ßÊÇÈ كتاب ( التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية
ج 1 ب 1 ف 2 ( المرحلة الثانية للعقيدة الصوفية من بعد الغزالي ( 505 ) إلى ابن عربي ت 638 هـ):

في الجمعة ١٩ - أبريل - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الباب الأول :  مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية من خلال الصراع السنى الصوفى                   

 الفصل الثانى : ( المرحلة الثانية للعقيدة الصوفية  من بعد الغزالي ( 505 ) إلى ابن عربي ت 638 هـ): 

   ازدهار التصوف في عصر الغزالي

مدخل :

1 ـ استطاع " الجنيد" وتلاميذه الحفاظ على رمق للتصوف عاش به وسط النفوذ الحنبلي الذي سيطر على الخلافة العباسية منذ عهد المتوكل العباسي ، ذلك الخليفة التي أوسع للحنابلة في سلطانه فاضطهدوا الشيعة والصوفية وأهل الكتاب ، ثم ضعفت قبضة الخلافة العباسية ، وظهرت ولايات مستقلة في إطار الدولة العباسية ، وتكاثر الأمراء والمتغلبون داخل بغداد وخارجها ،وانتشرت الاضطرابات السياسية ، وتكاثر الظلم ، وبنفس القدر ازداد أتباع التصوف وكثرت مدارسهم وتشابكت وسائل الاتصال بينهم عبر الأقطار والولايات ، فازدهرت السياحة الصوفية تنشر المبادئ والأفكار والأخبار والمنامات والكرامات ، وتجتذب طوائف العوام ، وأصبح المتغلب على الحكم في الولايات والدويلات يضيق بالفقيه الحنبلي الذي يقول هذا حرام وهذا مكروه ، وأضحى يميل إلى الشيخ الصوفي الذي يحرق له البخور ويرى كل الأفعال ( صالحة أو طالحة ) مصدرها من الله ولا سبيل للاعتراض عليها ، ومن هنا بدأ التحالف بين الصوفية والحكام ، ونمى تيار التصوف برعاية الحكام ودخول أفراد العوام ليصيروا شيوخاً بدون تعب في طلب العلم الظاهر ، وإنما بمجرد إدعاء الولاية وترديد أقوال الشطح وعقائد التصوف . ويكفيهم أن الغزالي شيخ الفقهاء والمتكلمين والصوفية هزم الفقهاء والمتكلمين ، ويكفيهم أن المرحلة الأولى بدأت بنفاق " الجنيد " ، ثم تحول النفاق – بالغزالي – إلى وفاق بين السّنة والتصوف ، وقبلها فى العصر العباسى الأول تم أسلمة ( السنة ) بالجمع بين مقولتى ( الكتاب والسنة ) ، أى نفس الثنائية المعهودة لدى المسلمين فى اديانهم الأرضية التى لا تكتفى بالقرآن الكريم وحده مصدرا لدين الاسلام ، مع أن كل رسول نزلت عليه رسالة الاهية واحدة وبكتاب واحد وليس بكتاب وسنة أو كتاب و ( عترة ) أو كتاب وتصوف .!! لكننا هنا لا نتحدث عن الاسلام ولكن عن المسلمين وتصوفهم وصراعه مع دين السنة .

إنكار الغزالى على صوفية عصره

1 ــ مر بنا أن القشيري أنكر على عوام الصوفية مقالتهم في الاتحاد بالله وإتيانهم المحرمات مع تركهم المفروضات .. وإن ذلك دفعه لكتابة ( الرسالة القشيرية ) لهم حتى يدافع عن مبدأ التصوف الذي يواجه إنكار الأعداء من الفقهاء ..

2 ــ وعلى نفس الطريق سار الغزالي ينكر على أوباش الصوفية في عهده أن يتشبهوا بالأولياء السابقين في دعاويهم ويهمنا أن هذا التيار الصوفي كان في ازدياد في عصر الغزالي إلى درجة أجبرته على أن يتصدى له بالإنكار في كتابه ( الإحياء) ، مع أن الغزالي وهو الفيلسوف الحصيف  يدرك أنه بذلك يناقض نفسه ، إذ كيف يقرر عقائد الصوفية في صفحة ثم ينكر على بعض الصوفية التلفظ بتلك العقائد في صفحة أخرى ..

3 ــ ومعنى ذلك أن الغزالي قد أختار أهون الشرين ففضل الوقوع في التناقض مع نفسه- وهو ينكر على الصوفية تطبيق عقيدته -  على أن يدع غيره من الأخصام يتولى الإنكار عليهم وعلى التصوف فيتجاوز بالإنكار إلى حد يخشى من الوصول إليه ، وهكذا بادر الغزالي فسحب البساط من تحت أرجل الفقهاء ، وأنكر على طائفة من الصوفية في عدة أسطر ، بينما ملأ صفحات من كتابه في الإنكار على الزهاد والعباد والفقهاء والمتكلمين وأصحاب الحديث في أمور سلوكية لا تمس العقيدة ولا ينجو منها أي إنسان مهما كان .

4 ــ يقول الغزالي عن بعض الصوفية ( طائفة أدعت علم المعرفة ( الاتحاد) ومشاهدة الحق ومجاوزة المقامات والأحوال والملازمة في عين الشهود والوصول إلى القرب ( تلك اصطلاحات الصوفية عن الاتحاد بالله ) ، ولا يعرف هذه الأمور إلا بالأسامي والألفاظ ، لأنه تلقف من ألفاظ الطامات ( يقصد الشطح ) كلمات ، فهو يرددها ، ويظن أن ذلك أعلى من علم الأولين والآخرين ، فهو ينظر إلى الفقهاء والمفسرين والمحدثين وأصناف العلماء  بعين الازدراء فضلاً عن العوام ، حتى أن الفلاح ليترك فلاحته والحائك يترك حياكته فيلازمهم أياماً معدودة ، ويتلقف منهم تلك الكلمات المزيفة فيرددها كأنه يتكلم عن الوحي ويخبر عن سر الأسرار ، ويستحقر بذلك جميع العُبَّاد والعلماء ، فيقول في العُبَّاد ( جمع عابد) إنهم أجراء مُتْعَبون ( يعني يعملون بأجر هو الجنة فاتعبوا أنفسهم بالعبادات ولو أدعو الاتحاد لسقط عنهم التكليف واستراحوا )  ( ويقول في العلماء أنهم بالحديث عن الله محجوبون ( يعني أن العلم الظاهر حجاب يعوق العلم اللدني الذي يصل للصوفي من الله بلا واسطة ) ، ويدعي لنفسه أنه الواصل إلى الحق وأنه من المقربين ، وهو عند الله من الفُجَّار المنافقين )[1] ..

دخول العوام فى التصوف والشطح الصوفى

1 ــ أي أن عصر الغزالي شهد كثرة من الأولياء الصوفية جاهروا بعقيدتهم وتكاثر حولهم الأتباع من جميع الطوائف (حتى أن الفلاح ليترك فلاحته والحائك يترك حياكته ) ويردد كلامهم ، وإن الأمر استشرى حتى آثار الاستياء والإنكار فاضطر الغزالي للتصدي لهم منكراً عليهم أن يصلوا إلى هذا المستوى الذي هو قصر على الأعيان دون الأوباش ..

2 ــ والشطح الذي قُتل به الحلاج في القرن الثالث واضطهد بسببه أعيان الصوفية الأوائل انتشر وأصبح ظاهرة في عصر الغزالي إلى درجة أجبرته على التعرض له ، مع ما في ذلك من تحرج مبعثه اشتهار بعض أئمة التصوف السابقين بقول الشطحات ، ونكاد نحس بالغزالي ماشياً على الشوك وهو يقول ( الشطح : نعني به صفتين من الكلام أحدثه بعض الصوفية ، أحدهما : الدعاوى الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة ( يعني دعوى الاتحاد التي تسقط التكاليف التعبدية )، حتى ينتهي قوم إلى دعوى الاتحاد بالله وارتفاع الحجاب والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب ، فيقولون : قيل لنا كذا أو قلنا كذا ( يعني ادعاء الوحي والعلم اللدني والكشف ) ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذي صُلب لأجل أطلاقه كلمات من هذا الجنس ، ويستشهدون بقوله : أنا الحق . وما حُكي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال : سبحاني سبحاني ، وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في العوام ، حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم وأظهروا مثل هذه الدعاوى ، فإن هذا الكلام يستلذه الطبع إذ فيه البطالة عن الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال ، فلا تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك  لأنفسهم ، ولا عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة ، ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا هذا إنكار مصدره العلم والجدل ، والعلم حجاب والجدل عمل النفس ، وهذا الحديث (يعني الاتحاد ) لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق ، فهذا ومثله مما قد استطار في البلاد شرره ، وعظم في العوام ضرره ، حتى من نطق بشيء منه فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة ، وأما أبو يزيد البسطامي رحمه الله فلا يصح عنه ما يحكى ، وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز وجل في كلام يردده في نفسه . كما لو سمع وهو يقول : إنني أن الله لا إله إلا أنا فاعبدني ، فإنه ما كان ينبغي أن يفهم منه إلا على سبيل الحكاية ، الصنف الثاني من الشطح : كلمات غير مفهومة لها ظواهر رائقة وفيها عبارات هائلة وليس وراءها طائل ، وذلك إما أن تكون غير مفهومة عند قائلها بل يصدرها عن خبط في عقله وتشويش في خياله لقلة إحاطته بمعنى كلام قرع سمعه وهذا هو الأكثر ، وإما أن تكون مفهومة له ولكنه لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل على ضميره لقلة ممارسته للعلم وعدم تعلمه طريقة التعبير عن المعاني بالألفاظ الرشيقة ) [2] . أي أن القسم الأول من الشطح أحدثه الصوفية ، والقسم الثاني تابعهم فيه غيرهم ( بكلمات غير مفهومة ) لقائلها أو يفهمها ولكن (لا يقدر علي تفهيمها وإيرادها ) بنفس ما يفعل الغزالي في تقريره لعقائد الاتحاد في كتاب الإحياء ..

