الباب الأول الفصل الرابع
ßÊÇÈ الصيام ورمضان : دراسة اصولية تاريخية
(4 ) التدخين لا يفطر الصائم

في الجمعة ٢٩ - مارس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

ليس الدخان من الطعام والشراب ، فمجرى الطعام و الشراب هو الجهاز الهضمى ( الفم ـ البلعوم ـ المرىء ـ المعدة ـ الأمعاء الدقيقة ، فالغليظة ـ فالشرج ) أما التدخين فمجاله الجهاز التنفسى ، من القصبة الهوائية الى الرئتين شهيقا وزفيرا، وبالتالى فالتدخين لا يفطر الصوم فى رمضان أو غير رمضان .
وأيضا فليس التدخين محرما لأن التحريم لا يكون إلا بنصّ قرآنى صريح . ومثلا فإن المحرمات فى الطعام محصورة ومحددة و غيرها موصوف بالطيبات ، ويحرم تحريم شيء من تلك الطيبات ، نفهم هذا من قوله تعالى (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) (النحل 114 : 116 ) وتكرر هذا فى آيات قرآنية مثل ( البقرة 172 ـ ) ( المائدة: 1 ، 3 ـ 87 ـ ، 96 ) (الأنعام 145 ) ( يونس 59 ـ ) والمحرمات فى الشراب هى الخمر ( المائدة 90 ـ ). والتدخين ليس طعاما ولا شرابا .


ثانيا :
1 ـ لم يعرف العصر العباسى التدخين والتبغ ، لأن التدخين عرفه الأوربيون من الهنود الحمر بعد الكشوفات الجغرافية ، ونقله الأوربيون ثم انتشر فى العالم ، وعرفه المسلمون فى نهاية العصر العثمانى .
وفى العصر المملوكى إكتشف المسلمون القهوة والحشيش ، واشتهر الصوفية بادمان الحشيش وسموه ( الحشيشة ) وأطلقوا عليها (لقيمة الفكر و الذكر )، وراجت بهم القهوة ، وفى نفس الوقت اتخذ الفقهاء السنيون موقف العداء من القهوة و الحشيش ، فافتوا بتحريمهما فى إطار الصراع بين دينى السنة و التصوف مما دفع الشيخ الصوفى علم الدين ابن الصاحب لأن يقول فى قصيدته المشهورة :
فى خمار الحشيش معنى مرام
يا أهيل العقول والأفهام
حرموها من غير عقل ونقل
وحرام تحريم غير الحرام .
وقال ابن الأعمى الدمشقى :
ولا نص فى تحريمها عند مالك
ولا حدّ عند الشافعى وأحمد
ولاأثبت النعمان تنجيس عينها
فخذها بحد المشرق المهند.
وذلك موضوع شرحه يطول وسيأتى بعونه جل وعلا أوانه.
ونفس الحال تقريبا حدث مع الدخان فى نهاية العصر العثمانى ، أفتى بتحريمه الفقهاء ودافع عنه بعض محققى الصوفية.

