حين يلعب وحده فيهزم نفسه!

في الجمعة ٢٧ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

يبدو جمال مبارك وحزبه وحكومته مثل ملاكم يلاعب نفسه في الحلبة، لا أحد أمامه ولا أحد يواجهه، صحيح أن جمهوراً هائلاً في القاعة كان يتابعه ولكنه جمهور لا يحب اللاعب ولا اللعبة وملول ومش فاهم ما هي تلك اللعبة السخيفة التي يلاعب فيها اللاعب نفسه؟ وما هي قوانين اللعبة بالضبط وماهي معايير الفوز ومتي نعتبر اللاعب منتصراً إذا كان لا يلاعب أحداً أساساً؟.. ورغم كل هذه اللوغاريتمات، فالكوميديا أن جمال مبارك يجرح نفسه في اللعبة ويسيل دماً من وجهه ويؤذي عضلاته، فالرجل يتخيل أنه يلاعب أحداً أو ربما أقنعه جهاز أو أجهزة أنه يلاعب أحداً فيأخذ الرجل في الخبط والرزع ضارباً الهواء وملاكماً الفراغ فإذا به يجرح نفسه ويهزم نفسه، لايوجد من يراهن علي جمال مبارك سواء كرئيس تنفيذي حالي لمصر هو الآمر الناهي النافذ الأثر الجاثم الدور ولا كرئيس محتمل يرث عرش أبيه بعد منافسة انتخابية مع خيالات مآتة «من هذا الحزب المفترض أنه معارض أو ذلك» سيختارها بنفسه «وبأجهزته»، لا أحد يراهن علي هذا الرجل الذي يتجاوز الخامسة والأربعين متصرفاً كأنه ولي عهد زهق من تأخر توليه العرش، ربما فقط عدد ضيق جداً، محدود ومغلق تماماً من المحيطين بجمال مبارك من رجال الأعمال وعدد من الكتبة من أساتذة الجامعات الذين لا يكفون عن التودد للرجل والتمسح به لعلهم ينالون ترقية أو عمادة أو وزارة هم الذين يتمنونه، لكن الجديد الذي نجح فيه جمال مبارك نجاحاً مذهلاً أن هؤلاء المحيطين لأنهم محيطون ومنتفعون فالصراع بات واضحاً علي الانتفاع به وبدت هناك مناطق نفوذ تري تطاحناً بين فريقين من محيطي مبارك وتنافساً وتصارعاً علي أراض وعلي بورصات، وأرباح متوقعة من مشروعات مطروحة ولكل فريق رجاله في الدولة المتحالفين معه سواء في جهاز الإعلام أو التشريع من خلال نواب يبدو بعضهم أحياناً محترماً، ولذلك فالساحة في المرحلة الأخيرة هي ساحة حرب باردة وساخنة، مثلاً بين رجلي أعمال يتمتعان بالصلة الوثيقة مع جمال مبارك، وهناك ملايين من الجنيهات أغرقت السوق الإعلامية «الصحفية والتليفزيونية» مؤخراً لحملات ضد كل طرف لصالح الطرف الآخر، وغسيل سمعة من كل شخصية لنفسها عبر حوارات وندوات ومؤتمرات وإعلانات ولأن الطرفين من مكروهي الشعب الكبار فإن الجميع انبسط وسخن واعتبر هذه الحملات حرباً ضد الفساد بينما هي صورة فاضحة لهذا الفساد «انت اللي كسبت مليار.. لا يا أخويا انت اللي كسبت مليارين بأمارة كذا.. لا انت فاكر صفقة البورصة بتاعة كذا مش دي اللي انت خدت فيها كام مليار.. » وهكذا تمضي جهود حثيثة لتصفية معنوية للمتنافسين حول الوريث المحتمل تستهدف أن ينتصر لشخصية دون الأخري حيث يمثل الآخر «أيا كان» عبئاً علي سمعة الوريث السياسية والجماهيرية، فلما زادت الكعكة اتساعاً وضخامة فقد تكالبت أيدي المحيطين بجمال مبارك تقتطع وتلتهم، حتي إن الجميع شاركوا في سحب أي مصداقية أو صدق علي الكلام «الذي ليس صادقا أساسا» الذي كان يبشر بالوريث، وصارت صورة جمال مبارك «التي لا صورة غيرها في واجهة الحياة السياسية» علي حقيقتها تماما بلا تجميل ولا تزويق فهو مرشح البزنس ورجال الأعمال وسياسات الرأسمالية المتوحشة التي ترمي للفقراء ومحدودي الدخل فتات مآدب الأغنياء، هو مرشح القصور وليس أبدا مرشح المساكن الشعبية، هو مرشح قلعة المال وليس قلعة الكبش، مرشح الاحتكارات وطوابير العيش المدعم والسحابة السوداء وليس مرشح الباحثين عن الديمقراطية والعدالة، ها هم عمال مبارك يستنزفون أي ثروة سياسية كان يملكها، وهو لا يعرف يلاقيها منين ولا منين؟ من رجال أعمال البزنس أم من وزرائه الذين أتي بهم بنفسه وباختياره فإذا بهم مسئولون عن تبديد أي أمل كاذب كان لدي بعض الصادقين الذين تصوروا ضمن أوهام كثيرة أن جمال مبارك المدني أرحم من شخصية عسكرية، فإذا بهؤلاء أنفسهم الذين يطالبون الآن بشخصية عسكرية لخلافة الرئاسة أو تولي رئاسة الوزارة!.. لقد خيب جمال مبارك رهانات البعض عليه وخاب المحيطون به في عملية تجميله، والغريب أن هذا كله تم وجمال مبارك وحده في الملعب يجري وينطلق ولكنه ياللمأساة لا يستطيع إحراز جون في مرمي خالٍ.. ومع ذلك فاتحاد الكرة برئاسة سمير زاهر ممكن طبعا يحسبها «جون»!!