3 ــ والمهم أن عصر الغزالي أصيب بوباء الشطح حتى( ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم ) وتصوفوا بمجرد نطق كلمات منه .. وواجهوا الإنكار عليهم بنفس مقولة الغزالى وأئمة التصوف في الرد على المنكرين من أن ( العلم حجاب و الجدل عمل النفس ) وأن الاتحاد ( لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفته نور الحق )..

موقف الغزالى من العوام الداخلين فى التصوف

1 ـ ولأن وباء الشطح ( استطار في البلاد شرره وعظم في العوام ضرره ) فقد اضطر الغزالي إلى الإفتاء بأن قتل الواحد منهم أفضل ( من إحياء عشرة ) ولم يفته مع ذلك الاعتذار عن البسطامي بعذر هو أقبح من الذنب ..

2 ــ وقد صنف الغزالي  كتابه ( الإحياء ) وهو شاهد على عصره الذي استشرت فيه عقائد التصوف ، وانطلقت فيه الألسنة بالشطح تعبر عن الاتحاد بالله وعشقه إلى درجة أفزعت الغزالي نفسه ، فهب يدعو  لقتلهم في سبيل المصلحة العليا ، وهي ( أسلمة التصوف ) والصلح والاتفاق بين السنة  والتصوف تحت شعار ( التصوف السنى ) والذى من أجله حشا الغزالى كتابه ( الإحياء ) بأحدايث سنية موضوعة وتأويلات لآيات القرآن الكريم . ولكل صلح ضحايا . والغزالي كعالم وفيلسوف وأحد الخاصة المقربين من الحكام ، لا يرى بأساً في التضحية ببعض أجلاف الصوفية على مذبح معاهدة الصلح التي ينشدها فى تقرير ( التصوف السنى ).

3 ــ ومعنى ذلك أن رصيد التصوف من طائفة العامة قد كثر وفاض إلى حد أزعج الغزالي نفسه ، فاستنكف أن يوضع في خندق واحد مع طُغام الفلاحين والحائكين وأرباب الحرف الذين صاروا أشياخا فى التصوف ، وظلوا يحملون لقب حرفتهم الأصلية . وفي نفس الوقت – ويا للمفارقة – فقد جعل هذا الرصيد من الغزالي متحدثاً باسم هذا القطيع من البشر يفلسف لهم عقائدهم ويؤسلمها أو يضفي عليهم أواصر الصلة بالإسلام .. ولا أدل على ذلك من أن الغزالي انتصر بهم على خصومه من الفقهاء الذين ثاروا عليه بعد كتابه ( الإحياء) ، فأصبح الغزالي بالعامة أكثر جرأة . ولا أدل على ذلك من أنه صنف فى التصوف كتابا خاصا هو ( مشكاة الأنوار )، الذي أعلن فيه بصراحة عقائد التصوف من خلال وحدة الوجود. وتتابعت كتاباته ، ولولا العامة ما كانت شهرته وشهرة مصنفاته حتى اليوم ..

4 ــ ثم انقلبت الآية وتوجه الغزالي نحو العامة ، وعمل على أن تضيق الفجوة الثقافية بينه وبينهم ، فعمل على إلغاء الاجتهاد وأنه ( ليس في الإمكان أبدع مما كان) ، وبإنكار الاجتهاد فقد زالت الفوارق بين العوام والعلماء ، وأصبح وأد الاجتهاد من مصلحة العوام . وطبق الغزالى ذلك عملياً في ( طوس) حين أبتنى مدرسة للفقهاء بالمفهوم الجديد إلى جانب خانقاة للصوفية ، وعاش بقية عمره يشرف على المدرسة والخانقاة ليصبح الفقه والفقهاء في خدمة التصوف المعبر عن دين العامة الجديد . وإذا دخل العوام  في التصوف وانقرض كبار الفقهاء بتقرير التقليد وبنفي الاجتهاد وتضاؤل الفارق بين العالم و العامي – فمعنى ذلك كله دخول التصوف بالغزالي إلى عصر الازدهار المضطرد ، خاصة إذا كان ذلك التصوف لا يناقض الإسلام كما أشاع الغزالي فصدقوه ، وكيف لا .. والاجتهاد محرم والتقليد سيد الأخلاق .

 

 

ازدهار التصوف بعد الغزالي فى القرن السادس قبيل عصر ابن عربى

1 ــ ـ شهدت هذه المرحلة الإنتقال من ( أسلمة التصوف ) والتخفف من ( نفاق الجنيد) ومن مغالطات الغزالى ومحاولاته تمرير عقائد التصوف فى الاتحاد والحلول ووحدة الوجود الى مرحلة التصوف الشعبى حيث دخل العوام فى دين التصوف أفواجا فى القرن السادس ، وكان المؤرخ الفقيه الحنبلى ابن الجوزى شاهدا على هذه المرحلة ، وجاءت بعدها مرحلة جديدة جريئة فى القرن السابع قبيل بداية العصر المملوكى تعلن عقيدة الصوفية صراحة في وحدة الوجود . وهذا ما فعله ابن عربي وابن الفارض .

2 ــ وكان منتظراً أن يواجه الفقهاء هذا التطور بالإنكار والاحتجاج ولكنه إنكار انتهى إلى أثر عكسي ، في النهاية ، إذ أصبح الصوفية هم الذين يحاكمون ويضطهدون الفقهاء المنكرين ، مع أن أولئك الفقهاء المنكرين صاروا على نهج الغزالي في تقرير مبدأ التصوف وقصر الاحتجاج على صرحاء الصوفية وشطحاتهم ، ولكن المسرح السياسي والاجتماعي أختلف ، فالحكام الجدد مع الصوفية ويدينون بالتصوف السنى ، والطرق الصوفية بدأت تتغلغل في الشارع والمجتمع ، والأولياء الصوفية أحياءً وأمواتاً صاروا مقصداً للتقديس والتوسل والتبرك ، ثم إن الفقهاء في أغلبهم كانوا من العوام أيضا ، كانوا كثيرين ولكن كغثاء السيل ، أصبحوا صرعى للجهل والتقليد وأصبحوا فقهاء مذاهب ، يتبعون الأئمة السابقين دون أن يظهر بينهم مجتهد كالأئمة السابقين ، أي أصبحوا أسرى لدعوة الغزالي في قفل باب الاجتهاد وفي التدين بالتصوف . وبالتالي كانوا أسرى لشيوخ التصوف ، فإذا احتجوا عليهم وثاروا كان سهلاً أن يقفوا أمامهم في قفص الاتهام ليقوم فقهاء آخرون من القضاة بمحاكمتهم بتهمة العيب في الذات الصوفية ، باختصار أصبح التصوف هو التدين السائد منذ العصر المملوكي ، ذلك العصر الذي بدأ  بعد موت ابن عربي بعشر سنوات .

