ابو عمرو وحقوق الإنسان
ابو عمرو وحقوق الإنسان

في الخميس ٢٢ - فبراير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

من قريب
بقلم : سلامة احمد سلامة

 
أبو عمر وحقوق الإنسان
بينما كانت السلطات القضائية الايطالية تطلب تسليم‏29‏ امريكيا يعملون لحساب السي‏.‏اي‏.‏ايه‏(‏ المخابرات المركزية‏)‏ لمحاكمتهم بتهمة اختطاف وتعذيب أبوعمر المصري‏,‏ كانت أجهزة الأمن المصرية تقرر منعه من السفر أو الكلام‏.‏

ولاتوجد معلومات دقيقة عن المدة التي قضاها ابوعمر ـ وهو مصري يحمل الجنسية الايطالية كان يعمل اماما لمسجد في ميلانو ـ في يد المخابرات الأمريكية ولا عن كيفية تسليمه لمصر‏,‏ مثل هذه الوقائع لانعرفها إلا إذا كشفت عنها صحف أجنبية‏,‏ كما أنه لاتوجد مصادر موثقة للتأكد من صحتها‏..‏ حتي نواب مجلس الشعب عجزوا في طلبات الاحاطة التي تقدموا بها عن الحصول علي معلومات حول أعداد المعتقلين أو المسجونين بدون محاكمة‏.‏

ولهذا السبب لم يكن غريبا أن يطالب أبوعمر المصري بإعادة تسليمه إلي ايطاليا‏,‏ ليس فقط للمطالبة بالتعويض عما لقيه من الألم والضرر الذي أصابه‏,‏ ولكن أيضا لكي يستعيد آدميته وحريته في ظل الجنسية الايطالية‏,‏ بعد أن سلبتها منه السلطات المصرية التي لسوء حظه ولد علي أرضها ثم منعته من مغادرتها‏!‏

في هذا السياق كنت أتصفح التقرير السنوي الثالث عن حالة حقوق الانسان المصري الذي أصدره المجلس القومي‏,‏ ومن خلال صفحاته الاربعمائة أدركت من ناحية هول العبء الذي يتحمله المجلس‏,‏ ليسلط شعاعا رفيعا من الضوء علي غابة كثيفة من الظلام الذي يلف حياة الانسان المصري‏.‏ وأدركت من ناحية أخري عمق الهوة الفاصلة بين المبادئ والتشريعات التي تحميها‏,‏ وبين المعاناة اليومية للانسان المصري في تعامله مع السلطة ومدي التزامها بالقانون‏,‏ فما أيسر أن نرسي مبدأ المواطنة في الدستور‏,‏ وتصدر الدولة تشريعات تغطي أوجه القصور ثم لاتلبث السلطة أن تضرب بها عرض الحائط‏,‏ متذرعة بحالة عدم استقرار سياسي داخلي‏,‏ أو حالة الطواريء‏,‏ أو محاربة الارهاب أوغيرها من المبررات‏.‏

ينعكس ذلك بصورة واضحة في حجم الشكاوي التي تلقاها المجلس متعلقة بالحقوق المدنية والسياسية‏.‏ سواء فيما يتعلق بالحق في الحياة التي يتعرض فيها مواطنون محبوسون أو مسجونون أو محتجزون لانتهاكات صارخة‏,‏ وانتشار حالات التعذيب واساءة المعاملة داخل أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز‏.‏ وهو ما طفح علي صفحات الصحف خلال الأيام الأخيرة وحمل الجهات المسئولة علي التحقيق فيها‏,‏ كما ينعكس في حالات الاعتقال السياسي والجنائي فترات طويلة دون محاكمة‏,‏ أو الحرمان من المحاكمة العادلة بالإحالة إلي المحاكم العسكرية بدلا من المدنية‏.‏

ويكاد يكون هذا الجانب وحده من أشد فصول التقرير كآبة‏,‏ وذلك علي الرغم من اهتمام المجلس بمجالات أخري واسعة تتعلق بحقوق التعليم والصحة والعمل السياسي‏,‏ وإن كان من الملاحظ أن حملات الهجوم المتعمدة التي سبقت اذاعة التقرير‏,‏ والتلويح بإعادة تشكيله‏,‏ قد تركت أثرها علي درجة الاهتمام العام به‏.‏

ويكفي أن يتابع المرء مأساة أبوعمر المصري وأحواله‏,‏ ليدرك أننا في مصر بإزاء قضايا سياسية في المقام الأول‏.‏ وحيث لاتتوافر الإرادة السياسية في حماية حقوق الانسان فلن يستطيع أحد مساعدة أبوعمر غير وطنه الثاني‏,‏ ولن تضمن التشريعات غير القشرة الظاهرة منها‏