2 ـ من الفقهاء القدامي الذين حرموا التدخين في العصر العثماني :من المذهب الحنفي محمد العيني في رسالته في تحريم التدخين، وابو الحسن البصري الحنفي وعمر بن احمد المصري الحنفي وعيسي الشهادي في الاستانة ،والامام الشربنلاني واسماعيل النابلسي وعلاء الدين الحصفكي .
ومن المذهب المالكي خالد بن احمد الجعفري ساكن مكة ،وابراهيم اللقاني شيخ المالكية بمصر ،وابو الغيث القشاش المغربي وسالم السنهوري .
ومن الفقهاء الشافعية نجم الذين الغزي الشافعي الدمشقي ،وابن علان الصديقي صاحب كتاب اعلام الاخوان بتحريم الدخان ،ومحمد حياة المدني وشهاب الدين القليوبي وسليمان البحيري واحمد عبجي مفتي حلب .
ومن الفقهاء الحنبلية سائر الفقهاء النجديين والوهابيين ،ومنهم محمد بن ناصر بن معمر وعبد الله ابن عبد الرحمن ابا بطين ،ومحمد بن ابراهيم بن محمد بن عبد الوهاب ،وعبد الرحمن بن ناصر السعدي وعبد الله بن علي الفضية ،وفي مصر احمد السنهوري البهوتي .
ومن الفقهاء المصريين الذي حرموا الدخان مصطفي الحمامي ،وفي حماة السورية محمد الحامد ،وفي حلب احمد كردي المفتي فيها ،وفي دمشق بدر الدين الحسيني وهاشم الخطيب وعلي الدقر ،وقد قاموا بحملة ضد التدخين هناك .
ومن علماء الحجاز عبد الله العصامي وتلميذه محمد بن علان وعبد الله الحداد والحسين بن ابي بكر وعبد الرحمن بن محمد الحضرمي وسعيد البلخي المدني ،وعمر البصيري ومكي بن فروح.ومن تركيا محمد الخواجا .
وأشهر من دافع عن الدخان العلامة الصوفى الشيخ عبد الغنى النابلسي في كتابه (الصلح بين الاخوان في اباحة الدخان ) وقد ردّ على من أفتى بحرمته ، وقد ذكر أن بعض علماء الدولة العثمانية افتي بنجاسة التبغ وفساد صلاة المدخن ،وانه لا يعفي عن نجاسة رائحة الدخان في الثوب والبدن وان تعذر ازالتها بخلاف الخمر ،وذلك لتعمد شرب الدخان من غير ضرورة ..وقد ترتب علي تلك الفتوي ايقاع الاضطهاد بالمدخنين وقتها .

3 ـ وعلى العادة فى الفقه السنى فقد بالغ بعضهم فى تحريم الدخان الى درجة االتجديف فى الغيب والكذب على الله تعالى ورسوله ، فبعضهم افتي بأن المدخن يحشر يوم القيامة في جهنم مع شارب الخمر اسود الوجه والغليون في عنقه يلتهب نارا ،وصنعوا في ذلك احاديث نسبوها للنبي ، ، تجعل المدخن من أصحاب الجحيم . أى إن مصانع أنتاج الحديث كانت تعمل بكل طاقتها حتى العصر العثمانى ، مع ان التدخين ظهر بعد عصر النبي بحوالي عشرة قرون ولم يكن النبي يعلم بما سيحدث بعده .
على أن الوهابيين هم أكثر من حارب التدخين وجعل حرب التدخين من أصول الدين ( السنى ) فهناك فتوى محمد بن ناصر بن معمر الحنبلي النجدي الذي الحق التدخين بالخمر وقرر ان المدخن يجب معاقبته بالجلد اربعين جلدة ،وايده عبد الله بن عبد الرحمن في فتوي مشابهه ، ولا يزال التدخين من اهم وأفظع المنكرات فى المملكة السعودية .
وهذا يعطينا فكرة عن ان تحريم الدخان ارتبط احيانا بنوع من التفريعات الفقهية والاحكام الاضافية التي تتطرف في تحريم الدخان وتمتد الي متعلقات المدخنين والتدخين ،مثل القول بفساد صلاة المدخن ونجاسة ثيابه وبدنه ،واختراع احاديث للنبي تجعله من اصحاب الجحيم .
ثم فتاوي اخري تلحق التدخين بالخمور وتجعله من المسكرات .وقد بدأ هذا القول في العصر العثماني ،وممن قاله ابن العلاء الصديقي في كتابه (اعلام الاخوان بتحريم الدخان )وكرر نفس الفتوي محمد بن ناصر بن معمر الحنبلي النجدي الذي الحق التدخين بالخمر وقرر ان المدخن يجب معاقبته بالجلد اربعين جلدة ،وايده عبد الله بن عبد الرحمن في فتوي مشابهه .وقبلهم قال خالد بن احمد الجعفري ساكن مكة انه لا تجوز امامة من يشرب الخمر ولا تجوز الصلاة خلفه ،ولا تجوز شهادته ،وبالتالي لا يجوز الاتجار بالدخان .

