سلطان

في الخميس ٢٦ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 
يأتى فى النسق القرآنى بمعنيين : الحجة والبرهان ، والقوة و السيطرة والهيمنة . ونتوقف معهما بالتحليل و التمثيل .
 
أولا : سلطان بمعنى الحجة والبرهان : وتتنوع بمعنى الحجة والبرهان الى الآتى :
 
1 ـ  الحجة والبرهان بين المخلوقات ، فالنبى سليمان عليه السلام توعّد الهدهد فقال : ( لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) (النمل ) ( 21 )، أى يأتينى بدليل مبين واضح.
 
 2 ـ الحجة الالهية على البشر : فى موالاة بعض المؤمنين وقت الحرب للمعتدين المشركين الكافرين ضد أخوانهم المؤمنين المعتدى عليهم نزل هذا النهى الالهى :  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا) (  النساء 144   )، أى فإن ارتكبوا هذا الاثم وتحالفوا مع المعتدين فقد جعلوا حجة قوية واضحة لله جل وعلا عليهم .
 
3 ـ الوحى الالهى هو السلطان أى الحجة والبرهان للمؤمن ، ولذلك أمر الله جل وعلا رسوله الكريم عليه السلام أن يدعو قائلا :  ( وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا) ( الاسراء 80)، فالقرآن الكريم هو الحجة و السلطان المبين ، وقد جاءت الآية الكريمة فى سياق التهجد بالقرآن الكريم ووصفه بالحق الذى يزهق الباطل ، وأنه الشفاء والرحمة للمؤمنين وأنه لا يزيد الظالمين الا خسارا :(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا  وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا ) ( الاسراء 78 : 82 )
 
  4 / 1ـ محاولة المشركين اتخاذ حجة ( سلطان ) على وحى الله جل وعلا :
 
الظالمون الذين لا يزدادون بالقرآن إلا خسارا والذين يؤمنون بحديث آخر مع القرآن أو غير القرآن هم فى حالة تكذيب للقرآن الكريم (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ  ) ( البروج 19 ـ ) ، وقد تحداهم الله جل وعلا أن يأتوا بحديث مثله إن كانوا فى زعمهم صادقين ، وبعد عدة أسئلة مفحمة لهم سألهم جل وعلا على سبيل الاستنكار هل لهم سلم يصعدون عليه الى السماء ويأتون من خلاله بالوحى الالهى ؟ وان كان الحال هكذا فليأت مستمعهم بسلطان مبين ، أى وحى الاهى آخر غير القرآن الكريم : ( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لّا يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ )( الطور 34 : 38 ).
 
4 / 2 :ـ ومنهم من أدمن الجدال فى آيات الله وكتابه الكريم دفاعا عن أحاديث اللهو التى يؤمن بها ويعلو بها على القرآن الكريم ، أو بزعمهم ( تنسخ القرآن ) . ولقد اعتبرهم رب العزة أولياء للشياطين ، ونهى المؤمنين عن مجاراتهم فى الجدال فقال جل وعلا (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ  ) ( الأنعام 121 ).
 
 وفيما يخص مفهوم ( سلطان ) هنا ، يقول جل وعلا :( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) ( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (غافر 35 ، 56 ) ، أى ليس لديهم سلطان أو حجة الاهية ، أى هم يجادلون فى كتاب الله بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير متبعين أوامر الشيطان : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ )( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) ( الحج 3 ، 8)، ولذلك فهم فى استكبارهم وعتوهم يستحقون مقت الله جل وعلا ومقت المؤمنين .
 
 5 / 1 ـ ويأتى ( سلطان ) بمعنى حجة الله جل وعلا فى الشرع الالهى عموما ، وبالتالى ليس للمشركين سلطان فى تقولهم على الله جل وعلا بالوحى الكاذب بالوحى الذى يحرم ما أحل الله معتديا على حق الله جل وعلا فى التشريع و الحليل والتحريم وفى اتخاذهم آلهة ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان :( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ( الاعراف 33).
 
5 / 2 : ويأتى ( سلطان ) بمعنى حجة الله جل وعلا على المشركين فى موضوع الشرع الالهى فى العقيدة  خصوصا ، أى ( لااله الا الله ) أو فى تقديس الله جل وعلا  وحده ، حيث يعبدون أولياء وآلهة بدون برهان أو سلطان أو إذن من الله جل وعلا :( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ) ( الحج 71).
 
