ßÊÇÈ حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين
لمحة عن الكتاب

في الثلاثاء ١٦ - أبريل - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

(1 )

كان عام 1991 من أشد الأعوام العجاف التى مرت بى ، أحس صديقى الدكتور فرج فودة بما أعانيه فاقترح أن أؤلف كتابا عن الصلة بين العلمانبة والاسلام ليتوسط لدى اصدقائه فى الحكومة التونسية لنشره ، فكتبت كتاب (القران والعلمانية).

قبيل الانتهاء من الكتاب جفّ ريق القلم الجاف الوحيد الذى أملكه، حاولت الضغط عليه فكتب سطرين شاحبين بكل ما تبقى فيه من دماء ، ثم لفظ أنفاسه تماما بين أصابعى . لم يكن فى جيبى خمسة قروش أشترى قلما اخر،انتظرت يومين إلى أن جاء الفرج واشتريت قلما وانهيت الكتاب.

كان ما تبقى من معى يكفى لواحد من أمرين : إما أن أركب الميكروباس من المطريه الى مكتب فرج فودة ؛ وإما أن اقوم بتصوير نسخة إحتياطية من الكتاب. إستحييت أن أطلب من الدكتور فرج فوده تصوير الكتاب. لم ينشر الكتاب فى تونس وضاعت أصوله هناك. تأكدت من هذا بعد خمس سنوات حين ذهبت الى تونس مدعوا من وزير الاوقاف وقتها الدكتور على الشابى ، وسألتهم عن مخطوطة كتابى (القرآن والعلمانية ) فقالوا انها ضاعت .

(2 )

فى عام 1992 طلبت منى المنظمة المصريه لحقوق الانسان اعداد بحث عن حرية الرآى بين الاسلام والمسلمين لاشارك به فى ملتقى فكرى كانت تعده عن حرية الرآى والفكر والعقيدة. كتبت من الذاكرة فصلا عن حرية الرآى فى الاسلام ، وكان جزءا مكتوبا من قبل فى الكتاب الضائع (القرآن والعلمانية) وأضفت له دراسة تاريخية تتناول مصادرة حرية الرآى ـ بالتدريج ـ فى عصر الخلفاء. وكان البحث الجديد أبرز البحوث التى ناقشها الملتقى ؛فقد فوجئت بالمستشار الدمرداش العقالى احد المشاركين فى الملتقى ؛ يتحدث عن ورقتى اكثر مما يتحدث عن ورقته .

وجاء موعدى فى الحديث ؛ وكان المشرفون على الملتقى قد اختاروا اربعة للتعليق على ورقتى البحثية ؛ هم الدكتور محمد سيد سعيد والدكتور اسامة الغزالى حرب ؛ وكل منهما يمثل ناحية من الاتجاه العلمانى والاستاذ جمال بدوى رئيس تحرير الوفد عن الاخوان واليمين؛ والاستاذ خليل عبد الكريم ممثلا عن اليسار .

تركز نقد الدكتور محمد سيد سعيد والدكتور اسامة الغزالى حرب على اننى انتقى من الآيات ما يتفق مع وجهة نظرى فى اثبات ان الاسلام دين حرية الرآى والعقيدة ؛ وقالوا ان من يخالفنى فى الرأى ينتقون ايضا الآيات التى تتفق مع وجهة نظرهم لأن (القرآن حمّال أوجه ). ورددت عليهما بنقد اسطورة أن القرآن حمّال أوجه مثبتا تناقضها مع كون القرآن محكم لا عوج فيه، وقلت إننى لا أنتقى الآيات مطلقا وانما منهجى هو تجميع كل الآيات المتصله بالموضوع واستقراؤها جميعا ؛ وقلت لهم اننى اتحدى ان يستشهد اى انسان بآية قرآنية فيها مصادرة الرأى والعقيدة .

