ßÊÇÈ كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم
الباب الأول : مقاربة لمفهوم ( قل ) فى القرآن الكريم

في الإثنين ٢٩ - أبريل - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم  

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )

  الباب الأول : مقاربة لمفهوم ( قل ) فى القرآن الكريم 

الفصل الأول : (قل ) فى القرآن الكريم تعنى ( يقول الله رب العالمين )

مقدمة  . أولا : ( قل ) بمعنى : ( يقول الله جل وعلا ):

 ثانيا : لماذا تأتى ( قل ) الالهية القرآنية بمعنى ( يقول الله جل وعلا ):  

 الفصل الثانى : ( قل ) و قول التبشير والإنذار

مقدمة : بين ( قل ) والتبشير والانذار  .

أولا  : التبشير قد يعنى الانذار ( على سبيل السخرية )

  ثانيا : التبشير من الله جل وعلا أصلا

 ثالثا : موقف المؤمنين والمنافقين من التبشير القرآنى :

رابعا : كل الأنبياء مهمتهم التبشير والانذار:

خامسا : خاتم النبيين كان مأمورا بالتبشير والانذار .

سادسا : الرسالة القرآنية نفسها بشيرا ونذيرا

الفصل الثالث : بين ( قل ) و( قول ) الدعاء 

أولا  : الدعاء و كلمة : (قل )

 ثانيا : دعاء الأنبياء بدون كلمة (قل )

  ثالثا : دعاء المؤمنين بدون ( قل )

رابعا : الانسان والدعاء

 خامسا : تشريع الدعاء

 أخيرا : دعاء الكافرين وهم فى النار :

 

 

 الباب الأول : مقاربة لمفهوم ( قل ) فى القرآن الكريم  

الفصل الأول : (قل ) فى القرآن الكريم تعنى ( يقول الله رب العالمين )

مقدمة

1 ـ يمكن القول بأن الخطاب القرآنى ينقسم الى نوعين ، يأتى أحدهما مسبوقا بكلمة ( قل ) ويأتى الآخر بدونها. وفيهما معا تأتى الدعوة الاصلاحية القرآنية تخاطب الناس وطوائفهم . كان ممكنا أن يكتفى رب العزة بتقرير حقائق الاسلام ودعوته الاصلاحية بدون ( قل ) ولكن إستعمال ( قل ) يؤكد أنه ليس للرسول عليه السلام أقوال سوى هذه الأقوال المأمور لأن يقولها ، والتى  لا تغطى فقط كل ما يحتاجه المؤمن فى الهداية ، ولكن أيضا يتم تكرارها مرة ومرات طبقا للمنهج القرآنى ( المثانى ) الذى يكرر الحقائق للتذكير وللتأكيد . ومع الأخذ فى الاعتبار أنه عليه السلام لم يكن بوسعه ان يتقوّل على الله، فإنه لا مجال على الاطلاق لأى قول فى الاسلام خارج القرآن الكريم ، وأن كل الأقوال التى يحتاجها المؤمن وكل الأقوال التى كان يحتاجها النبى فى حياته هى موجودة ومكررة ومؤكدة فى القرآن الكريم بكلمة ( قُل ).

2 ـ وفى هذا الباب عن المنهج القرآنى فى إستعمال كلمة ( قل ) سنتعرض فى فصول قادمة عن التكرار كوسيلة للإصلاح باستعمال ( قل ) ، ولكننا هنا نتوقفمع معنى كلمة ( قل ) فى القرآن الكريم .

أولا : ( قل ) بمعنى : ( يقول الله جل وعلا ):

1 ـ نؤكّد دائما أن للقرآن الكريم مصطلحاته الخاصة الى لا يمكن فهمه بدون التعرف عليها من داخل القرآن نفسه . وقلنا كثيرا فى أُسُس البحث القرآنى أنه لا بد من فهم مصطلحات القرآن من داخل القرآن وليس من قواميس اللغة العربية التى تختلف عن القرآن الكريم وأيضا تختلف فيما بينها .

2 ـ وقلنا إن للقرآن الكريم قواعده ( النحوية ) الخاصة به والتى لم يدركها كلها علماء النحو واللغة فى العصر العباسى. وقد يأتى وقت لتفصيل ذلك فى بحث مستقل. يهمنا فى هذا البحث هو ما يتصل بكلمة ( قل ) التى جعلها النحويون فعل أمر فقط . وهى ليست كذلك فى القرآن الكريم ، إذ تأتى بمعنى ( يقول ) أى يقول الله جل وعلا . إنّ المفهوم الشائع أن ( قل ) تأتى ( أمرا ) للنبى بأن يقولوا كذا ، أى تكون (قل ) منفصلة عن القول الذى يأتى بعدها . ولقد فهم القذافى هذا فأعلن ضمن شطحاته حذف كلمة ( قل ) من القرآن . الذى لم يفهمه القذافى أن كلمة ( قل ) هى أصل فى القرآن ، وأنها ليست مثل ( قل ) فى كلام البشر . لأنها ( قل ) فى كلام الرحمن الذى علّم القرآن ، وأنها تعنى :( يقول الله جل وعلا )، وفى كل الأحوال تأتى تأكيدا لحقائق قرآنية قالها الرحمن فى القرآن بدون ( قل )، ثم يأتى تأكيدها فى القرآن بكلمة (قل ) أى ( يقول الله جل وعلا) . ونعطى أمثلة توضيحية :

3 ـ مثلا : يقول جل وعلا ( وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) النحل ) .  هنا ( قال الله ) ، وهو نفس المعنى الذى جاء بعد كلمة ( قل ) فى قوله جل وعلا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)الاخلاص ). أى إن ( قال ) فى سورة النحل هى ( قل ) فى سورة الاخلاص . والمعنى الجامع بينهما ( يقول الله جل وعلا ).

4 ـ فى الأمر ( بقول ) شىء فمعنى ( قل ) هو ( يقول الله جل وعلا أن تقول كذا ) . مثلا ، هناك أوامر للنبى والمؤمنين بأن يقولوا أو أن يعلنوا إخلاص إيمانهم بالله جل وعلا وحده : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )(الأنعام). هنا أمر على النبى أن يمتثل له وأن يقوله خاشعا ، وهو يعى أن هذا هو ( قول الله جل وعلا له ). وعلى كل مؤمن أن يقوله فى قلبه وبلسانه فى مناجاته لربه جل وعلا وفى دعائه ، وهو يعى خاشعا أن هذا هو ( قول الرحمن له ) ، أى أن كلمة ( قل ) يعيها فى قلبه أنها أمر الاهى له ، وهو ينفّذ هذا الأمر بقول الآية كاملة بكلمة ( قل ) فيها ، وحين يقولها يدرك أنها خطاب مباشر له من رب العزة جل وعلا ، وأن هذا الخطاب المباشر حين يقرأ الآية الكريمة فى الصلاة وفى المناجاة مع الله تعالى تؤكد أنه لا واسطة بين الله جل وعلا وعباده المؤمنين ، وهذا يؤكّد معنى ( الصلاة ) أى إنها ( صلة ) متجددة بالله جل وعلا ، وتؤكّد معنى ( الذكر ) سواء كان معنى الذكر هو القرآن بما فيه من كلمة ( قل ) أو التفكّر فى آلاء الله جل وعلا . بإيجاز ، هى تعنى  : يقول لك رب العزة أن تقول ( قُل إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ).  

