الأمويون ودولتهم فى لمحة عامة

في الإثنين ٣١ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

عارض الأمويون الدعوة الإسلامية في مكة حرصاً على مصالحهم التجارية ، إذ كانوا القائمين على رحلتي الشتاء والصيف والمستفيدين من وضع قريش المتميز في الجزيرة العربية وبين القبائل العربية ، لذلك قال الله تعالى يخاطب المعارضة القرشية (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) الواقعة: 82 ـ وفى هذا تأكيد على الدافع الاقتصادي في تكذيب الوحي .

وكانت القبائل العربية تعبد الأصنام وكل منها يحتفظ بصنم حول الكعبة ، وتقوم قريش على رعاية الكعبة وما حولها من أصنام ، ودعوة الإسلام لنبذ الأصنام معناها الدخول في حرب ضد قبائل العرب كلها ، ومعناه أيضاً أن تتأثر تجارة قريش التي تعتمد على تأمين القبائل العربية للطرق التجارية ، وقد أعلنت قريش ذلك السبب في تعليل رفضهم للحق (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) القصص : 57.

إذن يعرفون أن الإسلام هدى، ولكنهم يخشون من هذا الهدى على مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية.

ولذلك حاربوا الرسول (عليه السلام) بكل ما استطاعوا، وكان الرسول يحزن فنزل عليه قوله تعالى (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ) الأنعام: 33. أى أنهم في الحقيقة يعلمون أنه نبي الله ولكن يجحدون هذا الحق حرصاً منهم على مصالحهم التجارية .. وهكذا كان الأمويون في عهدهم الجاهلي.

ثم أحسّ الأمويون بأن مصلحتهم أصبحت تحتم عليهم الدخول في الإسلام بعد أن تغير الوضع في الجزيرة العربية لصالح الإسلام وبعد أن أصبح المستقبل في صالح المسلمين. ومن هنا دخلوا في الإسلام بعد تاريخ طويل من حرب الإسلام والمسلمين...

ولكنهم حرصوا على أن يكونوا في الصدارة كما تعودوا لتستمر مكانتهم في الوضع الجديد، ووجدوا أمامهم الطريق ممهداً ليحتلوا الصف الأول في حروب الردة وفى الفتوحات  فقد كانت لهم خبرتهم بالشام وطرق القوافل ، وكانت لهم علاقاتهم التجارية بقبائل كلب التي كانت تسيطر على الطرق التجارية ، وكانت تملك غوطة دمشق وأهم المدن الإستراتيجية في جنوب الشام ، وهذا بالإضافة إلى مهارة الأمويين الحربية مما ساعد على نجاح الفتوحات في الشام ، وأدى لتولي الأمويين إدارة الشام ومصر لصالح دولة الخلفاء ، وفى نهاية عصر عمر كانمعاوية يحكم الشام ، متحالفا مع  عمرو بن العاص الذى كان يحكم مصر ، ثم استخدموا كل الأدوات والوسائل حتى وصل معاوية للخلافة ، وتحولت الخلافة على يديه إلى حكم وراثي أنهى ما عرفه المسلمون من الشورى والديمقراطية .

وكان تولي يزيد بن معاوية الحكم بالوراثة سابقة خطيرة في تاريخ المسلمين ، ولم تمر بسهولة ، إذ ترتب عليها أحداث خطيرة لا تزال تؤرق الضمير المسلم حتى الآن ، فقد حكم يزيد ثلاث سنوات ، في الأولى كان قتل الحسين وآله في "كربلاء" وفي الثانية كان اقتحام المدينة وقتل أهلها ، وفى الثالثة انتهاك البيت الحرام وضرب الكعبة بالمنجنيق . وأدت هذه الكوارث الثلاث إلى اعتزال الخليفة الثالث معاوية بن يزيد بن معاوية وإلى انتقال الخلافة الأموية إلى الفرع المرواني في البيت الأموي .