وتكرر هذا المعنى فى استنكار الأنبياء على قومهم الذين كانوا يخترعون أسماء لأشخاص ثم يقدسون تلك الأسماء التى ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، فالنبى هود عليه السلام  قال لقومه ( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) (الاعراف  71 ) وقالها يوسف للمصرين فى عهده :( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) ( يوسف 40)، وقالها جل وعلا عن قريش والعرب فى عهد خاتم المرسلين عليهم السلام :( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) ( النجم 23 ).
 
وفى أديان المسلمين الأرضية تتجذر تلك العادة السيئة ، فقد اخترعوا أسماء ، ثم قدسوها ـ وما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان ولم ترد فى القرآن ، ولكن ترتعش قلوبهم خوفا من التعرض لها بالنقد مثل أسماء أبى بكر وعمر وعلى وعثمان وأبى هريرة ومالك والبخارى و الشافعى وابن تيمية وابن عبد الوهاب ..الخ عند السنيين ، ومثل الغزالى و البدوى و الشاذلى والدسوقى و الجيلانى وأبى العباس المرسى عند الصوفية ، وعلى وبنيه عند الشيعة .
 
5 / 3 : وقديما قال الشباب المؤمن من اهل الكهف فى النقمة على قومهم :  ( هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)( الكهف 15).
 
 5 / 4 : وعموما يقول جل وعلا يخاطب كل المشركين وأصنافهم ويتحداهم بالاتيان بسلطان مبين ،اى حجة الاهية صادقة تثبت دعاويهم ، فيقول جل وعلا : ( أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ) ( الروم 35).
 
ويقول جل وعلا فيمن ينسب له جل وعلا الولد :( قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) ( يونس 68 )،أى الغنى الصمد المستغنى عن الخلق والذى يحتاج اليه الخلق مالك السماوات والأرض كيف يكون له ولد ؟ ومن يتقول على الله جل وعلا هذا الافك يهرف بما لا يعرف ، وليس له سلطان أو حجة ، ليس لديه سوى الأكاذيب والافتراءات التى لا تصمد أمام العقل والمنطق.
 
ومن هنا يقول جل وعلا ردا على إفكهم :  (أَلا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ( الصافات 151 : 157). أى يحكمون بالجهل والكذب ، ويتحداهم رب العزة أن يأتوا بسلطان أى كتاب سماوى يثبت ما يقولون ، إذ أن صاحب الحق الوحيد فى التكلم عن الله جل وعلا هو الله جل وعلا ، فهو وحده الذى يخبر عن نفسه ، ولا يصح ولا يجوز أن يتكلم عنه أحد من مخلوقاته ،إلا مستشهدا بكلام الله الحق عنه وهو الحق. أما أن تكذب على الله جل وعلا تنسب له وحيا كاذبا تفترى فيه أن له جل وعلا ولدا أو وليا او الاها شريكا فى الملك فهو العداء السافر له جل وعلا ، وهو جل وعلا سيؤاخذ من يفعل ذلك ويأخذه أخذ عزيز مقتدر.
 
والذى يسىء استخدام الحرية الممنوحة له من رب العزة فيختار الكفر والشرك والعصيان مستهترا بالله جل وعلا ، ودون خوف او وجل منه سيعانى الرعب خوفا من الناس ، فالقاعدة القرآنية :أنه من يخش الله جل وعلا لا يمكن أن يخاف من الناس ، حيث اعتصم بخالق السماوات والأرض ، وعند ما يتعرض لتهديد وينتابه الخوف فإنه سرعان ما يطمئن قلبه بذكر الله جل وعلا (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ   ) ( الرعد 28 )، أما من يتجرأ على الله ولا يتقى الله جل وعلا ولا يخشاه فإن الله جل وعلا يتركه للشيطان فيتولى الشيطان تخويفه وارهابه وبث الوساوس والهواجس والشكوك فى نفسه ، يقول جلا وعلا فى تلك القاعدة القرآنية : (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ( آل عمران 175 ). صلة هذا بمفهوم ( سلطان ) يتضح من قوله جل وعلا :( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) ( آل عمران 151 ) فلأنهم أشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانا فقد تركهم الله جل وعلا للشيطان فأوقع فى  أنفسهم الرعب .
 
