ßÊÇÈ كتاب ( التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية
ج1 ب2 ف 4 أنواع الأولياء الصوفية ومهامهم وكراماتهم

في السبت ٢٧ - أبريل - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

          

 الفصل الرابع :أنواع الأولياء الصوفية ومهامهم وكراماتهم

أنواع الأولياء الصوفية : القطب والخضر

مدخل

·      فى مواجهة التحكم السياسى الاستبدادى جعل الصوفية لأنفسهم مملكة وهمية وزعوا فيها الوظائف بين الأولياء ، من الأقطاب إلى الأبدال والنقباء والنجباء..الخ  ، واختلفوا في التوزيع وفي الألقاب في تلك المملكة الوهمية .كما جعلوا للأولياء وظائف ومهاماً ، كأن يقوم أحدهم بتحمل المصائب عن الآخرين ، أو " الحملات " أو كأن يشمل الآخرين ببركته بالنظرة وبالبركة .. وينبع ذلك كله من اعتقاد العصر في كرامات الأولياء وقدرتهم – المزعومة – على  التصريف في الكون وفي الناس .

·    وهو موضوع طويل ، ذلك الذي يتحدث عن أنواع الأولياء الصوفية ومهامهم وكراماتهم ، ونحاول في هذا الفصل اختصاره ، لتأكيد ما ساد في العصر المملوكي من تقديس للولي الصوفي والاعتقاد في مؤهلاته الإلهية التي يتفوق بها على النبي ، والتي لم يعرفها المسلمون في عصر النبي .

  أنواع الأولياء الصوفية ودرجاتهم : القطب والخضر

 بين القطب وأعوانه :    

      القطب عند صوفية العصر المملوكي هو الذي عليه مدار الكون ولأجله وُجد الكون وعليه مدار كونية الدارين ، ولكل عصر قطب ، وقطب الأقطاب هو الذي لم يكن قبله ولا بعده مثله ، والأوتاد أربعة على أربع جهات العالم ، والأبدال سبعة على حكم أيام الأسبوع ، وللقطب رجلان عن يمين وشمال [1]، ثم هناك ( أبدال ) .وأنكر ابن الحاج مغالاة الناس في قولهم هذا قطب وهذا "بدل" لأنه يرى أن القطب واحد وقلّ من يعرفه [2]، وكان هناك دعاء مخصوص للأبدال [3] ، وجعلوا الإمام الشافعي أحد الأوتاد الأربعة [4] ، ونسب إلى على بن أبي طالب قوله " البدلاء بالشام ، والنجباء بمصر ، والعصائب بالعراق ، والنقباء بخراسان ، والأوتاد بسائر الأرض ، والخضر سيد القوم ، ورووا أن الخضر قال ثلاثمائة هم الأولياء ، وسبعون من النجباء ، وأربعون هم أوتاد الأرض ، وعشرة هم النقباء ، وسبعة هم العرفاء ، وثلاثة هم المختارون ، واحد منهم القطب الغوث " [5]

   القطب:       

        1- اختلفت الصوفية في صفاته فجعل له الشاذلية خمس عشرة علامة إلاهية [6] ، وجعل الخواص من علامته كثرة تحمله للبلايا والإنكار عليه ، فإن جميع بلاء أهل الأرض ينزل عليه أولاً ثم يتفرع منه [7]، أما الشعراني فيرى أن غالب الأولياء لم يجتمع قط  بالقطب لعدم طاقتهم النظر إليه [8]. ومن شأن المريد أن يلزم الأدب مع القطب ولا يقول نحن خارجون عن دائرة القطب [9]، ومقام القطبية ثقيل لتحمل صاحبها أعباء الممالك الأرضية ملوكاً ورعايا [10].

        2- وعند الدسوقية لا يصير القطب قطباً إلا إذا شرب من نهر الحياة عند جبل قاف سبع مرات . ولا يكون غوثاً إلا إذا شرب منه ألف مرة . ومن هذا النهر شرب الدسوقي والرفاعي والبدوي والجيلي [11]. وقد رأى الشعراني القطب بمعرفة أستاذه الخواص يبيع الفول الحار في أحد حواري القاهرة [12] ، وجعل من صفات القطب الغوث فحولته الجنسية أو ( الإكثار من النكاح ) ، ويقول إنه رأى شخصاً يدّعي  القطبية يدخل الحمام في النهار ثلاث مرات فازداد فيه اعتقاداً وتعظيماً [13].

      3- ورأى آخر القطب الغوث بمكة على عجلة من ذهب تجرها الملائكة في الهواء بسلاسل من ذهب،  فسأله إلى أين ؟ فقال إلى أخ من إخواني إشتقت إليه [14] ، وقالوا ( كان أبو العباس (ت 861) قطب وقته ، وقد رؤى في مكة على كرسي بين السماء والأرض)[15].

        4- وأسرف كثير من الأولياء في ادعاء القطبية ، وأبرزهم المدرسة الشاذلية الذين اعتقدوا أن القطب منهم في كل العصور [16] ، واعترف بهذا الشعراني [17]، وزعموا أن الله تعالى قد جعل القطب الغوث من بيت الشاذلي إلى يوم القيامة [18]، وزعموا أن الرسول قد بشر الشاذلي بالقطبية بعد موت أبي الحجاج الأقصري [19] ، واشتهر في الإسكندرية بأنه القطب الغوث [20] ، ومدحه البوصيري فقال :

أفدي عليا في الوجود وكلنا         بوجوده من كل سوء نفتدي

                      قطب الزمان وغوثه وإمامه         عين الوجود ولسان الموجد[21]

        أما خليفة الشاذلي أبو العباس المرسي فكان يرى أن القطب لا يلزم  أن يكون شريفاً حسينياً ، بل قد يكون من غير هذا القبيل ، وقد قال " وما القطبانية بعيدة من بعض الأولياء وأشار إلى نفسه "[22] ، ذلك أنه كان يزعم الانتساب إلى الأنصار ، وذكر ابن عطاء بعض الكرامات التي تؤكد قطبية المرسي [23] .       

      5- وبالغت المدرسة الدسوقية في إدعاء القطبية ، فادعت أن  الله جعل الدسوقي قطباً قبل بناء البيت والحرم ، وأنه اجتمع بالقطب الفرد وهو ابن سنة ، وخدمه القطب وهو ابن عامين ، وتقطب قطب المحبة وهو ابن عشر سنين ، وقطب الفردانية العظمي وهو في الرابعة عشرة ، وسقى رجلاً من شرابه قدر درهم فتقطب ، وأعطى تفاحة من غير واسطة ، وناداه الله بألا يأكلها كلها حتى لا يحتكر القطبية لنفسه [24] ، وجعلوا الجيلي والرفاعي على مثال الدسوقي [25].  

6 ــ وممن وصف بالقطبية من الأولياء الصوفية  " المنوفي [26] وأبو القاسم المراغي [27] ، وأبو النجا الفوي شيخ الشعراني ، وقد شاع في ليلة موته أنه القطب [28] ، ووقالوا أنه فُتح على شمس الدين الحنفي  بالقطبية بعد أن أخذ العهد على ابن الميلق ، وقد قال الحنفي " إن القطبية مرت بنا ونحن شباب  [29] "، وباختصار كان شيوخ الصوفية يتنافسون في ادعاء القطبية ويتغنون في توصيفها .

      الخضر:

1 ــ السائد أن الخضر هو صاحب موسى المذكور في سورة الكهف( 61 : 82 ) . وليس هذا صحيحا ، فهو نبى مرسل ، قابل موسى بأمر الاهى ليتعلم موسى منه عدم التعجل ، وأن يتريث . ذلك أن نشأة موسى فى قصر فرعون جعله يعيش فى خوف دائم ، ويتوقع الشّر متحفّزا لرد الفعل . ويتردد فى القصص القرآنى عنه مصطلح الخوف ، ولذا كان سريع الانفعال يندفع فى رد الفعل ، وكان فى حاجة الى تعلم التريث . فكان هذا اللقاء مع ذلك النبى الذى لم يذكر رب العزة إسمه . والله جل وعلا لم يذكر كل الأنبياء (  وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) النساء ) وقد يذكر بعضهم دون ذكر أسمائهم مثل ثلاثة منهم أرسلهم الله جل وعلا لقرية لم يُذكر إسمها : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)  يس ).

ومن هؤلاء الأنبياء المرسلين كان صاحب موسى الذى أعلمه الله جل وعلا ببعض الغيب . فالله تعالى لا يعطي العلم ببعض الغيب إلا لبعض الأنبياء ( آل عمران 179، الجن 26، 27). وقد كان صاحب موسى رسولا نبيا مأمورا بالوحى الالهى أن يقابل موسى ، وقد أفضى فى النهاية لموسى بالغيب الذى علمه تفسيرا لتصرفاته ، وأنه مأمور بمقابلته :( قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) الكهف ).

2 ـ بدأت أكذوبة الخضر فى ( صحيح البخارى )( باب: ما ذكر في ذهاب موسى صلى الله عليه وسلم في البحر إلى الخضر.باب: ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله.-3- 216 - باب: { فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا } /61/.) وفى صحيح مسلم مسلم في الفضائل، ( باب: من فضائل الخضر عليه السلام ). ثم صار معلما أساسا فى دين التصوف ، جعله الغزالى فى ( الاحياء ) مصدرا للتشريع الصوفى ينسب اليه ما يشاء من أقوال وأذكار . وافتتن الصوفية بجعل الخضر وليا صوفيا حتى يحقق أمنيتهم في أن يكون الولي خيراً من النبي ويقوم بتعليم النبي من العلم اللدنى الذى هو حكر للأولياء دون الأنبياء .

3 ــ وتضخمت شخصية الخضر فى العصر المملوكى بتسيد دين التصوف حتى إن فقيها سُنيا مشهورا ومن

علماء الحديث السّنى هو ابن حجر اللعسقلانى (773-852هـ) وضع كتاب ( الزَّهْرُ النَّضِرُ فِيْ أَخْبَارِ الْخَضِرِ) ، وهو كما يدل عليه عنوانه يؤمن بوجود الخضر ، والشعرانى اشهر من كتب فى حياة الخضر الأزلية : ( الميزان الخضرية ) ، وزعم فيه أنه قابله وسأله وسمع منه .

4 ـ ذلك ، إنه سرعان ما أصبحت شخصية الخضر المزعومة ضمن مملكة التصوف الوهمية فى العصر المملوكى . عدّه بعض الصوفية رتبة عليا في مملكتهم يتفوق بها على القطب : " فإذا مات القطب الغوث ولي الخضر من يكون (قطباً ) بمكة (غوثاً) ، وجعل (بدل ) مكة ( قطباً ) ، وهكذا أبدا ، فإن مات الخضر صلى الغوث في حجر إسماعيل  فتسقط عليه ورقة باسمه فيصير خضراً ويصير قطب مكة غوثاً [30] " . وقد وضع ابن إمام الكاملية (ت874)   رسالة في حياة الخضر [31] ، ونجد اليافعي يحاول إثبات حياته الأزلية [32]، ونجد على وفا يؤكد أن لكل ولي (خضراً) يمثل روح ولاية ذلك الولي [33] ، ويقول  الشعراني في رسالته عن الخضر " أجمع أهل الكشف أي العلم اللدني قاطبة على حياة الخضر وقت اجتماعنا به ، وقد اجتمع بعمر بن عبد العزيز ، وأبي عبد الله اليسري ، والشيخ عبد الرازق ، وإبراهيم الخواص ، وأبي يزيد البسطامي ، وابن عربي ، وأبي عبد الله القرشي ، والشاذلي ، والمرسي ، وياقوت العرشي"[34] ، ويبدو أن الشعراني قد استقى آراءه تلك من ابن عطاء [35]. إذ كان الكثيرون يدعون رؤية الخضر في المنام .

5 ــ وحسب علمنا ، لم نجد عالماً في العصر المملوكي أنكر حياة الخضر بل اعتقدوا صدق بعض من ادعى رؤيته في المنام ، يقول ابن  الحاج الفقيه الذى كان ينتقد عصره من رؤية سنية صوفية " ومنهم من يدعي رؤية الخضر ويؤكد ذلك باليمين .. وذلك كله تقول وافتعال .. مع أن هذا لا ينكر إذا وقع من أهله في محله " [36] ، أى إن ابن الحاج العبدرى فى القرن الثامن كان يؤمن بحياة الخضر الأزلية ، وأن بعضهم يراه ويقابله . وعلل ابن تيمية كثرة من يدعي رؤية الخضر حتى من اليهود  والنصارى – " وهم كثيرون صادقون " ولكنهم يرون الجان ولا يرون الخضر [37] .

6 ــ والاعتقاد في وجود الخضر مستمر حتى عصرنا الحالي كأثر من العصر المملوكي ، يقول أحمد أمين

( يعتقد بعضهم أنهم رأوا الخضر  يقظة  وخاطبوه وخاطبهم ، ويزعمون أنه شرب من عين الحياة فلم يمت من عهد موسى إلى اليوم ، وأن الأولياء الصالحين يرونه جهاراً ويخبرهم بالمغيبات ، وإذا ذكروه قالوا عليكم السلام إيهاما بأنه مر عليهم وسلم عليهم [38] ، أي نجح  التصوف في التأكيد على وجود الخضر حياً لا يموت ، مع أن الله تعالى يقول للنبي محمد عليه السلام: ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ، أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ؟ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) الأنبياء34،35).