3 ــ  وشهدت هذه الفترة أيضا الحروب الصليبية التي أنهكت العالم السُّنى ، حيث كان الأتراك السلاجقة ــ وهم سنيون متعصبون ـ يسيطرون على الشام والعراق وآسيا الصغرى وفارس شرقا . وقد إضطهد السلاجقة الحجاج الأوربيين القادمين الى القدس ، فإتخذتها البابوية حجة للحروب الصليبية وتحرير القدس من المسلمين ، فى وقت كان فيه الخليفة العباسى لا يتعدى نفوذه ضواحى بغداد . وأتاحت هذه الظروف الفرصة لظهور تيار التصوف متحرراً من الضغط القوي الذي اعتاده قبلاً ،  وقد استفاد بجهد الغزالي كما استفاد الغزالي به ، وقد رأينا كيف أن عقيدة الصوفية قد استشرت حتى وصلت إلى الفلاحين والعوام فاعتنقوها، ووصل تأثيرها إلى درجة يمكن معها اعتبار الغزالي معبراً عنها وعن معتنقيها من الخاصة والعامة . وبديهي أن يستثمر الصوفية جهد الغزالي والاضطراب الذي خلقته الحروب الصليبية في المنطقة مع ضعف الحكام واشتداد ظلمهم واستبدادهم وحاجتهم إلى شيخ مؤيد منافق لا إلى شيخ فقيه حنبلى متعصب يتدخل فى السلطة بحجة تغيير المنكر . وتهيأ الصوفية لوراثة المكان الذي أحتله الفقهاء قبلاً في عصور الخلفاء من بني العباس . وابتدأت الصلات تتوثق بين الحكام الجدد والصوفية . وتجسد ذلك في انتشار الأربطة والخوانق للصوفية يقيمها لهم الأمراء والحكام .. ومرجعنا في التأريخ لهذه الفترة هو ابن الجوزي ت 597 ، الذي عاصر الصوفية فيما بعد الغزالي وصب عليهم أكثر نقمته في كتابه ( تلبيس إبليس )..

4 ــ ابن الجوزى يقول بحسن نية مقارناً الصوفية السابقين وصوفية عصره فى القرن السادس  ( كان أوائل الصوفية ينفرون من السلاطين فصاروا أصدقاء ) [3]وابن الجوزي يحسن الظن بأوائل الصوفية ويرى في تباعدهم عن الحكام ورعا ، ولا يدرى أنه الخوف من الاضطهاد .. ثم يصف معيشة الصوفية الهانئة في عصره فى البيوت التي أقامها لهم الحكام الظالمون ، فيقول ( رأينا جمهور المتأخرين منهم مستريحين في الأربطة من كد المعاش متشاغلين بالأكل والشرب والغناء والرقص ، يطلبون الدنيا من كل ظالم ولا يتورعون عن عطاء ماكس ، وأكثر أربطتهم قد بناها الظلمة وأوقفوا عليها الأموال الخبيثة ، وأكثر زمانهم ينقضي في التفكه بالحديث أو زيارة أبناء الدنيا ، فإذا أفلح أحدهم أدخل رأسه في زرمانقته ( يعني ياقته من الداخل ) فغلبت عليه السوداء فيقول : حدثني قلبي عن ربي )[4]، أى يزعم أنه يتلقى الوحى مباشرة من رب العزة ، بلا حاجة الى صناعة أحاديث بالاسناد والعنعنة كما يفعل السنيون حين يزعم أحدهم : حدثنى فلان عن فلان عن فلان عن فلان عن فلان عن النبى .

5 ــ ولجذب العوام للدخول فى دين التصوف جعل أرباب التصوف إعتناق التصوف سهلا للغاية بالمقارنة بالحنبلية السنية . قبلها ،ولكى يصير العامى سنيا حنبليا كان عليه أن يشترى قلما ومحبرة وألواحا يكتب فيها ، وبالطبع لا بد أن يكون كاتبا قارئا . ثم يلتحق بحلقة شيخ من رواة الحديث ، الذى يملى الأحاديث على المستملين ، فيكون هذا العامى طالبا للحديث يكتب كل ما يقوله شيخه من أحاديث يخترعها الشيخ ويخترع لها إسنادا وعنعنة ( حدثنى / أخبرنا فلان عن فلان ..الخ عن النبى أنه قال ) . فإذا حفظ هذا العامى بضع آلاف من تلك الأحاديث صار شيخا حنبليا يستطيل على الناس بما يحفظ ، واصبح من حقه أن يخترع أحاديث أخرى تزداد بها حصيلته ، فإذا حفظ عشرات الألوف من تلك الأحاديث صار ( حافظا ) ، وصارت له حلقة من الطلبة تكتب عنه .

بدأ الصوفية بالهجوم على هذه الطريقة بكسر الأقلام وإلقاء المحابر وغسل الألواح بالماء ، وإعتبروا ( العلم ) اى ( علم الحديث ) حاجبا يعوق العلم اللدنى الالهى ، وقال قائلهم للحنابلة ( أخذتم علمكم من ميت عن ميت ، ونحن نأخذ علمنا من الحى الذى لا يموت وبلا واسطة ) . اى يكفى أن يزعم أحدهم أنه ( ولى الله )، وانه ( يجلس مع الله فى الحضرة ) وأن الحواجز البشرية زالت فى نفسه وإتّحد بالله ( تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا )، وانه يتلقى العلم اللدنى مشافهة ومباشرة من الله ، ويجد من البشر من يصدقه فلا حاجة له للطريق الشاق فى إستملاء ما كان يعرف بعلم الحديث . غاية ما هنالك أن الإسناد الذى هو اساس (الكذب ) فى علم الحديث ــ أى نسبة الحديث للنبى عبر الرواة والعنعنة ـ إستعملها الصوفية فى إعتناق دينهم فى سلاسل ( الخرقة والعهد والتلقين . )، فالمريد الصوفى يأخذ ( العهد ) و ( التلقين ) عن شيخه . وهذا الشيخ يتميز عن غيره من الشيوخ والأولياء بمرقعة أى ( خرقة ) من قماش لها لون خاص ، وهو يجعل تلك الخرقة أو تلك المرقعة بطاقة شخصية له تحدد ديانته أو إنتماءه لهذا الشيخ دون غيره ، والشيخ نفسه يزعم إنه أخذ تلك الخرقة عن الشيخ فلان عن فلان بنفس العنعنة والاسناد الى أن يصل الى ( الجنيد ) وهو ( سيد الطائفة ) الذى تنتهى اليه كل الطرق الصوفية بالخرقة ، ثم يرتفعون بالخرقة الى آل البيت والنبى وجبريل ورب العزة . اى صار الكذب ( بالخرقة) أسهل كثيرا من الكذب (بالاسناد ) فى الحديث لدى السنيين . وصار الشيخ الصوفى يحرص على تسلسل الخرقة بنفس حرص المريد على أخذ ( العهد والتلقين ولبس الخرقة ) من شيخه . و( لبس الخرقة والتلقين ) أضحى من طقوس التصوف لدى أصحاب الطرق الصوفية ، ولا يزال .  أى إستفاد الصوفية من منهج الاسناد والعنعنة لدى الدين السنى فحولوه الى عنعنة واسناد للخرقة أو المرقعة .

6 ــ  واستفاد الصوفية أيضا من أساطير الشفاعة التى نشرها السنيون . وتوسع الصوفية فى الشفاعة جاعلين أنفسهم أبطال الشفاعة يوم الدين باعتبارهم الأولياء الشفعاء أصحاب الحظوة فى الحضرة الالهية . ولم يجرؤ معظم أئمة الدين السًنى ُعلى التصريح بهذا، فوجد أرباب التصوف الطريق مُتاحا لهم دون منافسة من الفقهاء السنيين . وكالعادة تم تحويل الشفاعة الى تجارة فى عصر إشتد فيه ظُلم الحكام ، وإحتاج فيه الحاكم الظالم الفاسد لأن يستمر فى ظلمه متمتعا بالحصانة من النار وأن يدخل الجنة بشفاعة وبدعاء الصوفية الأولياء أصحاب الكرامات . ولهذا أقام أولئك الحكام الظالمون مؤسسات للصوفية ليدخلوا الجنة ببركة الأولياء . و لم يحدث من قبل أن أقام الحكام بيوتا لاعالة وإعاشة الفقهاء تبركا بهم . حدث هذا مع الصوفية ، الذين تمتعوا شيوخا ومريدين بزوايا وأربطة ( جمع رباط ) وخوانق ( جمع خانقاة ) يقيم فيها الصوفية فى راحة وكسل ينفق عليهم الحكام وأعوانهم من المال السُّحت المسلوب من الناس .  وخارج الأربطة والزوايا والخوانق عاش الصوفية عالة على أموال الحكام الظلمة فى عصر إستشرى فيه ظلم الأمراء من الأتراك السلاجقة ، يقول ابن الجوزي: ( ولقد بلغنا أن بعض الصوفية دخل على بعض الأمراء الظلمة ،  فوعظه، فأعطاه ( الأمير ) شيئاً ، فقبله . فقال الأمير : " كلنا صيادون وإنما الشباك تختلف" ) فالأمير يصطاد المال السُّحت بالسلب والنهب ، وهذا الشيخ الصوفى يصطاد المال السُّحت من الأمير بالوعظ ، وهو يعرف أن الأمير لن يتعظ ، وأنه سيستمر فى أكل المال السُّحت .  ويقول ابن الجوزى : (  وقد دخلت بعض الأربطة فسألت عن شيخه فقيل لي:" قد مضى إلى الأمير فلان يهنئه بخلعة قد خلعت عليه "، وكان ذلك الأمير من كبار الظلمة فقلت : ويحكم ما كفاكم أن فتحتم الدكان حتى تطوفون على رءوسكم بالسلع ..) [5].ـ وقد شهد عصر الغزالي تأسيس بيوت للصوفية عالة على المجتمع ، وتردد ذلك في الإحياء ، ومنها قوله الذي أوردناه عن الفلاحين أصحاب الشطحات ( .. فإن هذا الكلام يستلذه الطبع إذ فيه البطالة عن الأعمال)  [6]  . وقد كانت للغزالى نفسه خانقاه خاصة به . إلا أن بيوت الصوفية انتشرت بعد الغزالي ورعاها الحكام والمياسير. ولا ريب أن معيشة الصوفية الهانئة في الخوانق – دون عمل أو تعرض للظلم – كان أكبر دافع للعامة في انخراطهم في سلك التصوف ، إلا أن الخوانق لم تكن الإغراء الوحيد الذي قدمه الصوفية للعامة ..  