6  / 1: ويأتى ( سلطان ) بمعنى حجة الله جل وعلا فى الشرع الالهى فى التعامل مع الناس ، مثل الاذن فى قتال الأعراب المنافقين المخادعين المعتدين : ( سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُواْ فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا )( النساء 91 ). فسلطان هنا بمعنى الاذن الشرعى فى قتالهم .
 
6 / 2 : ومنه الحق الشرعى لولى القتيل فى أخذ القصاص بدون زيادة أى بالعدل : ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)( الاسراء 33)، فالسلطان هنا هو الحق الشرعى فى القصاص .
 
7/ 1 ـ ويأتى القصاص بمعنى الآية أو المعجزة للرسول .
 
وهذه الآية لا تحدث إلا بإذن الاهى (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ )( الرعد 38  ).
 
وفى تاريخ الأنبياء جميعا تردد حوار موحد بينهم وبين أقوامهم برغم اختلاف الزمان والمكان والظروف والثقافة واللغة واللسان ، ومنه  :( قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّه ) ( ابراهيم 10 ، 11)،أى لا يمكن لرسول أن يأتى بآية أو ( سلطان ) إلا بإذن الله جل وعلا. فسلطان هنا يعنى الآية أو الاعجاز الالهى الذى يعطيه الله جل وعلا للرسول دليلا وبرهانا على صدقه.
 
7 / 2 :؛واشتهر موسى عليه السلام بالآيات الموصوفة بأنها سلطان مبين وواضح وظاهر مثل العصى واليد ، يقول جل وعلا :( وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا) ( النساء 153 ) ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) ( هود 96 ) ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) ( المؤمنون 45 ).
 
7 / 3 : وبدون هذا الاذن الالهى لا يستطيع اى رسول أن يأتى بآية أو سلطان (وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ) ، وبالتالى لا يستطيع الجن والانس تجاوز أقطار السماوات والأرض إلا بسلطان أو إذن الاهى ،أو آية الاهية :( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ  ) ( الرحمن 33 ).
 
 ثانيا : السلطان بمعنى القوة و الهيمنة :
 
وتتنوع بمعنى القوة و السيطرة والهيمنة الى الآتى :
 
1ـ تخويف وارهاب المعتدين ، فموسى وأخوه هارون أعلنا خوفهما من فرعون الباغى الطاغى : (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) ( طه 45 : 46)، أى جعل الله جل وعلا سلطانا لموسى وهارون عليهما السلام ، وهذا السلطان أخاف فرعون فلم يجرؤ على التعرض لهما برغم امتلاكه لكل أسباب القوة ، قال جل وعلا لموسى عليه السلام :( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) ( القصص 35). وهنا نتذكر كيف أن الله جل وعلا يلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بسبب أنهم أشركوا بالله جل وعلا ما لم ينزّل به سلطانا.
 
2 ـ سيطرة المستبد فى الدنيا :
 
وقد تكون السيطرة والهيمنة لكل مستبد فرعون فى الدنيا ، ولكنه يفقد جاهه ونفوذه وسيطرته ، ويبكى يوم القيامة حين يتلقى كتاب أعماله بشماله ، فينعى سلطانه الزائل :( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) ( الحاقة 25 : 31 )
 
3ـ سيطرة الشيطان على الكفار  أو سلطانه عليهم:
 
والله جل وعلا خلقنا أحرار المشيئة ، بحيث يختار معظم البشر الكفر واعلان الحرب على الله جل وعلا وموالاة الشيطان ضد رب العزة ، فيمتثلون لأوامرالشيطان وبمحض اختيارهم يعبدون الأنصاب التى هى من عمل الشيطان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ   )(المائدة 90) وينشرون الأحاديث الضالة التى أوحى بها الشيطان يزعمون أنها وحى الاهى كما يقولون عن ( السّنة ) : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) ( الأنعام 112 : 114 ). فعلوا ويفعلون ذلك بمحض إختيارهم وخالص مشيئتهم ؛ لم يرغمهم الشيطان على شىء ، ولم يكن له سلطان (أو سيطرة أو هيمنة أو نفوذ ) عليهم ، هم الذين اختاروا الخضوع والطاعة ، لذا سيقول لهم الشيطان يوم القيامة :( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) ( ابراهيم 22 ).
 