     7- وقد وضع الشعراني شروطاً لمن يريد الاجتماع بالخضر [39]، وقد تنافس الصوفية في دعوى الاجتماع بالخضر واشتهر منهم  على النبتيتي (ت917) في عصر الشعراني [40] فنقل الكثير عنه ادعاءاته [41] ، وسبق النبتيتي في هذه الشهرة ابن  الكبش بنحو قرن ، فكان يجتمع بالخضر في غالب الأوقات [42] ، وقبله أيضاً سليمان البسطامي (ت786) " وله في ذلك أخبار كثيرة يستنكر بعضها "[43]، وذكرت لقاءات للشاذلي مع الخضر [44] ، وكان الخضر يحضر مجلس شمس الدين الحنفي ، ويشيعه للخلوة [45] ، وممن اجتمع بهم أيضاً عبد المحسن الواردي وأبو السعود بن أبي العشائر [46].

7 ــ وللخضر دور في الحكايات الصوفية عن الأولياء المجهولين [47]. وكان الإيمان بالخضر عاماً في العصر من القضاة والعوام ، فادعى شيخ الإسلام سراج  الدين العبادي (ت 877) أنه كان يجتمع بالخضر [48] ، وكان قاضي القضاة البساطي يدعي ذلك[49] ، وكانت جنازة ابن حجر هائلة حتى قيل إن الخضر حضرها [50]  ، وهكذا أرغموا الخضر على المشاركة حتى في الجنازات الهامة .

 

  

   المجاذيب  :

1 ــ  اعتبرهم ابن خلدون نوعا من الأولياء  مع سقوط التكاليف [51] عنهم . إلا أنه عاد فاعتبرهم دون مرتبة الإنسان فلا يلحقون بالأولياء [52] . وفضل ابن عطاء المجذوب على السالك لأن الأول طويت له الطريق ولم تطو عنه [53] ، أي أن المجذوب أختاره الله واختصر عليه الطريق ، أما السالك فقد تركه الله يقطع الطريق ويسلكها بنفسه . وعلل الشعراني سبب ذهاب عقلهم بالتجلي الإلهي الذي أتاهم على غفلة فذهب بعقولهم ، وجعلهم الشعراني على ثلاثة أقسام تبعا للوارد الإلهي والعقل [54] . وتكون حالة المجذوب بحسب الحالة التي جٌذب في أثنائها فإن جذب في حال قبض ( أي اكتئاب ) فعمره كله قبض ، وإن جذب في حال بسط فعمره كله بسط وضحك [55] ، وساد الاعتقاد بأنهم يعيشون في عالم آخر يقول ابن عنان " إن من شأن المجاذيب أنك ترى أحدهم ماشياً وهو راكب ، وتراه يأكل في رمضان وهو صائم لم يفطر ، وتراه عارياً وهو مرتد لثيابه [56]  " وهذا تصريح للمجذوب بأن يفعل ما يريد . وافتخر الشعراني بأدبه مع  المجاذيب وأرباب الأحوال مذ كان صغيراً ، وقال المتبولي سلّموا على أرباب الأحوال بالقلب دون اللفظ فإنهم في حضرة لا يقدرون على خطاب أحد باللفظ [57] . وأوصى الشعراني بعدم مخالطة المجاذيب لأنهم يعلمون السرائر والخواطر المذمومة [58] ، أي يعلمون الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ولما قتل العثمانيون بعض المجاذيب قال الخواص : " طاب الرحيل من هذه الديار [59]  ".

2 ــ     يقول الدشطوطي يصف الجذبة " .. فحصل لي جاذب إلاهي وصرت أغيب اليومين والثلاثة ثم أفيق أجد الناس حولي وهم متعجبون من أمري ، ثم صرت أغيب العشرة أيام والشهر ولا آكل ولا أشرب .. فخرجت سائحاً إلى وقتي هذا " [60] . ولسهولة هذا الادعاء كثر مدعو الجذب والولاية ، وكان المجذوب يوصف عادة  بأنه معتقد أي يعتقد الناس في  ولايته وأحياناً بأنه مقصد للزيارة أي يقصده الناس بالتبرك [61] ، وكانوا يفسرون هذيانهم على سبيل الكشف وعلم الغيب [62] ، وكان المؤرخون يعللون اعتقاد الناس في صوفي ما بأنه مجذوب ويقولون  " لعوام الناس فيه اعتقاد لاندراجه عندهم في المجاذيب [63] " و" .. حصل له نوع من الجذب فصار للناس فيه اعتقاد [64] " و " .. يذكر بين العوام بالجذب ويعتقد لذلك " [65].

    3- وتمتع المجاذيب بتقديس المماليك لهم [66] ، وكان السلطان برقوق يعتقد في الزهوري المجذوب حتى لقد كان الأخير يبصق في وجهه [67] ، ولما افتتح برقوق مدرسته دخل عليه مجذوب وأعطاه ( طوبة ) وأمره أن يضعها في  المدرسة ، فوضعها السلطان في قنديل وعلقه في المحراب ، يقول ابن إياس " فهي باقية في القنديل إلى الآن " [68] .. ولا نجد أبلغ من وصف أبي المحاسن لاعتقاد الناس في يحيي الصنافيري يقول عنه " هو ممن سلم من الإنكار عليه وأجمع الناس على اعتقاده ، وهو لا يفيق من سكرته ، وكان الناس يترددون إليه فوجاً فوجاً من بين عالم وقاض وأمير ورئيس ، ولا يلتفت إليهم ، ولما زاد تردد الناس عليه صار يرجمهم بالحجارة ، فلم يردهم ذلك عنه رغبة في التماس بركته ، ففر منهم وساح في الجبال مدة طويلة " [69] ..

        * أرباب الأحوال:

     1- شاع هذا المصطلح في العصر المملوكي خصوصاً في أواخره ، ويقول الشعراني إنهم ( أعطوا في الدنيا التقديم والتأخير والولاية والعزل والقهر بما لهم من دلال على الله ) ويقول الدشطوطي " أرباب الأحوال مع الله كحالهم قبل خلق الخلق وإنزال الشرائع " [70]  . واحتج ابن الحاج على مدّعي ذلك من الصوفية المنحرفين : " ثم أنهم يولون ويعزلون في تلك الأحوال ويخبرون بمنازل أصحابهم .. ولا شك أنها أحوال نفسانية أو شيطانية لأن الفتح من الله لا يكون مع ارتكاب المكروهات أو المحرمات " [71] ، أما المرسي فيعلل تميزهم هذا بضعفهم عن كتم أحوالهم وضيقهم عن وسعها [72]، وبالغ بعضهم في ادعاءاته ، يقول المتبولي : " ..وعزة ربي لتتوزع أحوالي بعدي على سبعين رجلا ًولا يحملون " [73] أي لن يستطيعوا تحمل الحملات مثله.

       2- وقد يكون الحال بمعنى الانفعال الصوفي الحاد ، فالشيخ أبو الحمايل " كان يغلب عليه الحال فيتكلم بالألسن العبرانية والسريانية والعجمية ، وتارة يزغرت في الأفراح والأعراس مثلما تزغرت النساء ، وإذا اشتد عليه الحال في مجلس الذكر ينهض قائماً ويأخذ الرجلين ويضرب بهما الحائط [74] " ، وتمثل هذه الحالة إحدى درجات الجذب ، وقد جمع بعض الأولياء بين المرتبتين مثل عبيد البلقيني الذي " كان من أرباب الأحوال والكشف ، حصل له جذب في أول عمره .. "[75] .

       3- وكان من السهل تعليل ما يصيب الأولياء من أمراض بأنها " حال " وقد عدّ الشعراني من المنن معرفته بطب أرباب الأحوال[76].

      واستغل أرباب الأحوال شهرتهم في التسول واعتبروه حقاً لهم لأنهم يدفعون البلاء [77] .

     أصحاب النوبة :

     1- في أواخر العصر المملوكي برزت تقسيمات عدة للأولياء ، بالإضافة  لما سبق مثل الكٌمل  والعارفين وأصحاب الحضرة وأصحاب الوقت ، إلا أن أصحاب النوبة هم الأشهر وهم الذين يحفظون إدراكهم ( أي الأماكن التي يحرسونها ) في سائر الأرض وعليهم قضاء الحوائج [78] . وحديث الشعراني عنهم متناقض فهو يجعل نفسه أحياناً مساعداً لهم فيطوف بقلبه على جميع أقطار الأرض ، وفي نفس الوقت يحرص على استئذانهم كلما خرج من بيته ليكون في رعايتهم [79] ، فلا نعرف هل يعد نفسه منهم أم لا ، ويذكر الشعرانى أن شيخه الخواص كان أحدهم ، ويتمتع بالتصريف في ثلاثة أرباع مصر وقراها ، وكثيراً ما يرسل الحوائج إلى الشيخ محيسن المجذوب الذي جعله أصحاب التصريف في  الربع الباقي ، مع أنه " صاحب  درك بحر الهند " [80] ، ثم يذكر أن أصحاب النوبة كانوا في صراع مع الخواص ، يعارضهم ويعارضونه ، وانتهى الصراع بمقتل الخواص [81] . أما الشيخ محيسن فقد أعطبوا رجله [82] ، ومن السهل تفسير هذا التنافس بالصراع المحتدم بين الأولياء في نهاية العصر حول المريدين والنذور والنفوذ .

      2- وقد احتج الشعراني على منكري أصحاب النوبة ووصفهم بأنهم لم يدخلوا دائرة الولاية قط  فلو دخلوها لعرفوا أهلها [83] ، ووصف الخواص وأبو الفضل الأحمدي بمعرفة أصحاب النوبة في سائر أقطار الأرض ومعرفة من  تولى منهم ومن عزل [84] . ولما دخل السلطان سليم العثماني مصر أرسل الخواص فقيراً ينظركم معه من أصحاب النوبة [85] ( أي من يساعده منهم).

       3- وقد وصف أصحاب النوبة بالشدة والعنف كانعكاس للصراع بين الأولياء وقتها ، يقول الشيخ حسن  العراقي " لا يأذن أصحاب النوبة لفقير أن يسكن في مصر إلا إن كان مراعياً للأدب معهم ، وإلا أخرجوه إلى القرى أو إلى خارج السور ، وعد الشعراني من المنن حفظه من تصريفهم فيه بمرض أو سلب حال [86] ، وأوصى الخواص بالاستعانة عليهم بالله ورسوله [87] ، ولا شك أن المقصود بهذه الصفة هم الأولياء المنافسون ، فالخواص هو نفسه القائل " قل من فقراء هذا الزمان من يعرف أنه تحت  حكم أصحاب النوبة .. ولو عرف لسألهم ... وانتظر ما يقع منهم من تولية أو عدمها [88] . وهو يقصد نفسه .

      أصحاب الوقت:

        لا اختلاف بينهم في المفهوم عن أصحاب النوبة ، اللهم إلا اندراج العلماء بينهم ولهم تقريباً نفس حقوق أصحاب النوبة [89] ، وقد أكثر الشعراني من الحديث المعاد عن أصحاب الحضرة الإلهية والكُمَّل  والعارفين [90] عدا تصنيفات أخرى لم يجد الخواص لها أسماء [91] .

مما يجعل القارئ يتخيل عدد الأولياء مساوياً لأعداد الناس في نهاية العصر ، وإن كانت الصفات منحوتة من بيئة العصر وتصوراته وهواجسه وتخيلاته وجهالاته ، بينما كان العقل غائباً في أجازة مفتوحة .

 

 

 

 

 

  مهام خرافية للأولياء الصوفية : الحملات والنظرة واللحظ

       * الحملات:

        1- يقال أن الولي يتحمل الحملة أي ينوب عن المصاب في تحمل مصيبته، وقد شاعت هذه الفكرة في العصر المملوكي، وقد نصح الشعراني بصحبة الفقراء لأنهم يحملون عن أصحابهم المصائب في الدنيا [92] . وقد وضع لها القواعد فلا يحمل الشيخ إلا عن أبناء حارته وإلا فقد تعدى دائرته [93] ، وشرط الولي الذي يحمل الحملات الاتصاف بالذلة ، والفقر ، وكثرة الملازمة في المواكب الإلاهية ، وألا يأخذ عنها مقابلاً ، وكف الجوارح عن المحرم والمكروه والشهوات المباحة ، والصيام أيام التحمل والتخلق بالرحمة ، ونصح الشعراني بألا تكثر الحملات في النصف الثاني من القرن العاشر  [94].

     ويستلزم التحمل جهداً من الولي فهو يحس بالأوجاع في جسمه وقد يبقى دون طعام أو شراب أو نوم أو نظافة أو لباس جديد [95] ، وقد أخبر بعض أهل الكشف أن احمرار الماء الذي تحت بيت الشعراني في الخليج إنما هو من كثرة الهموم  النازلة عليه !!، ويقول إن هذا الأمر قلّ من  يفعله  في عصره من المتمشيخين ، وغاية أمر أحدهم أن يتوجع باللسان فقط [96] !! وقد تحمل الشعراني عن رجل وامرأته حين مات ابنتهما فكاد لحمه وعظمه أن يذوبا !! ويطلب الشعراني من إخوانه ألا يغضبوا حين يرونه عابساً ضيق الصدر فربما كان مشاركاً في حملة  لحاكم أو لامرأة  مات ولدها أو كانت في الطلق [97] ، وكان إذا نزل بالمسلمين هم أوغم  لا يقر قرار حتى يرتفع [98] ، وهو يتحمل هم عدوه أكثر من اهتمامه بحمل حملة صديقه [99] ، وأكثر حملاته عن المرضى [100] ، وكان من وقعت له مصيبة يأتي للشعراني فيحملها عنه ولا يتخلف . والحملة تخف بحسب الاعتقاد وتثقل بعدمه [101]، أي إذا كنت تعتقد في الشيخ فعلاً فإنه يحمل عنك مصيبتك فيخف وقعها عنك ، وإن لم تكن تعتقد فالويل لك !!