مؤتمر الجابية

في ذلك الوقت كان عبد الله بن الزبير قد أعلن نفسه خليفة في مكة وانضم إليه العراق ومصر ومعظم الشام ، وذلك بتحالف قبائل قيس معه لحقدها على قبائل "كلب" المتحالفة مع الأمويين ، وبدا أن الأمور قد دانت لابن الزبير ، ولكن الأمويين عقدوا مؤتمر الجابية سنة 64هـ وفيه اتفقوا على اتحاد كلمتهم وان يتولى الخلافة مروان بن الحكم ثم يتولاها بعده خالد بن يزيد بن معاوية ، ثم عمرو بن سعيد بن العاص ، وكذلك أرضى ذلك المؤتمر كل المتطلعين للخلافة ، ولكنه سنّ سنة سيئة ، وهى العهد لأكثر من واحد بالخلافة ، وكان لهذا أكبر الأثر في حدوث انشقاقات في البيت الأموي الحاكم .

ذلك أن مروان بن الحكم بعد أن تولى الخلافة تحلل من قرارات مؤتمر "الجابية" ومات سنة 65هـ بعد أن عهد بالخلافة لابنيه عبد الملك بن مروان ثم عبد العزيز بن مروان .

وتولى عبد الملك بن مروان (65ـ 86هـ) فتخوف من أطماع عمرو بن سعيد ابن العاص الذي ثار على عبد الملك ثم رجع إليه وفقاً لقرارات مؤتمر "الجابية" وبعد ان أعطاه عبد الملك الأمان والعهود والمواثيق غدر به وقتله . ثم عزم عبد الملك على خلع أخيه عبد العزيز وتولية ابنه الوليد بن عبد الملك. وحاول استرضاء أخيه عبد العزيز ليتنازل عن ولاية العهد فلم يقبل ، وتدخل القضاء والقدر فمات عبد العزيز وصفا الجو لعبد الملك فعهد بالخلافة من بعده لولديه الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك.

وتولى الوليد بن عبد الملك (86 ـ 96هـ) وكان عصره عصر توطيد ورخاء وفتوحات وصلت إلى مشارف الهند والصين شرقاً وإلى حدود فرنسا غرباً ، وعزم الوليد قبيل موته على خلع أخيه سليمان وتولية ابنه عبد العزيز بن الوليد  ، واستشار كبار الدولة فوافقه الحجاج ومحمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم ، وعارضه ابن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان الذي قال له: إن لك ولأخيك سليمان بيعة واحدة في أعناقنا فإما تبقى وإما أن تسقط ولكنها لا تتجزأ. وغضب الخليفة الوليد على ابن عمه عمر بن عبد العزيز فعزله عن ولاية المدينة، ثم مات قبل أن يتم له عزل أخيه سليمان عن ولاية العهد.

وتولى سليمان بن عبد الملك (96 ـ 99هـ)فحفظ الجميل لابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله كالوزير ، وجعله فيما بعد خليفة من بعده ، وفي نفس الوقت انتقم من قادة الفتوح الذين أيدوا الوليد بن عبد الملك حين أراد عزله عن ولاية العهد. ومن حسن حظ الحجاج أنه مات قبل تولي سليمان الخلافة ، ولكن سليمان انتقم من آل الحجاج وبقية القادة مثل محمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم وعبد العزيز بن موسى بن نصير.

وكان سليمان يريد أن يعهد بعده لابنه أيوب بدلاً من أخيه يزيد بن عبد الملك ، ولكن مات ابنه أيوب ، وفي النهاية استخلف عمر بن عبد العزيز على أن يكون بعده يزيد بن عبد الملك حتى لا ينقطع الحكم في نسل عبد الملك بن مروان.