5 ـ وفى الأمر بقول شىء تأتى كلمة ( قل ) وتعنى ( يقول الله جل وعلا أن تقولوا كذا ) . مثلا  : يقول جل وعلا : ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )( الاسراء 53 ). هنا أمر من رب العزة للرسول أن يقول لعباد الرحمن أن يقولوا أحسن القول . أى أن يقول لهم قولوا التى هى أحسن . ولكنه عليه السلام لن يقول هكذا ، بل سيقرأ لهم الآية . وبها يكون المعنى إن الله جل وعلا يأمر عباده أن يقولوا التى هى أحسن . وبالتالى فمعنى ( قل ) هنا هو : ( يقول الله جل وعلا لعباده أن يقولوا التى هى أحسن )

6 ـ وفى الأمر بفعل شىء تأتى كلمة ( قل ) وتعنى أنه جل وعلا يقول لهم أن تفعلوا كذا ، يقول جل وعلا : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّإِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَو..)( 31 ) النور ) هنا أمر للرسول عليه السلام، أن يأمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر والتمسّك بالعفّة . وهو فى هذا الأمر يقرأ لهم الآية ، لأن الأمر أصلا من رب العزة ، وهو جل وعلا صاحب الشرع ، ومن هنا تأتى ( طاعة الله وطاعة الرسول ) ، فالطاعة لواحد فقط ، هو الله جل وعلا فى كتابه الذى ينطق به رسوله ، أى طاعة للرسول أى الرسالة الالهية . وقد فصّلنا هذا فى كتاب ( القرآن وكفى ). وبالتالى فمعنى ( قل ) هنا هو ( يقول الله جل وعلا للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ..ويقول جل وعلا للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) .

ونفس المعنى  فى كلمة ( قل ) فى قوله جل وعلا  ( قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلالٌ  ) ( ابراهيم 31 )، فالمعنى ( يقول الله جل وعلا لعباده الذين آمنوا أن يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم ..

7 ـ  من هنا نفهم قوله جل وعلا : ( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) 10 الزمر ). الفهم السطحى لكلمة ( قل ) هنا يجعلنا فى مأزق . كيف سيقول النبى للناس (يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ )؟ هل هم عباد النبى أم عباد الرحمن جل وعلا ؟ .أى إن المعنى الوحيد لكلمة ( قل ) هنا هو ( يقول الله جل وعلا : يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ..)

ونفس الحال فى نفس السورة : (  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ  ) ( الزمر53 : 59  ). هذا كله يعنى ( يقول الله جل وعلا : يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ  )

ثانيا : لماذا تأتى ( قل ) الالهية القرآنية بمعنى ( يقول الله جل وعلا ):

1 ـ الملائكة هم جنود الرحمن ، ومنهم مختصّون بأمور البشر . يأتيهم الأمر من الله جل وعلا فينفذونه ، مثل كتابة أعمال البشر وكل فرد فينا . هذا يقوم به على مستوى الفرد إثنان من الملائكة : رقيب وعتيد ، يسجلان ويكتبان ما يتلفظ به الفرد : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق ). وعلى المستوى العام للبشر جميعا هناك ملائكة مُخصّصون ، إختصّهم الله جل وعلا بكتابة الأعمال : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) الانفطار). ولهذا فإنّ كتابة الأعمال تأتى أحيانا منسوبة للملائكة المُخصّصين بها : ( إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) يونس)( بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) الزخرف ). وتأتى حينا منسوبة لرب العزّة جل وعلا صاحب الأمر : ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ (81) النساء )، هنا يقول جل وعلا (وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ )، أى يأمر بكتابة ما يقولون . وهو نفس الحال فى الشفاعة يوم القيامة ،وقد شرحنا هذا فى كتاب الشفاعة .

2 ـ وهو نفس الحال فى الوحى بالرسالات السماوية . ومنها الوحى القرآنى . يقول جل وعلا عن القرآن الكريم : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) الشعراء ). أى هو كلام رب العالمين ، أو ( قول رب العالمين ) أو تنزيل رب العالمين ، ونزل به الى الأرض الروح الأمين ( جبريل ) على (قلب ) أو ( نفس ) خاتم النبيين بلسان عربى مبين . هذا الروح الأمين هو جبريل عليه السلام : ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) البقرة ) ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) النحل ). وبالتالى فإنّ ( القول القرآنى ) هو ( قول الاهى ربانى ، يأتى أحيانا بكلمة (قل ) أى ( يقول الله جل وعلا ) ويأنى أحيانا بدونها للتأكيد والتكرار والتذكير .

ولأنّ هذا القول القرآنى نزل به جبريل ، فهو يأتى أيضا منسوبا لجبريل الرسول الكريم صاحب القوة عند رب العزة صاحب العرش العظيم المكين : يقول جل وعلا عن جبريل : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) التكوير) ثم يقول عن خاتم المرسلين الذى نزل على قلبه القول الالهى :( وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)التكوير) . ويقول جل وعلا عن رؤية خاتم المرسلين لجبريل :( وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ (23) التكوير) .

وما جاء هنا فى سورة التكوير عن جبريل والوحى القرآنى شرحته سورة النجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) النجم ) خاتم المرسلين هو المقصود بقوله جل وعلا : ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)) أى ما ضلّ صاحبكم وما غوى حين قرأ عليكم وحى القرآن ، لأنه هنا لا ينطق عن هواه وإنما بالقول الالهى الذى تعلمه من جبريل حين رأى جبريل بالأفق الأعلى ، وتم التلاقى بين مخلوق بشرى ومخلوق سماوى ، وبإلتقائهما تم تنزيل القرآن الكريم مرة واحدة فى قلب النبى عليه السلام :( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)).  

وكما جاء ( القول ) القرآنى منسوبا لجبريل الذى نزل به على خاتم المرسلين ، فهو ( اى القول القرآنى ) يأتى أيضا منسوبا للرسول الكريم محمد عليه السلام لأنه هو الذى قرأه لأول مرة بلسانه البشرى . يقول جل وعلا عن خاتم المرسلين فى الرد على إتهامات المشركين له بأنه شاعر وكاهن : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) الحاقة ) ويقول جل وعلا عن القرآن القول الالهى أنه تنزيل من رب العالمين : ( تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) ) الحاقة ) . وأنّ محمدا لا يستطيع أن يتقول على الله جل وعلا  شيئا ، ولو فعل لأهلكه الله جل وعلا : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) الحاقة ) ثم يختم الله جل وعلا السورة بقوله جل وعلا عن القرآن الكريم وموقف المتقين والكافرين منه : ( وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) الحاقة ).

3 ـ وطالما أن القرآن قول رسول كريم ( جبريل / محمد ) وأنه تنزيل رب العالمين أو فى الأصل (قول رب العالمين ) فإن كلمة ( قل ) هى كلمة الاهية تعنى ( يقول الله جل وعلا ). وهى تكرّر وتؤكّد ما جاء فى القرآن الكريم ، لتؤكد أيضا أن كل أقوال الرسول هى فى القرآن فقط ، ويستحيل أن يتقوّل قولا من عنده أو من هواه . لذا كانت دعوة الاسلام القرآنية الاصلاحية تشمل النبى نفسه تأمره وتنهاه وتلومه وتؤنبه ، وتقول له ( قل ) و ( لا تقل كذا ) . وقام عليه السلام بتبليغ الرسالة كاملة بما فيها من تأنيب ولوم له عليه السلام . ومات عليه السلام بعد تبليغ القرآن وإكتمال الاسلام (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً ) ( 3 ) المائدة ).

أخيرا :

هذا هو إيماننا أهل القرآن ؛ إنه عليه السلام بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة بتبليغ القرآن بلا زيادة ولا نُقصان . أما من يكفرون بالرسول عليه السلام فيزعمون أنه ترك جزءا من الاسلام دون تبليغ ، وأسموا هذا الجزء ( السُّنّة ) ، ويزعمون أنه تركها شيئا هُلاميا ليكتبها العصر العباسى بأئمة يختلفون فيها ، وكلما جاء إمام منهم أضاف أحاديث عمّا قبله حتى أصبحت بعد قرون من موته عليه السلام حرفة لآلاف النصّابين الذين إخترعوا أحاديث بالملايين . عليهم لعنة الله أجمعين .