2-              والقارئ للشعراني يتصوره بطل الحملات الوحيد ، إلا أن الأولياء السابقين قد ادّعوا ذلك وإن كانوا أقل مقدرة من الشعراني في سبك ادّعاءاتهم ، وعامة فإن  الحديث عن الحملات لم يكثر إلا في أواخر العصر المملوكي ، وقد وردت إشارات متفرقة عن الحملات في أقوال متصوفة المماليك البحرية فالمرسي يلوم العامة لأنهم ينفضون عن  الولي الذي بين أظهرهم " مع أنه هو الذي يحمل أثقالهم ويدافع الأغيار عنهم [102] ، ويقول ابن على وفا " إذا حصل لي وارد من واردات الجلال إنما هو تحمل عن  الخلق "[103]، وفي حكاية للسبكي " تحمل شيخ ألم مريده حتى خرج عن الصلاة فبرئ المريد [104] " ، وفي مناقب الحنفي – في القرن التاسع – أن بعضهم تحمل الرمد عن غيره فشفاه [105] ، حتى إذا أهل القرن العاشر فأضحت الحملات ميدان المزاعم الصوفية ، فيدعي المتبول أنه يتحمل ما يعجز عنه سبعون رجلاً من الأولياء[106] ، وكان أبو الفضل الأحمدي يحمل هموم الناس " حتى صار ليس عليه أوقية لحم [107] " ، ويدعى أفضل الدين الشعراني بأنه منذ عشر سنين يحس بأن جسمه في طبق من نحاس على نار من غير ماء ولحمه ودهنه يطشطش وهو صابر ، وذلك " من كثرة توجه الناس إليه في شدائدهم ، فيحملها عنهم ويعاني بدلاً منهم " [108] .

3-        وكانت الحملات مجالاً للصراع بين الأولياء ، فأثناء خلاف الشعراني مع ثلاثة من أصحاب النوبة حصل له الفرج على يد الشيخ محمد البهوتي ، الذي تحمل عنه بعد أن أبى الحملة ثلاثون من الأولياء ، فبرئ الشعراني بعد أن كان قد مكث تسعة أيام بلا أكل أو شرب أو نوم [109].

4-  وقد يتعاون الأولياء في  الحملات فيرسل المرصفي وغيره الحملات للشيخ بركات الخياط ، فيضعون له الحجر على حانوته ، فيعلم بالحاجة ويقضيها ، ويقول " الاسم لطوبة والفعل لأمشير " [110]،  مع  أنه لو كان ولياً حقيقياً ( عندهم ) لعرف الغيب وما احتاج إلى حجر يوضع على باب دكانه ، ولكن  الأساطير تخلو من المنطق .

     وكان سويدان المجذوب يحمل الحملات ، وكل من حمّله حملة وضع حبة من الحمص في فمه ليتذكر قصته ، فربما امتلأ فمه من الحمص ، ويظل كذلك شهراً حتى تقضى  الحوائج [111] ، وكان الخوّاص يرسل الحملات الثقال للشريف المجذوب فيقوم بها [112] ، وبدون حمص !!

          والواضح أن شيوع الاعتقاد في الحملات كان لتبرير النذور والأموال التي كان يحصل عليها الشيوخ من الناس.

       النظرة.

    1- وإذا كانت الحملة في الغالب يتحملها الولي عن الجميع فإن النظرة أو النفحة للمريدين والأتباع القريبين.

    2- وقد كان الشاذلي يربي أولاده بالنظر من غير كلام [113] ، ويقول المرسي " والله ما بيني وبين الرجل إلا أن أنظر إليه نظرة وقد أغنيته " [114]، والمريدون من جانبهم يعترفون بأثر نظرة الشيخ فيهم ، يقول أحدهم " فلما جلست نظر إلىّ الشيخ وأمدني بما أمدني ، ثم قال لي انصرف إلى بلدك فقد استغنيت " [115] ويقول الشعراني عن أحد المجاذيب " كان يحبني وكنت في بركته وتحت نظره " [116] .

3 ــ  وينتظر المريدون خروج الشيخ من خلوته لتكون نظرته إليهم أوقع في الأثر ، وقد اختلى شمس الدين  الحنفي أربعين يوماً فاستعد مريدوه للظهور بين يديه حين يخرج وقالوا " غداً يظهر سيدي من الخلوة فكل من وقع نظره عليه حصلت له السعادة .. فلما كان وقت السحر ظهر سيدي ووقع نظره على ، فقال لي محمد قلت نعم يا سيدي ، قال : والله لقد حصلت لك السعادة الكلية " يقول الراوي فكل ما أنا فيه من ثمرات تلك النظرة "، حتى أنه تقطب قبل موته ( أي أصبح قطباً ) ، وقد وقع نظر الحنفي على كلب فأصبح الكلب ولياً بفضل تلك النظرة  يقول الراوي : " فهذه نظرة رجل من الأولياء وقعت على كلب غير مكلف ، فكيف لو وقعت على آدمي ؟ أو على أحد من جهة ذلك الولي مثل خادم أو ولده أو على واحد من تلاميذه ؟؟! " [117] ، وهو سؤال يستحق الإجابة فعلاً ؟

اللحظ

1-   وقد يعبر عن النظرة باللحظ ، خاصة في المراجع غير الصوفية ، فالسبكي يقول عن ابن الحسين الأنصاري " كان إذا ألحظ شخصاً انتفع بألحاظه "[118] ، ووصل الشيخ محمد الحنفي إلى ما وصل إليه " بلحظ الشيخ أبو العباس السوسي " [119] .

2-   ووصل الاعتقاد باللحظ الى السخاوى المؤرخ الفقيه المحدّث ، فكان يُكثر من استعمال هذا اللفظ فيقول عن الزين عبد القادر إنه " انتفع بلحظ أبجد المجنون " ، وقال عن الكتاني أنه " انتفع بلحظ الشيخ عمر بن عيسى " [120] ، ويقول عن نفسه " إنه انتفع بالشيخ الغمري " ، " وصليت بجانبه ولحظني "[121] .

       وفي المراجع الصوفية استغاثت فتاة بالشيخ فقالت : " لاحظني يا شيخ أبي "[122] ، ويقول الشعراني عن شيخه على النبتيتي " فحصل لي منه لحظ ، وجدت بركته في نفسي  إلى وقتي هذا " [123] ، وبهذا المفهوم تختلط النفحة باللحظ والنظرة .

      يقول السخاوي عن أحدهم " وقد عادت على نفحاته وبركاته ونفعني دعاؤه "[124] ، وقد صحب الشعراني الشيخ الزفتاوي نحو خمس سنين وحصل له منه " نفحات " ، وقال نحو ذلك عن شيخه صدر الدين البكري [125].

 

 ... وكراماتهم

  الاعتقاد في الكرامات الصوفية.الكرامات في فكر الخاصة واعتقاد العامة   

   1- استلزم الاعتقاد في الأولياء الاعتقاد في مقدرتهم على الإتيان بالخوارق ، أو ما عُرف في العصر المملوكي بالكرامات ، التي شاع الإيمان بها في العصر المملوكي تبعاً لازدهار التصوف ، حتى لقد فرضت نفسها على تفكير الخاصة واعتقاد العامة كما لو كانت معلوماً من الدين بالضرورة .ويمكن أن نجمل تفكير الخاصة أو العلماء في العصر المملوكي فيما يخص الكرامات في اتجاهين : اتجاه عملي هو ألصق بالمتحررين منهم ، واتجاه نظري يعتقد في حدوث الكرامة مطلقاً أو مع بعض تحفظات .

     2- وكبار الصوفية يعتقدون في إمكانية حدوث الكرامات مطلقاً ، فكتاب المناقب الصوفية يثبتون الكرامة في مقدماتها ليؤمن القارئ بما حشدوه فيها من أساطير [126] . وقد أجهد اليافعي نفسه في الاستدلال على جواز الكرامة عقلاً ونقلاً [127] ، وكعادة  الصوفية لا يفرقون بينها وبين المعجزة إلا في عدم التحدي  كشرط لوقوع الكرامة [128] ،  لتتاح الفرصة للتهرب من إثبات الكرامة عملياً . والقارئ لمناقب الحنفي تهوله كثرة الكرامات فيها مع أن المؤرخ أبا المحاسن كان معاصراً للحنفي وترجم له ترجمة عادية خالية من ذكر أي كرامة له [129] .

      وقد دان علماء العصر المملوكي عامة بدين التصوف باطراد يتناسب مع الازدهار المستمر للتصوف من بدايته إلى نهايته ، ففي أوائل العصر كان ابن خلدون يرى وقوع الكرامة أمراً صحيحاً غير منكر [130] . ويقول السبكي إن من حق الصوفية إظهار الكرامات للبشارة أو الإنذار أو التربية [131] ، بينما انصرف جهد السيوطي – في نهاية العصر – إلى إثبات نواح من الكرامات لم تخطر على بال المتصوفة الأولين ، فيصنع رسالة في إثبات تطور الولي وتواجده في مكانين مختلفين في وقت واحد [132] ، أو ما تعبر عنه كتب المناقب أحياناً بوجود أكثر من جثة للولي في أماكن مختلفة .

      3- وكانت لبعض العلماء في أوائل العصر تحفظات على وقوع الكرامة ، لا تنال من إمكانية وقوعها من حيث المبدأ ، فابن تيمية يرد كرامات المتصوفة إلى فعل شيطاني ويسميهم أولياء الشيطان ويفرق بينهم وبين أولياء الرحمن [133] . ويرى الأدفوي أنه ( لا مانع عقلي أو شرعي من وقوعها " ... ولكن أطردت العادة المستمرة بعدم وقوع ذلك والعوائد يقضي بها في حكم الشرع باتفاق أئمة الاجتهاد .. والأمور البعيدة يتعجب من وقوعها ويتوقف في قبولها إلا إذا عُلم  صدق المخبر كما في قصص القرآن عن زكريا ومريم وامرأة إبراهيم ، ولا تثبت الكرامة  لمجرد اشتهارها واستفاضتها عند الفقراء فإن الكذب فيها كثير ، وكثير من  الصوفية جاهل بصحة النقل أو مغفل يروي بحسن الظن ، ثم إن أكثرها مرسلة وبعضها مبني على التوهم .." ويري أنها لو سلمت من ذلك ورويت على نسق الحديث المتواتر قبلت بشرط ألا تكون بعيدة في العادة ، وقد وقع مثلها) [134] . أي أن الأدفوي سلم بالمبدأ دون التطبيق ، ومع جرأته الواضحة إلا أنه خلط – كمحدث – بين المعجزة والكرامة .

     4- ولأن التصوف أصبح حرفة في العصر المملوكي ، والكرامات مؤهلها الأساسي ، فقد كان للأولياء طرقهم الخاصة في انتحال ما يخدعون به العامة . وقد فطن لذلك بعض العلماء ممن نعدهم ضمن أصحاب الاتجاه العملي المتحرر.

     وأبرزهم الجويري الذي فضح أساليبهم ضمن ما سجله في كتابه " المختار في كشف  الأسرار" فكان يذكر الكرامة ثم يتبعها بكشف سرها ، ونذكر بعض الأمثلة : يقول عن من جعلهم في الدرجة الثالثة من المشايخ " ... ومنهم من يتعاطى النزول في التنور ، وقد أوقد فيه قنطاراً من الحطب فينزل فيه ثم يغيب ساعة ويطلع " ثم يشرح الجويري تصميم التنور وكيف أن حرارته من أعلاه ، وأسفله بارد فلا تضر الشيخ ، وذكر طريقة أخرى وهي أن الشيخ يطلي جسده بمادة عازلة " ... التي يعملونها لمنع النار فمن ذلك يؤخذ الضفدع  ويسلق حتى ينضج ويتفتت .. ثم يرفع عن النار حتى يبرد فإذا برد جمد الدهن على وجه الماء فيؤخذ الدهن ويضاف إليه شئ من البارود الثلجي ، ثم يلطخ به جسده ويدخل النار فلا تضره " [135] . وقد يلطخ الشيخ أصابعه بهذا الدواء ، ويتقدم في السماع ويشعل أصابعه من الشمع " ولا يزال يرقص وأصابعه تشتعل حتى يضج الخلق ، ثم يدنون الشمعة ، فيشعلها ويطفي أصابعه " وفي هذه الحالة يضيف النفط إلى  الدواء السابق [136].

