22-إذا لم تستحى فاصنع ما تشاء

في الخميس ١١ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كان الفيلسوف المعتزلى أبن الوليد ضمن من توفى سنة 478، وجاء فى تاريخ المنتظم لابن الجوزى عنه ما يلى :

( محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد أبو علي المعتزلي )

(من الدعاة كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفلسفة و المنطق فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسيـن سنـة لا يتجاسـر أن يظهـر، ولـم يكـن عنـده مـن الحديـث إلا حديث واحد لم يرو غيره ، سمعه من شيخه أبي الحسين البصري ولم يرو أبو الحسين غيره‏.‏ وهو قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ إذا لم تستحي فاصنع ماشئت ‏"‏ فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة‏ ، عارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا‏.‏

ولهذا الحديث قصة عجيبة‏:‏ وهو أنه رواه القعنبي عن شعبة ولم يسمع مـن شعبـة غيره ، وفى سبب ذلك قولان :

أحدهما : أن القعنبى قدم البصرة  ليسمع من شعبة ويكثر ، فصادف مجلسه وقد انقضى فمضى إلى منزله فوجد الباب مفتوحـًا وشعبـة علـى البالوعـة ( أى يقضى حاجته فى دورة المياه ) فهجـم فدخـل من غير استئذان وقال‏:‏ غريب قصدت من بلد بعيد لتحدثني، فاستعظم شعبة ذلـك وقال‏:‏ دخلت منزلي بغير إذني وتكلمني وأنا على مثل هذه الحال؟ أكتب‏:‏ حدثنا منصور عن ربعي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إذا لم تستحي فاصنع ماشئت ‏"‏ ثم قال‏:‏ والله لاحدثتك غيره ولا حدثت قومًا أنت معهم‏.‏

والثاني‏:‏ أنبأنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أنبأنا الحسن بن محمد البناء قال‏:‏ أخبرنا هلال بن محمد بن جعفـر قـال‏:‏ حدثنـا أحمـد بـن الصبـاح قـال‏:‏ حدثنـا إبراهيـم بـن عبـد اللـه الكشـي قـال‏:‏ حدثني بعض القضاة عن بعض ولد القعنبي قال‏:‏ كان أبي يشرب النبيـذ ويصحـب الأحـداث ( أى يدمن الشذوذ الجنسى مع الطفال ) فقعـد يومـًا ينتظرهم على الباب فمر شعبة والناس خلفه يهرعون فقال‏:‏ من هذا ؟ قيل : شعبة‏.‏ قال‏:‏ وأي شعبة ؟ قيل‏:‏ محدث‏.‏ فقام إليه وعليـه إزار أحمـر فقـال لـه‏:‏ حدثنـي‏.‏ قـال لـه‏:‏ مـا أنـت مـن أصحاب الحديث،  فشهر سكينه فقال‏:‏ أتحدثني أو أجرحك‏.‏ فقال له‏:‏ حدثنـا منصـور عـن ربعي عن ابن مسعـود قـال‏:‏ قـال رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم ‏"‏ إذا لـم تستحـي فاصنع ماشئت ‏"‏ فرمى سكينه ورجع إلى منزله فأهراق ما عنده ومضى إلى المدينة فلزم مالك بن أنس ثم رجع إلى البصرة وقد مات شعبة فما سمع منه غير هذا الحديث‏.‏

وقال شيخنا ابن ناصر‏:‏ كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال لاتحل الرواية عنه‏ )

التعليق

المفروض منهجيا أن يتحدث المؤرخ ابن الجوزى عن الشخصية التى يؤرخ لها وهى ( ابن الوليد المعتزلى ) الذى توفى فى تلك السنة 478

أهم ما جاء به ابن الجوزى عن ابن الوليد المعتزلى هو قوله عنه (من الدعاة كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفلسفة و المنطق فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسيـن سنـة لا يتجاسـر أن يظهـر، ولـم يكـن عنـده مـن الحديـث إلا حديث واحد لم يرو غيره ، سمعه من شيخه أبي الحسين البصري ولم يرو أبو الحسين غيره‏.‏ وهو قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ إذا لم تستحي فاصنع ماشئت ‏"‏ فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة‏ ، عارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا) و (وقال شيخنا ابن ناصر‏:‏ كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال لاتحل الرواية عنه‏ )