 

 الباب الأول : مقاربة لمفهوم ( قل ) فى القرآن الكريم   

الفصل الثانى : ( قل ) و قول التبشير والإنذار

مقدمة : بين ( قل ) والتبشير والانذار

1 ـ قلنا أن (قل ) تعنى  ( يقول الله جل وعلا ) إفعلوا كذا أو قولوا كذا ..وأن النبى وكل مؤمن يجب أن يقرأ الآية التى فيها (قل ) خاشعا فى صلاته وتسبيحه وأن يطبق المطلوب طاعة لله جل وعلا ، لأن القول فى الأصل هو قول الله جل وعلا ، نطق به الرسول ، والطاعة لله ورسوله فى هذا القول هى طاعة لواحد فقط ، هو رب العزة فى رسالته القرآن الكريم .

2 ـ والكتب السماوية كلها نزلت تُبشّر وتُنذر ، وكل الرسل كان مبشرين منذرين ، كل منهم كان مأمورا أن ( يُبشّر وأن يُنذر ) قومه ،  فهل كان يُنذر ويُبشر قومه بكلام من عنده ؟ هل كان ( يقول ) لهم تبشيرا من كلامه هو ، أم كان يقرأ لهم التبشير والانذار المكتوب فى الكتاب السماوى ؟

3 ـ من القرآن الكريم نعلم أن خاتم المرسلين ـ مع فصاحته ـ لم يكن يُبشّر ويُنذر بكلامه بل بالقرآن الكريم تنفيذا لأمر الله جل وعلا له . يقول رب العزة جل وعلا يأمره بالإنذار بالقرآن : ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ) (51) الانعام )، وهذا أمر للنبى والمؤمنين أيضا ( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الاعراف ). ولقد يسّر الله جل وعلا القرآن للذكر بلسان عربى مبين ليبشر به الرسول المتقين ولينذر به الكافرين : ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (97) مريم ). وهكذا فالتذكير والوعظ  تبشيرا وإنذارا لا يكون إلا بالقرآن الكريم وحده : ( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) ق ) ( وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ ) (70) الانعام ).

4 ـ وهذا بالضبط ما كان يفعل رسول الله عليه السلام . لم يكن يُلقى فى قومه خُطبة عصماء ( يقول ) لهم فيها التبشير والانذار بكلامه ترغيبا وترهيبا ، بل كان ( يقرأ ) لهم آيات القرآن ، كان يتلو عليهم القرآن ، كان ( يُذكّرهم ) بالقرآن . وقد كانوا إذا ذكّرهم بالقرآن وحده ولُّوا على أدبارهم نفورا : (ً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46)الاسراء ) . وكانوا إذا تُلى عليهم القرآن يكادون يسطون بمن يتلو عليهم القرآن ويغشى وجوههم الغضب والكراهية : (  وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ) (72)  الحج ) ، وكانوا ينظرون للنبى بكراهية هائلة حين يتلو عليهم القرآن ينذرهم  به : ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ )(51)القلم ) . ونعطى المزيد من التفصيلات فى موضوع التبشير والانذار .

أولا  : التبشير قد يعنى الانذار ( على سبيل السخرية )

1 ـ الشائع أن التبشير هو الاخبار بالأنباء الحسنة والسّارة الطيبة وليس بالأخبار السيئة الكريهة .  من ذلك مثلا تبشير ابراهيم عليه السلام بميلاد ابنه اسماعيل ثم إسحاق : ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ (112) الصافات )( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) ( هود ) ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ) (31) العنكبوت ). وتبشير زكريا بابنه يحيى : ( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7) مريم ).

2 ـ ويختلف الأمر باستعمال ( التبشير) فى ايراد الأخبار السيئة الكريهة الكئيبة ، هنا يكون اسلوب السخرية القرآنية . وفى السخرية من العادة السيئة للعرب فى الجاهلية ( وأد البنات ) يقول جل وعلا : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (17) الزخرف ) ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) النحل ). هنا تبشير العربى الجاهلى بما يكره . كان يتوقع ولدا فإذا بالخبر السىء يأتيه بأنثى . مبعث السخرية هنا أنهم يعتبرون ميلاد البنت عارا يجب التخلص منه بالوأد والقتل ، فى نفس الوقت الذى ينسبون لله جل وعلا الملائكة بنات له . لذا يقول جل وعلا لهم ( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (40) الاسراء ) وفى الرد على هذا التقول العظيم جاءت السخرية منهم باستعمال التبشير فى إخبارهم بما يكرهون .

3 ـ بنفس الأسلوب يأتى ( تبشير ) الكافرين بالنار وليس بالجنّة . يقول جل وعلا لخاتم المرسلين عن الكفار الذين لا يؤمنون بالقرآن ويرفضون الانصياع له أن ( يبشرهم بعذاب أليم ) :( فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلانشقاق ). ونفس الحال مع العُصاة من الأحبار والرهبان والذين يصدون عن سبيل الله والذين يبخلون عن الانفاق فى سبيل الله ويكنزون الذهب والفضة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) التوبة ) .وأن يبشّر المنافقين المتحالفين مع الكافرين بعذاب أليم : ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138) النساء )،وايضا الكافرين المعتدين ناكثى العهد : ( وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) التوبة ).

4 ـ وهناك عناية خاصة بالسخرية بنوعية خاصة من الكافرين المُكذبين بىيات الله القرآنية . ذلك الصنف الذى لا يكتفى بالقرآن الكريم حديثا ، وإذا سمع آيات الله إتّخذها هزوا ، فى نفس الوقت الذى يتمسّك فيه بلهو الحديث ( البخارى مثلا ) . فى السخرية من هذا الصنف الكافر المُكذّب بآيات الله يأمر الله جل وعلا النبى والمؤمنين بتبشيره بعذاب أليم : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) لقمان )( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) الجاثية ).

 ثانيا : التبشير من الله جل وعلا أصلا

1 ـ وقوله جل وعلا : : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) لقمان ) يعنى أنه فى كل مجتمع فيه ناس تجد ( من الناس ) من يشترى لهو الحديث ليُضل ععن سبيل الله . أى يوجد هذا الصنف بعد موت خاتم النبيين ، وكان موجودا قبله فى الأمم السابقة . وبالتالى فإن الأمر بتبشيرهم بعذاب أليم هو أمر عام لكل المؤمنين فى جهادهم لأولئك الذين يصدون عن سبيل الله ويتتخذونها عوجا ويشترون لهو الحديث ليصدوا الناس عن ( أحسن الحديث ) . وبالتالى فإن هذا التبشير الساخر هو من عند الله جل وعلا ، وهو جل وعلا فوق الزمان والمكان ، وهو الشاهد على كل زمان ومكان ، وهو الذى كان ولا يزال على كل شىء شهيدا : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33)( النساء ). وبالتالى فالمطلوب من المؤمن فى عصرنا أن ينطق بالآيات الكريمة يبشر أولئك الكفار المُكذّبين بالقرآن وحده حديثا ، والذين يتخذون لهو الحديث ( البخارى مثلا ) ليضلوا الناس عن القرآن سبيل الرحمن . يكفى أن تستشهد عليهم بما جاء فى شأنهم فى سورتى الجاثية ولقمان . وهنا فالله جل وعلا هو الذى يبشرهم بالعذاب الأليم سخرية منهم ، هو الله جل وعلا ولست أنت .

2 ـ ويقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) آل عمران ). ليس مقبولا هنا أن خاتم النبيين عليه وعليهم السلام هو المأمور هنا أن يبشّر الكافرين الذين كانوا يقتلون الأنبياء ، فأولئك الكفرة ماتوا قبل مولد ( خاتم النبيين ) . وبالتالى فإن هذا التبشير هو من الله جل وعلا الذى يعلو على الزمان والمكان . هذا يماثل كلمة ( قل ) التى تعنى ( يقول الله جل وعلا ) . المقبول أن ( يبشّر ) النبى فى حياته الكافرين فى عصره الذين يقتلون المصلحين والذين يأمرون بالقسط ، وهذا ما كانت قريش تفعله . ومع هذا فإنه عليه السلام كان لا ( يُبشّرهم ) أو ينذرهم إلا بالقرآن فقط .