      وبعض المشايخ يوهم المريدين بنبع الماء من أصابعه . " وكشف ذلك أنه يأخذ مصران غنم فيدبغه بعد غسله ثم ينقعه بماء الورد سبعة أيام ، وبعد ذلك يأخذه  فيربط طرفه الواحد ربطاً جيداً ، ثم يجعل في طرفه الآخر عقدة قصب ، ثم ينفخه في الهواء حتى يجف فإذا جف .. أخذه ثم ملأه ماء .. ثم جعله في قميصه ، وقد عمل له حمالات من تحت القميص .. فإذا أراد أن يسقي   الناس جعل رأس المصران في فم الوعاء وهو دائر من حيث لا يعلم به أحد ، ثم يفك رأس المصران بظفره ، فينزل الماء في الوعاء "[137] . ومنهم من يبقى " أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب  ويدعون أن طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس " ، وذكر عدة طرق لذلك يستعمل فيها بذرة الحبة القمحاء أو كبد الغزال العطشان حين يمتنع عن شرب الماء ، أما من يمتنع عن الطعام فيستعين بمسحوق من أكباد الخرفان وذكر طريقة عمله .. وتابع الجويري هتك أسرارهم " كمن يظهر في ظلام الصحراء عامود نور إلى عنان السماء " ،" ومن يقف يصلي تحت الشجرة فتسجد له " . "ومن يظهر الفواكه في غير أوانها " ،" ومن يأكل الحيات والنار ، ومن ينبع له الماء في الصحراء " [138] . ثم يقرر أن هؤلاء المشايخ مجمعون على بطلان معجزات الأنبياء ويعتقدون أنها " مثل هذا النوع الذي سلكوه وهم كاذبون " [139].

    5- وقد وردت  إشارات تؤيد الجويري في مصادر أخرى . فابن الحاج اعترض على من يدخل النار ولا يحترق [140] ، واكتشف ابن تيمية حيل الأحمدية في دخولهم النار وواجههم بذلك [141] ، وقيل عن بعض الصوفية أنه كان صائم الدهر بخانقاه سعيد السعداء " يصوم الدهر ويفطر دائماً على حمص مصلوق بغير آدام " [142] .

     وقد اشتهر محمد بن عبد الله المرشدي في مصادر العصر المملوكي بأنه كان يطعم الضيوف ما يشتهونه في خاطرهم ، وقد أورد الصفدي السر في ذلك " وحقيقة الأمر أن هذه  الكرامات  إنما كانت بصناعة مقررة بينه وبين قاضي  " فُوّه " فإنهما كانا روحين في جسد ، وكان قد تحصن بالشيخ فلم يقدر قاضي القضاة ولا أحد على عزله ... ولم يبق له دأب إلا تلقى من يصل من ذوي الأقدار قاصداً زيارة الشيخ لأن فوه طريق منية مرشد ، فإذا وصل الزاير أنزله وأضافه وشرع في محادثته ومحادثة من معه حتى يقف على ما في خواطرهم وما يقترحونه ، ثم أنه يبعث بذلك إلى الشيخ على دواب مركزه في الطريق بينهما ، ويمده من الأصناف ما لعله لا يكون عنده ، ويعطيه حلية كل رجل من المذكورين واسمه [143] .

  6 ــ   ومع ذلك فلم يتأثر اعتقاد العامة في الأولياء ،ويقول الفقيه  البقاعي عن أحد المعتقدين " وكان للناس فيه اعتقاد كبير جداً وينسبون إليه مكاشفات ولم يظهر إلىّ أنا شئ من ذلك ، فإنه بشر غير واحد من أصحابنا بأشياء لم تقع " [144]  . ومن النص يتضح عمق اعتقاد العامة في الصوفية حتى ولو أخطأ أحدهم في دعاويه .

  7 ــ   والواقع أن الناس في العصر المملوكي كانوا على استعداد لتصديق الكرامات وتناقلها ، فكان مجرد إشاعة كرامة ما كفيل بتوجه الناس جميعهم إلى صاحبها زائرين ومعتقدين ومتوسلين [145]، واستجابة لتلك العاطفة الشعبية حاول علماء العصر المملوكي أن يجدوا أصلاً شرعياً للكرامات ، فوضعت فيما بعد كرامات الصوفية القرنين الثالث والرابع الهجريين كما فعل الذهبي والسيوطي ، ولم يعثر على أصولها التي نقلت عنها مما دفع بعض الباحثين للتأكيد بأنها وضعت لإرضاء عاطفة شعبية تريد إثبات صوفية أولئك الزاهدين ، فالشعب لا يقبل الصوفي إلا بما يروى عن كراماته [146].

أخيرا

1 ــ وما كان لكتاب المناقب أن يحشدوها بكل ما هو مخالف للعقل والنقل لولا أن العصر المملوكي كان على أتم استعداد لتصديقها بحيث يصح اعتبارها مقياساً لعقل العوام ـ غذا كان للعوام عقل ـ وبسيطرة التصوف بخرافاته إنتشرت عقلية العوام بين الجميع ، وإنخرطوا فى الاعتقاد الأولياء وتأليههم وكراماتهم . والعامة في كل زمان ومكان قليلة العقل تميل لسماع الأقاصيص والأساطير، وتميل أكثر لتصديقها، ولهذا فإن التجارة بالدين كانت ولا تزال سوقا رائجة، خصوصاً إذا كان العقل غائباً.

2 ــ لقد ارتفع الإسلام على أسلوب المعجزات الحسية فأتي والعقل الإنساني قد شب عن الطوق ، ولأن القرآن خاتم الرسالات السماوية إلى يوم القيامة كان معجزة عقلية باقية يتحدى الله بها البشر في كل زمان ، وشأن المعجزة الحسية أن تنتهي بوقتها وقومها ، وقد ندد القرآن الكريم بطالبي المعجزة المادية من كفار مكة " سورة الإسراء من الآية 90 إلى 93" ودعاهم إلى استعمال العقل ، ولم يعرف الرسول " ص" المعجزة الحسية ، وكان أحوج إليها حين أوذي وحين جرح وقاتل ، فقام بكل ذلك ومعه الصحابة بالمجهود البشري مؤيداً بدعوة عقلية .وإذا أُهمل العقل البشري تعلق الناس بالمحسوسات ، لذا تسود أساطير الكرامات في عصور الجهل . والكرامة فكرة حادثة في تاريخ المسلمين فلم يرد لفظها في القرآن، وإن كان ما كتب عنها يجعلها في أهمية المعلوم من الدين بالضرورة، وقد تمسك بها أصحابها معرضين عن القرآن ودعوته العقلية، بل حاولوا التلاعب بآيات القرآن ليجدوا أصلاً إسلامياً لأساطيرهم. وقد استدلوا بما حكى القرآن عن خوارق لبست الأنبياء كما حدث لمريم وزوجة إبراهيم وصاحب موسى وصاحب سليمان ، كأنما يعيشون تلك العصور غير مدركين أن القرآن أفتتح عصراً جديداً وأن ما حدث قبله  وكان مناسباً لذلك العصر لا يصح أن يستمر في عهد القرآن بل ويُتخذ دليلاً ضده.

3 ــ إن كرامات الصوفية ترفعهم فوق البشر والرسل وتقرنهم بالله سبحانه وتعالى وتعطيهم ما لله من قدرة تفوق قدرة البشر ، وذلك هو السبب الحقيقي في إسناد الكرامة للولي .. أن يكون  إلها مع الله مع أنه لا إله إلا الله ، ولا إله مع الله !!

    

دراسة في أساطير الكرامات في العصر المملوكي :

 نظرة عامة ، مروجو الكراماتوتهرب المتصوفة من الإتيان بكرامة

      نظرة على كرامات العصر المملوكي :-

     1- نلاحظ نوعاً من التخصص في الكرامات بين الأولياء ، فالبدوي مثلاً جعلوه متخصصاً في إحضار الأسرى من بلاد الفرنجة ، وقد رفض المتبولي أن يعتدي على هذا التخصص وأرشد المرأة التي طالبته بإحضار ولدها الأسير أن تتوسل بالبدوي [147] . لأنه وحده الذي يأتي بالأسرى من عند الفرنجة .

    وكان من السهل على مؤرخي العصر تناقل الكرامات بحذافيرها وترديدها كأمور مسلم بها ، بل قد تتكرر كرامة بعينها لأكثر من صوفي مع اختلاف الزمان والمكان [148] . وتنافس الصوفية في المزايدة بالكرامات فرويت كرامة للشيخ خليل وهو يطير من بلده إلى جبال الزيتون ، فقال له المرسي " ليس الشأن أن تذهب لجبال الزيتون وتعود من ليلتك ، ولكن أنا الساعة لو أردت أن آخذك بيدي وأضعك على جبل قاف وأنا هنا لفعلت "[149] وهو القائل " والله ما سار الأولياء والأبدال من قاف إلى قاف حتى يلقوا واحداً مثلنا ، فإذا لقوه كان بغيتهم " [150] . ويقول " ما جلست حتى جعلت جميع الكرامات تحت سجادتي " [151].

     ولقد أوتي الشعراني مقدرة عجيبة على سبك الكرامات ، وهو يوردها أحياناً كغطاء يخفي به الانحلال الخلقي للأولياء في عصره كما يبدو في ترجمته للمتبولي والحنفي وغيرهم ، والغريب أنه حين يذكر أحد الصالحين بصفات حسنة فلا نجد أثراً للكرامات [152].

     وكان الناس على استعداد لتصديق الكرامات وتناقلها . فكان مجرد إشاعة كرامة ما كفيلاً بتوجه الناس جميعهم إلى أصحابها زائرين ومعتقدين ومتوسلين [153]، وبعض الكرامات صيغت لسد  النقص أو جبر العجز لدى الأولياء ، فالولي المقعد الشيخ أحمد السطيحة قيل فيه " إنه يلبس كل جمعة مركوباً جديداً يقطعه مع أنه سطيحة لا يتحرك " " وتسللت زوجته ليلة فرأته قائماً سليماً من الكساح فلما شعر بها زجرها فخرست  وتكسحت وعميت إلى أن ماتت ، وحتى لا يوصف الشيخ أحمد السطيحة بالعجز الجنسي أيضا فقد ذكروا أنه كان في عصمته أربع نساء ، وأنه خطب بنتاً بكراً فأبت وقالت : أنا ضاقت  علىّ الدنيا حتى أتزوج بسطيحة ، فلحقها الفالج إلى أن ماتت . وطلبته بنت بنفسها فقيل لها يا امرأة المكتسح وعايروها  فدخل بها الشيخ وأزال بكارتها فملأ الدم ثيابها ورآه الناس .. إلخ [154] .

     ونلمح بعض الارتباط بين الكرامات والأحوال السياسية التي استغلها الصوفية لترويج كراماتهم ، فعندما يتولى سلطان يقال أن مجذوباً بشره شفاهاً بالتملك [155] . وحين يمرض السلطان يفسر مرضه بإنكاره على شيخ بعينه فجوزي بالمرض [156]، وكان من العادة شبه الدائمة أن تنتهي حياة الأمراء وأرباب المناصب بالمصادرة والعزل والقتل والحبس ، ومع ذلك كانت تفسر في ضوء غضب الأولياء ومعرفتهم الغيب [157]، وحين مُنع الناس من الحج بسبب حركة التتر أشيع أن الشاذلي قد حج بخطوة واحدة وعرض بعد مجيئه أن يخطو بالناس جميعاً إلى عرفات [158] ، ولم يتساءل أحد أما كان من الأجدى أن يوجه الشاذلي قدرته لدفع التتر الذين منعوا الناس من الحج .

    فالملاحظ عامة أن ادعاء الكرامات قد استهلكه المتصوفة في نواح تافهة  غير نبيلة تعكس حياتهم وتفكيرهم ، فلم يحظ الجهاد مثلاً بأقل القليل من ادعاءاتهم الكثيرة بقلب الأشياء ذهباً ، مما يفضح نفسية المتصوفة الغارقة في أحلام الوصول للنعيم الدنيوي بدون كد أو تعب . ولابد أن تنتهي تلك  الكرامة  بزهد الولي فيما قلبه ذهباً حتى لا يطالبه أحد بالدليل على ادعائه برجوع الذهب إلى حالته الأولى  ، وحتى يتأكد زهدهم وأنهم إنما تركوا الدنيا وزينتها مع قدرتهم على الثراء السريع ، على أن تلك الكرامات بما صاحبها من دعايات حققت أهداف الصوفية ووطدت نفوذهم وأكدت الاعتقاد فيهم وفي تصريفهم .

   مروجو الكرامات:

        أبرزهم المتصلون بالشيوخ المنتفعون بهم كالخدم ومشايخ الزيارة والزوجة وغيرهم .

ــ   الخدم: وقد أصبح بعضهم شيخاً بعد موت سيده يدّعى أنه اختص بأسراره ونشر كراماته ، فرويت كرامات عديدة عن الشاذلي عن طريق خادمه الشيخ ماضي أبو العزايم [159] . ويقول خادم الحنفي " وكان سيدي يخبر بما وقع له من الكرامات على عادة السلف من الأولياء المتمكنين [160] " ، وقد يحرص الشيخ على تسجيل كراماته ، ثم يوصي خادمه بكتمانها في حياته وإذاعتها بعد موته [161] ، كما يدعون ، والواضح أن الخادم هو الذي يشيع ذلك ليتكسب به .

       ولخادم الضريح دور كبير في إشاعة كرامات صاحب الضريح طمعاً منه في النذور ، ولا بأس بأن يحتال لذلك الأساليب المبتكرة ، فعرف أحد القبور – وهو مجهول الصاحب – بقبر صاحب الشمعة ، لأن بعض خدام القبور المجاورة أشاع أنه يرى على قبره شمعة مشتعلة في الليالي المظلمة ، فاشتهر صاحب القبر بالكرامة [162].