ومعظم ما ذكره ابن الجوزى فى تأريخه لابن الوليد المعتزلى هو روايته لحديث ( إذا لم تستحى فاصنع ما تشاء ) و استخدم ابن الجوزى هذا الحديث ليطعن فى ابن الوليد وشيخه أبى الحسين البصرى قائلا عنهما (فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة‏ ، عارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا‏.‏) وبعدها جاء بروايتين عن شعبة وهو من رواة الحديث فى العصر الأموى وهو أول من أعلن هذا الحديث زاعما أنه سمعه من فلان الذى سمعه من فلان الى أن تنتهى العنعنة المضحكة الى النبى محمد عليه السلام . والواضح أن شعبة هذا فى ظروف إذاعته لهذا الحديث لأول مرة قد اخترعه وارتجله لمناسبة الوقت ، فالذين اسند لهم أنهم رووا الحديث عبر أزمنة مختلفة قد ماتوا ولا يستطيع أحدهم أن يخرج من قبره ليكذب شعبة. وبهذا الكذب على النبى محمد عليه السلام اشتهر رواة الأحاديث و صارت لهم سلطة فى الشارع العباسى ومجالس العلم. وقد وقف المفكرون العقليون من المعتزلة فى وجه رواة الحديث وسموهم ( الحشوية ) أى الذين يحشون رءوسهم بروايات كاذبة عن الرسول عليه السلام. فاستخدم أهل الحديث نفوذهم ضد معارضيهم المعتزلة فأرهبوهم و استأصلوا فكرهم من الساحة لينفرد بها أهل السنة فيما بعد ـ ولا يزالون.

وهذا الحديث لا يقوله عاقل فكيف بالنبى محمد عليه السلام . فما معنى ( إذا لم تستحى فاصنع ما تشاء )؟ المعنى الواضح أنه تشجيع لكل جرىء على المعصية بأن يفعل ما يشاء طالما لا يستحى. وعليه فالتى تحترف البغاء ـ ولا تستحى ـ يمكن أن تجد فى هذا القول رخصة لها لكى تفعل ما تشاء, و الطاغى والسارق والمفسد والجاحد .. كل أولئك لهم أن يصنعوا ما يشاءون طالما لا يستحيون. هل يمكن أن تكون هذه نصيحة أخلاقية أو تربوية ناهيك عن دين الله تعالى ؟ هل تستطيع أن تقول لابنك وأنت تعظه (إذا لم تستحى فاصنع ما تشاء) أم أن تبصّره بعواقب ما يفعل من سوء و تعظه بالتزام الحقوق ؟

ونعود الى ابن الجوزى و السنيين فى القرن الخامس الهجرى ..

كان من ضحية السنيين وقتها هذا الرجل ( ابن الوليد المعتزلى ) المتوفى سنة  478. وبعد موته لم يرحمه الفقيه الحنبلى ابن الجوزى فتجاهل محنته ولم يعرض لها إلا فى كلمات معدودة قال فيها عنه ( كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفلسفة و المنطق فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسيـن سنـة لا يتجاسـر أن يظهـر،) وتخيل نفسك محبوسا فى بيتك خمسين عاما تخاف الخروج من عتبة دارك. وهذا ما فعله أهل السنة بأحد كبار الدعاة العقليين المشهورين ، فكيف بالطلبة و العلماء غير المشهورين ؟

لقد جعل ابن الجوزى من سيئات (ابن الوليد المعتزلى ) أنه لم يرو إلا حديثا واحدا ، واستخدم هذا الحديث ضده فاتهمه بعدم الحياء, ثم أورد كلمة للشيخ السنى ابن ناصر تقول (كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال لاتحل الرواية عنه‏ ) أى أنه محروم من العدالة و خارج عن الدين السنى.

وهذا ما يفعله السنيون منذ القرن الثالث الهجرى وحتى الآن : انهم يستخفون خلف روايات كاذبة ينسبونها زورا للنبى محمد ويعبرون بها عما يريدون فاذا ناقشهم أحد اضطهدوه فى حياته وشوهوا سيرته فى حياته وبعد مماته.

والتاريخ يعيد نفسه ..