7 ــ فالسماعات الصوفية ( أى حفلات الغناء الدينى ) وما فيها من رقص ولهو اجتذبت طائفة من العوام تعشق هذا اللون : يقول ابن الجوزي ( التصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي ، ثم ترخص المنتسبون إليها  بالسماع والرقص فمال إليهم طلاب الآخرة من العوام لما يظهرونه من التزهد ، ومال إليهم طلاب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب ) [7].

8 ــ ثم تمثل الإغراء الأكبر فى إسقاط العبادات الاسلامية من الصلاة والصوم والحج وسائر التكاليف التى تعوق الصوفى عن ( الوصول الى الله ) بزعمهم . وفى نفس الوقت التشجيع على الانحلال الخلقى وجعله شعيرة دينية إذ يزعم الصوفى بأنه ( يتحقق بالحق ) حين يرتكب الزنا والشذوذ . لذا تخصص شيوخ من الصوفية بإغراء النساء والصبيان على الالتحاق بطوائف التصوف والطرق الصوفية وحضور السماعات أو الاحتفالات الصوفية والموالد الصوفية ــ فيما بعد . يقول ابن الجوزى عما كانوا يفعلون فى القرن السادس الهجرى : ( واستمالوا النسوة والمردان بتصنع الصور واللباس ، فما دخلوا بيتاً فيه نسوة فخرجوا إلا عن فساد قلوب النسوة على أزواجهن ) ( ثم يقبلون الطعام والنفقات من الظلمة والفجار وغاصبي الأموال .. ويستصحبون المردان في السماعات .. ويجمّلونهم ( عمل مكياج لهم ) في الجموع مع ضوء الشموع ، ويخالطون النسوة الأجانب ينصبون لذلك حجة إلباسهن الخرقة ) " إلباس الخرقة يعنى الدخول فى الطريقة الصوفية ". بالاضافة الى أنه صنعوا مصطلحات دينية جديدة يبررون ويشرعون فيها طقوسهم فى الانحلال الخلقى ، أو بتعبير ابن الجوزى : ( وأولوا المحرمات بغير أسمائها فنطق الكفر يسمى شطحاً )، ( وأن قبَّل امرداً قيل رحمة ، وإن خلا بأجنبية قيل بنته وقد لبست الخرقة ) ، وفي النهاية فالشيخ ( لا يُعترض عليه ) [8]. وفي هذا الجو الإباحي أسرع العامة على اختلاف طوائفهم إلى اعتناق التصوف .يقول ابن الجوزي ( وقد اندس في الصوفية أهل الإباحة فتشبهوا بهم حفظاً لدمائهم وهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : كفار لم يجدوا شيئاً يحقنون به دماءهم ويستترون به وينالون فيه أغراض النفوس كمذهب التصوف ، فدخلوا فيه ظاهراً ، وهم في الباطن كفرة ..)[9].

9 ـ ونلمح في قوله السابق تأثراً بالوضع الجديد الذي خلقه الغزالي حين جعل التصوف ( مذهباً إسلامياً ). حتى أن ابن الجوزي رغم كثرة إنكاره على صوفية عصره يخاطبهم كمسلمين ، فحين يحتج عليهم تسولهم من الظلمة يقول لهم ( والله إنكم أضر على الإسلام من كل مضُر ) [10]. أي أنهم طائفة إسلامية منحرفة يضر بالإسلام انحرافها .

10 ــ  وقد كان هناك إنكار على أولئك الصوفية في عصر ما بعد الغزالي ، مجرد إنكار على شيوخ الصوفية المعاصرين ، مع الإشادة بمناقب الصوفية السابقين ، وينصح اللاحقين بالتأسي بهم ، حتى أن ابن الجوزي كان يستشعر الحرج في تعرضه لأشياخ التصوف السابقين والرد عليها يقول ( نحن نذكر ما بلغنا من أغلاط القوم ، والله يعلم أننا لم نقصد ببيان غلط الغالط إلا تنزيه الشريعة والغيرة عليها من الدخل ، وما علينا من القائل والفاعل وإنما نؤدي بذلك أمانة العلم .. ولا اعتبار بقول جاهل يقول: كيف يرد على فلان الزاهد المتبرك به ، لأن الانقياد إنما يكون إلى ما جاءت به الشريعة لا إلى الأشخاص ، قد يكون الرجل من الأولياء ، وأهل الجنة ، وله غلطات تمنع منزلته بيان زللـه أي أخطاؤه ) [11].ومعنى ذلك أن ابن الجوزي متأثر بما شاع في عصره من تقدير للصوفية الأوائل بلغ درجة التقديس واعتبارهم أولياء لله يُتبرك بهم ويُعتقد فيهم العصمة ..

11 ــ وهذا الانقلاب الغزالي في النظرة للتصوف والصوفية و ( التصوف السُّنّى ) أحدث هزة نفسية للفقهاء الحنابلة المخضرمين الذين شهدوا عصر التسلط الحنبلى وعصر خفوت الحنبلية وإنتشار التصوف بديلا عن الحنبلية السنية .  وقد حكي ابن الجوزي أن بعض الفقهاء الحنابلة جلس في بعض الأربطة الصوفية للعزاء في فقيه مات فأقبل الشيخ " أبو الخطاب الكلوذاني " الفقيه وقد أسنّ وهو يتوكأ على ذراع الراوي للحكاية فقال ( يعزُّ على لو رآني بعض أصحابنا ومشايخنا القدماء وأنا أدخل هذا الرباط ) ، وعلق ابن الجوزي بقوله ( قلت وعلى هذا كان أشياخنا ، فإنا في زماننا هذا اصطلح الذئب والغنم ) [12]. أى إصطلح الذئب الحنبلى الذى كان يفترس الصوفية من قبل ، إصطلح مع الصوفية .

12ــ وأتيح للصوفية في وضعهم الجديد أن يزاولوا عقائدهم بحرية فمنعوا قراءة القرآن في الأربطة ، ومنعوا فيها قراءة الحديث النبوي [13]. بل أنهم حاولوا الثأر لمقتل " الحلاج " يقول ابن الجوزي ( وقد تعصب للحلاج جماعة من الصوفية جهلاً منهم وقلة مبالاة بإجماع الفقهاء .. وعلى هذا أكثر قصٌاص زماننا وصوفية وقتنا جهلاً من الكل بالشرع وبُعداً عن معرفة النقل ، وقد جمعت في أخبار الحلاج كتاباً بينت فيه حيله ومخاريقه ، وما قال العلماء فيه ، والله المعين على قمع الجهال ) [14]  .

13ــ أي أن التصوف اجتذب إلى جانبه طائفة القصاص وهم أخطر فئة تحترف الدعاية وتتحكم في مشاعر العامة في عصر بدأ طريقه نحو التدهور العلمي ، فازدادت فيه مكانة القصاص على حساب العالم والمفكر ، ومهما يكن في كتاب ابن الجوزي من علم واستدلال على كفر الحلاج فإن تأثيره لن يصل إلى جهد قصاص يحكي ويروي ويأخذ بألباب العامة وتنتشر رواياته محشوة بالأساطير والكرامات ، وأكثر روايات القُصاص تحولت فيما بعد إلى أحاديث لها أسانيد ..

