تحمد عقباه فنصحهم بالتفرق والدخول من أبواب متفرقة ليمروا بسلام ، وذلك كل ما يستطيعه لهم ولم يبق عليه إلا أن يتوكل على الله تعالى ويسلم أمره إليه .

وقد قال يوسف لإخوته: (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) ( يوسف 93 ).
وسافر إلى الحدود المصرية ينتظرهم ويؤمن دخولهم ويقول لهم : ( وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ )( يوسف 99 ) أي كانوا يطلقون على العاصمة أسم" مصر " ولا يزال ذلك لقب العاصمة حتى الآن .
أما الحدود الشرقية فكانت نقاط حراسة مشددة ضد البدو وعصاباتهم ، وبمعنى آخر كان مصر هي " المصر " أي العمران ، وما عداها كان " البدو " . ويوسف يحمد الله تعالى ويقول لأهله: ( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ ) ( يوسف 100 ) . أي ساوى بين السجن والصحراء في المشقة والعنت . مع أن السجن مغلق والصحراء مفتوحة .

9 ـ يلفت النظر هنا قول يوسف لأهله : (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ )( يوسف 99 ) .
هل يمكن أن يوجد أمن وأمان فى دولة مستبدة عريقة فى الظلم والفساد ؟
تلك الدولة ليست سوى سجن كبير لأبنائها الأحرار .
ولا يمكن أن يوجد فيها أمن للمستبد نفسه او لغيره .
العادة أن المستبد يستأثر لنفسه بكل الأمن و الحماية ، ويرهب الناس بالتعذيب والقهر حتى يخضعوا لسلطته وحتى يسكتوا على تحكمه وسرقاته وفساده . وحين يستأثر المستبد لنفسه وعصابته بكل الأمن ويحرم الشعب من الأمن فان ذلك المستبد نفسه يحرم نفسه من الأمن إذ أن أشباح الضحايا تؤرق ليله ونهاره. ومن المعلوم أن أى مظلوم لا بد أن يفكر فى الانتقام من الظالم ، ويتمنى الانتقام منه حتى ولو فى أحلام يقظته ، ولو عجز فإنه يرفع يديه للسماء يطلب من الله جل وعلا الانتقام من الظالم ، ولو تمكن المظلوم من الانتقام من الظالم فلن يتردد .
وفى كل هذه الأحوال يظل الظالم فى توقع مستمر من انتقام آت وشيك لا يستطيع رده ، فيلجأ الى تحصين نفسه بالمزيد من ارهاب الناس وترويعهم ، وكلما إزداد ظلما إزداد خوفا الى أن يصل الى نهايته المحتومة .
هذه هى طبيعة الاستبداد فى كل مكان وزمان ، فالعدل هو أساس الأمن ، وبدون عدل لا يمكن أن يتحقق الأمن . ومصر هى أم الاستبداد ، فكيف يقول عنها يوسف عليه السلام لاخوته : (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ ) ؟ وكلمة (مصر ) هنا جاءت ضمن اربع مرات وردت فيها كلمة مصر فى القرآن الكريم . وهنا لها دلالة خاصة ترتبط بالأمن ، مع ان الأمن يتنافى مع الاستبداد المصرى العريق ؟ فكيف نفسر هذا ؟
قبلها كان أخوة يوسف يدخلون مصر فى خوف حتى لقد نصحهم ابوهم بأن يدخلوا من أبواب متفرقة . واختلف الوضع بمجىء عزيز مصر وقتها ( يوسف ) ليبشرهم بانتهاء عهد الخوف ، وأن بامكانهم أن يدخلوا مصر آمنين . أى هنا ترحيب خاص فى ظرف خاص يحمل شهادة تأمين مؤقتة ضد الخوف يقولها عزيز مصر لإخوته وأهله .
هو هنا ثانى رجل فى السلطة ، ومع ذلك فهو لا يعطى ضمانا مؤكدا على أمن أهله ، بل يربط ذلك بمشيئة الله جل وعلا ،أى إنه يثق فى رحمة الله جل وعلا و لا يثق فى نظام الحكم الذى يعمل فى إطاره عزيزا لمصر .
ومن الطبيعى أن نتصور مصر فى عهد يوسف وقد تحولت الى واحة للأمن والأمان فى فترة استثنائية فى تاريخها الملوث بالظلم والاستعباد ، يدلنا على ذلك أن يوسف عليه السلام وهو نبى مرسل للمصرين كان يدعوهم الى (لا اله إلا الله ) ومع ذلك فلم يستخدم سلطته فى إكراه المصريين على ترك معبوداتهم ، فظلوا على ولائهم لها يتوجهون بالشك الى يوسف عزيز مصر ، مع ايمانهم برسالته ، ومع إقرارهم بعدله وفضله . نستفيد هذا من قول مؤمن آل فرعون بعدها بعدة قرون ـ فى عصر موسى ـ حين كان يعظ قومه المصريين ، ومن أقواله لهم يذكرهم بموقف آبائهم المصريين الرافض لدعوة يوسف (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً ) ( غافر34 ) .
أى تمتع المصريون فى عهد يوسف بالعدل الاقتصادى وحرية المعتقد ، ومع ذلك فان يوسف عليه السلام فى سلطته لم يكن يضمن الأمن الكامل مطلقا لأهله ، فقرن وعده بمشيئة الله جل وعلا .
بالتالى فإن قوله (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ ) ليست دليلا على وجود أمن عريق فى مصر بل على العكس ، هو أمن مؤقت مرتبط بظروف مؤقتة أساسها وجود نبى كريم فى منصب عزيز مصر فى ظل ملك هكسوسى مستبد مستنير.
والدليل على ذلك أنه بعد قرون إختلف الوضع مع ذرية يوسف وأهل يوسف ، حين جاء الحكم الفرعونى المصرى الصعيدى الأصيل، وأصبح الفرعون متطرفا فى الظلم ، يقسم المصريين الى طائفتين : أقلية مقهورة مضطهدة هى أبناء وذرية يعقوب ( بنو اسرائيل ) ، ثم أغلبية تنظر مرعوبة الى الاضطهاد الذى يقع على الأقلية فتزداد رعبا وتتعلم الخضوع والخنوع.
وهى نفس سياسة الفرعون الحالى حسنى مبارك ( فرّق تسد ) التى يتبعها ، فيقسم المصريين الى أغلبية وأقليات ، ويوقع بينهم ، وينفرد بالأقلية يضطهدها ويقهرها ليرعب ويرهب ويخيف الأغلبية .
ولا نجد أروع من قوله تعالى يصف هذه السياسة الفرعونية الارهابية :(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) ( القصص 4 ) .
وبذلك عادت مصر الى طبيعتها التليدة العتيدة مجرد سجن كبير للأحرار والمستضعفين ، ووكرا للمستبد و المفسدين . وعلى باب هذا السجن تجد لافتة تهزا بكتاب الله تعالى ، اللافتة مكتوب عليها (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ )، فكيف يكون فى مصر أمن وأمان مع كل هذا الظلم والتعذيب و القهر ؟ .
تطالعك هذه اللافتة وأنت تدخل المطار المصرى أو الميناء المصرى ، وبعدها تجد العكس : مباحث أمن الدولة فى انتظارك .. ثم حين تسير فى الشارع المصرى فهناك عشرات القوانين العادية فى قانون العقوبات المصرى أيسر قانون منها كفيل بدخولك السجن بضع سنين . فما بالك بقانون الطوارىء والمحاكم الاستثناية و العسكرية وكل السلطات الممنوحة للشرطة ، بلا رقيب ولا حسيب فى نظام حكم بوليسى فاسد .!!.
ولا زالت الذاكرة تحمل أسوأ الذكريات ، حين كانت تقترب بى الطائرة من الدخول الى الأجواء المصرية ، فأتوزع بين الحنين الى الوطن والاستعداد للمرمطة فى المطار بمجرد أن أرى لافتة المطار تقول (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ ) .
أخيرا :
متى تكون مصر وطنا للأحرار ومثابة وأمنا لأهلها و القادمين لها ؟
اللهم عليك بذلك الفرعون المصرى القمىء واجعله عبرة لكل مستبد الى يوم الدين..!!