4 ـ وفي عصرنا الراهن تكرر الموقف من الفقهاء المعاصرين الذين حرموا الدخان واستدلوا بنفس الادلة ،وقال بعضهم بنفس التطرف في التفريعات الفقهية خصوصا مع دخول المسلمين فى المرحلة النفطية و السيطرة السعودية الوهابية ، حيث قامت دعائم الفكر الوهابي علي عدة اسس منها تحريم الدخان ،واشتهروا بذلك في تاريخ الدولة السعودية الاولي والثانية والثالثة الحالية .وفي عصرنا الحالي يفتي مفتي السعودية السابق محمد بن ابراهيم بتحريم الدخان وعدم جواز امامة من يشرب الدخان وتحريم الاتجار به ،ويفتي عبد الرحمن الناصر السعدي بتحريم الدخان والاتجار فيه وتحريم الاعانة علي ذلك ،وعلي من يفعل ذلك ان يتوب .
ويشتم بعض الفقهاء السعوديين الفقهاء الاخرين المخالفين لهم في الرأي والذين يردون عليهم بالحجج الفقهية ،فيشتم عبد الرازق عفيفي الفقيه الذي يطالب بدليل شرعي ينص علي تحريم الدخان بالاسم ولا يقتنع بالنصوص العامة ،يقول عنه ( قصير النظر ضعيف الفكر جاهل بمصادر الشريعة استهواه الشيطان وحبب له الخبائث ) ،وقال محمد بن مانع مدير معارف السعودية في عصره ان القول باباحة التدخين (ضرب من الهذيان ،فلا يعول عليه الانسان ..فلا تغتر بأقوال المبيحين )( شعيب العباسي :السيجارة مقبرة المدخنين :166،168 ،172،194،157،180 :181 ،173 -،148 .-جريدة الاخبار 22/4/1994 ، جريدة اللواء الاسلامي 9/12/1993 ،جريدة الجمهورية 18/7/1980 .)
وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية (WHO ) وبدعم السعودية تم عقد المؤتمر الاول في جنيف من 9 : 14 سبتمبر 1974 لتحريم الدخان ،وشارك فيه علماء من الازهر ومن السعودية ،كان ابرزهم شيخ الازهر وقتها الشيخ جاد الحق ،ود.عبد الجليل شلبي ،ود.حامد جامع ،ود.زكريا البري ،الشيخ عطية صقر ،الشيخ مصطفي محمد الحديدي الطير ،الشيخ عبد الله المشد ،ود.احمد عمر هاشم ،د. الحسيني عبد المجيد هاشم .واتخذت بحوث المؤتمر اساسا فكريا لكل الابحاث التالية في تحريم التدخين واستنكاره في العالم الاسلامي .وعقدت بعده مؤتمرات في داخل البلاد الاسلامية منها ذلك المؤتمر الذي انعقد في نوفمبر 1993 وحضره مائة فقيه اسلامي .
ومع كل هذه المؤتمرات فأنها لم تأت بجديد في الناحية الفقهية .اذ انها رددت ولاتزال تردد نفس الادلة وتتمسك بنفس العلل والاسباب .

