تفاؤل أمريكي بمستقبل جديد للشرق الأوسط بديلا عن الديكتاتوريات والمتطرفين

في الثلاثاء ١١ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


أعرب الكاتب والصحفي الأمريكي البارز روبن وايت عن تفاؤله بمستقبل الشرق الاوسط، رغم ما يعيشه من حروب ونزاعات دموية ورغم ما يواجهه مواطنوه من قمع على أيدي الحكومات والجماعات الإسلامية.


وقال وايت في مقال كتبه في صحيفة الواشنطن بوست (2/3/2008) بعنوان (لماذا مازال عندي أمل متجدد في الشرق الأوسط)، إن "بواكير القرن الحادي والعشرين تشير إلى بزوغ ثقافة التغيير التي تتحدّى بصورة خلاقه ليس فقط الوضع الراهن بل والمتطرفين ايضا". ويضيف "لقد شكلت الأصوات الجديدة، من خلال المنشورات والاحتجاجات الصاخبة في أربع وعشرين بلدا ، طريق البحث عن البدائل للأنظمة الإستبدادية والحكومات الملكية المتجبرة التي أثبتت أنها غير منسجمه مع شعوبها".


وفيما يلي ترجمة لكامل ما جاء في المقال:


الحكومات التي لا تتجاوب مع شعوبها وتدرك تطلعاتها ستقع في مشكلات كبيرة
يقول رايت وهو مؤلف كتاب (أحلام وظلال : مستقبل الشرق الأوسط) إنه "في عام 2006م ، بعد ثلاث سنوات من الحرب في العراق، أرهقتني المناقشات الخلافية في واشنطن حول مستقبل الشرق الأوسط الى درجة قررت معها العودة الى المنطقة التي غطّيت أخبارها منذ عام 1973 واستمعت بدلا من ذلك إلى الناس الذين يعيشون هناك. بعد سفري الى هناك لشهور قضيتها بين الرباط وطهران، عدت مندهشا مما شاهدت ".


ولكنه يستدرك بالقول "بالطبع أصبح الشرق الأوسط الآن أكثر اضطرابا منه في بداية إدارة بوش: فعملية السلام العربية الاسرائيلية لم توصل الى شيء، وما يزال العراق غارقا في وحل التوتّرات العرقية، والتنافسات الدينية والتطرف إلاسلامي -- وما زالت إمدادات الكهرباء محدودة، بينما تواصل إيران تحديها بغضب للأمم المتّحدة بخصوص برنامجها النووي، أما لبنان فيتأرجح من جديد".


ويواصل "ولكن على الرغم من ذلك فإن بواكير القرن الحادي والعشرين تشير إلى بزوغ ثقافة التغيير التي تتحدّى بصورة خلاقة ليس فقط الوضع الراهن بل والمتطرفين ايضا. لقد شكلت الأصوات الجديدة، من خلال المنشورات والاحتجاجات الصاخبة في أربع وعشرين بلدا، طريق البحث عن البدائل للأنظمة الإستبدادية والحكومات الملكية المتجبرة التي أثبتت أنها غير منسجمة مع شعوبها. ويصنع الفضاء الجديد للفعل السياسي كل من: القضاة المعارضون في القاهرة، ورجال الدين الثائرون في طهران، ومالكو القناة الفضائية في دبي، والمرشحات النسويات الأوائل في برلمان الكويت، وشباب الكمبيوتر في جدة، والصحفيون البواسل في بيروت، ورجال الأعمال الجريئون في دمشق.


إنه عمل شاق وصعب لهم جميعا. فالحكومات العنيدة تقمعهم بدون رحمة؛ والمتطرفون يستهدفونهم. ولكنهم معا استطاعوا في السنوات الثلاث الماضية خلق الربيع العربي عندما قام ملايين العراقيين بالتصويت في انتخابات حرة، وأنهى المحتجون اللبنانيون احتلال سوريا لبلدهم الذي دام 29 عاما، وقامت حركات للمطالبة بالديمقراطية مثل حركة "كفايه" ضد مستبدي مصر وغيرهم في المنطقة. ولم يساعد هذه الحركات فساد إدارة بوش وتراجعها عن دعم الديمقراطية . لكن تلك المجتمعات لن تعود الى نقطة البداية. فالقضية في الشرق الأوسط اليوم هي ليست في البحث عن التغيير السياسي بل في الكيفية التي سيتحقق بها ذلك التغيير".