3 ـ الواقع أن الله جل وعلا هو مصدر التبشير بالجنة والتخويف أو الترهيب والانذار من النار . ويأتى هذا صريحا فى تبشيره جل وعلا للمؤمنين المهاجرين المجاهدين فى كل زمان ومكان ، يقول جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) التوبة ).

 وفى نفس السورة يجعل رب العزة هذا وعدا الاهيا ولا يُخلف رب العالمين وعده : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (112) التوبة ) فقوله جل وعلا هنا أمرا للنبى والمؤمنين : (وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ ) يعنى ( بشرى من الله جل وعلا للمؤمنين ).

كما يخاطب جل وعلا المؤمنين خطابا مباشرا يعقد معهم عهدا فيه التبشير بالفوز العظيم فى الدنيا والاخرة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13) الصف )

4 ـ ويقول جل وعلا يُنذر الكافرين المشركين الذين إختاروا بمشيئتهم تقديس البشر والحجر : ( فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ) الزمر 16 ) ويقول جل فى تخويف المتقين من نفس المصير:( ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) الزمر ) . ويقول فى تبشيرهم إذا إجتنبوا الطاغوت ( وهو يعنى الأحاديث المفتراة والوحى الكاذب كما يزعمون عن السّنّة ) : ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (18) الزمر ) فمن يجتنب الطاغوت ويتبع أحسن الحديث يبشره رب العزة بالجنة .

5 ـ  وهنا مقابلة ومفارقة ومقارنة بين للتبشير بالجنة والتبشير بالجحيم ، كقوله جل وعلا يبشر وينذر : ( تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) 23 ) الشورى ).

ثالثا : موقف المؤمنين والمنافقين من التبشير القرآنى :

1 ـ تتحقّق هذه البشرى عمليا عندما يتلقاها المؤمنون عند الموت ، إذ تبشرهم ملائكة الموت بأن لاخوف عليهم ولا هم يحزنون : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) يونس ) ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) فصلت ).

2 ـ  وهذا هو الفارق بينهم وبين الذين يموتون على كفرهم ، عند الموت ورؤية ملائكة الموت يعتذرون دون جدوى : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل ) وفى المقابل تكون البشرى عند الموت لمن مات مؤمنا مسلما لله جل وعلا وجهه وقلبه : ( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) النحل )

رابعا : كل الأنبياء مهمتهم التبشير والانذار:

1 ـ هذا التبشير الالهى والانذار الالهى نزلت به كل الرسالات السماوية ، وأرسل الله جل وعلا به كل الرسل مبشرين ومُنذرين . يقول جل وعلا : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ )  (213) البقرة ). ). ويقول جل وعلا عنهم : (  رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) 165 )( النساء ).

2 ـ  بل يقول جل وعلا باسلوب القصر والحصر أن الله جل وعلا أرسلهم مبشرين ومنذرين فقط ، وتكرر قوله جل وعلا : ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ )(48) الانعام ) (56) الكهف ). ويقول جل وعلا لخاتم المرسلين بنفس الأسلوب : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) الفرقان ).

 خامسا : خاتم النبيين كان مأمورا بالتبشير والانذار

1 ـ كانت مهمته عليه السلام الانذار والتبشير : ( أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ  )(2) يونس ) وعن تبشره للمؤمنين يقول جل وعلا : (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) البقرة ) ( وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (223) البقرة )( وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ (34) الحج )( وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ (37) الحج ).

2 ـ ويأتى شرح التبشير والانذار بإضافات لوظائف النبى فى الدنيا والآخرة ، كونه شاهدا على الكفار يوم القيامة ، كقوله جل وعلا : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) الفتح )، وداعيا الى الله جل وعلا بإذنه أى برسالته القرآنية ليكون بها سراجا منيرا ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) الاحزاب )، وأن هذه المهمة من الانذار والتبشير موجهة أيضا لأهل الكتاب ، فهو عليه السلام منذر مبشّر لهم أيضا : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) المائدة ) ، وأن الانذار أيضا للمؤمنين ليتمسكوا بالحق حتى الموت ليحظوا بالمغفرة واجر كريم يوم الدين : ( إِنَّمَا تُنذِرُ مَنْ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)  يس ) .

3 ـ وما عدا هذا ،  فهو عليه السلام لا يعلم الغيب ولا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا : ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) الاعراف )( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) ( الأحقاف ).

سادسا : الرسالة القرآنية نفسها بشيرا ونذيرا

1 ـ قلنا إنه عليه السلام كان يبشّر وينذر بالحق القرآنى يتلوه ويدعو به ، وهذا معنى قوله جل وعلا له عليه السلام مرتين : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً ) (119) البقرة ) ( فاطر 24 ) .ويؤكّد رب العزة هذا فى قوله جل وعلا عن الحق القرآنى : ( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) الاسراء )، ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (97) مريم ).

2 ـ ولأن القرآن هو فى حقيقته المبشّر والنذير فإن وظيفة التبشير والانذار مستمرة بالقرآن الكريم بعد وفاة النبى فى كل زمان ومكان ، وهذا بحفظ الله جل وعلا للرسالة القرآنية الكريمة ، وبها يكون الرسول للناس كافة بشيرا ونذيرا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً  ) (28) سبأ ). وبهذه الرسالة العالمية المحفوظة من لدن رب العالمين يكون خاتم المرسلين رحمة للعالمين (  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) ( الأنبياء ) لمن شاء منهم أن يستقيم ويحظى بالرحمة ، كما يكون عليه السلام نذيرا للعالمين : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) ( الفرقان ).

3 ـ النبى ( محمد بن عبدالله القرشى ) بشر محكوم عليه بالموت ، ولكن الرسالة التى قام بتبليغها وهى القرآن الكريم سارية بعده الى قيام الساعة ، وبها يكون الرسول أو تكون الرسالة رحمة للعالمين وإنذارا للعالمين . وبالتالى فأن القرآن ـ كلام رب العالمين ـ هو فى الحقيقة البشير والنذير . والمطلوب من الدُّعاة للحق التبشير والانذار به . وعندها تنتهى مهمتهم ، ويكونون شهداء على قومهم يوم القيامة .

4 ـ يقول جل وعلا عن القرآن نفسه هاديا ومبشرا ونذيرا : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (10) الاسراء ). فالقرآن هو الذى يهدى للتى هى أقوم ، وهو الذى يبشر المؤمنين وهو الذى ينذر الكافرين بعذاب أليم . وقد أنزل الله جل وعلا الكتاب القرآنى ولم يجعل له عوجا لينذر الكافرين بأسا شديدا وليبشر المؤمنين بأجر حسن خالد أبدا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) الكهف ).

5 ـ ومن هنا يأتى وصف القرآن نفسه بأنه هدى وبشرى : ( طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) النمل )، وأنه نذير وبشير : ( وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) الاحقاف ) ، وأن تفصيلاته تؤكد دوره بشيرا ونذيرا : ( حم (1) تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً ) (4) فصلت ) ،. لذا فالقرآن نفسه هو الذى يقول للناس إننى لكم نذير وبشير : ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) هود ).

6 ـ وفى النهاية ، يأتى يوم القيامة ، ويكون النبى شاهدا على قومه الذين عاصرهم ، يشهد عليهم شهادة خصومة بأنهم إتّخذوا القرآن مهجورا : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)( الفرقان ). خصوم النبى ليسوا فقط أولئك الكفار الذين عاندوه فى مكة وقاتلوه فى المدينة وماتوا على كفرهم ، بل أيضا قومه وأصحابه الذين آمنوا به ثم بعد موته إتّخذوا القرآن مهجورا ، وارتكبوا جريمة الفتوحات ، ينسبون هذه الجريمة الكبرى الى الاسلام العظيم . سيأتى الرسول عليه السلام شاهدا عليهم يوم القيامة ، يتبرأ مما فعلوه ، وبأنه ما أمرهم بهذا ، بمثل ما سيتبرا عيسى عليه السلام ممّن ألّهوه بعد موته .