مفاجأة التعقيب جاءت من الاستاذ جمال بدوى والاستاذ خليل عبد الكريم، فمع تناقضهما الفكرى والسياسى فقد اتحدا ضدى تأكيدا لإنتمائهما معا الى نفس الدين الأرضى ( التصوف السنى ) مع اختلاف الرؤى السياسية. جلسا متجاورين ، وبالصدفة جلس خلفهما ابنى محمد – وكان صبيا فى هذا الوقت – وحكى لى كيف كانا يتآفقان معآ ويحوقلان وينتفضان حين كنت القى نبذة فى الملتقى عن ورقتى . وجاء دورهما للتعقيب .

هاجمنى جمال بدوى قائلا إننى عدو السنة النبوية ، وقال انه لا يوافق على أن حرية الرأى فى الاسلام مطلقة ؛ ويرفض وجود حرية للمنافقين ضد النبى محمد عليه السلام لانه كان حاكما يستمد سلطته من الله تعالى . ورددت عليه باننى استشهد بآيات القرآن الكريم وهى التى تضمنت تقريرآ كاملآ عن حرية المنافقين القوليه والفعليه وامر النبى والمؤمنيين بالآعراض عنهم ، وقلت له ان النبى حين كان حاكما لم يستمد سلطته من الله تعالى وانما كان يستمد سلطته من الناس ؛ وهذا معنى قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران 159) اى جعله الله تعالى هينا لينآ معهم ولو كان فظآ غليظ القلب لانفضوا من حوله، ولو انفضوا من حوله أصبح وحيدا بلا حول و لا قوة ، وماقامت له دوله وما اصبحت له سلطه لأنه يستمد منهم السلطة، لذلك امره الله تعالى بالعفو عنهم اذا اساءوا اليه والاستغفار لهم اذا أذنبوا فى حقه ؛ وان يشاورهم فى الامر لانهم اصحاب الامر ومصدر السلطة .

وجاء دور خليل عبد الكريم فاعترض على كل ماقلت واتهمنىأيضا بانكار السنة وانكار الاحادبث التى تشرع قتل المرتد ؛ اى رجع (الشيخ) خليل عبد الكريم الى ( صباه )أى أصله الأول أزهريا منغلقا وواعظا فى الجمعية الشرعية ؛ثم استشهد بالحديث القائل ان النبى محمدا عليه السلام قام بتحريق مسجد الضرار، وهو المسجد الذى اقامه المنافقون فى المدينة، ونهى الله تعالى رسوله أن يقوم فيه. وقد استشهدت بهذا على الحرية التى كانت يتمتع بها المنافقون حتى فى التآمر على النبى والمسلمين . ورددت عليه بانه حديث كاذب ذلك الذى يزعم ان النبى محمدآ عليه السلام قام بتحريق مسجد الضرارلأن الله تعالى أخبر بأن ذلك المسجد ظل قائما: (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) (التوبة110)؟فأيهما نصدق ؟ الله تعالى ؟ أم ذلك الحديث ؟ .

وانتهى الملتقى بنجاح عظيم ؛ ولكن لم تنته عداوة الاستاذ خليل عبد الكريم لى ؛ اذ لم يغفر لى أننى غلبته فى الحجة ؛ فاستمر ـ يرحمه الله تعالى ـ يهاجمنى فى مقالاته فى الاهالى وفى القاهرة ؛ مما اضطرنى الى الرد عليه فى القاهرة بمقال ساخر موجع زاد من أوار خصومته ؛ فقام بنشر سلسلة مقالاته الهجومية فى كتاب نشرته له دار سيناء للنشر . والمضحك انه نشر كل مقالاته ضدى ؛ ولم ينشر الرد الوحيد الذى رددت به عليه .

ولقد نشرت المنظمة المصرية لحقوق الانسان هذا البحث ضمن ابحاث الملتقى الفكرى الثالث فى كتاب خاص سنة 1994 ؛ وكنت وقتها عضو مجلس الامناء للمنظمة والمسؤل الفكرى فيها ؛وبعدها قمت باسم المنظمة بعقد الملتقى الفكرى الرابع (المصادرة) والملتقى الفكرى الخامس عن (القمع الفكرى).