ــ  مشايخ الزيارة: وهم الذين يعرفون معالم القرافة وطرق الزيارة ، وفي كتب المزارات تنقل عنهم الكرامات مشفوعة بكلمات " وهذه الحكاية مستفاضة بين مشايخ الزيارة " أو نحو ذلك .

      كان للزوجة دورها في هذا المجال حتى ولو كانت بلاء على زوجها ، فكان الشيخ أبو الحمائل " مبتلى بزوجته " وقد حكت هذه للشعراني إن زوجها كان كثيراً ما يكون جالساً عندها فتمر عليه الفقراء الطائرون في الهواء ينادونه فيجيبهم ويطير معهم فلا تنتظره إلى الصباح  [163].

      وكان الرأي العام يتوقع من الولي بعض الكرامات حين يغسل ـ بعد موته ـ وحين يلحد في القبر ، وتكفل الغسالون واللحادون والحفارون بإرضاء نهم الناس ، فالشيخ عبد الغني الغاسل غسل الشيخ أبا القاسم  الأقطع وأورد من كراماته أنه غطى سوأته حين وقعت القطنه ، وأنه كان يتقلب ذات اليمين وذات الشمال كلما قرأ الغاسل " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال " [164] . وتبسم آخر وهو يغسل  لأن الحور العين قد غازلته ، وأمر آخر مغسله بأن يغض بصره  لأن الجان ستغسله [165] ، ويبدو أن الغسالين بالغوا في ادعاءاتهم إلى درجة أثارت تندر الناس ، فأوصى الفقيه ابن الشيخ أن يغسله الشيخ شهاب الدين بن النقيب ،  فقال بهاء الدين بن السبكي ما قصد بذلك إلا بسط الناس بعد موته [166].

       وفي أمثالنا الشعبية نلمح أثر ذلك " كرامات الميت تظهر بعد غسله "، " مغسل وضامن جنة " [167].  ونافس اللحادون والحفارون الغسالين في هذا المجال ، فيشيع أحدهم أنه وجد القبر قد اتسع بحيث لا يدري هل هو في بيت أم في قبر ، ووجد معه من يساعده في اللحد وذلك لأن  الميت كان يدعو " اللهم وسع علىّ في قبري واجعلني ممن تتولاه الملائكة [168] "، ولحد آخر بنتاً للشاذلي فضحكت ، وعرفته بأنه يلحقها بعد ثلاثة أيام [169]. وحين حمل أبو مدين في النعش وكان المؤذن يصيح بالآذان ثقُل على حامليه حتى وضعوا النعش لأنه كان متعوداً على القيام حين يؤذن المؤذن [170] ، ويبدو أن ذلك أصل لما يشيعونه في الريف الآن من طيران الشيخ بنعشه أحياناً أو توقفه حيناً .

تهرب المتصوفة من الإتيان بكرامة :

      كان المتصوفة ينسبون  الكرامات للأولياء بعد الموت ، أما في الحياة فقد حاولوا تبرير تقاعسهم عن إثبات الكرامة عملياً ـ بشتى الوسائل . ووضع عبء ذلك على الشعراني ـ بطل سبك الكرامات ـ بطبيعة الحال ، فهو يميز  الكرامة عن معجزة النبي بأنه لا يجب على  الولي إظهارها لأنه لا يحتاج إلى دليل على صحة طريقه ، بل يجب إخفاؤها ، ويجوز للولي أن يتحدى الكرامة إذا رأى في ذلك مصلحة ، ومع ذلك يجوز أن  تقع الكرامة مع كلام الولي ومع سكوته [171].

      ويبالغ الشعراني فيرى أن من الأولياء من لا يستره حجاب ومع ذلك لا يعرف ما في جيبه[172]. وأن الولي قد يعاقب بأن يحبب إليه إظهار الكرامات كنوع من الاستدراج [173]، وأن أكثر الأولياء كرامة من كثر تكذيب قومه له ، وأقلهم كرامة من كثر تصديق قومه له [174]. وعد من المنن كراهيته لوقوع الخوارق على يده في الدنيا لأنها عرض فان ، ومع ذلك يقول أن وقوع الخارق لا بد منه للفقير ولو مرة واحدة ، ثم يفتخر بكثرة اعتقاد أهل عصره فيه من غير مطالبة بدليل [175] ، ومع ذلك كان الناس ينتظرون من الأولياء أن يخبروهم بما أوتوا من علم الغيب ووجد الش"_ftnref177" title="">[177]. فلم يرد في قوله ما ذكره الشعراني عن اللوح المحفوظ والمحو الإثبات .

 ويرى الشعراني أن الأولياء يعطون التصرف بحرف ( كن) ، أي يقولون للشئ كن فيكون ، مع أن ترك  التصرف بها مرتبة الأكابر منهم [178] ، وقد أعطى أحدهم هذا المقام فتركه وقال " نحن قوم تركنا الحق تعالى يتصرف لنا " [179]، وما أشد تواضع ذلك الولي !!

    والأولياء " أسرار الوجود " كما يقول الحنفي [180] ، وقد تكلم فقير ببعض الأسرار فقتل ، وقيل أن من أفشى أسرار الله فجزاؤه القتل بالسيف على عوائد الملوك في قتل من يفشي أسرارهم [181] ، وذلك تعليل ظريف لعدم إتيان الولي بكرامة على عيون الأشهاد ، وقد عبر الشعراني عن ضيقه من الفقهاء سلفا وخلفا لأنهم يطلبون الكرامة كدليل على الولاية [182]، وعلل الخوّاص ذلك الخلق من الفقهاء مع عدم وجوده لدى الفقراء بكثرة اعتقاد الآخرين الاعتقاد الصحيح في شيوخهم عكس الفقهاء [183] . على أن هناك أقوالاً  للمتصوفة  السابقين في التهرب من الإتيان بكرامة تنقصها براعة الشعراني ، فعبد القادر الجيلي كان لا يشأ أن يرى أحدا منه كرامة إلا بإرادته هو ، " وكانت الخارقة تظهر أحياناً منه وأحياناً فيه " حسب تعبير مؤلف مناقبه [184].

    أما الشاذلي فيقول " أي كرامة أظهر وأعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة "[185] ، مع أن أقواله في عقيدة الاتحاد الصوفية أبعد ما تكون عن ذلك .

     وفي مناقب المنوفي أن ظهور الكرامة لا يدل على أفضلية صاحبها ، وأنها تصدر عن الولي بلا قصد ويجب عليه سترها ، ويرى المرسي في طيٌ الأرض وهو انتقال الولي إلى أي مكان بخطوة واحدة لصغار الطائفة ، أما الطي الأكبر فهو طيّ أوصاف النفوس [186] ، وطلبت كرامة من عبد العزيز الدريني ، قالوا له " مرادنا شئ يقوي يقيننا واعتقادنا فيك حتى نأخذ عنك الطريق ، فقال يا أولادي وهل تم كرامة من الله لعبد العزيز أعظم من أن يمسك به الأرض ولم يخسفها به ، وقد استحق الخسف من سنين " [187]، واضطر على وفا للإخبار بالكشف عن مصير غلام محبوس فقال " لابد له من الخلاص إما في أول الأمر أو آخره وإن فاته ذلك جميعه فيتخلص ولو على المغتسل ، يقول الراوي – بسذاجة – رأيت  ما يؤيد  ذلك ويصحح هذه المقولة [188]  ، وفي أسطورة عن زكريا الأنصاري أن ضريراً من الشام قصده ليرد عليه بصره فأمره بالرجوع إلى غزة ، وهناك يرد عليه البصر بشرط ألا يرجع مصر فيكف بصره ثانياً بحجة الخوف من ذيوع الخبر ، وتقول الأسطورة إن الضرير قد أبصر هناك [189]. والغرض من ذلك هو إشاعة الكرامة دون المطالبة بدليل على صحتها بالإضافة للتخلص من إثباتها أمام الناس .

     وكان نصر المجذوب المصري " يتظاهر بالخطأ في الكشف حتى لا يعتقده أحد "[190] بنحو ذلك برروا خطأهم فيما يدعون من إطلاع على الغيب .

أنواع الكرامات:  

  علم الغيب :

     1- ويسميه الصوفية كشفاً ، وهو أبرز ما ادّعاه الصوفية من كرامات ، ويرجع سبب شهرتهم بالكشف إلى أن الصوفي ينتظر أو يحس بالإنكار القلبي عليه فيسبق المنكر محتجاً على إنكاره قبل إعلان المنكر له ، فيشتهر الصوفي بقراءة الخاطر ، وبالغ الصوفية في هذا فادّعوا علم الغيب .

   2- ويتواضع بعضهم فيتحاشى الدعوة في شئ من الخمس التي في آخر سورة لقمان " لأنها من خصائص الحق تعالى " ولكنهم في الوقت نفسه يؤولون دعوى بعض الأولياء في عملها [191] ، مع أن الغيب كل لا يتجزأ وهو مما اختص الله تعالى به ذاته ، ولم يعط الله تعالى العلم ببعض الغيب إلا بعض الرسل مثل يوسف (يوسف 37) ، وعيسى ( آل عمران 49) وأكد القرآن أن خاتم النبيين لا يعلم الغيب .

3-   وإدعاءات الصوفية في هذا المجال يضيق عنها الحصر ، فأبو السعود بن أبي العشائر حدّث بإيضاح أحوال الملكوت والآخرة والمنازل والدرجات ومراتب الرجال من آدم إلى يوم القيامة .. إلخ [192] ، ويقول على وفا ( ما من نطفة توضع في رحم .. إلا وقد أطلعني الله عليها) [193] . وادّعى المتبولي بأنه " لا تنزل قطرة من السماء ولا يطلع نبت من الأرض إلا علمت به ... وهذا أمر أعطيته وأنا طفل [194] " ، والعارف يعلم أحوال أهل الجنة علما لا شك فيه بخروجه عن حجاب بشريته [195] " ، والصوفية يعلمون  السرائر لذا نصحوا المريدين بحفظ قلوبهم معهم [196] . من يؤمن بهذه الخرافات يكفر بالله جل وعلا ورسله وكتبه ، وسبحان من " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور – غافر 19" !! ،  فهو القائل سبحانه  {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا الأنعام59}،.

4-    وفي قصة البدوي تتردد معرفته بالغيب حتى أن هلال مأذنته بعد موته يُنبأ بالغيب [197] وإذا وُلد ولي يبشر آخر أباه بما سيكون من أمره وفتوحه [198] . وعرف الشاذلي  بموته في حميثرة واستعد لذلك [199] ، وكان ابن ماخلاً شرطياً يتنبأ للوالي بسريرة المتهم [200] ، وفي لطائف المنن ومناقب المنوفي وغيرها من كتب الصوفية أخبار لا تنقطع عن الكشف ، " ولولا لسان الشريعة " كما يقول الفرغل " لأخبرتكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " [201] ، وكان شعبان المجذوب " يطلع على ما يقع في كل سنة من رؤيته لهلالها " وأعطى مجذوب آخر " التمييز بين الأشقياء والسعداء في الدنيا "[202]، واطلع الخواص على فتوح قلوب الفقراء وكان يخبر بذلك [203] ، بل إنهم ادعوا علم ما في  اللوح المحفوظ وتردد هذا في كتبهم عن الدسوقي والرفاعي والجيلاني [204] وعبد الرحيم القنائي [205] . ويقول الحنفي لو سألتني شيئا لم يكن عندي أجبتك من اللوح المحفوظ [206].      وكان محل كشف الخواص اللوح المحفوظ [207] . خاصة وأن نهاية كشف الولي أن يطلع على ما كتب في اللوح المحفوظ كما يدعي الشعراني [208].

 5 ــ    والشيخ يعلم الخاطر ويمد مريده به ، بل يتفاهمان على أساس الخاطر [209] ، وكان الحنفي يقيم ميعاداً سكوتيا فيلقى بخواطره  في قلوب  أصحابه كل حسب " مشروبه "[210]، " ويتحلى الشيخ  الصادق بعلم يكشف به الحقائق والدقائق ، وإلقاء الملك ، ونفث الشيطان ، والنفث في الروع ، والإلهام ، وخطرات المريد ، ونزعاته وأمراض القلوب وأسرار النفوس " ، ويلاحظ مريده من حين كان في عالم النور قبل وروده وهبوطه  إلى أصلاب الآباء وبطون الأمهات  ، كما يقول الشعراني [211] .

6 ــ وكانت كتب التاريخ كثيراً ما تصف الصوفية بالكشف والعلم بما سيكون [212]. ويروي أبو المحاسن  أن أحدهم في نزاع مع السلطان " جقمق " أعلن في الملأ أن غريمه السلطان سيموت في حادي عشر جمادي الأولى ، وانتظرت العامة النتيجة ، ولكن الشيخ مات قبل ذلك اليوم بعشرة أيام ولم يظهر لكلامه صحة ، وحاول أبو المحاسن مع ذلك تأويل كلام الشيخ ، وأنه كان يقصد نفسه بالموت وأن الجماهير أخطأت في النقل عنه [213] ، مما يتعارض والقصة التي رواها بنفسه الأمر الذي يظهر مدى الاعتقاد في علم الأولياء للغيب .

7        ــ وفي الأمثال الشعبية ما يعزز هذا كقولهم " أنت شيخ ولا حد قالك " [214].