5 ـ اشهر من حرم التدخين في عصرنا :
اشهر من حرم التدخين في العصر الحديث هو شيخ الازهر محمود شلتوت في الستينيات من القرن العشرين .وقد بني علة التحريم علي اساس الضرر قائلا :ان اضرار الدخان في الصحة والمال تقتضي حظره ،وافتي بتفريعات اخري منها تحريم زراعة الدخان وصناعته مالم تعرف له فوائد اخري ،وافتي بصحة الصلاة في حقل الدخان [الفتاوي للشيخ شلتوت 384 :385 :القاهرة 1964 ].هذا مع ان شيخ الازهر الاسبق محمود شلتوت كان يدخن ولم يقلع عن التدخين !!.
والدكتور زكريا البري استاذ الشريعة الاسلامية في جامعة القاهرة واحد اصدقاء الرئيس السادات افتي في جريدة الاخبار في 12/10/1972 بأن حكم الدخان بين الحرام والكراهة التحريمية بعد ثبوت ضرره ..والكراهة التحريمية درجة اقل من الحرام واكبر من الكراهة العادية في الاحكام الفقهية .وافتي بتفريعات اخري منها انه يباح التدرج في الاقلاع عن التدخين لمن كان يدخن معتقدا ان التدخين حلال ،ووجوب اصدار تراخيص جديدة للاتجار فيه ،ومعاونة المتاجرين في الدخان لينتقلوا الي التجارة في اشياء بديلة ،وتدبير موارد للدولة تغنيها عن جمارك الدخان .
والدكتور زكريا البري –المتخرج في جامعة الازهر ،والذي كان يرأس الشئون الدينية للحزب الوطني الحاكم في عصر السادات ،كان يدخن ،وكان صديقه الرئيس السادات مشهورا بالغليون.
وفي الثمانينيات افتي محمد عبد الله الخطيب احد علماء الازهر بتحريم الدخان وجاء بالادلة
المعتادة .
وفي الثمانينيات ايضا افتي الدكتور محمد الطيب النجار رئيس جامعة الازهر ووكيل الازهر السابق ان هناك تشابها بين الخمر والدخان ،وهذا التشابه يوجب تحريم الدخان ،قال ذلك في ندوة تليفزيونية في التليفزيون المصري وعارضه بعض الصحفيين فرد عليه الطيب النجار في الاخبار سنة 1983 .
وفي التسعينيات اشتدت موجة تحريم الدخان بالتاثير السعودى ،وتزعمها الشيخ جاد الحق شيخ الازهر السابق الذي اعتبره هلاكا للنفس والمال واضرارا بالاخرين ،وتبعه الدكتور عمر عبد الكافي احد الدعاة المشهورين في منتصف التسعينيات ،والدكتور احد عمر هاشم الرئيس الحالي لجامعة الازهر، ود. رمضان السيوطي استاذ الشريعة في الازهر .الذي افتي بتحريم بيع الدخان ووجوب رد ثمنه للمشتري ،ووجوب احراق الدخان دون ان يرد المشتري ثمنه للبائع مثلما يجب اراقة الخمر .
اما الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوي بالازهر فقد امر بمكافحة التدخين للوقاية والعلاج ،وجعل الوقاية بالتوعية وهي من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،واقترح للعلاج اصدار تشريعات لمقاومة التدخين وحظر بيع السجائر لصغار السن ،وتفضيل غير المدخنين في المناصب القيادية ،وحظر التدخين في الاماكن العامة ووسائل المواصلات ،والحد من انتاج الدخان وتوزيعه ،وفرض ضرائب علي المنتجين ومنع ظهور التدخين علي شاشات السينما والتليفزيون ومنع الاعلان عن السجائر .
وافتي د.عبد الصبور شاهين بأن التدخين حرام بالنص وليس بمجرد الاجتهاد .وقال ان الخمر تدخل في انضاج التبغ ،وعليه افتي ببطلان احرام الحاج اذا دخن وهو في الحج .
وقد افتي عبد الغني تاج الدين – من علماءالازهر –بحرمة التدخين ،وافتي بأنه لا يصح ان يفطر الصائم علي سيجارة وان كان صيامه صحيحا .
اما الشيخ القرضاوي الفقيه المشهور فقد افتي بحرمة التدخين بسبب الضرر وجاء بتفريعات اخري هي :تأكيد حرمة التدخين في احوال معينة مثل تدخين الفقير ،واستيراد الدخان من بلاد الاعداء ،او كون المدخن من علماء الدين او الاطباء ،او اذا اصدر الحاكم قراره بمنع التدخين ..المدخن الراغب في الاقلاع عن التدخين ولا يستطيع يكون معذورا .تحريم الدخان اقل درجات التحريم بسبب اختلاف الفقهاء في حكمه .التدخين للمرأة اشد قبحا .دعوة اجهزة الدولة لمحاربة التدخين ومنع الاعلان عنه .وهي فتاوي لا تخلو من طرافة وتناقض .
وفي اغسطس (6/8/2000) اعلن مفتي مصر د.نصر فريد واصل في غضون حملته علي التدخين في مجلة اكتوبر ان الذي يدخن لا تقبل صلاته ولا صومه ولا زكاته ولا شهادته .والحق التدخين بالخمر والمخدرات والمعاصي ،وحكم بكفر المدخن الذي يعلم بحرمة التدخين ولا يقلع عنه ،وشبهه بمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه ،وجعل التدخين والخمر من الكبائر التي تجب فيها العقوبة أي مثل الزنا والسرقة ،وبذلك يكون فاسقا لا تقبل شهادته مثل الذي يرمي المحصنات وشهادته باطلة .
و مفتي مصر السابق د. نصر فريد واصل دخل في مزايدة فى التحريم مع فقهاء السعودية الحنابلة ، فقد أصدر تفريعات اخري منها تحريم اخذ الجوائز من شركات التدخين ،وتحريم صنع الحلوي علي شكل سجائر حتي لا يتعود الاطفال علي شرب السجائر ،وامتدت فتاويه الي العلاقات الزوجية والاسرية ،فمن حق الزوج في رأيه ان يطلق زوجته المدخنة التي فشلت محاولات علاجها ،ومن حق الزوجة ان تطلب الطلاق من زوجها المدمن في نفس الحالة .وان الاب والام اذا دخن احدهما امام الاولاد فقد ارتكب اثما محرما وجريمة في حق الله وحق المجتمع تستوجب لعنة الله وعذابه في الدنيا والاخرة ،والابن المدخن هو مريض يجب علاجه ،ويجب عقاب المدخن في الاماكن العامة اذا لم يسبتجب للنصح والارشاد ،والعاملون في مجالات التدخين يجب عليهم البحث عن عمل اخر حلال ،فاذا لم يتيسر لهم ذلك ولم يكن لهم دخل اخر فلا بأس .وقال اخيرا انه لا يجوز شرعا اعطاء الزكاة للمدخن لانها اعانه له علي معصيته ،والاعانه علي المعصية تكون معصية .
وهذا التطرف من جانب المفتي في التحريم والحظر جعل شيخ الازهر د.محمد سيد طنطاوي يسارع بنشر رأيه في نفس المجلة (27 /8/2000) ليخفف من وقع اراء المفتي ،اذ قال شيخ الازهر ان تدخين السجائر مكروه ،ولا يتساوي مع شرب الخمر والزنا .