ومن هنا أكّد رب العزة لابليس من البداية :( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) ( الحجر 42 ). ومن هنا أيضا أكّد رب العزة أن من يختار الايمان الحق لا يمكن أن تكون للشيطان عليه سيطرة ،أما من يختار الكفر فهو الذى يجعل نفسه تحت سيطرة وسلطان الشيطان : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) ( النحل 99 : 100)، وكمثال لهذا قال جل وعلا عن قوم سبأ :( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ) ( سبأ 20 : 21).
 
4 ـ سيطرة المتكبرين على أتباعهم :
 
ويوم القيامة سيلوم المستضعفون من الأتباع الكبار الذين أضلوهم فى الدنيا ، وقد تكرر ما سيدور بينهم من حديث اللوم واللعن.
 
4 / 1 : إقرأ قوله جل وعلا : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( سبأ 31 : 33 ) هنا كلام عمّن يكفر بالقرآن وما سيحدث لهم يوم القيامة وهم فى النار يتلاومون ،أى هو إخبار بالمستقبل عمّن يكذب بالقرآن . ولا يزال التكذيب بالقرآن أساس الديانات الأرضية للمسلمين من سنة وشيعة وتصوف . وهذا هو المصير الذى ينتظرهم يوم القيامة .
 
4 / 2 : ويقول جل وعلا :(  وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ) ( غافر 47 : 48 )أى يتنصل المستكبرون والقادة من المسئولية. وبالتالى لا يجد المستضعفون من الأتباع وهم فى حمأة العذاب سوى الدعاء على قادتهم وشيوخهم باللعن وعظيم العذاب : (  يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا )(الأحزاب  66 : 68).
 
4 / 3 ـ وأصحاب الديانات الأرضية من ( المسلمين ) يختلفون تقريبا فى كل شىء ، ولكن يتفقون فى شىء واحد ،أنهم جميعا ( محمديون ) يستكبرون على قول (لا اله إلا الله ) فقط .أى لا بد أن يضعوا اسم محمد الى جانب ( لا اله إلا الله ) فيقولون ( لا اله إلا الله محمد رسول الله ) أى يفرقون بين الله ورسله ويجعلون محمدا بدعا بين الرسل متميزا عليهم ، فهو عندهم سيد المرسلين وأشرف المرسلين ..الخ ، لذا يرفعونه الى جانب الله جل وعلا فى الشهادة والأذان ويقرنونه بالله جل وعلا فى الصلاة و فى الحج وفى التوسل والدعاء ( لآجل النبى ) ( بجاه النبى ) ( الفاتحة ليست لله ولكن الفاتحة للنيى ) و( الشفاعة ليست لله ولكن للنبى )..الخ .
 
هؤلاء المحمديون إذا قيل لهم ( لا اله إلا الله ) فقط يستكبرون . ويوم القيامة سيدور بينهم الحوار التالى الذى حكاه رب العزة مقدما :( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ )، أى يقول يقول المتكبرون لأتباعهم إنه لم يكن لهم على أؤلئك الأتباع سلطان ونفوذ ، لأن أولئك الأتباع كانوا ضالين طاغين فى عقيدتهم لذا اشتركوا مع بعضهم فى الضلال والغواية. لذا يقول جل وعلا عن مصيرهم : (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) ويصفهم جميعا بالاجرام : ( إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ). ثم يبين جل وعلا أساس الاجرام فيقول عنهم : (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) ( الصافات 27 : 35 ). أى اجتمعوا ـ برغم كل الفوارق الاجتماعية والثقافية ـ على أساس الكفر والطغيان ، وهو إنهم كانوا إذا قيل لهم ـ فى الدنيا ـ لا اله إلا الله يستكبرون ، إذ لا بد أن يضيفوا إسم مخلوق الى جانب الله عز جلاله .
 
أخيرا :
 
من قال إن القرآن الكريم يتحدث فقط عن المشركين السابقين ؟ إن القرآن لم يقل كفار قريش أو مشركى مكة ، ولكن جعل الوصف عاما لينطبق على كل كافر ومشرك بعد نزول القرآن الكريم .ومن إعجاز القرىن أن ينطبق كل حديث القرآن عن الكفار والمشركين على ( المحمديين ) الذين (إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )
 
ودائما .. صدق الله العظيم ..برغم أنف المحمديين .!!