7 ـ ويقول جل وعلا عن الشهادة يوم القيامة : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل ). أى إن جوهر الشهادة يوم القيامة هى أن القرآن الكريم نزل تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة للمسلمين . وهذه شهادة أهل القرآن ـ بإذن الرحمن ـ يوم القيامة ضد أولئك الذين يزعمون ان القرآن لا يكفى وأنه محتاج لسنّتهم لتكمله وتشرحه وتفصّله وتفسره . بل و( تنسخه ) أى تبطل أحكامه .. هل هناك كُفر أفظع من هذا ؟

7 ـ  موعدنا معكم يوم الفصل :( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) المرسلات ).

ودائما : صدق الله العظيم !.

 

 

الباب الأول : مقاربة لمفهوم ( قل ) فى القرآن الكريم   

الفصل الثالث : بين ( قل ) و( قول ) الدعاء

أولا  : الدعاء و كلمة : (قل )

1 ـ قلنا إن كلمة ( قل ) تعنى ( يقول الله جل وعلا ) . السؤال هنا عن صلة ( قل ) بالدعاء ، أى حين يدعو المؤمن ربه جل وعلا ، أى حين ( يقول  المؤمن ) دعاءا يرجو به ربه نفعا  أو يرجو به دفع ضرر  حاق به . لا شك أن له أن ( يقول ) فى الدعاء  ما شاء متضرعا لله جل وعلا بما يعبّر به عن حاله . ولكن الدعاء بأساليبه ومختلف موضوعاته جزء من الخطاب القرآنى ، ومن الأفضل أن ندعو بما جاء فى القرآن ، وهذا يجعلنا نبحث علاقة ( قل ) بالدعاء  .

2 ـ  إن الدعاء هو لُبُّ العبادة فى الصلاة وفى الذّكر وفى قراءة القرآن وفى للتسبيح والتفكر فى آلاء الله جل وعلا . وهو أيضا جزء فى القصص القرآنى ، فالله جل وعلا أورد دعاء الأنبياء ، والمؤمنين ، بل إن فاتحة الكتاب هى دعاء يبدأ بحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم ، وبتأكيد أننا نعبده جل وعلا وحده ونستعين به وحده ، ثم بعد هذا التمهيد يأتى الدعاء بأن يهدينا الله جل وعلا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم وليس صراط المغضوب عليهم ولا الضالين .

2 ـ الملاحظ أن ( قل ) لا تأتى كثيرا فى الدعاء. جاءت فى قوله جل وعلا : ( وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) الأنبياء ) . إن الأغلب غياب كلمة ( قل ) أمرا بالدعاء  .      

3 ـ لا نجد ( قل ) أمرا فى الدعاء فى الفاتحة ، ونفتقدها فى قوله جل وعلا : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186 ) البقرة ) ، فالسياق أن يقال ( وإذا سألك عبادى عنى فقل إنى قريب ..). ولكن تم حذف ( قل ) منعا للواسطة ، ولتأكيد أنه جل وعلا قريب من عباده يسمع الداعى إذا دعاه . ونفتقدها فى قوله جل وعلا : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286 ) البقرة ) المنتظر أن يقال ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، لها ما كسبت وعليها ما إكتسبت ، قولوا ربنا لا تؤاخذنا غن نسينا أو أخطأنا ...). بل إن الأمر بالدعاء خلا من كلمة ( قل ) يقول جل وعلا  : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر ). (قال ) هنا بمعنى ( قل ) لأن الله جل وعلا جعل جهنم مصير الذين يستكبرون عن الدعاء .هذا دليل على أن الدعاء فريضة تعبدية مأمور بها الناس جميها ، سواء جاءت بكلمة (قل )أو بدونها. 

4 ـ إن الله جل وعلا جعل من صفات المتقين أنهم يدعون الله جل وعلا : ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17 ) آل عمران ) أى هم الذين يدعون ربهم يطلبون الغفران والوقاية من عذاب النار ، وهم القانتون المستغفرون بالأسحار . وجعل رب العزة من صفات أولى الألباب المؤمنين أنهم يتفكرون فى خلق السماوات والأرض ويخاطبون ربهم يرجون رحمته وغفرانه :الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)     آل عمران ). وجعل  من صفات عباد الرحمن أنهم  يقولون (  رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66 ) ، ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) الفرقان ) وفى المقابل يقول جل وعلا إنه لا يعبأ بنا لولا أننا ندعوه ، فيستجيب : (  قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ( 77 الفرقان ).

ومشركو قريش دعوا الله جل وعلا أن يهلكهم لو كان القرآن حقا ، وجاءهم الرد من رب العزة بتأجيل العذاب طالما كان النبى بينهم وطالما كانوا يستغفرون : ( وإذ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) الانفال )

5 ـ إن الدعاء هو خطاب مباشر يوجهه ابن آدم لربه جل وعلا ، يحادثه ويشكو اليه ، ويرجوه . وهكذا كان يفعل أفضل البشر ، وهم أنبياء الله ، والدعاء جزء أساس فى قصصهم ، وهو بدون كلمة ( قل ) ، وجىء به فى القرآن لنستفيد به ونطبقه إذا كنا فى نفس الحال .

ثانيا : دعاء الأنبياء بدون كلمة (قل )

1 ـ دعاء الأنبياء يتنوع من حيث الموضوع . منه نوع يخص النبى وحده خاص بظروف النبى ودعوته وليس لنا أن ندعو به ، ونوع يمكن لنا أن نطبقه وندعو به إذا تطابق مع أحوالنا . ثم هناك نوع مختلط ، جزء منه يجوز لنا  أن نطبقه إذا توافق مع ظروفنا .

2 ـ من أمثلة النوع الخاص بالنبى وحده دعاؤه على قومه بالهلاك ، كما فعل نوح عليه السلام : ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) القمر ) ( وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) الانبياء ) ،( وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (27) نوح )  .

ورجع موسى عليه السلام من لقاء ربه ووجد قومه يعبدون العجل ، فغضب ، ثم هدأ ، ودعا ربه أن يغفر له ولأخيه هارون عليه السلام : ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)) الاعراف ).

وحين عاقب الله جل وعلا قادة بنى اسرائيل دعا موسى ربه بالغفران :( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156 الأعراف).

وفى تحويل مؤقت للقبلة ظل عليه السلام يدعو ربه فاستجاب له : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144 البقرة ).

3 ـ ونعطى أمثلة من النوع الذى يمكن لنا أن نطبقه لأنه صالح لظروفنا :

قد يتعرض أحدنا للفقر والحاجة ، وله أن يستعمل دعاء موسى وهو فى مدين (  فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) وجاءت الاستجابة سريعا ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25 القصص ) .

وحين قتل موسى الرجل المصرى المعتدى عن طريق الخطأ بادر بالتوبة وطلب الغفران فغفر الله جل وعلا له : (  وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)القصص ) وهذا يصلح لأى مؤمن يقع فى نفس الموقف .

وكلنا يتعرض لمحنة المرض ، ويمكن أن يستفيد عند المرض بدعا النبى أيوب ربه ،وقد فاستجاب له : (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الانبياء ) (  وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44  ص )

وكل منا يتعرض لأوقات الشّدة ، أفظعها عندما إلتقم الحوت النبى يونس عليه السلام ، فظل يسبّح ويدعو ربه وهو فى بطن الحوت فاستجاب له ربه جل وعلا : ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) الصافات ) (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (50) ) (القلم ) ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الأنبياء ) . يقول جل وعلا (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ) أى تشجيع من  رب العزة لكل مؤمن يقع فى ضيق وشدّة أن يدعو ربه مستجيرا به ، والله جل وعلا يعده بأن يستجيب له وأن يُنجيه .

ومن الشدائد الاضطرار الى دخول السجن ظُلما ، وقد تعرض له يوسف عليه السلام ، وفى مواجهة التآمر النسائى دعا ربه : ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34 يوسف ).