هذه المقالة تمت قرائتها 544 مرة

التعليقات (1)
[36264] تعليق بواسطة ابوعلي محمد - 2009-03-27
أخي الكريم الدكتور أحمد
تأملاتك في قصة يوسف أثارت في شجونا , بل إن سورة يوسف حين أقرأها هكذا دون أي تعليق تثير في شجونا تفيض



وجل ما يؤثر في ويجعل الدموع تفيض من عيني هو قوله تعالى عز وجل فيما يرويه عن موقف يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ )





لم أجد اعظم من ذلك الموقف في مواجهة معصية مفروضة عليه وإلا السجن وما أدراك ما السجن



جميل جدا ما كتبته عن تلك التأملات , وأود أن أضيف عليها تأملا آخر



لم يذكر موضوع الأحلام في القرآن سوى مرتين ( إن لم تخني ذاكرتي) , مرة في وحي من الله لابراهيم (عليه الرحمة والسلام ), ومرة في قصة يوسف



وقد ركز القرآن على موضوع الأحلام في حياة البدو وفي حياة السجين



هناك كما ذكرت وجه شبه بين الطرفين , حيث أن شظف العيش والقسوة اللتي يعانيها كلا الطرفين .



وهناك شبه آخر وهو صفاء الذهن حيث أن السجين في واقعه المحصور والبعيد عن تعقيدات الحياة حيث لا يبقى في حياته سوى تلك المعاناة من الناحية السلبيه وذلك الطعام من الناحية الإيجابيه , وقد ذكر موضوع الطعام في معرض السورة حيث يكون طعام السجين بمثابة فرحة له وهو الذي لا يعرف إلا الذل والقهر والتعذيب



كما أن البدوي له واقع مشابه حيث لا يوجد في حياته سوى شظف العيش أيضا من الناحية السلبيه وبحث عن الكلأ والطعام من الناحية الإيجابيه.



في مثل هذه الظروف ينطلق العنان للخيال ويصفو الذهن لاستيعاب أمر عجيب لا يعرفه تماما سوى من عاش في ظروفه حيث تصبح الرؤيا التي يراها السجين واقعا في غده مع بعض الاختلاف في التفاصيل



لا أستطيع أن أقول كما قال البعض أنها مما يعانيه المرء في حياته ومما يحلم به أن يحققه, فليس بمقدور السجين تحقيق أي شيء ,فكل شيء مفروض عليه



في النهايه لكم محبتي واحترامي