14ــ وهكذا أشرفنا على عصر ابن عربي فى القرن السابع الهجرى ، وقد أصبحت للتصوف دولته التى تتكون من شيخ صوفى معتقد ( بفتح القاف ) وجماهير تلتفّ حوله ، وحكام يقيمون له الأربطة ( جمع رباط ) وزوايا وخوانق ومؤسسات صوفية . وزادها أن الخطر المغولي قد بدأ يطرق أبواب الدول السنية  من الشرق ليضيف مع الاستعمار الصليبي في المنطقة اضطراباً جديداً ، وليساعد بدوره ( إبن عربى ) زعيم الصوفية الجديد على إعلان العقيدة الأساسية للتصوف بكل صراحة ووضوح ، وليدعوهم في ذات الوقت للاتحاد معاً للتبشير بدينهم الجديد ، ولعله الوحيد القائل للصوفية ( العصي والقضبان إذ تفرقت انكسرت وإذا اجتمعت لم تقووا على كسرها ، فاجتمعوا ولا تتفرقوا ) [15].

 

 

 ابن عربى يشرح عقائد الغزالى والجنيد الصوفية

مدخل :

  سنقصر الحديث على دور ابن عربي في توضيح ما أبهمه وأجمله المتصوفة المنافقون والموفقون بين الإسلام والتصوف . وبذلك نحقق أكثر من هدف . أولاً : نثبت وحدة العقيدة الصوفية بين أقطاب التصوف جميعا عبرالسنين ما بين معتدل ومتطرف . ثانيا : نبرز أهمية الأرضية التاريخية في فهم التاريخ الديني للتصوف ، ونؤكد على أهمية العمق التاريخي  في بحث الأديان الأرضية التي استشرت في تاريخ المسلمين  وأن من الخطأ بحثها بمعزل عن ( الأرضية التاريخية ) لها لأنها ( أديان أرضية ) نبتت فى ( ارضية تاريخية ) متأثرة بعوامل تاريخية وإجتماعية وسياسية .  ثالثاً : نؤكد وجهة النظر التي نأخذ بها ، وهي أن الصراع الديني بين عقيدتي الإسلام والشرك لم ينته بانتصار الإسلام مؤقتا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هو مستمر ، ولكن تحت رايات مختلفة .  غاب الاسلام دينا من الساحة ، وأصبح إسمه مثار نزاع بين أديان أرضية مختلفة كل منها يريد أن يحكر لنفسه (الاسلام الصحيح ) . وبهذا أتيح  للشرك أن ينتصر قرونا تحت رداء السّنة ، ثم أتيح للتصوف أن ينتصر على الحنبلية السنية المتشددة تحت شعار ( التصوف السنى ) ، بل وأن يفرض التصوف عقيدته الأساسية فى وحدة الوجود. ـ ومعلوم أن وحدة الوجود أكثر أنواع الكفر والشرك تطرفاً لأنها تنفى الألوهية عن رب العزة وتحصرها فى المخلوقات. ومع ذلك فابن عربي هو عند الصوفية ( الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر ) ولم يطلق عليه لقب ( الشيخ الأكبر ) عبثاً ، فهو الشيخ  الأكبر لأنه الأجرأ ولأنه الأصرح ، ولأنه الذي قال بالعقيدة الأسمى للصوفية . ودليلنا الأساسي في عقيدة ابن عربي هو كتابه ( الفصوص ) أجرأ ما كتب في وحدة الوجود وعقائد التصوف .

أولا : يقول ابن عربي في ( فص حكمة إلهية في كلمة آدمية ) :

1 ــ ( لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء ، أن يرى أعيانها ، وإن شئت قلت أن يرى عينه ، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفاً بالوجود ويظهر به سرُّه إليه ، فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة ، فإنه  يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المجل ولا تعطيه له ، وقت كان أوجد العالم كله وجود شبح سوي لا روح فيه ، وكان كمرآة غير مجلوة ومن شأن الحكم الإلهي إنه ما سوّى ( أي خلق ) مجلو إلا ولابد أن يقبل روحاً إلهياً ،عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض المتجلي الدائم الذي لا يزال ولم يزل ، وما بقى إلا قابل ، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس ، فالأمر منه كله ، ابتداؤه وانتهاؤه ،  وإليه يرجع الأمر كله ، كما ابتدأ منه ، فاقتضى وجود الأمر جلاء مرآة العالم ، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة  وروح تلك الصورة ) [16].ـ فابن عربي يرى أن الإنسان هو تجسيد لأسماء الله الحسنى ( التي لا يبلغها الإحصاء ) أو هو عين الله ( وإن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله ).

 ويردد ابن عربي هذه المقالة في موضع آخر في الفصوص ( .. ولذلك قال في خلق آدم – الذي هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال – إن الله خلق آدم على صورته ، وليست صورته سوى الحضرة الإلهية ، فأوجدت في هذا المختصر الشريف الذي هو الإنسان الكامل جميع الأسماء الإلهية ..) [17]. وابن عربي يوضح بجلاء نظرة الصوفية لخلق آدم .. وهو أنه – آدم – امتداد الله وصورة له ونسخة منه ..

2 ــ وقد سبق " الجنيد " أن عرض لهذه النقطة في تفسيره لقوله تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ..الأعراف172) فقال ( فمن أين كان ؟ وكيف كان قبل أن يكون ؟ وهل أجاب إلا الأرواح الظاهرة بإقامة القدرة وإنفاذ المشيئة ؟ فهو الآن في الحقيقة كان قبل أن يكون . وهذا غاية حقيقة التوحيد . أن يكون العبد كما لم يكن ، ويبقى الله تعالى كما لم يزل   )[18]. فالجنيد يحاور ويدافع ليثبت أن الأرواح التي خاطبها الله وأخذ عليها العهد بالتوحيد إنما كانت جزءاً من الله ، وخلص من ذلك إلى أن غاية التوحيد ( أو عقيدة الصوفية ) هي أن  يفنى العبد عن بشريته الظاهرة ويعود إلى أصله الإلهي ( أن يكون العبد كما لم يكن ويبقى الله تعالى كما لم يزل ..).  ومعنى ذلك أن الجنيد – والصوفية – يعتقدون بأن الروح الإنسانية جزء من الله انفصلت عنه لتحل في الأجساد ، فإذا ترقى الإنسان بالرياضيات والمجاهدات علا على جسده الأرضي واتحد بخالقه وفني فيه ..

 3 ـ وقد تعرض الغزالي لهذه النقطة – حقيقة الروح الإنسانية – فأخذ يناور ويدور ليوحي بإسقاطات متعمدة بأن الروح البشرية جزء من الله ، مستخدماً في ذلك تأويل الآيات والاستشهاد بالأحاديث الباطلة ، يقول في شرح (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي : الإسراء 85 ) ( .. إذ بيَّن أنه أمر رباني خارج عن حد عقول الخلق ، وأوضح من ذلك قوله تعالى (  إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ : ص 26 )  إذ لم يستحق آدم خلافة الله تعالى إلا بتلك المناسبة ، وإليه يرمز قوله تعالى ( إن الله خلق آدم على صورته ) حتى ظن القاصرون أن لا صورة إلا الصورة الظاهرة المدركة بالحواس فشبهوا وجسموا وصوروا الله تعالى عما يقول الجاهلون علواً كبيراً ، وإليه الإشارة بقوله تعالى لموسى عليه السلام : ( مرضت لم تعدني !! فقال: يا رب ، وكيف ذلك ؟ قال مرض عبدي فلان فلم تعده ، ولو عدته وجدتني عنده !!) ، هذه المناسبة لا تظهر إلا بالمواظبة على النوافل بعد أحكام الفرائض ، كما قال تعالى ( لا يزال يتقرب العبد إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ) . وهنا موضع يجب قبض عنان العلم فيه ، فقد تحزب الناس فيه إلى قاصرين مالوا إلى التشبيه الظاهرة ، وإلى غالين مسرفين جاوزوا حد المناسبة إلى الاتحاد ، وقالوا بالحلول ، حتى قال بعضهم : أنا الحق ، وضل النصارى في عيسى عليه السلام فقالوا هو الله ، وقال آخرون منهم تدرع الناسوت باللاهوت ، وقال آخرون اتحد به ، وأما الذين انكشفت لهم استحالة التشبيه والتمثيل واستحالة الحلول والاتحاد واتضح لهم مع ذلك حقيقة السر ، فهم الأقلون ، ولعل أبا الحسن النوري عن هذا المقام كان ينظر ، إذ غلبا الوجد في قول القائل :-لا زلت أنزل من ودادك منزلاً           تتـحير الألبـاب عـند نزوله . فلم يزل يعدو في وجده على أجمه قد قطع قصبها وبقى أصوله ، حتى تشققت قدماه وتورمتا ومات من ذلك ، وهذا هو أعظم أسباب الحب وأقواها ، وهو أعزها وأبعدها وأقلها وجوداً ) [19].