ولأهل القرآن تجربة مريرة مع الفرعون مبارك المشهور بفساده وإستبداده ، حين كان أمن الدولة يرهبنا ، ويعتقل أهالينا ، وننام فى خوف ونصحو فى قلق ، وإذا دقّ الباب توقعنا الشّر ومجىء قوات الأمن لتقبض علينا . فى هذه الظروف كان الدعاء المُريح لنا هو دعاء يونس فى محنته ( لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ). والدعاء بألّا يجعلنا ربنا جل وعلا ( فتنة للظالمين الكافرين ) أى ضحية للظالمين الكافرين الذين يفتنون المؤمنين فى دينهم بالاكراه فى الدين والاضطهاد الدينى ، وهو ما كان يفعله مبارك الذى كان جنوده يعتقلون أهل القرآن بتهمة أنهم يُصلُّون فى بيوتهم . وهذه فتنة فى الدين لم يقع فيها فرعون موسى نفسه ، الذى تغاضى عن صلاة بنى إسرائيل فى بيوتهم . يقول جل وعلا عن تطرف فرعون فى ارهاب قوم موسى حتى جعلهم يتحاشون موسى خوفا من أذى فرعون :  ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83)يرنس )، ودعاهم موسى للتوكل على الله جل وعلا للصمود أمام هذا الاضطهاد : ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) يونس ) فاستجابوا ، ودعوا ربهم جل علا أن يُنجيهم من فرعون وألّا يجعلهم فتنة للقوم الكافرين : ( فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) يونس ) وأمر الله جل وعلا موسى وهارون أن يقيما الصلاة فى بيوتهم وأن يدعوا جميعا على فرعون حتى ينتقم الله جل وعلا منه :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (87) وفى الصلاة كان موسى يدعو على فرعون : ( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) يونس )واستجاب الله جل وعلا  الدعاء : ( قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89 يونس ) وبعدها كان غرق فرعون وقومه . وكنا ندعو الله جل وعلا على هذا الفرعون مبارك ، ونحمد الله جل وعلا أن إستجاب لنا .

وقبل ذلك كان ابراهيم عليه السلام ومن آمن معه يدعون الله جل وعلا ألّا يجعلهم فتنة للقوم الكافرين ، وإستجاب لهم الرحمن ( رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5 ) الممتحنة ).

والحروب من أشد المحن . وفيها تكون فائدة الدعاء للمؤمنين أصحاب الحق : ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ  )(251) البقرة ) (  وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148 آل عمران ). وفى معركة بدر إستغاث المؤمنون بربهم جل وعلا فاستجاب لهم :( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) (9 ) الأنفال ).

ويستجيب رب العزة أيضا لمن يطلب من الله جل وعلا النّعم . رأى زكريا عليه السلام الطفلة مريم فى عبادتها فاشتاق أن يهبه الله جل وعلا ولدا ، وكان فى شيخوخته وزوجه عاقر : ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى  ) (39 ) آل عمران) . ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ) (90) الانبياء ). ولمن يريد الذرية يستطيع أن يرجوها من ربه جل وعلا.

بل أكثر من هذا ، قد يُنعم الله عليك بالمُلك وتطلب المزيد . وهكذا فعل يوسف عليه السلام الذى أوتى الدنيا فطلب الجنة ، ودعا ربه جل وعلا فقال : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101 يوسف ).

أكثر منه نبى الله سليمان عليه السلام الذى أوتى المُلك والنبوة فطلب المزيد : ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) ص ) . المستفاد هنا أن تطلب ما تريد من ربك بعيدا عن الإثم والعدوان . وستجد الاجابة ، إما بما تطلب ، أو برحمة ورضوان ، والله جل وعلا يختار الأصلح لك . وهو الأعلم بالأصلح لك .

3 ـ ومن دعاء الأنبياء ما يصلح جزء منه لنا ، والباقى لا يصلح لأنه كان خاصا بالنبى نفسه لا علاقة له بنا . فمن دعاء ابراهيم عليه السلام ما لايعد صالحا لنا ، مثل دعائه لأبيه بالغفران : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40 رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41 ابراهيم  )  ، وقد عوتب فى هذا فكفّ عنه . ولنا أن ندعو بدعائه الآتى إلا الفقرة التى تخصُّ أباه : ( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء . )

ونفس الحال مع نوح عليه السلام : ليس لنا أن ندعو بدعائه على قومه ،( وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (27) نوح )  ولكن ندعو بالدعاء الذى قاله :( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً (28) نوح ).

وآخر إستجابة الاهية لطلب آية حسية كانت فى المائدة التى طلبها الحواريون من عيسى عليه السلام ، وإستجاب رب العزة مع تهديد لهم إن كفروا بعدها : ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (115 ) المائدة) الذى ينفعنا من هذا هو أن ندعوبدعاء عيسى عليه السلام بأن يرزقنا الله جل وعلا وهو خير الرازقين : (وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114)

اللهم ارزقنا وأنت خير الرازقين .!

  ثالثا : دعاء المؤمنين بدون ( قل )

1 ـ بدون كلمة ( قل ) أمرنا الله جل وعلا بالدعاء ، وجعل من لا يدعوه مستكبرا مستحقا للجحيم : : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر ) ، وهذا أكثر تأكيدا من إستعمال (قل ). وبدون( قل ) ايضا قال جل وعلا : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186 ) البقرة ) .

وفى كل الأحوال فالبشر جميعا مدعوُّون لأن يكونوا من عباد الرحمن بأن يستغيثوا برحمته إذا مسّهم الضرر ، وهو جل وعلا الذى يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السُّوء عنه :( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ )(62 النمل ) . وكل منا يقع فى أزمات ومحن وشدائد ، ويلجأ الى الله جل وعلا متضرعا.

2 ـ  وينبغى لمن بلغ سنّ الأربعين أن يتوقف مع نفسه ، وأن يبدأ مراجعة حياته تائبا داعيا الله جل وعلا بإخلاص أن يُصلحه ويُصلح ذريته : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (15) الاحقاف )، والله جل وعلا يعد بالاستجابة : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) الاحقاف ).

3 ـ والدعاء يصاحب العبادات ، ففى الصلاة يكون الخشوع إقترابا من الخالق جل وعلا عند السجود والدعاء فيه كما جاء فى آخر سورة العلق ، وفى تشريع الصوم يقول جل وعلا : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)البقرة ) ، وفى الحج يأمر الله جل وعلا بالذكر وبالدعاء الأمثل:( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202 البقرة ) . وفى الذكر والتفكر فى خلق السماوات والأرض : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) آل عمران )

4 ـ وهناك نماذج فى القرآن الكريم لدعاء المؤمنين ، تمت الاستجابة لها من الرحمن جل وعلا :

ـ إمرأة فرعون دعت ربها جل وعلا أن يبنى لها قصرا فى الجنة وأن ينجيها من فرعون وعمله : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) التحريم ) والجزء الخاص بالدنيا تم تحقيقه وهو الانتقام من فرعون . والجزء الخاص بألاخرة نفهم مقدما تحقيقه لأن الله جل وعلا جعلها مثلا أعلى للذين آمنوا . 

ـ وبعض  القساوسة والرهبان كانوا يسارعون الى الايمان عند سماع القرآن ويدعون الله جل وعلا أن يكونوا من الصالحين ومن الأشهاد على قومهم : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) المائدة ) . ونفهم أن الله جل وعلا إستجاب دعاءهم، لأنه جل وعلا يقول عنهم : ( فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85 المائدة ) .

ـ وأهل الكهف دعوا ربهم بالرحمة والرشد : ( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً (10). ونفهم أن رب العزة قد إستجاب لهم إذ وصفهم لنا بأنهم (  إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)) الكهف ) وسجّل قصتهم فأصبحت معلومة شهيرة فى هذه الدنيا .