6 ـ الدولة السعودية الراهنة( الثالثة ) هى السبب .
فالعقيده الوهابيه تحرم الدخان ،وحين انشأ عبد العزيز ال سعود الدوله السعوديه الثالثه (1902 1932)كان الاخوان المتشددون هم عماد قوته، وكانو يقتلون المدخنين بحيث كان البدو يدخنون سرا خوفا من الاخوان [جون حبيب :الاخون السعوديون :71،80،84 )وحين حاصر الاخوان الكويت كان من شروطهم ان يترك اهل الكويت شرب الدخان [ناصر السعيد: تاريخ آل سعود : 619:618 ].
ومع ذلك فحين استولى عبد العزيز على جده وامر بمصادرة مخازن الدخان فيها اشتكى التجار من خسائرهم الفادحه اذا احرق الدخان ،وعرف ان حصيلة جمارك الدخان تفوق عوائد البترول وقتها فسمح باستمرار استيراد الدخان [جلال كشك:السعوديون والحل الاسلامي 624:623 ].وبسبب مرونة عبد العزيز ثار عليه الاخوان عماد جيشه ،وبعد ان قضى عليهم سنة 1930 تهاوت تدريجيا محظورات الوهابيه من الموسيقى والغناء والتدخين والخمور،وتسربت خلسه الى القصور الملكيه وقصور الامراء[الياسيني :الدين والدوله السعوديه 95].