4 ــ  ولم يصل الغزالي إلى حل حاسم ، وهذا شأن من  يحاول التوفيق بين عقيدتين متضادتين ، وكل ما فعله هو أن أوٌل آيات قرآنية وأستشهد بأحاديث باطلة ، ثم جعل أصحاب الاتحاد من المسرفين فناقض نفسه بين التصوف والفقه ..أما ابن عربي فقد أعلن بحسم ألوهية آدم وأنه عبد الله حلت فيه روح الله ( .. ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوٌى محلاً إلا ولابد أن يقبل روحاً إليهاً عبر عنه بالنفخ فيه .. فاقتضى وجود الأمر جلاء مرآة العالم فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة )..

5 ــ الرد علي ابن عربى والغزالى والجنيد :

5 / 1 : ولو كان الغزالي حسن النية لأدرك القول الفصل في حقيقة الروح فقد أبانها القرآن الكريم بما يتيح لأي عقل أن يفهم إذا خلصت عقيدته لله ..الروح المقصودة بقوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي : الإسراء 85 ) هي جبريل عليه السلام .. وله وظيفتان الأولى : نفخ النفس والثانية : النزول بالوحي على الرسل .. وقد تميز جبريل عليه السلام بهذا اللقب من دون الملائكة بقوله تعالى ({تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ..المعارج4) ، وعن يوم الحساب (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ..النبأ38 ) . ولذا يقول تعالى عنه أنه من أمره أن يصدر عن أمره ويعمل بأمره إذا قال كن فيكون .. وعندما خلق الله آدم أمر جبريل أن ينفخ فيه ، فيقول تعالى( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ : السجدة 9 ) . ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي  ..ص72 ) . فجبريل كانت وظيفته بث النفس في آدم . وقد قال الله تعالى عن خلق المسيح بلا أب (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ،خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ، ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ...آل عمران59) ولأن مريم عذراء لم يمسسها بشر فقد أرسل الله لها جبريل في هيئة بشر سوٌى  (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً ،قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً ،قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً ...مريم17 : 19 )  وقال تعالى عن مريم أيضاً (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ..الأنبياء 91 ) إذن  فالروح هو هنا جبريل  ، في خلق آدم وخلق عيسى .والوظيفة الأخرى لجبريل هي النزول بالوحي على الرسل (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ..غافر15 ) وقال تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ..الشعراء 193ـــ)

5/ 2  والملائكة لم تسجد لآدم نفسه وإنما سجدت لخالق آدم ، أي سجدت لقدرة الله تعالى إذا خلق من الطين المائع والحمأ المسنون هذا البشر . وقد أطاعت الملائكة وعصى إبليس ورد الأمر على الله واستكبر أن يسجد لمخلوق من طين محتقر بينما هو من نار السموم ( قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ) (.الحجر33 ) . وخطأ إبليس في أنه غفل عن المقصد من السجود ، فظنه مقصوداً بآدم لذاته فاستكبر ، بينما أطاعت الملائكة لأن الإسلام في حقيقته هو إطاعة أمر الله دون مناقشة . وجاء بعضهم يروج لنفس فكرته ويعتبرون سجود الملائكة لآدم تأليها لآدم حيث حلت فيه روح الله ، ويخلطون بين ذات الله تعالى المنزهة عن أن يكون لها نفس كالبشر – وهو الذي ليس كمثله شيء – وسائر المخلوقات ..

5/ 3 : بقى أن نرد على نظرية الصوفية في خلق آدم والكون .. فمعلوم أن تلك النظرية لا تتفق حتى مع استعمال كلمة ( خلق ) ، ففعل ( خلق ) يعني وجود ( خالق ) و ( مخلوق) وكلاهما مختلف عن الآخر .. إذ كيف تكون الصنعة عين الصانع .. والإنسان مثلاً لا يمكن أن يخلق إنساناً مثله ، ولم يخلق الإنسان إلا من له تمام السيطرة عليه والتحكم فيه ألا وهو الله تعالى .. فكيف يأتي الصوفية ويدعون أن الله خلق  نفسه أو عينه أو وحٌد بين نفسه وبين موجوداته ؟ وكيف يتأتي هذا من الله  الأحد الذي لا شريك له وهو لم يخلق الجن والإنس إلا ليعبدوه ؟ وكيف يعبده الإنسان وهو يعلم أنه جزء من خالقه ؟!.بيد أن القرآن الكريم لم يقتصر على لفظ ( خلق) وإنما قال أيضاً ( فطر) ، ويعني أن الله خلق الأشياء على غير مثال سابق ، وخلقها من لا شيء أو من العدم ، يقول تعالى عن خلق البشر ( سَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ؟ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ .. فاطر 51 )  وعن خلق الكون (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. فاطر 1 )  فلا عبرة حينئذ بتساؤل الجنيد الساذج ( فمن أين كان ؟ وكيف كان قبل أن يكون ؟) ، نقول له : لم يكن شيئاً مذكوراً ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ..الإنسان1)   ثم فطره الله أو خلقه من لا شيء ثم جعله شيئاً ، وقبل أن يوجد على مستوى الحس وقبل أن تنفخ الأنفس في الأجساد ، جمع الله تعالى الأنفس المخلوقة من لا شيء ، وأخذ عليها العهد بتوحيده .. هكذا نفهم قوله تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ..الأعراف172 ).

ثانيا:

1 ــ وقد وصف ابن عربي الإنسان بأنه تجسيد لأسماء الله الحسنى ... وحول هذه النقطة أخذ الغزالي – قبل ابن عربي – يداور ويحاور .. فبدأ يصف الإنسان بصفات الربوبية ضمن صفات أخرى ( فيقول تنحصر مثارات الذنوب في أربع صفات : صفات ربوبية ، وصفات شيطانية ، وصفات بهيمية ، وصفات سبعية . وذلك لأن طينة الإنسان عجنت من أخلاط مختلفة ) ، وجعل من الصفات الربوبية في الإنسان ( الكبر والفخر والجبرية وحب الثناء والعز والغنى وحب دوام البقاء ، وطلب الاستعلاء على الكافة حتى كأنه يريد أن يقول أنا ربكم الأعلى .. ) [20].وفي ضوء فهمه لقوله تعالى (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) قال عن " الصفات الربوبية " ( أشد العلائق على النفس علاقة الخلق وحب الجاه ، فإن لذة الرياسة والغلبة والاستعلاء والاستتباع أغلب اللذات في الدنيا على نفوس العقلاء ، وكيف لا تكون أغلب اللذات ومطلوبها صفة من صفات الله تعالى وهي الربوبية ، والربوبية محبوبة ومطلوبة بالطبع للقلب لما فيه من المناسبة لأمور الربوبية ، وعنه العبارة بقوله تعالى : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [21]. ثم جعل صفة الربوبية في النفس البشرية مانعة للعبودية المفروضة على الإنسان ، يقول تعالى في حديث طويل عن (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ( فإذن معنى الربوبية التفرد بالوجود والكمال ، وكل إنسان فإنه بطبعه محب لأن يكون هو المفرد بالكامل ، ولذلك قال بعض الصوفية : ما من إنسان إلا وفي باطنه ما صرح به فرعون من قوله أنا ربكم الأعلى ولكن ليس يجد له مجالاً ، وهو كما قال فإن العبودية قهر على النفس،والربوبية محبوبة بالطبع ، وذلك بالنسبة للربانية التي أومأ إليها تعالى في قوله (  قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [22]. ثم انتهى الغزالي إلى أن يجعل غاية الإنسان في أن يتحلى بصفات الله الحسنى يقول ( منتهى العبد أن يتخلق بأخلاق الله تعالى ، وقد سمعت بعض المشايخ يقول : إن سالك الطريق إلى الله تعالى قبل أن يقطع الطريق تصير الأسماء التسعة والتسعون أوصافاً له ، أي يكون له من كل واحد نصيب ) [23]. ـ وأراح ابن عربي نفسه وأراحنا من هذا العناء فقال بوضوح أن آدم ( هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال ) .

2 ــ وقد سار ابن عربي على طريقة الغزالي في ضرب الأمثلة على وحدة الوجود وتمثيل الله بالبشر والعكس .. يقول ابن عربي ( فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة ) . وسبق أن أوردنا المثل الذي ضربه الغزالي بالشمس والماء الموضوع في طشت وترى الشمس من خلاله [24]. واستشهد الغزالي على أن ( الوحدة الوجودية لا تتنافى الكثرة العددية ) بأن الإنسان واحد وهو متعدد بأطرافه وجزئياته [25]. وردد ابن عربي ذلك في قوله ( ولا شك أنا كثيرون بالشخص والنوع ، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعاً أن ثم فارقاً به تميزات الأشخاص بعضها عن بعض ، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد ) [26]. إلا أن ابن عربي بلغ إلى منتهى الطريق فخلط بين العبد والرب في صراحة مطلقة لا يجدي معها تأويله أو تبريره يقول عن الإنسان ( وهو للحق " يقصد الله تعالى " بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر وهو المعبر عنه بالبصر فلهذا سمى إنساناً فإنه به نظر الحق إلى خلقه فرحمهم ، فهو الإنسان للحادث الأولى والبشر الدائم الأبدي ) [27]  . فوصف الإنسان بصفات الله الأزلية والدائمية الأبدية . ويقول عن الاستدلال بوجود الله ( أحالنا تعالى في العلم به عن النظر في الحادث ، وذكر أنه أرانا آياته فيه ، فاستدللنا بنا علينا ، فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف ، إلا الوجوب الذاتي الخاص ) [28]. ويقصد بالوجوب الذاتي الخاص أن الله تعالى هو الأصل الذي تخرج منه الصور ثم ترجع إليه بعد العدم.. ثم اجترأ على الله تعالى فوصفه بصفات البشر ليتم نظريته في التشابه بين الله والخلق .