ـ وسحرة فرعون أمضوا حياتهم فى الضلال ، ثم آمنوا عندما شهدوا آية موسى ، أو عصاه ، تأكل حبالهم وعصيّهم ، فأعلنوا إيمانهم تحديا لفرعون ، ورفضوا تهديده لهم بالقتل والصلب ، ودعوا ربهم بالغفران ، وسجّل رب العزة موقفهم هذا فى القرآن الكريم :( لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126 ) الاعراف ) ،( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) طه ) ( قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) الشعراء )

رابعا : الانسان والدعاء

1 ـ عندما يكون ابن آدم مشركا كافرا سيء الخلق فإن وصفه القرآنى ( إنسان ) ، وهذا عكس الشائع فى ثقافتنا المعاصرة عن المفهوم الايجابى الطيب للإنسان والإنسانية . يقول جل وعلا فى الصفات السيئة للواحد منا إن كان ( إنسانا ):(إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ابراهيم)( وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُوراً (100) ( الاسراء )( وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (54) الكهف ) ( إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ (66) الحج )( وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) ( الأحزاب) (إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) الزخرف)( قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) عبس).والمؤمنون المفلحون هم الاستثناء من الخسران الذى يقع فيه الانسان:( إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ( العصر) ، والتفاصيل فى سورة المعارج ( 19 : 35 ).

2 ـ هذا ( الانسان ) عند المحنة كالمرض والتعرض للغرق يدعو ربه مستجيرا به مؤمنا مخلصا ، ولكن بمجرد أن ينجو من المحنة يعود الى ضلاله، يقول جل وعلا :( وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً (67) الاسراء )، ( وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) يونس ) ، ( وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) الزمر )،( فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) الزمر )

3 ـ ولهذا الانسان طبيعة خاصة فى الدعاء ، هى التعجُّل ، أى يدعو بالشّر أحيانا على نفسه وأقرب الناس اليه ( كما تفعل بعض الأمهات فى غضبهن ). المفترض أن تدعو بالخير ولكن الغضب يجعله يُسارع  بأن يدعو بالشر بمثل دعائه بالخير،يقول جل وعلا :( وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11)( الاسراء )

4 ـ إلا إن الأغلب على الإنسان تأثره بالأنانية فى دعائه ، فهو غافل عن الآخرة، غير مهتم بالدعاء بالغفران لأن الدنيا هى شُغلُهُ الشّاغل . وهو يريد النعيم الدنيوى فقط ، فإذا جاءه النعيم إغترّ وطغى واستكبر يظنُّ أنه إسنغنى عن الرحمن جل وعلا:( كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7 العلق ). وإذا مسّه الشّرُّ وقع فى اليأس : ( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً (83)( الاسراء ). إن العادة ان يتعرض ابن آدم لاحتبار النعمة والنقمة ، والمحنة والمنحة ، والمؤمن يصبر و يشكر فى الحالتين . أما ( الانسان ) فهو يائس عندما تُنزعُ منه النعمة ، وهو كفور عندما تأتيه نعمة بعد نقمة : ( وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ (48) الشورى )، ( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10 هود )

5 ـ يترتب على هذا فيما يخُصُّ الدعاء أن الانسان لا يسأم من الدعاء بالخير ، فإذا أُبتُلى بمصيبة وقع فى اليأس والقنوط . فإذا تبدلت المصيبة بنعمة إغترّ وأعرض ونأى بجانبه وكفر بالآخرة ، فإذا عاد اليه بالابتلاء بالمصائب جأر وصرخ بالدعاء العريض . وما أروع قوله جل وعلا : ( لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) فصلت ) . أى هو خاسر فى الحالتين . وصدق الله العظيم : ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) (العصر)

خامسا : تشريع الدعاء

1 ـ لأنه عبادة فلا بد للدعاء أن يصدر عن خشوع وتضرع . إذا لم يكن تضرعا وخشوعا أصبح سخرية بالله جل وعلا ، وإعتداءا على التقديس الواجب له وحده جل وعلا . أى إن الدعاء إما أن يكون تضرعا وبصوت خافت خاشع وإما أن يكون إعتداءا وكفرا . يقول جل وعلا : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الأعراف )( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56 الأعراف). أى عندما ندعوه خوفا وطمعا وتضرعا وخفية فإن رحمته جل وعلا ستكون قريبة منا ، وسيستجيب لنا . وزكريا عليه السلام حين دعا ربه فقد تكلم بصوت خافت ، والله جل وعلا يجعله لنا تذكرة وذكرا لنتعلم منه الدعاء الناجح المُستجاب : ( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) مريم ). 

2 ـ ويختلف الأمر فى الديانات الأرضية حيث يتحوّل الدعاء الى غناء وموسيقى وقصائد ولهو ولعب . لذا يأمر رب العزة بالاعراض عمّن إتخذوا دينهم لهوا ولعبا : ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )(70) الأنعام )، ويصف أصحاب النار بأنهم ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) (51) الأعراف ).

3 ـ وتحويل الدعاء الى أغانى والتغنى بالقرآن والانشاد الدينى والمديح فى النبى والأولياء والأئمة من الملامح الأساس فى الديانات الأرضية للمسلمين ، خصوصا  دين التصوف . إنّ من صفات المؤمنين حقّ الايمان أنهم إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم  : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )( 2 ) الأنفال )، أمّا المحمديون فأشدهم تدينا هم الذين إذا ذُكر إسم الله رقصت قلوبهم .! . يكفى أنهم يجعلون لفظ الجلالة ـ إسم الله العظيم جل وعلا ـ فاصلة موسيقية فى أغانيهم .!

وفى نفس الوقت يجعلون الغناء العادى المباح حراما ، وهذا بالتناقض تماما مع شرع الله جل وعلا.

بل حتى بالتناقض مع أنفسهم وثقافتهم الاجتماعية . إن الدعاء هو رجاء من الأسفل الى الأعلى . ومن الطبيعى أن يكون الرجاء مصحوبا بالخضوع والخشوع طالما ترجو ربك جل وعلا . بل إنّك عندما تقدم إلتماسا لرئيسك فى العمل تقدمه بإحترام له ، وربما بتذلل . تخيل لو دخلت عليه تلتمس منه شيئا وأنت ترقص وتغنى وتتلاعب حواجيك ؟ تخيل أن إبنك جاء يطلب منك شيئا فاصطحب فرقة موسيقية وجعل طلبه غنوة ؟ فى كل الأحوال سيكون هذا سخرية ممّن ترجوه وتطلب عونه . لا يرضى أحدنا أن يرجوه أحد بأسلوب ساخر ، فكيف برب العزّة جل وعلا ؟. هنا نفهم وصف رب العزة للدعاء الخالى من التضرع بأنه إعتداء . وافظع أنواع الاعتداء أن تعتدى على التقديس الواجب لله جل وعلا وحده .

4 ـ ومن سُبُل التضرع ـ فى الظروف العادية ـ  أن يسبق الدعاء تحميد وتمجيد وتقديس لله جل وعلا . والفاتحة خير مثال ، فنصفها الأول تمهيد للدعاء : ( بسم الله الرحمن الرحيم (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)) ونصفها الآخر هو الدعاء : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)).

وفى دعاء زكريا لم يقل ما يطلبه مباشرة ، بل بدأ بحيثيات طلبه ورجائه : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6) مريم ) . وفى دعاء يوسف بدأ بقوله : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ  ) ثم بعد هذه المقدمة دعا ربه جل وعلا أن يتوفاه مسلما وأن يُلحقه بالصالحين : ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) يوسف ). وهكذا دعاء أولى الألباب الذين يرجون النجاة من النار ، يقولون فى البداية على سبيل التمهيد : ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ(193) آل عمران )

5 ـ أمّا فى الظروف القهرية عند شدّة الكرب فلا بأس أن يأتى الدعاء بإيجاز لأن الله جل وعلا هو الأعلم بالحال ، والحال صعب شديد ، وبالتالى يكون التضرع صادقا وخميقا وحارا ولا يحتاج الى مقدمات .  يونس عليه السلام وهو فى بطن الحوت ، لم يشرح حاله الفظيع ، ولكن إكتفى بأن نادى ربّه جل وعلا ، وهو فى ظلمات بطن الحوت قائلا :( لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87 )الانبياء ).وإكتفى يعقوب عليه السلام فى جزعه على يوسف بقوله داعيا الله جل وعلا : ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)، وقوله :( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)  يوسف ) . والمؤمنون يدعون الله جل وعلا عند الابتلاء بعبارة بسيطة خاشعة :" إنا لله وإنا اليه راجعون": ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) والمكافأة :(أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157 البقرة ).  وهكذا حال المؤمنين المتضرعين فى الدنيا .