( 3 )

بعد انتهاء الملتقى ببضعة اسابيع أخبرنى بعض الاخوة القرآنببن ان لى بحثا منشورآ بعنوان (حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين) فى مجلة القاهرة . كان رئيس تحريرها الدكتورغالى شكرىأحد أعلام الثقافة المصرية، تقابلنا وتصادقنا ، وصارت مجلة القاهرة تنشر لى باستمرار .

حكى لى الدكتور غالى شكرى عن المتاعب التى أثارها بحثى ( حرية الرأى ..) فالمصحح فى مطابع وزارة الثقافة أرعبه المكتوب عن أبى هريرة وغيره فحاول شطب المكتوب، ثم كتب تعليقات تهاجمنى وأراد إضافتها للبحث، ثم حاول تصعيد الشكوى لوقف نشر البحث ، فأوقفوه عند حده وصارت حديث المجالس وقتها .

مجلة القاهرة بمستواها العالى وقتها كانت ملتقى المثقفين المصريين برغم أن صدورها كان شهريا و بغير انتظام . وحين نشرت هذا البحث وما بعده من ابحاث لى اسهمت فى معركة التنوير وفى مواجهة التدخل الازهرى فى مصادرة الفكر . ودفع الثمن شيخ الازهر الحالى ، ففى احدى الجلسات السنوية للرئيس مبارك مع المثقفين فى افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب أثير تدخل الازهر فى الحرية الدينية والفكرية فانطلق شيخ الازهريرد عليهم لأنهم تعدوا على اختصاصه ، فقام ( الأفندية المثقفون ) بالرد علي الشيخ مستشهدين بالايات القرآنية التى جاءت فى هذا البحث ( حرية الرأى ..) والتى تؤجل الحكم فى الاختلاف الدينى والعقيدى الى الله تعالى وحده يوم القيامه وانه ليس فى الاسلام كهنوت بل حرية مطلقة فى الدين والعقيدة .

وقع الشيخ طنطاوى فى حيص بيص وتلعثم وتلجلج فآثار شفقة الحاضرين . بعدها اصبح يتكلم ـ أحيانا ـ عن حرية الرآى والعقيدة فى الاسلام .

( 4 )

مع بعض الزيادة الطفيفة ينشر موقعنا اهل القرآن هذا البحث ضمن مشروع النشر المجانى الذى يطمح بعون الله تعالى فى نشر كتاب جديد كل اسبوعين .هذا البحث هو الكتاب الثانى وقد سبقه كتاب (المسلم العاصى) وسيليه بعون الله تعالى (رعاية الطفل فى الاسلام)

ومن المنتظر ان تظهر ترجمة لهذا البحث فى موقعنا فى القسم الانجليزى. والله تعالى المستعان

14 مايو 2007



































مقدمة

نقصد بحرية الرأي حرية الإنسان المطلقة في الإعتقاد والتفكير وحريته في إعلان رأيه والتعبير عنه بشتى الوسائل السلمية دون رفع السلاح .وهذا التحديد لمفهوم حرية الرأي مأخوذ من استقراء الآيات القرآنية المتعلقة بتقرير حرية الرأي المطلقة ، والخاصة بتطبيق النبى محمد عليه السلام لتلك الآيات في تاريخه مع المحيطين به ، وقد حكاه القرآن الكريم في الآيات المكية والمدنية.

والواقع أن الحرية المطلقة للرأي مبدأ أرساه الإسلام منذ ظهوره وطبقه النبى وبعض الخلفاء الراشدين أحيانا ، ثم صودرت هذه الحرية بقوة السيف في الدولة الأموية ، ثم جاءت الدولة العباسية بمفهوم ثيوقراطى للحكم، وترسخ ذلك المفهوم بأحاديث تعارض القرآن ولكن تم ربطها بالرسول بما يعرف بالسنة النبوية ، والتى تعبر عن أقوى دين أرضى إخترعه المسلمون.