  التصريف:

    1- يقولون إن الولي خرق العادة حين يعطي حرف كن [215] ، أي يقول للشئ كن فيكون ، ويقول الجيلي عن نفسه " وأعطيت حرف كن " [216] ، بل إن الخواص جعل في باطن كل إنسان قوة كن [217] . وفي قصة البدوي مع ركين أنه جعل الشعير قمحاً  بكلمة كن [218] ، وكان الشربيني يقول للعصا التي كانت معه كوني إنساناً فتكون إنساناً ويرسلها تقضي الحوائج ثم تعود كما كانت [219] .

      2- بل ادّعوا أن الولي يتصرف في الموت والحياة ، فالحسن أخو البدوي يميت من تعرض لهما من الأكراد ثم يعيدهم  للحياة ، والبدوي يميت جِمال فاطمة بنت بري السبعة آلاف [220] ، وأحيا على وفا غريقاً عند شاطئ الإسكندرية [221] ، وحين مات الجمل أحياه على وفا إلى ما بعد الحج والرجوع إلى مصر " فمن وصوله إلى باب النصر وقع ميتاً فعلمت أن محيي الموتى أبقاه للخدمة " [222] ، وأحيا المتبولي والد مريده فأخرجه " من القبر " ينفض التراب عن رأسه حين ناداه الشيخ " [223] ، وانتهت كراماتهم مع الأسد ـ أحياناً ـ بإحياء من افترسه الأسد [224].

 

  انتحال صفات الله: من عدم الأكل والشرب والنوم والجماع وغيرها .

     فالبدوي حين نظر عبد المجيد إلى وجهه صُعق [225] ، وكان يظل أربعين يوماً بلا طعام ولا شراب شاخصاً ببصره إلى السماء [226]، ورفض الزواج ولم تفلح معه إغراءات فاطمة بنت بري ، وقال له الرفاعي في المنام " فإن جميع الرجال والأبطال قد نظروا في تاريخ  الرجال فما وجدوا من لا تهيج له روحانية ولا ينظر إلى النساء بشهوة إلا أنت يا فحل الرجال" [227] ، وكان الشيخ خلف – أحد أصحاب البدوي – لا يضع جنبه الأرض ليلاً ولا نهاراً [228] ، وقد سأل الشعراني الخواص عن قوله تعالى " لا تأخذه سنة ولا نوم " هل خلع الله هذه الصفة على أحد من الأولياء فأجاب  نعم ومثّل بعيسى بن نجم الذي ظل بلا نوم سبعة عشرا عاماً [229]، ومكث بعضهم نحو الخمسة شهور[230] ، وآخر سبعة وثلاثين سنة [231] ، وآخر مكث أربعين سنة [232] ، على أن علياً العياشي مكث فترة قياسية حطمت الأرقام السابقة فظل  بلا نوم نحو نيف وسبعين سنة [233] ، وقال اليافعي عن أحد أصحابه " وله إلى تاريخ تأليف هذا الكتاب خمس عشرة سنة لم يضع جنبه الأرض ويمكث أياما عديدة لا يأكل فيها شيئاً [234].

    ونلمح مثل ذلك في مدة امتناع الولي عن الطعام والشراب فتراوحت بين أشهر لا تكمل سنة كما في حالة ابن عمر التباعي (ت 702)[235] ، أو يمكث سنين قد تمتد إلى عشرين سنة[236] ، وقد تصل أكثر من عشرين [237] ، بل إلى أربعين سنة [238] ، وقد يجتمع عدم الأكل والشرب مع عدم النوم كما في حالة عيسى بن نجم [239] ، السالف الذكر ، وربما يطلق على أحدهم صائم الدهر [240].

     ويخرج الولي بعد تلك الخلوة وذلك الحرمان يظهر الكرامات والخوارق [241] . ومع  ذلك فهم أبطال المآدب ، ولهم في الشراهة كرامات .

     هذا وقد عدّ السخاوي ( الصوفى ) صاحب كتاب ( تحفة الأحباب ) من جملة كرامات الأولياء " انقلاب الأعيان ، وكذا المشي على الماء ، والكشف عن حال الموتى ، وسماع كلامهم ، وإحياؤهم بإذن الله تعالى ، وطي الأرض لهم ، والكلام على المستقبل والماضي وإخبارهم بالمغيبات ، وإنفاقهم من الغيب ، وإيثارهم على أنفسهم ، وانطلاق البحر لهم ، وغير ذلك من الكرامات التي شوهدت من كثير منهم " ، ونحو ذلك ما قاله ابن عطاء في لطائف المنن [242].

   كرامات ما بعد الموت  :

1-   يمكن أن يدخل تحت هذا الإطار الكرامات السابقة واللاحقة لسهولة ادّعاء المتصوفة لكرامة أشياخهم المتوفين دون تقديم إثبات ، هذا بالإضافة إلى الدافع المالي فيبالغ المنتفعون في أكاذيبهم عن كرامات صاحب الضريح طمعاً في النذور ، وحتى لا تفتر حماسة الناس للولي بعد موته [243] ، وخشية أن يسرق الأضواء  منه ولي آخر على قيد الحياة .

2-   وفي كتاب عبد الصمد عن البدوي نلمح اتجاها واضحاً لإسناد أكثر الكرامات للأولياء المتوفين . فعبد العال  في ضريحه سمَّر شخصاً ، والشيخ وهيب يهدد اللصوص إذا حاولوا نهب الودائع التي يضعها أهالي قريته عند ضريحه ، والشيخ عمر الشناوي الأشعث يخرج من قبره راكباً فرسا ً ليغيث زائريه من قطاع الطرق ، ومثله الشيخ يوسف البرلسي ، وخلف الحبيشي والشيخ عماد الدين وغيرهم [244] ، والهدف من هذا طمأنة القادمين لزيارة الأضرحة وإخافة قُطاع الطرق . بل إن بعض الأولياء كان يذهب إلى ضريح البدوي يجاذبه أطراف الحديث حتى إن البدوي كان يخرج رأسه من الضريح يسأل عن الشعراني إذا تخلف عن حضور مولده [245]، وقال ابن الصائغ " من لم تظهر كرامته بعد وفاته .. فليس بصادق [246].

3-   وكان أبو السعود بن أبي العشائر " كرامته ظاهرة في حياته ثم بعد وفاته "[247] .ومثله عبد الرحيم القنائي وقد ذكرها رواة مناقبه [248] ، ذلك أن الصوفية يعتقدون اعتقاداً جازماً بحياة الولي في قبره متمتعاً بكراماته متحرراً من قيود الدار الأولى . وقد عدّ الشعراني من المنن معرفته بأوقات تواجد الولي المتوفي في قبره [249].

  الطّيّ 

     1- ويقصد به انتقال الولي من مكان لآخر في لمح البصر أو نحوه ، يقول ابن عطاء عنه " أن تطوى لهم الأرض من مشرقها إلى مغربها في نفس واحد " [250] ، وعليه فقد كان المرسي يحضر يومياً من الإسكندرية إلى المقسم حتى يسمع الميعاد ويعود في نفس الوقت للإسكندرية مع شيخه الشاذلي [251] ، " ونقل  البدوي ابن أخيه من جبل أبي قبيس فى مكة إلى طنطا في غمضة عين ، ثم رده  إلى مكانه في غمضة عين أيضاً [252] ، وفي مناقب المنوفي باب عن طي الأرض له مع عدم تحركه [253] "  وكان السيوطي  يصلي العصر في مكة ثم يرجع ، وقد يصطحب معه خادمه بشرط أن يُغمض عينيه ، وكان صوفي من أهل الخطوة يقول في كل يوم زرت سيدي عبد القادر الجيلاني البارحة ، وزرت النبي عليه السلام البارحة ، وزرت أبا الحجاج الأقصري " فقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري  يحتمل أن يكون صادقاً ، فإن الأمر ممكن فإن الدنيا خطوة مؤمن "[254].

    2- على أن هناك طيًا آخر للزمان ، فقد اشتاق بعضهم لأهله في حصن كيفا . فشاور المتبولي وكان ذلك بعد العصر فأدخله الخلوة ، فرأى نفسه داخل بلده والتقى بأهله ، ومكث عندهم يخطب في الجامع ويقرئ الأطفال مدة تسعة أشهر ، ثم  اشتاق للشيخ فأذن له أبواه فخرج إلى موضع خارج البلد ، فإذا هو في خلوة الشيخ وفي نفس الزمان [255] ، وأقام جمال الدين الكردي يخطب في بلاد الأكراد مدة ستة أشهر ثم رجع إلى مصر ، وكل ذلك بعد صلاة العصر [256] .

  التطور:

      وهو على أنواع ، فقد يتطور الولي لتصير له سبع عيون أو يتربع في الهواء [257]، أو يتشكل في صورة أسد أو فيل أو فقير أو أمير أو فلاح أو جندي ويوصف حينئذ بأن " التطور دأبه ليلاً ونهاراً "[258]، وقد يكون للولي أكثر من جسد فيُرى في أكثر من بلد في وقت واحد [259] ، وربما يحلف شخص بالطلاق أنه رآه في عرفات مراراً وهو لم يذهب للحج [260]، وقد ذهب المرسي إلى خمسة ولائم في وقت واحد [261]، وصلى محمد الخضري الجمعة في ثلاثين بلداً في وقت واحد ، يبيت في الليلة الواحدة في عدة بلاد [262].

  في قراءة القرآن:

      اتخذت الكرامات هنا وسيلة للهروب من تلاوة القرآن خاصة وأنها ظهرت في أواخر العصر ، فكان أبو السعود الجارحي يصلي بالقرآن في ركعة أو ركعتين [263] .

     وذكر الشعراني أن أبا العباس الحريثي ذكر أنه قرأ بين المغرب والعشاء خمس ختمات فقال نور الدين المرصفي " الفقير . يعني نفسه " وقع له أنه قرأ في يوم وليلة ثلاثمائة  وستين ألف ختمة كل درجة ألف ختمة [264] " فقال له الشعراني بالحروف يا سيدي ؟ فقال نعم لأن الروح إذا تجردت عن الجسم الكثيف فعلت ذلك ، ويقول " ويقع ذلك للأولياء لشرف قدرهم عند الله فإن أعمار هذه الأمة قصيرة ، فأقدر الله خواص هذه الأمة على ذلك ، ليرجح أحدهم في الأعمال على عُبّاد الأمم السابقة الذين عاشوا نحو الخمسمائة سنة [265].

      ويحكي الشعراني عن نفسه أنه أحرم بصلاة الصبح خلف الإمام الذي افتتح سورة المزمل فسبق لسان الشعراني للقرآن، فقرأه من أول سورة البقرة ولحقه في قراءة الركعة الأولى قبل أن يركع [266] .

  رؤية الله سبحانه  والملائكة والعرش:

   فى خرافاتهم ادّعى الصوفية رؤية الله . يقول المرسي إن له أربعين عاماً ما حجب فيها عن الله طرفة عين [267] ، وكان تاج الدين النخال يتجلى عليه الحق في الخلوة [268] ، وجعل الشعراني من المنن تشريفه برؤية الله تعالى في النوم خمس مرات ، ويقول إن شخصاً ادّعى أنه اجتمع به في سوق الوراقين فأنكر عليه بعض العلماء ويرى الشعراني أن ذلك الإنكار غير صحيح [269]، وقد أطلع الله الشعراني على عدد أصحابه وعرفه بأنسابهم [270] ، وأطلعه على السعداء من البشر والأشقياء منهم .

     2- وفى خرافاتهم توثقت علاقة الأولياء بجبريل ، فكان عبد الرحيم القنائي يستشيره فيما يعن من مشكلات مريديه [271] ، خاصة وأن مخاطبة جبريل لا يمنع منه لدى الصوفية عقل ولا نقل على حد قول الدسوقي [272] ، والكلام مع جبريل وغيره من الملائكة من كرامات الأولياء عندهم ، وليست بمستحيلة  ولا منكرة ، وكتب الرقائق مشحونة بحديث الأولياء معهم وقد ذكر بهاء الدين الأخميمي أن ملك الموت أخبره بعمره ، واجتمع آخرون بعزرائيل وأوصى بعضهم – على ميت – منكراً ونكيراً [273]، وكان بعضهم يكلم " الملكين الكرام الكاتبين "[274].

4-   واتخذ الصوفية من العرش مجالاً لكراماتهم حتى أن الدسوقي يقول  " أنا العرش أنا الكرسي أنا اللوح أنا القلم " [275] ، وتواضع باقي الأولياء ، فادّعوا أن أبصارهم تطمح حتى تحيط بالعرش " [276]، وكان الخضري يقول " لا يكمل الرجل عندنا حتى يكون مقامه تحت قوائم العرش " [277] ، واطلع أحدهم على مقام الشاذلي فوجده عند العرش [278] . وسُمى ياقوت بالعرش لأنه كان دائما ينظر للعرش وليس في الأرض سوى جسده [279] ، ويقول المرسي " والله إني لأعرف العرش كما أعرف كفّى هذه [280] " ، وادعى كثير من الأولياء بأنه يعلم أزقة السموات أكثر من علمه بأزقة الأرض [281].

 

  الأسد :

     استغله الصوفية في كراماتهم خاصة وأن السباع كانت تهدد  الحجاج [282] . وقد أغرق سيل بالشام أحد عشر أسدًا [283].والأسد يتصاغر في الكرامات الصوفية حين يفترس من ينقذه الولي ، وربما يحمل عليه الولي الحطب أو يركبه ، أو يلجأ الأسد لبيت الصوفي مستجيراً من جرح [284] .

