21-عيب عليك يا سيدنا الشيخ

في الإثنين ٠٨ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 ( وفيات 83 )

عبد الرحمن بن حجيرة أبو عبد الله الخولاني‏:‏ روى عن ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما‏.‏ وكان عبد الرحمن قد اجتمع له القضاء بمصر والقصص وبيت المال‏.‏ وكان يأخذ رزقه في القضاء مائتي دينار وفي بيت المال مائتي دينار وعطاؤه مائتا دينار وجائزته مائتا دينار، فكان يأخذ فى السنة ألف دينار. فلا يحول الحول وعنده ما يجب فيه الزكاة.  توفي في محرم هذه السنة‏.‏ )

التعليق

عمل هذا الرجل فى أكثر من وظيفى خادما للدولة الأموية بمصر. كان القاضى و كان وزير المالية او القائم على بيت المال ، كما كان المسئول عن القصص. أى تولى بمفهوم عصرنا ثلاث وزارات : المالية و العدل و الاعلام. أى أن وظيفة القصص كان مهمة رسمية بالغة الأهمية والخطورة.

وقد قلت فى كتاب ( حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين عن وظيفة القصص فى العصر الأموى : ( وقام الملك العضود الأموي فتحول القصص إلى عمل رسمي يخدم الدولة وينشر الدعاية لها ويهاجم أعداءها وكان منصب القصص يكافيء منصب القضاء وقد يقوم بالوظيفتين رجل واحد . ويقال أن أول من قص بمصر سليمان بن عنتر التجيبي وجمع له القضاء والقصص وكان يمارس عمله في المسجد العتيق في الفسطاط . وفي خلافة عبد الملك بن مروان كان واليه على مصر اخوة عبد العزيز . وكان يلي القضاء والقصص في ذلك الوقت عقبة بن مسلم وفي العصر العباسي تولي القصص العلاء من عاصم الخولاني 182 هجرية وفي خلافة المأمون كان مرتب أبي رجب العلاء عشرة دنانير على القصص . وقد صلى خلفه الإمام الشافعي حين جاء إلى مصر ". وهكذا ظل منصب القصص من المناصب الدينية الرسمية منذ أن أحدثه معاوية .

  وكان القصاص يجلس بالمسجد وحوله الناس فيستحوذ على ألبابهم بالحكايات والأقاصيص والأساطير، وفي أثناء ذلك يقوم بالدعاية لأولي الأمر وانتقاص أعدائهم، ولأن الناس مشغوفون دائماً بالقصص العجيب والغريب فقد دخل في القصص كثير من الأساطير والخرافات القديمة . وكان منبع الأساطير اثنين من أهل الكتاب اليهود ، أسلما وتأثرا بهما كثير من المثقفين المسلمين الأوائل وهما وهب بن منبه  وكعب الأحبار . وكلما ازدادت جرعة التشويق لدى القاص كلما ازداد المعجبون به وازدادوا تأثراً به وإيماناً بما يقوله وبما يدعوا إليه ، وبالتالي ازداد رضى أولي الأمر عنه.

  ومن هنا ارتبطت الناحيتان  معاً ، الخرافات الدينية والدعوة السياسية ، والخرافات الدينية التي بثها القصاص في العهد الأموي تناقلها الرواة خصوصاً وأن القصاص كانوا من الصحابة والتابعين الذين عملوا في خدمة الدولة الأموية وأبرزهم  أبوهريرة أشهر رواة الأحاديث وأبرز أعوان الأمويين في عصره، وكان مجلس أبي هريرة في القصص مقصوداً، ويروي ثابت بن الأحنف أنه قيل له : أين سمعت من أبي هريرة قال : كان موالي يبعثونني يوم الجمعة آخذ مكاناً فكان أبو هريرة يجيء ليحدث الناس قبل الصلاة . ومن تلامذة أبي هريرة في القصص وفي الحديث كان سليمان أبا عبد الله، قال عنه ابن سعد : كان قاصاً وروى عن أبي سعيد ألخدري  وأبي هريرة .

وكانت لأبي هريرة صحبة بكعب الأحبار ونقل عنه الكثير من الإسرائيليات وقد حققها الشيخ محمود أبو رية في كتابيه " أضواء على السنة المحمدية" ،" شيخ المضيرة". واستمرت وظيفة القصص في بث الخرافات في العصر العباسي وإن كان العصر قد تسامح في تدوين الروايات التي توارثها عن العصر الأموي إلا أن الخرافات التي اخترعها القصاص في العصر العباسي لم تحظ بالقبول ، وكان يتندر عليها الحاضرون أحيانا، فيذكر ابن الجوزي أن أحد القصاص قال : إن مات العبد وهو سكران دفن وهو سكران وحشر وهو سكران فقال رجل في طرف الحلقة هذا والله نبيذ جيد..!!

  وروى ابن الجوزي أن بعض القصاص قال في السماء ملك يقول كل يوم ابنوا للموت وابنوا للخراب ، فقال بعض الحاضرين : اسم ذلك الملك أبو العتاهية . )

ونضيف هنا : أن القصاصين كانوا هم أوائل رواة الحاديث وأول من قام بنشرها شفهيا ÷ ثم أتيح لها فيما بعد أن تكتب وتدون فى الكتب بعد أن صنعوا لها إسنادا أى زعموا أنه رواها فلان عن فلان بعد أن مات هذا الفلان و هلك ذلك الفلان .. أى تحولت خرافات القصاصين الى احاديث نبوية مقدسة لا تزال تحظى بالتقديس حتى الان وتقوم عليها دول ومؤسسات و جماهير .. ورزق الهبل على المجانين.

يبقى أن تنوقف مع الأخ عبد الرحمن بن حجيرة أبو عبد الله الخولاني‏:‏ ، فيزعمون أو زعم هو أنه روى  عن ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما‏.‏,وربما كان تلميذا لأبى هريرة بحكم الانتماء للدولة الأموية وخدمتها ، ولأن من الممكن أن يكون قد أدرك أباهريرة. ولذلك حظى بالقبول لدى الأمويين فاجتمع له القضاء بمصر والقصص وبيت المال‏.‏ وكان يأخذ فى السنة ألف دينار. وهو مبلغ ضخم  فى ذلك الوقت. وكان منتظرا منه أن يعطى الفقراء حقوقهم ، ولكنه كان لا يفعل. إذ كان يتحايل بالتصرف فى مرتبه السنوى حتى إذا جاء الحول ـ أى العام ـ لم يكن معه شىء فتسقط عنه الزكاة بزعمهم ، فقد زعموا أن الزكاة فقط عند كل حول ، وتناسوا قوله تعالى ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ( البقرة 274 )

هذا القاضى القاص الخازن كان  (لا يحول الحول وعنده ما يجب فيه الزكاة ) وحسنا فعل ، فان الله تعالى لا يقبل إلا الطيب من الكسب ( البقرة 267 ) ، وقد كان هذا خادما للظالمين ، فلا ننتظر منه عدلا ولا رأفة بالفقراء.