تحولت الثيوقراطية العباسية إلى واقع ثابت تأكد بالفترة الطويلة التي قضتها الخلافة العباسيةفي الحكم وبتدوين تراث الأديان الأرضية للمسلمين ومعتقداتهم ، ذلك التراث الذي لا يزال محسوبا على الإسلام حتى الآن ، والذي أصبح الإطار التشريعي لدعاة الدولة الدينية الذين يريدون نظاما سياسيا دينيا على الطريقة العباسية ، وهو يحسبون أن ذلك هو الإسلام ، ولهم في ذلك بعض العذر لأن المؤسسات الدينية التي ينبغي أن تنهض بتجلية حقائق الإسلام قد عجز المسئولون فيها عن تأدية هذا الدور، وداروا عجزهم باستخدام نفس التراث العباسي في اتهام المجتهدين بالردة والكفر.

أولئك المسئولون يجدون كل التعضيد من جماعات التطرف إذ يجمعهم إطار تشريعي واحد ودين أرضى سنى واحد ينطلقون منه بالدعوة لقيام الدولة الدينية تجسد الشريعة العباسية من قهر المخالف فى الرأى السياسى باتهامه بالردة وقتله بها . أولئك الدعاة للدولة الدينية فى عصرنا يجدون في نصوص القانون الحالي ما يحقق هدفهم من السيطرة على أجهزة الإعلام والنشر والحياة الفكرية بحيث يصادرون من خلالها أي فكر حر بحجة أنه يهاجم الإسلام ،هذا مع أنهم يمثلون أكبر خطر على الإسلام نفسه ، ثم إنهم يمثلون بذلك أكبر خطر على مستقبل الوطن حيث يمهدون لقيام دولة دينية لا تعترف باختلاف الرأي وتعتبره خروجا على الدين يستحق القتل ويفتى بأن للحاكم الديني أن يقتل ثلث الأمة لإصلاح حال الثلثين ..

أي قتل عشرين مليون ليصفو لهم الجو.!!

إن النضال ضد هذه الأفكار ينبغي أن يبدأ بالمطالبة بالتخلص من تلك القوانين التي تجعل من أولئك المسئولين متحكمين في الفكر الديني ، وبالعودة إلى نص الدستور الذي ينادى بحرية العقيدة والتعبير عنها بكل الصور .. هذا إذا كنا نهتم بمستقبل بلدنا وأولادنا ....

والله تعالى المستعان.

د. أحمد صبحى منصور



















الفهرس

مقدمة

القسم الأول :

جذور حرية الرأي في عقيدة الإسلام :

تشريع حرية الرأي في نصوص القرآن الكريم

الحوار دليل حرية الإرادة

آداب الحوار في القرآن

تقرير الحرية الدينية للخصوم .

تشريع الجهاد لتقرير حرية الرأي



حرية الرأي في سنة الرسول عليه السلام :

حرية الرأي في حكومة الرسول

مدي حرية المعارضة في حكومة النبي



القسم الثانى

حرية الرأي في عصور الخلفاء

قريش و الخلفاء

بين مدرسة النبي محمد ومدرسة قريش

ملامح دولة النبي محمد عليه السلام:

بدء الفجوة بين الاسلام و المسلمين فى عهد أبى بكر:

ثلاثة تطورات خطيرة حدثت فى عهد الخلفاء الراشدين:

خلافة عثمان تمهد للدولة الأموية

حرية الفكر فى الدولة الأموية

مدى حرية الفكر في خلافة معاوية.

مصادرة الفكر بعد معاوية

الكهنوت الأموي

أولاً: الجبرية

ثانياً : القصص والأحاديث



الكهنوت العباسي

عناصر الكهنوت العباسي

الجبرية

الأحاديث

الهوامش