 الذهــب:

    أدى فقر الصوفية إلى اتخاذهم قلب الأعيان ذهباً ـ جانباً هاماً من كراماتهم تفننوا في حبكها ، مع الحرص على انتهاء الكرامة بأن يعود الذهب إلى حالته الأصلية . وربما يعلن الولي مقدرته على قلب الشئ ذهباً ـ بدون قصد ـ فيتحول ما يشير إليه إشارة  عابرة إلى ذهب ، ومن الأشياء التي حولت ذهباً  الطوب والحطب والهواء والحجر والماء وحتى الباذنجان [285] .

      وتفرد الشاذلي بأن الله أوحى إليه ـ فيما يزعم ـ أن يجعل في بوله ما يشاء يكن ذهباً ، ويبدو أنه كان يتحرج من ذلك فيأمر خادمه أن يبول على الحجر  فيحوله ذهباً [286] ، وكان آخر كلما استنجى بحجر تحول ذهباً [287]

  الطعــام :

      كان كسابقة مجالاً للكرامات ، واحتوت كتب المناقب على الكثير منها ، وهي على أنواع منها إحضار ما لذ وطاب من الطعام من حيث لا يدري أحد [288] ، أو أن الولي يميز الطعام الحلال والحرام حين يكون مدعواً ، واشتهروا بهذا التخصص لأن حياتهم قامت على الأكل من طعام الناس حراماً أو حلالاً ، حتى أن مباراة عقدت بين وليين حضرها الظاهر بيبرس فيما يرويه الصوفية [289] في هذا الشأن .

    وحكيت كرامات على مثال ما روي في خرافات السيرة النبوية من أن الطعام القليل يكفي  جمعاً عظيماً  من الناس ، وبُولغ في ذلك على عادة الصوفية [290] . مع أن ما ورد في السيرة النبوية لا أساس له من الصحة .

     ولم يتحرج الصوفية عن وصف تهالكهم في حب الطعام ، فكان من كرامات ابن عبد ربه الصوفي  أنه أكل طعام مولد بأكمله ، وأكل مرة لحم بقرة كاملة [291] ، وكان الشيخ دمرداش إذا غلب عليه الحال يأكل الأردب من الفول ، وعمل له الأمير أقبردي الداودار سماطاً فلم يدعُ أحداً من أصحابه ، وأكله بنفسه ، وكان يكفي خمسمائة نفس ، ولم يبق شيئاً ، فقال " لم أشبع" ، فأتوه بكسر يابسة ، وقيل له كيف أكلت ذلك كله ؟ فقال : رأيت شبهات فأحضرت طائفة من الجن فأكلوه  وحميت الفقراء منه [292].

  كرامات تافهة:

      1- أصبح ادعاء الكرامات ميداناً مباحاً أمام كل من هب ودب من مدّعى الصوفية ، هذا بالإضافة إلى أن الكرامات في حد ذاتها تعتبر انعكاساً لحياة المتصوفة أنفسهم ، فعد من كرامات الحنفي أنه " إذا وضع يده على الفرس الحرون لم يعد إلى حرونته " [293] ،  على أن هذا التفكير أنعكس بدوره على نظرة العصر لكرامات المتصوفة أنفسهم ، فنجد  أبا المحاسن يعد من كرامات يحيى الصنافيري المجذوب أنه كان يغطس في الماء البارد في الشتاء وفي شدة الحر يجلس في الشمس عريان مكشوف الرأس ، ومن كراماته أيضاً أن امرأة أتته وقالت يا سيدي إن لي بقرتين سُرِقتا فقال لها  " حطي الفول في المدود وهما يأكلان الفول ، فمضت عنه ، وجعلت الفول في المدود حتى كان الليل أقبلت البقرتان إلى المدود وأكلتا الفول " [294] . وكان  الولي إذا مات في خانقاه مثلاً تشترى ثيابه بأغلى الأثمان ويعلن أن ثمنها قدر ما أخذه من معلوم أي مرتب الخانقاه [295].

    3- لذا كان من المقبول أن يتقبل الرأي العام ادعاءات الصوفية  بالغاً ما بلغت تفاهتها . فكان حسن إبريق العابد إذا وقع الدلو منه في البئر  يأمر الماء أن يرتفع بالدلو ، وقد أُعطى أنساب جميع الحيوانات . وكان حسن الطراوي إذا فقد ماء الوضوء ينزل عليه ولي من السماء في عنقه قربة مملوءة من ماء النيل [296] ويدعى الشعراني أنه كشف عنه الحجاب في عام 923 حتى سمع تسبيح الجمادات والحيوانات من البهائم وغيرها ، ويسمع من تكلم في أطراف مصر وقراها إلى سائر أقاليم الأرض ثم إلى البحر المحيط حتى صار يسمع تسبيح السمك [297] . ووحلت سفينة فقال أحد الأولياء " أربطوها في بيضي بحبل وأنا أنزل وأسحبها ، ففعلوا فسحبها ببيضه حتى تخلصت من الوحل إلى البحر " [298] ، وكان أحدهم يقسم الأرزاق بين الحيوانات والطيور زمن القحط [299] ، وكان آخر يضرب الأرض برجله فينبع الماء ثم يضربها ثانية فيخرج منها قدحاً يضع فيه الماء [300] ، وكان الشيخ محمد الكناس من أصحاب البدوي يكنس مقام البدوي والجيلي والرفاعي وعدة مقامات في بلاد المغرب وغيرها ويرجع إلى طنطا في ساعة [301] ، وخرج الشيخ البلتاجي من قبره ليعيد حمارة ضائعة ليوسف العجمي [302] ، وكان أبو العباس الحرار حين يستنجي تستحلفه الأحجار بالله ألا يستنجي بها وأخيراً يجد حجراً يقول له إن الله أمرني أن أتطهر بك [303] !!

       4- واخترعت الكرامات الصوفية نوعاً من الأولياء يطيرون في الهواء ، وقد أولم

الشيخ البسطامي وليمة فاخرة لهم فتساقطوا من الهواء وأتوا عليها [304] ، وقد طار المرسي في الهواء ليستوثق من أن خادمه يكذب عليه حين قال له أنه سقى الفرس [305].

      وعكست  الكرامات الصراع بين الأولياء ، فقيل عن حبيب المجذوب أنه كان كثير العطب ليست له كرامة إلا  في أذى الناس [306] . ومد أبو عبد الله المكي يده من المغرب فهدم الخلوة على زروق الفاسي في بولاق ، فنجاه الله ببركة أبي العباس الحضرمي [307].

ومع أن القارىء اليوم لهذه الخرافات لا يستطيع منع نفسه من الضحك أو من التعجب إلا إن العصر اللملوكى كان يؤمن بهذه الخرافات ويصدقها ، ولم نجد أحدا من المؤرخين المعاصرين لأولئك الأولياء تندر عليهم ، بل ساد وصف الصوفية فى المصادر التاريخية بلفظ ( المعتقد ) أى الذى يعتقد الناس ولايته وبالتالى كراماته مهما بلغت المبالغة والتفاهة فى سبك تلك الكرامات .

وكانوا مع هذا يزعمون أنهم مسلمون ، يقولون بألسنتهم ( سبحان ربى العظيم ) ..

                                            

                                               

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

                            



[1]
- النويري الإلمام 1 لوحة 178 ، الشعراني : اليواقيت والجواهر 2/84 ، الكبريت الأحمر 4/11

[2] - المدخل 2/210- 211.

[3] - ذكر مناقب المنوفي 31.

[4] - لواقح الأنوار للشعراني 244.

[5] - باب الرياحين لليافعي ص8.

[6] - الشعراني " اليواقيت والجواهر " ، جـ2/79, 82.

[7] - لطائف المنن للشعراني 532.

[8] - لطائف المنن 492.

[9] - الشعراني أدب العبودية 33.

[10] - الشعراني " اليواقيت والجواهر " جـ2/83

[11] - طبقات الشرنوبي مخطوط 504.

[12] - لطائف المنن 383.

[13] - لطائف المنن 268.

[14] - اليافعي روض الرياحين 187.

[15] - الطبقات الكبرى للمناوي مخطوط 341.

[16] - دائرة المعارف 13/59.

[17] -  آداب العبودية 32.

[18] - تعطير الأنفاس 16.

[19] - تعطير الأنفاس 46.

[20] - النويري الإلمام بالإعلام جـ1/178.

[21] -  ديوان البوصيري ص 73.

[24] - طبقات الشرنوبي مخطوط 1، 4.

[25] - طبقات الشرنوبي 7، 8.

[26] - مناقب المنوفي 11..

[27] -  ابن الزيات الكواكب السيارة 181.

[28] - الطبقات الصغرى للشعراني 65.

[29] - مناقب  الحنفي مخطوط 128، 129، 279: 380.

[30] -  الدرر الكامنة جـ 2/483، 484.

[31] - البدر الطالع جـ2/244

[32] - روض الرياحين 273.

[33] - الشعراني . الطبقات الكبرى جـ2/28، الطبعة القديمة .

[34] - الميزان الخضرية للشعراني ص1.

[35] - لطائف المنن لابن عطاء 47- 49.

[36] - المدخل جـ 2/ 201، 202.

[37] - ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل جـ1/72.

[38] - قاموس العادات والتقاليد المصرية 193- أحمد أمين .

[39] - الميزان الخضرية 16، 17.

[40] -  الطبقات الكبرى جـ 2/108 – 109 ، لواقح الأنوار :211.

[41] - الطبقات الكبرى جـ2/108- 109 ، لواقح الأنوار : 211.

 - [42] الكواكب السيارة 261: 262 ابن الزيات

[43] -  ابن العماد الحنبلي شذرات الذهب 6/290.

[44] - تعطير الأنفاس 30، 31، 233، 234، الطبقات الكبرى للمناوي 294.

[45] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/89.

[46] -  الكواكب السيارة 246. 217

[47] - روض الرياحين في حكايات الصالحين 174، 175.

[48] - إنباء الهصر 485.

[49] - ذيل بن العراقي مخطوط 250

[50] - التبر المسبوك للسخاوي 233.

[51] - مقدمة ابن خلدون 110، 111.

[52] - شفاء السائل في تهذيب المسائل 88 وفي هذا الكتاب ناقض ابن خلدون ما قاله عن التصوف في المقدمة .

[53] - لطائف المنن 111.

[54] - الشعراني اليواقيت والجواهر 155-156 وقد ذكر أمثلة لذلك في الطبقات الكبرى جـ2/ 120.

[55] - الشعراني اليواقيت والجواهر 155-156 وقد ذكر أمثلة لذلك في الطبقات الكبرى جـ2/ 120.

[56] - أخبار القرن العاشر .

[57] -  لطائف المنن 189- 190.

[58] - البحر المورود 185.

[59] - أخبار القرن العاشر 210.

[60] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/120، 121

[61] -  من الصعب حصرهم في سائر المراجع وعلى سبيل المثال : المنهل جـ3/187، النجوم جـ11/138 ، 16/177 ، 195، 13/18، ابن إياس جـ2/211 ط بولاق ، 4/386، الضوء اللامع جـ1/184 ، 3/50 السلوك 3 قسم  2/511، إنباء الغمر 3/261، 3/153، 1/59.

[62] - ابن حجر ذيل الدرر الكامنة مخطوط 22.

[63] - التبر المسبوك للسخاوي 237 ترجمة الشيخ بكير – وورد في الضوء اللامع جـ3/18

[64] -  تاريخ ابن إياس تحقيق محمد مصطفى جـ2/265 ترجمة الشيخ الطوخي .

[65] - الضوء اللامع جـ2/260 ترجمة ابن المؤمني.

[66] - لطائف المنن للشعراني 129.

[67] - إنباء الغمر جـ2/57 ، النجوم الزاهرة 13/10.

[68] - تاريخ ابن إياس تحقيق محمد مصطفى 1/2- 373.

[69] - المنهل الصافي مخطوط 5/481 ، النجوم الزاهرة 11/118- 119.

[70] - الشعراني .. لواقح الأنوار ص 101، 102.

[71] -  المدخل جـ2/151.

[72] - الشعراني  الطبقات الكبرى جـ2/17.

[73] -  الطبقات الكبرى  للشعراني جـ2/76.

[74] -  الطبقات الكبرى – للشعراني جـ2/110، جـ2/111.

[75] - الطبقات الكبرى – الشعراني جـ2 /127.

[76] - لطائف المنن 355 .. الشعراني .

[77] - لطائف المنن .. الشعراني : 40.

[78] - لطائف المنن ، الشعراني 144، 151.

[79] - لطائف المنن 144ن البحر المورود 89، 90.

[80] - لطائف المنن 146.

[81] - الطبقات الكبرى جـ2/130.

[82] -  الطبقات الكبرى جـ2/ 124

[86] - لطائف المنن ص 147.

[87] - الطبقات الكبرى جـ2/144.

[88] - الشعراني . إرشاد المغفلين ص 273.

[89] -  لطائف المنن 256، 277.

[90] -  لطائف المنن 365، 392 ، 291.

[91] -  لواقح الأنوار 99

[92] - صحبة الأخيار 39.

[93] - تنبيه المغترين 136

[94] - لطائف المنن للشعراني 149: 151. 172.