يقول [29]:     فأنت عبد وأنت رب            لمن له فيـه أنـت عبد

              وأنت رب وأنت عبد           لمن له في الخطاب عهد

ويقول [30]:   فيحـمدني وأحمـده            ويـعـبدني وأعـبـده

              ففي حـال أقـربه             وفي الأعيـان أجحده

              فيعرفنـي وأنـكره            وأعـرفـه فأشـهـده

3 ـ : ثم وصل ابن عربي إلى وحدة الوجود بين الله والكون المادي ، ولم يكتف بالإنسان فقط .. يقول عن الله تعالى ( فهو الشاهد من الشاهد ، والمشهود من المشهود ، فالعالم صورته ، وهو روح العالم المدبر له ، فهو الإنسان الكبير ، فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الإلهي للعالم ) [31]. أي أن الكون تابع للإنسان فإذا كان الإنسان إلهياً فالعالم كذلك..

فابن عربي يلخص وحدة الوجود بأن الله تعالى هو الذي ينظر من خلال كل عينين ( وهو الشاهد من الشاهد ) ، وهو المنظور إليه في كل  ما يرى من جماد وحيوان وإنسان ( والمشهود من المشهود ) ، وعلى ذلك ( فالعالم ) جميعه من جماد وحيوان هو ( صورته ) أي تجسيد مادي له ، فـ ( هو روح العالم المدبر له ) ، وعلى ذلك فلا فارق نوعياً بين الله والإنسان اللهم إلا في الوجوب الذاتي الخاص المتجدد ، والذي تصدر عنه أجساد البشر وهي في حقيقة أمرها مخلوقة من عناصر الكون وهو جزء من الله ، لذا فالفارق بين الله والبشر يتلخص في أن الله هو ( الإنسان الكبير ) ..

 ثم يصل ابن عربي إلى نهاية الطريق في وحدة الوجود فيخلط بين الله والكون ، ولا يرى مانعاً من إطلاق احدهما على الآخر في تحديد صفته ، فيقول ( إن شئت قلت هو ( أي الله ) الخلق ، وإن شئت قلت هو الحق ، وإن شئت قلت هو الحق والخلق ، وإن شئت قلت لاحق من كل وجه ولا خلق من كل وجه ، وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك ) [32]   .

أي انعدمت الفوارق بين الخالق ( الحق) والبشر والعالم من ( الخلق) . ولك مطلق الحرية في أن تسمي أحدهما باسم الآخر أو يطلق عليها الاسمان معا ، أو تترك التسمية وتؤثر الحيرة .

وابن عربي يشرح عبارات الغزالي الفلسفية التي استتر خلفها ، وهو يومئ لعقيدة وحدة الوجود ، كقول الغزالى : ( إذ ليس في الوجود تحقيقاً إلا الله تعالى وأفعاله .. فكل موجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وفعله ..) [33]. ولم يلجأ ابن عربي إلي مغالطات الغزالي في الخلط بين الله وصفاته وأفعاله وبين البشر الحادث ، بل أعلن بجرأة أن الله هو الشاهد والمشهود في نفس الوقت ، والعالم المادي هو صورة الله ..

وقول ابن عربي ( فالعالم صورته ) هو القول الموجز لما حاول الغزالي أن يدور حوله متذرعاَ بالفلسفة والمغالطة حين يقول مثلاً ( وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة، وفي غاية الاستغراق والشمول ، حتى لم يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والأرض )[34].

 ثالثاً : وقد قلنا أن الغزالي نظر في عقيدة ( وحدة الوجود ) إلى الإنسان في إطار ( عقيدة الاتحاد ) فاعتبر الصوفي هو الذي ينظر طبقاً لعقيدة وحدة الوجود إلى العالم ، فإذا ( شكر) يعرف قطعاً أنه ( الشاكر) وأنه المشكور ، وإذا ( أحب ) يعلم أنه المحب ، وأنه المحبوب ، لأن الصوفي المعتقد في وحدة الوجود يرى أن كل ما في الوجود سوى الله فهو تصنيف الله وصنعته وجزء منه .. [35]

وجاء ابن عربي فوسع الدائرة ونصب من نفسه متحدثاً باسم الإنسان الإلهي حيث اعتبره واسطة العقد بين الله والكون .. فروحه إلهية وجسده من ذرات الكون – ( تصنيف الله ) بتعبير الغزالي ( وتجسيده ) في صراحة ابن عربي – يقول ( وهو – الإنسان – للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي  به يكون النظر ، وهو المعبر عنه بالبصر ، فلهذا سمي إنساناً فإنه به نظر الحق إلى خلقه فرحمهم ، فهو الإنسان الحادث الأزلي والبشر الدائم الأبدي ، والكلمة الفاصلة الجامعة ، فتم العالم بوجوده ، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم ، وهو محل النقش والعلامة التي يختم بها الملك على خزائنه ، وسماه خليفة لأجل هذا ، لأنه الحافظ خلقه كما يحفظ بالختم الخزائن ، فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه ، فلا يزال ما في العالم محفوظاً ما دام فيه هذا الإنسان الكامل ) [36]. فقد تطرق ابن عربي على عادته وأعلى من شأن الإنسان ورفعه فوق خالقه فجعل الله ينظر به أو ( هو للحق منزلة إنسان العين من العين ) ثم أرتفع بالإنسان فوق الكون ( فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم ) ، وفسر خلافة الإنسان في الأرض على أنه الإله الحافظ لها المتحكم فيها باسم الله .

وعلى نفس المنوال نظر ابن عربي إلى قضية سجود الملائكة لآدم .. وقد بينا كيف أن الغزالي عرض لها في شرحه لآية (  قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) ، أما ابن عربي فقد سار إلى نهاية الشوط يحاول إثبات إلوهية آدم حتى بالنسبة للملائكة وتفضيله عليهم ، يقول ( .. فلا يزال ما في العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل ، ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها ، وخرج ما كان فيها ، والتحق بعضه ببعض ، وانتقل الأمر إلى الآخرة .. فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود ، و به قامت الحجة لله تعالى على الملائكة .. فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية .. وليس للملائكة جمعية آدم ، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تحضها وسبحت الحق بها وقدسته ، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها ، فما سبحت الحق بها ولا قدسته فغلب عليها ما ذكرنا .. الخ ) [37].

فالغزالي يومئ بالقضايا ويدور حولها ، وابن عربي يشرح ما أهمله الغزالي ، وإن كان في شرحه غموض وجدل ومغالطة ، ولو أخلص الغزالي وابن عربي لاكتفيا بالقرآن ، فليس بعده من وضوح في شرحه لعقيدة الإسلام .. إلا أنهم  فرضوا عقائدهم على القرآن بتأويل  الآيات والأحاديث الضالة كحديث الولي ( كنت سمعه الذي يسمع به ورجله ..) وكحديث خلق آدم ( وأنه خلقه على صورته ) وغيره ..وكل ذلك ليجدوا سنداً إسلامياً لعقيدتهم، وكأنما ظل الإسلام ناقصاً فى عقيدته حتى يأتي أولئك الصوفية ليكملوه..

 

 

 

 

 

الباب الأول :  مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية  من خلال الصراع السنى الصوفى                  

 الفصل الثانى : ( المرحلة الثانية للعقيدة الصوفية  من بعد الغزالي ( 505 ) إلى ابن عربي ت 638 هـ )

ابن الفارض ت 632 : قرين ابن عربي في مصر

ابن عربي هو آخر فلاسفة التصوف الكبار ، وبموته انتهى التصوف النظري الفلسفي وبدأ عصر التصوف الطرقي العملي .. وقد مات ابن عربي في دمشق سنة 638 أي قبل أن يبدأ العصر المملوكي بعشر سنوات .. إلا أن نحلته استمر تأثيرها خلال هذا العصر الذي استمر نحو ثلاثة قرون ، بل ولا تزال ذيول هذا العصر المملوكي تشكل بعض حياتنا الدينية حتى الآن .. وقد شهد أصفياء ابن عربي وكبار تلاميذه بداية العصر المملوكي .. وأبرزهم " عبد الحق بن سبعين " المتوقي بمكة سنة 667 عن خمس وخمسين عاماً ، في رواية الشعراني [38]. أو عام 669 عن خمسين عاماً في رواية المقريزي [39].