الخليفة العادل

وتولى عمر بن عبد العزيز الذي أرجع العدل والأمن ، وقد ناقشه الخوارج في مسئوليته عن تولية العهد من بعده ليزيد بن عبد الملك ، وتأثر عمر بأقوالهم ، وخاف بنو أمية أن تصل إصلاحات عمر بن عبد العزيز إلى ولاية العهد فبادروا بقتله بالسم فمات في 25رجب 101هـ .

وتولى يزيد بن عبد الملك (101 ـ 105) المشهور بالمجون. وكان قد جعل ولاية العهد لأخيه هشام ، ثم بدا له أن يعزل أخاه ليولي ابنه الوليد بن يزيد ، وأرسل لهشام مبعوثاً يحسن له خلع نفسه من ولاية العهد في نظير أن تكون له ولاية الجزيرة ملكاً خاصاً له ، وكان ذلك المبعوث خالد القسري ، واستجاب هشام ، ولكن خالد القسري نصحه بالرفض ورجع إلى الخليفة يخبره بتصميم هشام على الرفض وتمسكه بولاية العهد. ونصح خالد القسرى الخليفة بأن يظل هشام والياً على أن يتولى بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك. ووافق الخليفة. وتولى هشام بن عبد الملك (105 ـ125هـ) فكافأ خالداً القسري بأن ولاَّه العراق والشرق ، وتولى بعده ابن أخيه الوليد بن يزيد ، وكان هشام كالعادة قد حاول عزله عن ولاية العهد وتولية ابنه مسلمه بن هشام ، ولكن عارضه كبار الأمويين ، فصب هشام سخطه على الوليد بن يزيد مما ملأه حقداً على هشام وأسرته.

وحين تولى الوليد بن يزيد الخلافة(125ـ 126هـ) انتقم من أولاد عمه هشام وممن مالأ هشاماً في محاولة عزله عن ولاية العهد ، وأشتهر الوليد بالمجون مما أثار عليه الكثيرين فتجمعوا تحت قيادة يزيد بن الوليد بن عبد الملك المعروف بيزيد الناقص ، الذي نجح في ثورته وقتل الخليفة الوليد بن يزيد سنة 126هـ وتولى مكانه الخلافة وظلّ فيها خمسة أشهر، وكان صالحاً تقياً إلا أن الدولة الأموية دخلت في دور الانهيار السريع بسبب صراع القبائل وانشقاق البيت الأموي وتكاثر خصومها من الشيعة والخوارج والموالي .

ولذلك جاء مروان بن محمد بن مروان ثائراً بحجة الحرص على أبناء الوليد المقتول، واستطاع أن يتولى الخلافة . ومروان بن محمد هو آخر خلفاء بني أمية (127 ـ 132هـ) وكان صاحب دهاء ومكر وفروسية ، ولكنه جاء في أواخر الدولة المنهارة المنقسمة على نفسها ، فانغمس في حرب القبائل الثائرة عليه في الشام ، وفى حرب الشيعة في العراق ، والخوارج بين العراق والحجاز واليمن ، وانشغل عن الخطر القادم إليه عبر خراسان حيث ظهر أبو مسلم الخراساني بالدعوة لبني العباس . وبعد أن انتصر مروان بن محمد على خصومه في العراق والشام والجزيرة العربية فوجئ بالمارد الآتي من الشرق الأوسط يحمل اللواء الأسود ، وقد استولى على خراسان ثم استولى على العراق . وبويع أول خليفة عباسي وهو عبد الله السفاح في الكوفة في ربيع الأول 132هـ . وأرسل الخليفة الجديد جيشاً هزم مروان في موقعة "الزاب" في 11 جمادي الآخرة سنة132هـ ،فهرب مروان إلى مصر ، وقتله العباسيون فيها في آخر ذي الحجة 132هـ ..

وبدأ حكم جديد هو الخلافة العباسية. إلا أنه استعمل نفس طريقة العهد لأكثر من واحد وعزل الأخ لصالح الابن.

ولله تعالى الملك من قبل ومن بعد.