[95] - لطائف المنن فصل الشعراني فيه ما يقاسيه بسبب التحمل 322: 323. 551.

[96] - لطائف المنن 551.

[97] - لطائف المنن 151.

[98] - الطبقات الكبرى ج2/148.

[99] - لطائف المنن 572 ، 352، 353.

[100] - لطائف المنن 572، 352، 353.

[101] - لطائف المنن 123، 124.

[102] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/18.

[103] - مناقب الوفائية مخطوط 48.

[104] - طبقات الشافعية جـ5/23.

[105] - مناقب الحنفي 340مخطوط .

[106] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/105.

[107] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/150.

[108] -  لطائف المنن 143- 144.

[109] - لطائف المنن 147.

[110] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/125 ، الغزي : الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة جـ1/167.

[111] -  الطبقات الكبرى  جـ2/125 ، الغزّى الكواكب جـ1/213

[112] - الطبقات الكبرى جـ3/130

[113] - قواعد الصوفية جـ1/192 وقد أخذ عنهم الشعراني التربية بالنظر – لطائف المنن 392.

[114] - ابن عطاء لطائف المنن 56.

[115] - الكواكب السيارة 151، تحفة الأحباب 290.

[116] - الطبقات الكبرى جـ2/122 الشعراني .

[117] - مناقب  الحنفي مخطوط 274 :283.

[118] - طبقات الشافعية جـ5/22

[119] - شذرات الذهب جـ7/297.

[120] - الضوء اللامع جـ1/ 7 ، جـ1/251

[121] - التبر المسبوك 137 .

[122] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/90.

[123] - الطبقات الكبرى جـ2/109.

[124] - الضوء اللامع جـ1/189.

[125] - الطبقات الكبرى جـ2/128 الشعراني .

[126] - في مناقب المتوفي فصل في المقدمة عن إثبات الكرامة .

[127] - اليافعي . فضل مشايخ الصوفية ص17 وما بعدها .

[128] -  اليافعي . روض الرياحين 205. الشعراني ، فتح المنة في التلبس بالسنة 22.

[129] - حوادث الدهور جـ1/ 140.

[130] - المقدمة 110، 474.

[131] - السبكي . معيد النعم 159

[132] - رسالة السيوطي : القول  الجلي في تطور الولي .

[133] - مجموعة الرسائل والمسائل في الجزء الأول .

[134] - الطالع السعيد 370، 373.

[135] - الجويري : المختار في كشف الأسرار 21، 22.

[136] -  نفس المرجع 23

[137] - نفس المرجع 22، 23 وذكر طريقة أخرى ص 26.

[138] - نفس المرجع 24: 142.

[139] - نفس المرجع 280.

[140] - المدخل جـ2/201.

[141] - تاريخ  ابن كثير جـ14/36.

[142] - تاريخ قاصي شهبه – مخطوط جـ1/6 ترجمة ابن صديق التبريزي.

[143] - الصفدي . أعيان العصر مخطوط جـ6 قسم 1 ورقة 48، 49.

[144] - تاريخ البقاعي . مخطوط 88، 89.

[145] - السخاوي . التبر المسبوك 338

[146] - محمد كامل حسين – حوليات آداب القاهرة مجلد 16 سنة 1954 ص 49.

[147] - عبد الصمد . الجواهر 79

[148] - رويت كرامات لأبي العباس الملثم في ابن الفرات والطالع السعيد بدون تغيير في الألفاظ ونفس الوضع في ترجمة شرف الدين الصعيدي الذي امتحن الغوري امتناعه عن الطعام والشراب أربعين يوماً . الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/138 ، شذرات الذهب جـ8/91 وقد نسبت أيضاً لمعاصر للحجاج بن يوسف ، اليواقيت والجواهر جـ2/104 وغير ذلك كثير .

[149] - ابن عطاء لطائف المتن 57.

[150] - ابن عطاء لطائف المنن 56

[151] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/18.

[152] -  كما في ترجمته للمرحومي الطبقات الكبرى جـ 2/95 والغمري جـ2/127.

[153] - السخاوي : التبر المسبوك 338.

[154] - الطبقات الكبرى للشعراني . ط صبيح جـ2/123.

[155] - الضوء اللامع جـ3/133.

[156] - مناقب الحنفي ( مع الناصر فرج) .

[157] - مناقب الحنفي 384 ، النجوم جـ11/187، المنهل الصافي جـ5/ 441.

[158] - الإلمام بالإعلام للنويري مخطوط مصور مجلد 2 لوحة 78.

[159] - تعطير الأنفاس مخطوط 51 ، 55 ما بعدها ، 77 وما بعدها .

[160] -  مناقب الحنفي مخطوط 473 ، 474.

[161] - الطبقات الصغرى للشعراني ترجمة السيوطي 30، ترجمة زكريا الأنصاري 40، ترجمة شمس الدين الدمياطي ص53.

[165] - الكواكب السيارة  247، 248

[166] - ذيل ابن العراقي مخطوط 65.

[167] - أحمد تيمور الأمثال الشعبية  315 ، 378 الطبعة الأولي

[168] - الكواكب السيارة 250، 251.

[169] - تعطير الأنفاس مخطوط 80.

[170] - المناوي ، الطبقات الكبرى مخطوط ورقة 283.

[171] - اليواقيت والجواهر جـ1 /163.

[172] - الجواهر والدرر 175.

[173] - الجواهر والدرر 171.

[174] - كشف الران ص80.

[175] - لطائف المنن ص 316، ص7، 90، 235.

[176] - البحر المورود 273، 274.

[177] - لطائف المنن 93.

[178] - الجواهر والدرر 123.

[179] - اليواقيت والجواهر جـ2/106.

[180] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/88.

[181] - لطائف  السنن – الشعراني 48- 49 ، وذكر قصة ص409 عن عجز المريدين عن تحمل الأسرار من الشيخ

[182] - لطائف المنن 90

[183] - درر الخواص 67

[184] - الشطنوفي – بهجة الأسرار . مخطوط – 29 إلى 30.

[185] - تعطير الأنفاس – مخطوط ص 204

[186] - مناقب المنوفي ، مخطوط من 5 إلى 7

[187] - لواقح الأنوار . ص 241، ص371، لطائف المنن 592.

[188] - مناقب الوفائية – مخطوط 72.

[189] - الطبقات الكبرى – الشعراني جـ2/108.

[190] - أخبار القرن العاشر 185.

[191] - لطائف المنن للشعراني 409، 430.

[192] - الكواكب السيارة 316، 317.

[193] - مناقب الوفائية 43

[194] - الطبقات الكبرى للمناوي مخطوط 337

[195] - درر الخواص 11.

[196] - درر الخواص 81 . قواعد الصوفية جـ1/158 ، الطبقات الكبرى جـ2/ 94، 150

[197] - عبد الصمد الجواهر 76

[198] - شذرات الذهب جـ8/30،31.

[199] - الإلمام مخطوط مجلد 2- 79.

[200] - طبقات الشاذلية 111، 112

[201] - مناقب الفرغل 1 مخطوط .

[202] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/159، 130.

[203] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/130.

[204] - طبقات الشرنوبي 7، 8 .

[205] - مناقب عبد الرحيم 15

[206] - الطبقات الكبرى . 2 / 89 

[207] - الطبقات الكبرى . .2 / 135   

[208] - الجواهر والدرر 195.

[209] - السبكي معيد النعم 158، 159.

[210] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/82.

[211] - لطائف المنن للشعراني 388.

[212] - ذيل الدرر الكامنة  لابن حجر مخطوط ورقة عشرة ، 165.

[213] - حوادث الدهور 107: 108 سنة 855.

[214] - الأمثال الشعبية لتيمور 99 ، الشعب المصري في أمثاله .شعلان ص179

[215] -  الجواهر والدرر 161.

[216] - لطائف المنن 188.

[217] - الجواهر والدرر 122.

[218] - عبد الصمد الجواهر 37، 38.

[219] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/118.

[220] -  عبد الصمد . الجواهر 47. 51 . وكان يصف البدوي في نهاية كتابه بالمحيي المميت . 

[221] - مناقب الوفائية 15، 16 .

[222] - مناقب الوفائية 77، 48

[223] - الطبقات الكبرى جـ2/76.

[224] - الإلمام مجلد 2 لوحة 74 ، بهجة الأسرار مخطوط جـ2/19 : 20.

[225] - عبد الصمد 11، 24.

[226] - عبد الصمد 6، 7 ، 10، 36، النصيحة العلوية للحلبي 23.

[227] - عبد الصمد 17، 49.

[228] - عبد الصمد : 28.

[229] - الجواهر والدرر 140: 143.

[230] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/155

[231] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/161.

[232] - صحبة الأخيار للشعراني 136.

[233] - الطبقات الكبرى جـ2/ 162.

[234] -  روض الرياحين 179.

[235] - النبهاني جامع كرامات الأولياء جـ1/137

- السبكي طبقات الشافعية جـ5/ 3: 7    [236].

[237] - الضوء اللامع جـ1/ 201 ترجمة ابن عرب

[238] - شذرات الذهب جـ7/ 350.

[239] -  تنبيه المغترين 130 وقد ظل على وضوء واحد

[240] - ابن إياس تحقيق محمد مصطفى 1/2- 351، 375 ترجمة شمس الدين التبريزي .

[241] - شذرات الذهب جـ7/350.

[242] - تحفة الأحباب 349 . لطائف المنن 35.

[243] - عاشور البدوي 163.

[244] - عبد الصمد الجواهر 25: 35 ، 70، 71.

[245] - عبد الصمد 33، 67، 68.

[246] - الكواكب السيارة 287.

[247] - تحفة الأحباب 474.

[248] - مناقب عبد الرحيم مخطوط 22 وما بعدها .

[249] - لطائف المنن 194.

[250] - لطائف المنن 35.

[251] - تعطير الأنفاس 246.

[252] - عبد الصمد الجواهر 58، 61.

[253] - مناقب  المنوفي مخطوط 41: 46

[254] - شذرات الذهب جـ8/54، الطبقات الصغرى للشعراني 30، 31، 44.

[255] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/75.

[256] - الجواهر والدرر 164.

[257] - الغزي الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة جـ1/198 ترجمة الشيخ الغمري .

[258] - الغزي نفس المرجع جـ1/213 ترجمة سويدان المجذوب . شذرات الذهب جـ7/350 ترجمة حسين الصوفي .

[259] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/94 ترجمة محمد الخضر .

[260] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/149 ترجمة نور الدين الشوفي .

[261] - الطبقات الكبرى للمناوي مخطوط 262.

[262] - أخبار القرن العاشر مخطوط ورقة 57.

[263] - شذرات الذهب جـ8/166 ،167.

[264] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/112.

[265] - البحر المورود 267، 268.

[266] - لطائف المنن 294.

[267] - تعطير الأنفاس 220،221.

[268] - طبقات الشاذلية 118.

[269] - لطائف المنن 382.

[270] - لطائف المنن 393، 352.

[271] - مناقب عبد الرحيم ، مخطوط ، ورقة 10، 11.

[272] - حسن شمه ، مسرة العينين ، مخطوط ، ورقة 8.

[273] - لطائف المنن 403: 404.

[274] - لواقح الأنوار 335، والطبقات الكبرى للمناوي – مخطوط ورقة 106.

[275] - حسن شمه مسرة العينين مخطوط ورقة 10

[276] - الجواهر والدرر 166.

[277] - أخبار القرن العاشر 63.

[278] - لطائف المنن ابن عطاء 44

[279] - عيون الأخيار جـ2/442 ، الطبقات الكبرى للمناوي مخطوط 333.

[280] - تعطير الأنفاس مخطوط 273.

[281] - طبقات الشاذلية 118 ترجمة تاج الدين النخال . أخبار القرن العاشر 175 ترجمة ابن عنان .

[282] - السلوك 3/2/888.

[283] - تاريخ ابن الفرات 8/154 حوادث سنة 692.

[284] - الكواكب السيارة 206: 208 ، بهجة الأسرار 2/19 ، حياة الحيوان للدميري 2/15: 16.

[285] -  روض الرياحين 197 ، الكواكب السيارة 318 – مناقب الحنفي 217: 221، المدخل لابن الحاج جـ2 /174، 175.

[286] - تعطير الأنفاس 31، 49.

[287] - المدخل لابن الحاج جـ2/175.

[288] - تعطير الأنفاس 55، 56، 223، 224 ، 263 ـ 264.

[289] - الكواكب السيارة 106، 107، 131، تحفة الأحباب 247، تعطير الأنفاس 230

[290] - لطائف المنن 190، 490.

[291] - شذرات الذهب جـ7/323.

[292] - الغزي الكواكب السائرة جـ1/193.

[293] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/88

[294] - المنهل الصافي جـ5 /481.

[295] - أنباء الغمر جـ3/384-385.

[296] - الطبقات الكبرى للمناوي 386.

[297] - لطائف المنن 230

[298] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/78.

[299] - بهجة الأسرار للشطنوفي جـ2/28

[300] - الإلمام مجلد 2 / 76.

[301] - الطبقات الصغرى للمناوي مخطوط ورقة 265.

[302] - الطبقات الكبرى للمناوي 284.

[303] - الطبقات الكبرى للمناوي 264.

[304] - مناقب الحنفي  389.

[305] - تعطير الأنفاس 241.

[306] -  الطبقات الكبرى للمناوي 385.

[307] - طبقات الشاذلية 120.