وعُرف " القونوى" بأنه صاحب ابن عربي ، وقد ألف على طريقته مجلداً في تفسير الفاتحة ( وكان مبتلي بالإنكار عليه ) ، وتوفي بقونوية سنة 672 وأوصى بأن يدفن إلى جانب شيخه فلم يتفق له ذلك [40].

وقد وفد إلى مصر من تلاميذ ابن عربي : " عفيف الدين التلمساني " ت 690 ( وهو من عظماء الطائفة القائلين بالوحدة المطلقة ، وقد اثني عليه " ابن سبعين " وفضله على شيخه القونوي) ، وقد نزل " التلمساني " بخانقاة " سعيد السعداء الشهيرة " وولد له فيها ابنه الشاعر " محمد شمس الدين " المعروف بالشاب الظريف [41].

ابن الفارض في مصر :

ولم تكن مصر بحاجة إلى معرفة عقيدة وحدة الوجود ، فقد عاش فيها ( سلطان العاشقين ) عند الصوفية ، ونعني به عمر بن الفارض ، أشهر شعراء الاتحاد ووحدة الوجود ، وقد توفي سنة 632 .. ويقول في شعره الاتحادي وفيه يدعي الألوهية :

       فبي دارت الأفلاك فأعجب لقطبها ال         محيط بها والقطب مركز نقطتي

       ومنـي لـو قامـت بمـيت لطـيفة          لردت إليـه نفـسه وأعـيدت

       ولا تحـسبن الأمر عـني خارجـاً            فما سار إلا داخل في عبوديتي

       فلا  حيّ إلا عـن حيـاتي حـياته            وطوع مرادي كل نفس مريدة

       ولولاي لم يوجـد وجود ولم يكـن            شهود ولـم تعـهد عهود بذمة

       ولا قـائل إلا بلفظـي محــدث             ولا نـاظر إلا بنـاظر مقلتي

ثم يزعم أن الله يتحد به حتى تصير الذاتان ذاتاً واحدة فيقول : 

              ولا منصت إلا بسمعي أي سامـع        ولا بـاطش إلا بأزلي وشـدتي

             ولا نـاطق غيري ولا نـاظر ولا         سميع سوائي من جميع الخليقة

            وهأنـا أبـدي في اتحـادي مبدئي         وأنهي انتهائي في تواضع رفعتي

            جلت في تجليها الوجـود لناظري           ففـي كل مـرئي أراهـا برؤية

            وأشهدت غيبي أو بـدت فوجدتني          هنـالك إيـاها بجـلوة خـلوتي

            فوصفي- إذ لم تدع باثنين– وصفها         وهيئتها – إذ واحد نحن- هيئتي

           فإن دعيت كنـت المجيب وإن أكن          منادىٌ أجابت من دعائي ولبـت

           وإن نطقت كنت المناجي كـذاك إن          قصصتُ حديثا إنما هي قصـت

           فقـد رفعت تـاء المخاطب بينـنا          وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي

وزعم أن الذات الإلهية تصلي له ..

          ولا غرو أن صلى الأنام إلىٌ  أن         ثوت بفؤادي وهي قبله قبلتي

          لـها صلـواتي بالمقـام أقيمـها        وأشهد فيها أنـها لي صـلت

           كلانا مصل واحـد ساجد إلـى         حقيقة بالجمع في كـل سجـدة

          وما كان لي صلى سواي ولم تكن        صلاتي لغيري في أدا كل ركعة [42]

وقد حكم علماء العصر المملوكي السنيون بتكفير ابن الفارض ، ففي القرن السابع – وعصر ابن الفارض- حكم بتكفيره عز الدين بن عبد السلام ، وابن الصلاح الشافعي ، وقطب الدين العسقلاني، وقام ابن حمدان الحنبلي يشرح التائية وبيٌن كفره وزندقته فيها بيتاً بيتاً ، ومثله أبو على السكوني ، وابن الحاجب ، ثم ابن دقيق العيد ، وابن بنت الأعز ، وابن جماعة ، وعيسى الزواوي ، والسعد الحارثي ، وأبو حيان ، وابن النقاش ، وشمس الدين الموصلي ، وتقي الدين السبكي ، والزين الكتاني ، وابن تيمية .. وممن يليهم الأدفوي، والسفاقسي ، وابن أبي حجلة ، والذهبي ، وابن كثير .. وممن يليهم في القرن الثامن ، العيزري، والبلقيني ، وعلاء الدين البخاري .وفي القرن التاسع ابن حجر ، والعيني ، والبساطي ، وابن الأهدل ، وشهد بهذا النقل عنهم نحو عشرين كتاباً من مصنفاتهم ومصنفات غيرهم من العلماء ، وهي شرح التائية لابن حمدان وديباجة ابن الفارض ولحن العوام لابن خليل ، وتفسير ابن حيان ، والفرقان لابن تيمية ، وكتاب ابن أبي حجلة ، والميزان ولسانه لابن حجر ، والتاريخ لابن كثير ، وناصحة الموحدين للعلاء البخاري ، والفتاوى المالكية للعراقي ، وتاريخ العيني ، وشرح التائية للبسطامي ، وكشف الغطاء لابن الأهدل ، ثم تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي وتحذير العباد للبقاعي [43].

 هؤلاء الفقهاء أنكروا على ابن الفارض وتائيته ، إلا أن جل إنكارهم أنصب على ابن عربي زعيم القائلين بوحدة الوجود .. وعلى أنهم لم يفرقوا بين عقيدتي الاتحاد أو وحدة الوجود .. إذ أن العصر المملوكي لم يشهد صوفياً على مثال ابن عربي في تنظيره وتقعيده لفلسفة وحدة الوجود ، بل أهتم اللاحقون بدراسة كتبه أو الترويج لها أو الإنكار عليها وتبين أوجه خروجها عن الإسلام ..

وسنعرض لأتباع ابن عربي في العصر المملوكي بترتيب القرون ، مع استعراض الصراع الذي دار بينهم وبين الفقهاء من خلال مصادر التاريخ المملوكي ..

 

  

 

 

 



[1]
إحياء جـ 3 /345

[2] إحياء جـ1/ 32.

[3] تلبيس إبليس 161 .

[4] تلبيس إبليس 169: 170 .

[5] تلبيس إبليس 179 : 180 .

[6] إحياء جـ1/ 32 .

[7] تلبيس إبليس 155: 156 .

[8] تلبيس إبليس 360 : 361 .

[9] تلبيس إبليس 352 .

[10] تلبيس إبليس 180 .

[11] تلبيس إبليس 163 .

[12] تلبيس إبليس 359 .

[13] تلبيس إبليس 170 .

[14] تلبيس إبليس 166 : 167 .

[15] رسائل ابن عربي ( كتاب التراحم 31) حيدر أباد 1948 .

[16] فصوص الحكم ص 8 : 11 شرح القاشاني المطبعة المنجنية .مصر.

[17] الفصوص : 252 .

[18] اللمع : 50 .

[19] إحياء حـ4/ 263 .

[20] إحياء جـ4/ 14 .

[21] إحياء جـ4/ 67 : 68 .

[22] إحياء جـ3/ 243 .

[23] إحياء جـ4/ 176 .

[24] إحياء جـ4/ 370 .

[25] إحياء جـ4/ 213 .

[26] الفصوص 19 .

[27] الفصوص 8 .

[28] الفصوص 19 .

[29] الفصوص 97 .

[30] الفصوص 78 .

[31] الفصوص 132 : 133 .

[32] الفصوص 134 .

[33] إحياء جـ2/ 247 : 248 .

[34] إحياء جـ4/ 276 .

[35] إحياء جـ4/ 74 .

[36] الفصوص 13 ، 14 .

[37] الفصوص 14 .

[38] الطبقات الكبرى جـ1 / 177 .

[39] السلوك جـ 1/2/ 597 .

[40] الشعراني ، الطبقات الكبرى جـ1/ 177 .

[41] الوافي بالوفيات جـ3/ 130 ، فوات الوفيات جـ1/ 364 ، شذرات الذهب جـ5/ 412 .

[42] ديوان ابن الفارض : التائية الكبرى ص 29 ، وما بعدها : مكتبة القاهرة 1979 .

[43] تحذير العباد من أهل العناد للبقاعي 214 : 216 تحقيق عبد الرحمن الوكيل ..