70 % يؤيدون العدالة الدولية حتى لو لاحقت حكاماً ورؤساء عرباً
توافقاً مع مقال الدكتور -منصور(الضغط على المحكمة الدولية لمحاكمة المستبد العربى . )

في الثلاثاء ١٧ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

إيلي الحاج



--------------------------------------------------------------------------------


إستفتاء "إيلاف" الأسبوعي يحمل نتائج مفاجئة:
70 % يؤيدون العدالة الدولية حتى لو لاحقت حكاماً ورؤساء عرباً

إيلي الحاج من بيروت: أيدت غالبية كبيرة بلغت 70 في المئة من المشاركين في الإستفتاء الأسبوعي لـ"إيلاف" قرارات المحكمة الدولية إذا تناولت رؤساء وقادة عرباً، وشارك في الإستفتاء حول الموضوع الذي فرض نفسه في ضوء تداعيات صدور مذكرة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير عن المحكمة الجنائية الدولية 5633 من قراء "إيلاف"، أجاب 3943 منهم بـ"نعم" على السؤال، بينما أجاب بـ"لا" 26 في المئة أي 1488 مشاركاً، و"لا أهتم" 4 في المئة أي 202 مشاركين.

تعني هذه النتائج أن الناس العاديين لم يذهبوا مذهب أنظمة وأحزاب وتنظيمات، في موضوع الرئيس السوداني على سبيل المثال بإعطاء صك البراءة مسبقاً للبشير من غير تكليف النفس حتى مجرد إلقاء نظرة على ملف قضية دارفور وضحايا ميليشيات السلطة الملاحقة دولياً، وإن الذرائع التي ساقها رأس النظام السوداني وسبقها إليه الرئيس العراقي السابق صدام حسين، عن وقوف الغرب الإستعماري وراء المحكمة الدولية طمعاً في ثروات البلدان العربية لم تقنع الناس العاديين كثيراً، لا بل إنهم باتوا يرون في عدالة القضاء الدولي ضماناً لهم حيال حكام عرب يطغون ويتجبرون ويظلمون شعوبهم ولا يتيحون أي طريقة للمراجعة والمساءلة والمحاسبة سواء عبر هيئات المجتمع الأهلي والمدني، أو عبر الوسائط التمثيلية المتعددة بعد أن يكونوا قد سيطروا على القضاء وجعلوه أداة طيعة في أيديهم، على ما تفعل الأنظمة الإنقلابية في أولى خطواتها تمهيداً للتنكيل بخصومها السابقين واللاحقين ثم بالمواطنين العاديين لعلة عدم الولاء.

وتؤشرهذه النتائج تالياً إلى أن الحكام المعنيين بالملاحقة الدولية، والذين غالباً ما يردون على قرارات العدالة الأممية بالتهكم والسخرية والتحدي، لا يتمكنون بهذه الأساليب من كسب قضيتهم أمام الرأي العام العربي. فالتلويح بالعصا أو البندقية ورفع شعار "فليغلوا القرار بالماء ويشربوا زومه" أو"قرار المحكمة الدولية على جزمتي" وغير ذلك من مظاهر القوة والإعتداد بالنفس وعرض العضلات لم تعد كافية لإقناع الجماهير وخداعها بمظلومية الحاكم المطلوب للقضاء. سمع العرب تعابير كثيرة من هذا النوع وهذا العيار على ألسنة محمد سعيد الصحاف وزملائه قبل أن يهرب صدام حسين ويختبىء في حفرة، ولعل الشعارات الأطول زمنيا والأقوى كانت تلك التي رفعها العقيد الليبي معمر القذافي قبل أن يقرر الخضوع للعدالة الدولية ويقر عبر صفقة مكلفة بمسؤوليته في ملف "طائرة لوكربي"، مقدماً بذلك مثالاً على أن لا مفر في نهاية الأمر من تقديم الحساب طال الزمان أم قصر. فالزمن تغيّر بعدما أصبح العالم قرية، ولم يعد القضاء المحلي المغلوب على أمره قادراً على تغطية الإرتكابات وإزاحة الإتهامات عن الحكام.

لذلك لا يلقي أحد بالاً في المجتمع الدولي لموقف نظام دولة عربية يعلن – على سبيل المثال- أن المحاكم المحلية لتلك الدولة هي التي ستنظر في شأن أي مواطن يظهر إسمه في المحكمة الدولية الخاصة التي شكلها مجلس الأمن لمحاكمة المتهمين في قضية اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري. فعندما تصل الأمور إلى حد توجيه الإتهام سيكون عدم تعاون أي دولة في تسليم المطلوبين إلى المحكمة في لاهاي دليلاً فاضحاً على عدم التجاوب مع قرار دولي ملزم، مما يستلزم العودة إلى مجلس الأمن. صحيح أن هذا السيناريو قد يستلزم سنوات ، لكن العدالة الدولية على ما تبين حتى الآن تمهل ولا تهمل ، ولنا في محاكمات "الخمير الحمر" الذين حكموا كمبوديا أكبر مثال. وفي مقر المحكمة الخاصة باغتيال الحريري في هولندا زنزانة قبع فيها سابقاً الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوتسيفيش.

ولعلّ نسبة الـ 26 في المئة التي رفضت في الإستفتاء ملاحقة المحاكم الدولية لزعماء ورؤساء عرب تستند في موقفها إلى عدم ثقتها بكل ما يحمل صفة "دولي" لأنه يعني في رأيها أن الولايات المتحدة الأميركية تسيطر عليه، وهي عدوة للعرب ما دامت لا تحاكم إسرائيل على جرائمها، فضلاً عن تورط أميركا في حرب العراق وحرب أفغانستان. يغفل أصحاب هذا الرأي الذي قد يكون على صواب حقيقتين ، أولاهما أن الولايات المتحدة ضد نشوء المحكمة الجنائية الدولية ولم توقع ميثاق نشوئها وترفض التعامل معها، وثانيتهما إن إسرائيل تعارض المس بنظام دولة عربية مجاورة لها يمكن أن تطاله محكمة دولية، مما يعني أنه لن يكون في دائرة الخطر، بل ستخوض المحكمة متاهات في المماطلات والإجراءات القانونية إلى أن يخلق الله ما لا تعلمون وقد تنتهي إلى ما انتهت إليه قضية "لوكربي". إلا أن ذلك لا يعني أن المحكمة ليست ذات مفعول في ممارسات الأنظمة والحكام وإن في لاوعيهم بعد نماذج صدام والقذافي والبشير ومحكمة قضية اغتيال الحريري. يظل الخبر سيئاً لبعض الحكام والرؤساء العرب المعنيين : ما عدتم أنصاف آلهة أيها السادة. لستم أحراراً في القتل والتنكيل على هواكم. لستم أقوى مما كان ميلوتسيفيش.