ويتوصل رايت الى استخلاص الدرس الأول مما تعلمه من المنطقه وهو أن الحكومات إن أغفلت تطلعات شعوبها ستقع لا محالة في اشكالات كبيرة، حيث يقول "لقد قال مروان معشر وزير الخارجية الأردني السابق: إن الوضع الراهن في العالم العربي لن يستمر، وما كان ممكنا قبل 40 عاما عندما كانت الدولة تملي على الناس ما تريده وتتوقع منهم الطاعة، لم يعد ممكنا الآن ، وستواجه الحكومات مشاكل رئيسية إذا لم تكن متجاوبة ومدركه لذلك". ويؤكد رايت " لقد وجدت ان ذلك هو الدرس الأول من دروس عديدة حول الشرق الاوسط الجديد".


المعارضه عنيدة، منفتحة وطموحة


يقول رايت "قبل عقدين من الزمن عندما جبت المنطقة، بحثت عن الخلايا السرية كباروميتر يقيس تأثير المعارضة، ولكن الآن أبحث عن pajamahedeen، أو مجاهدوالـبيجامات، الذين يستخدمون الكمبيوترات بدلا من قنابل الطرقات. إنهم يشخّصون الدرس الاول في الشرق الأوسط المتغير: إنّ المعارضة عنيدة وبارعة وطموحة ومنفتحة أكثر من أي وقت مضى. وأصبح جيل (اليوتيوب) يشكل طبقة سياسية جديدة متكاملة".


ويضيف رايت " يقول وائل عباس المصري الذي يبلغ من العمر 33 عاما: لقد أصبح للحكومات معارضة من نوع جديد. لقد نشر عباس في مدونته لقطات فيديو صورها بتلفونه الخلوي تصور وحشية رجال الشرطة، وبضمنها لقطة تصور تعذيب أحد المعتقلين وهو يتلوى من الألم تحت ضربات رجل الشرطة الذي استخدم عصا المكنسة، وقام عباس بتحميل حكومة الرئيس حسني مبارك مسؤولية ذلك. لقد بدأ عباس مدونته في عام 2004، وكان يزور موقعه بحدود 30,000 زائر يوميا ، وبحلول عام 2007م قفز ذلك الرقم إلى 45,000 زائر يوميا".


يقول رايت إن وائل عباس قال له "إننا لم نرتبط بالقواعد الحكومية، مثل الأحزاب السياسية. فنحن نستطيع استخدام لغة الحرية ونعرض صوتا بديلا، خصوصا للجيل الشاب" . ويضيف رايت "أن عباس وإخوته في إيران، لبنان، المغرب وفي أي مكان آخر سيجبرون الحكومات على الاستجابة لمطالبهم، حتى وهي تحاول إسكاتهم. وفي مصر حوكم شرطيان لضربهما لأحد المعتقلين بعصا المكنسة".


استحالة امتلاك الحقيقة المطلقة
يقول رايت "في البلدان التي حكمت لمدة طويلة من قبل الحزب الواحد أو العائلة الواحدة توصلت إلى الدرس الثاني: ليس هناك حقيقة وحيدة مطلقة، سواء في الأيديولوجيا أو الدين، وأن تحدي الوضع الراهن يأتي من جهات غير متوقعة".


ويضيف "لقد قام هادي خامنئي رجل الدين الشيعي بحملة في إيران ومن خلال صحيفته، ضد فكرة وجود زعيم أعلى يملك حق نقض التشريعات، وضد مراسيم الرئاسة والأحكام القضائية والمصادقة على تسمية المتقدمين للترشيحات لمراكز الدولة. يقول هادي: إن الشيء الأكثر أهمية الذي نبحث عنه اليوم في إيران هو حكم القانون، وذلك يعني أن لا أحد فوق القانون مهما كان موقعه".