6 ـ وهناك دعاء ضمنى مستتر ، كان ملاذنا نحن أهل القرآن وقت إضطهاد الفرعون مبارك لنا . كنا ـ ولا نزال ـ نقول : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) ( حسبى عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ، حسبى الله عليه يتوكل المتوكلون ) . عند قولها يُحسّ المظلوم أنه مؤيّدُّ برب العزة العزيز المتعال ، خصوصا فى حالنا نحن أهل القرآن . إذ نتعرض للإضطهاد ليس بسبب أننا نسعى للحكم أو نتصارع مع أهل الثروة والجاه حول حُطام الدنيا . ليس بيننا وبينهم خلاف شخصى أو نزاع حول ميراث أو مصاهرة . يضطهدوننا لأننا ندافع عن حق الله جل وعلا فى أن يكون الدين خالصا له جل وعلا دون تقديس لبشر أو حجر . أى نحن  ننصر الله جل وعلا ، ومن حقنا أن ينصرنا الله جل وعلا ، وهذا هو الذى وعد به رب العزة جل وعلا بصيغة التأكيد ، أه سينصر من ينصره : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ) (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) الروم ) كنّا ـ ولا زلنا ـ نتمثل هذا ، ونحن ندعو : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) ( حسبى عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ، حسبى الله عليه يتوكل المتوكلون ) . ولم يخذلنا أبدا رب العزة . ونرجو ألّا يخذلنا يوم القيامة ، وأن يتحقق وعده فينا ، وهو جل وعلا يقول ويعِدُ : (  إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)( غافر )

إن الدعاء بأن يكون رب العزة هو وحده حسبنا ونصيرنا فى المحن والشدائد يأتى عند التحدى للمشركين وآلهتهم وخرافاتهم التى تجعل لهذه الآلهة والأولياء سطوة بالنفع والضر . وكان المشركون يُخوُّفون خاتم النبيين فقال له جل وعلا : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ )(36) الزمر).وقد أكّد رب العزة أن هؤلاء الآلهة والأولياء كانوا بشرا مثلنا ، ثم أصبحوا موتى وترابا فى قبورهم  لا نفع فيه ولا ضرر:( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا  )، ثم أمر رب العزة رسوله الكريم أن يتحداهم وأن يقول لهم : ( قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (197) الاعراف ). جاء هنا إستعمال ( قل ) فى معرض التحدى .

وفى معرض التحدى يأتى القول ( حسبى الله ، حسبنا الله ) فى مواجهة الظلم والظالمين يستعين فيه المؤمن بربه جل وعلا . وبهذا كان يدعو النبى عليه السلام ، وكل مؤمن يدعو الى الله على بصيرة فى مواجهة المشركين المعتدين ، سواء كانت المواجهة حوارا عقليا أو جهادا حربيا . فى الجهاد العقلى تحديا لخرافات الكرامات والمعجزات للاولياء والآلهة المزعومة ، نقرأ قوله جل وعلا : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) الزمر) . الأمر هنا ب( قل )، والقول هو (حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ). والمعنى طلب العون من الله وحده ، والتوكل عليه جل وعلا وحده : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) الطلاق  ). وعندما كان خاتم النبيين يعانى من قومه واصحابه أمره ربه جل وعلا أن يقول حسبى الله :( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) التوبة )، وهكذا  كان يقول  المجاهدون الصادقون الذين لم تمنعهم جراحاتهم عن ملاحقة العدو ، ورفضوا تخويف الناس لهم : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) وكانت النتيجة : ( فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران ).

 

أخيرا : دعاء الكافرين وهم فى النار :

1 ـ يختلف الحال فى الآخرة حيث الخلود فى نعيم الجنة أو عذاب النار . فأصحاب الجنة يكون دعاؤهم ليس بالتضرع ، فقد إنتهت المحن وجاء وقت النعيم الخالد ، وفيه يكون دعاؤهم بالتسبيح وبالحمد لله جل وعلا رب العالمين ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) يونس ). أما أصحاب النار الذين إتّخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرّتهم الحياة الدنيا والذين  لم يعرفوا التضرع فى الدعاء فى الدنيا ،فهم يتضرعون لربهم وهم فى النار يطلبون الخروج منها ، ولكن بلا جدوى .ويأتى القرآن ينذرنا مقدما ويعظنا ونحن أحياء ، يخبرنا بما سيحدث فى الآخرة :

2 ـ عند وقوفهم أذلّة أمام رب العزة يتمنُّون الرجوع للدنيا:( وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ )، ويتضرعون له جل وعلا:( رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12 السجدة )، وهم على أبواب النار يتحسّرون يتمنون ـ بلا جدوى ـ رجوعهم الى الدنيا ليؤمنوا : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (27) ، ويأتى الرد بأنهم لو رُدُّوا لعادوا الى ضلالهم :( بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28 الانعام ). انتهى الأمر فقد تبين لهم الحق فرفضوه وسكنوا فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم : ( وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (  ابراهيم  45 ). لذا يقول رب العزة فى نهاية السورة : (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (52) ابراهيم )

3 ـ وهم فى غمرة العذاب تلفح وجوههم النار يتم تذكيرهم بتكذيبهم بآيات القرآن:( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) ، فيطلبون الخروج : ( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)، فيأتيهم  الرد :( قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (108)) الى أن يقول جل وعلا لهم ولنا :(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون ). فى عذابهم هذا يتمنون الموت دون جدوى : ( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) ابراهيم ) يتضرعون الى ( مالك )  خازن النار يرجون الموت :( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ )،ويردُّ عليهم:( قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) الزخرف ). 

4 ـ ييأس الرعاع الضعفاء الأتباع الذين إتّبعوا سادتهم وشيوخهم المُضلّين فيتضرعون لله جل وعلا أن يؤتيهم ضعفين من العذاب وأن يلعنهم لعنا كبيرا :( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68 الأحزاب )

5 ـ يظل الحال كما هو ، تضرّع لا فائدة فيه ، وخلود فى النار بلا خروج وبلا تخفيف ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)فاطر )ويصف رب العزة صراخهم بأنه ( إصطراخ ) بالتضرع طلبا للخروج من الجحيم :( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ )، ويأتيهم الرد بأنهم أخذوا فرصتهم فى حياتهم الدنيا فعاشوا ، وجاءهم الكتاب النذير فأعرضوا:( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37 ) فاطر ).

الخاتمة

1 ـ هذا ما يقوله لنا ربنا بدون كلمة (قل ) . يقوله لنا ونحن أحياء فى خطاب مباشر لنا قبل أن نموت وتضيع منا الفرصة . أن نؤمن الآن وأن نتضرع له جل وعلا نطلب الغفران قبل فوات الأوان .

2 ـ ونحن أحرار فى الايمان أو الكفر ، وما على الرسول إلا البلاغ . يقول جل وعلا يدعونا ويقرّر حريتنا فى الطاعة والمعصية :( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ(47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ )(48 )الشورى ). إن إستجبنا لربنا إستجاب هو لنا. وإن أعرضنا فأمامنا خلود فى النار،وتضرع بالخروج منها لا يُستجابُ له .

  أحسن الحديث :( وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9)( الزمر )

ودائما : صدق الله العظيم .!