يقول رايت "بسبب نشاطه، منع خامنئي من الحصول على وظيفة، وأغلقت صحيفته، كما أدخل المستشفى بعد أن هوجم من قبل الحراس الدينيين. يقول هادي: لسوء الحظ نحن الباقون، وهناك ما زال أناس في القمة لا يقبلون بالحقوق الاساسية". ويستدرك رايت أنه كان على "هادي خامنئي أن يدرك أن أخاه الأكبر سنا صادف أن كان زعيم إيران الأعلى، آية الله علي خامنئي".


أعداء الحرب البارده أصبحوا حلفاء
يقول رايت "في البلدان التي كان يوجد فيها نشطاء مؤيّدون للغرب كانوا الأكثر صراحة من غيرهم، وفيها استخلصت الدرس الثالث: أن أعداء الحرب الباردة الكبار السن أصبحوا حلفاء غير متوقّعين ومشاغبين شجعان من اجل التغيير".


ويضيف "قبل عقد من الزمن، عندما كان الشرق الأوسط ساحة المعركة بين المصالح الأمريكية والسوفيتية، شجع الغرب حركات إسلامية لإحباط تأثير موسكو. لكن مع تزايد تأثير الحركات الإسلامية، فإن المفارقة العجيبة هي أن من يتحمل الخطر الأكبر من بين العلمانيين في مواجهة الحكومات والحركات الاسلامية المتطرفه وينظم الاحتجاجات الصاخبة ويكتب الانتقادات اللاذعة هم الماركسيون الاصلاحيون.


إن رياض الترك هو نيلسون مانديلا سوريا. وقد سجن 18 عاما في زنزانة تحت الأرض بلا نوافذ على قياس طول جسمه فقط بدون أثاث أو مرحاض، وحتى يبقي على قواه العقلية قام باستعمال حبات الرزّ غير المطبوخة من شوربته المسائية لحفر التصاميم الهندسية على أرضية الزنزانة. يقول الترك: يجب ان تقبل الجحيم ثمنا لبقائك مخلصا لمعتقداتك. وبعد إطلاق سراحه في 1998، هاجم الترك عائلة الأسد في دمشق لاعتمادها على الإرهاب مطالبا بأن تتحول من الإستبداد إلى الديمقراطية."


يقول رايت "في 2001، جرى اعتقال الترك للمرة الرابعة واطلق سراحه في عام 2005م عندما بلغ الـ 75 من العمر، ولكن الماركسي الاصلاحي رفض أن يكون صامتا، حتى وهو يعترف بأنه ليس سوى نقطة البداية، لقد أخبرني الترك أن النظام (في سوريا) سينهار في النهاية لوحده، بسبب عزلته الداخلية والدولية، إن ذلك هو ما حدث في الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا، وهو ما سيحدث هنا."


الناس العاديون أصبحوا لاعبين ساسايين في عملية التغيير
يقول رايت "لفهم الاتجاهات السياسية، كنت في الماضي أتوجه إلى المثقفين، أما الآن فإني أنظر إلى الناس العاديين الذين تخلصوا من اللامبالاة واندفعوا نحو التغيير. إن الدرس الرابع المستخلص هو: تنبهوا إلى أمهات مشجعي كرة القدم. هكذا أصف غادة شاهبندر في مصر. أم متوسطة العمر لأربعة من المراهقين الرياضيين وكانت تمر بمرحلة الطلاق، ولم يسبق لها أن صوتت أو انضمت لأي حزب -- حتى مايو 2005، عندما استشاطت غضبا وهي تشاهد الصور المتلفزة لرجال الشرطة وهم يتفرجون على رجال مجرمين يضربون نساء كبيرات السن وشابات، في يوم الاستفتاء العام. وبعد إسبوع، أعلنت شاهبندر احتجاجها الأول. تقول شاهبندر: اتجهت نحوي امرأة مسنة وطلبت مني 100 جنيه مصري، ولما سألتها لماذا تريد النقود أخبرتني بأن ذلك هو ما تحتاجه لدفع الكفالة".


ويضيف رايت "أن شاهبندر لم تتردد، فقد شكلت مع اصدقائها منظمة "شايفينكو" لمراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2005. ودوّنت المجموعة أكثر من ألف انتهاك موثق بالفيديو لصور الشرطة وهي تطلق غاز مسيّل للدموع والذخيرة الحية ضد الناخبين. ففي الوقت الذي منع فيه المراقبون الدوليون من مراقبة الانتخابات قامت "شايفينكو" بالمهمة وأصبحت المصدر الرئيسي لأجهزة الإعلام والحكومات الأجنبية على حوادث التزوير في الانتخابات التي فاز فيها للمرة الثانية مبارك وحزبه الحاكم.


منذ ذلك الحين دعيت شاهبندر لمراقبة الإنتخابات في أماكن اخرى في المنطقة، ورفعت الدعوى ضد الحكومه (المصرية) بسبب عدم التزامها بالمعاهدة الدولية لمحاربة الفساد، وبدأت بتشكيل منظمه " “ Kid-mocracy لخلق المنافسة بين الشباب لتعلم الدستور وقامت في العام الماضي بإرسال الفائزين الى واشنطن ".


الاهتمام بالاسلاميين المعتدلين
يقول رايت "بينما هي حكمة تقليدية النظرالى الإسلام السياسي كجزء من المشكلة في الشرق الأوسط، الا ان ذلك قد يكون في الحقيقة جزءا من الحل. إن الدرس الخامس هو: الاهتمام بالإسلاميين المعتدلين؛ فالكثير منهم يريدون المساومة".


ويضيف "أن سعد الدين عثماني الطبيب النفساني الذي تحول الى السياسة يترأس اليوم حزب العدالة والتنمية في المغرب وهي الحركة التي تقارن بحركة الديمقراطيين المسيحيين في اوروبا. ومنذ أن بدأ بالتنافس في الإنتخابات البرلمانية في 1997، يتبنى الحزب تحديات الفقر والفساد والإصلاح الدستوري كأسباب أساسية لدوره. ولا يتحدث الحزب عن فرض الشريعة، أو القانون الإسلامي، أو إسقاط الحكومة. في الحقيقة، إن الصورة الوحيدة في مقرالحزب في الرباط هي صورة الملك محمد السادس. لقد قال لي عثماني: إن الاسلام ليس له شكل ثابت من الحكم. فالامر متروك للأجتهاد الإنساني. . إنّ إرادة الناس هي العامل الحاسم وأن نظرتنا أن نتقدم تدريجيا ونتجنب العجله والطرق المختصرة، التي هي أخطاء رئيسية ارتكبها من قبل العديد من اليساريين، والوطنيين والحركات الإسلامية."


ويضيف رايت " في الإنتخابات الخريف الماضي، من بين 33 حزبا ، أصبح حزب العداله والتنميه رسميا حزب المغرب الثاني الأكثر شعبية".


ويختتم رايت مقالته بالاشارة الى انه "ليس كلّ ممثلي الشرق الأوسط الجدّد سينجحون. فبالرغم من كل إشارات الوعد، الا أن المنطقة ما زالت مليئة بالظلال. إن الديمقراطية تعني الاختلافات التي حتما ستنفجر عندما يملك أطرافها حرية القول والمطالبه بالحقوق. إن فتح الآفاق الجديدة لا يضمن هوية من سيملؤها أو بماذا ستملىء ، وكلّ العوامل التي ستساهم في تغيير المنطقة ستجعلها عرضة للأضطراب ، ولكن بالرغم من ذلك فإن الذي وجدته أكثر إلهاما في سفراتي لم يكن أحلام العالم الخارجي بما يجب أن تكون عليه شعوب منطقه الشرق الأوسط بقدر ما كانت الأهداف النبيلة التي وضعوها لأنفسهم، وبدأوا – ولو بداية بسيطه – في تحقيقها".