ونرفض تلك القصة التى يرويها ناصر السعيد ـ فى كتابه (تاريخ آل سعود ، ص 541 ) ونضطر لذكرها بكل اسف . يقول :
( ولدينا القصص الكثيرة وبالاسماء عن افعال ال سعود التي هي في منتهي الاباحية التي وصلت بهم ان يجعلوا من عقوبة (مدخن الدخان ) اكبر من عقوبة مرتكب الدعارة في بناتهم ،ونوادر آل سعود في ذلك كثيرة ،نختار منها قصة الاميرة المعروفة التي اغتصبت احد الشباب بعد ان اختطفته من الشارع العام ،ولما قضت شهوتها معه وجلس القرفصاء يستعيد انفاسه واخرج سيجارة بطريقه لا شعورية وبدأ يدخنها هاجمته الاميرة وانهالت في وجهه صارخة مرددة شتائمها بقولها الشهير ( اتشرب المخزي في حوينا يا خائن ؟) أي تدخن الدخان في بيتنا .والدخان هو الشئ (المخزي ) من الخزي !! وليس في اغتصاب الاميرات للمارة واختطافهن للرجال الابرياء أي (خزي ) او شئ مخزي ..المهم ان الاميرة استدعت هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وسلمت لهم الشاب بتهمة (تدخين المخزي ) ولما سألها احد اعضائها قائلا : ( ماالذي جاء بهذا الشاب الي القصر ليشرب الشئ المخزي امامك يا اميرة المؤمنين ؟ ) افادته الاميرة بقولها (انني وجدته في الشارع يسير بمفرده ،فاعجبت بشكله فاجبرته علي الركوب لاوسع به صدري باللعب عليه ، لكنه لم يحسن اللعب معي بل بقي متقرفصا وكأنه خائف مني ان اكله، مع ذلك يشرب المخزي في حوينا !) فأخذه (رجالات الدين )وسلموه الي الشيخ عمربن حسن رئيسهم ،الذي امر بتأديبه بجريمتين ارتكبهما الشاب ،الاولي :عدم احسان الشاب اللعب مع الاميرة !، والجريمة الثانية هي (تدخين المخزي في حويتها )أي تدخينه الدخان في قصرها ..هذه قصة شائعة حدثت في عام 1946 وذلك قبل ان يبدأ الامراء الآن باستيراد الدخان الامريكي ..ليصبحوا وكالاء شركاته ).انتهى ..
واصبح مشهورا ادمان بعض الامراء والملوك السعوديين للخمور والسجائر ، وحين اقتحم الاخوان الجدد الحرم المكي سنة 1979 فى حركة جهيمان العتيبى ،كان ولي العهد الامير فهد يحضر مؤتمرا في تونس وبسبب انزعاجه الشديد كان يدخن بشراهه علنا امام آلات التصوير.(ملف الانتفاضه :47:اصدار منظمة الثوره الاسلاميه. ) .
هذا بينما يجتهد الفقهاء السعوديون وخدمهم في تحريم الدخان.

أخيرا
1 ـ وبرغم الصخب السابق نقول إن التدخين مباح ولا يصح تحريمه طالما لم يرد نصّ قرآنى بتحريمه ، والمحرمات محددة لا يصح الاضافة اليها ، وليس هناك قياس فى التحريم لأن القياس يؤدى الى تحريم الحلال المباح ،أى الاعتداء على حق الله تعالى فى التشريع .
ونؤكد أيضا أن التدخين الذى يتخذ مجراه فى الجهاز التنفسى لا يؤثر فى الصيام ، ولا يفطر به الصائم.

2 ـ ونتساءل : ماذا لو عرف العصر العباسى الدخان لأول مرة .. ماذا كان سيفتى ويقول الأئمة مالك والشافعى والبخارى ؟
دعنا نبتسم ونتخيل ماذا كانوا سيقولون،ونكتب تخيلنا هنا للترفيه عن القارىء :
* سيكتب مؤلف الموطأ نقلا عن مالك تحت عنوان (أحاديث فى تحريم التدخين فى نهار رمضان ):
( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أنه قال : من دخن عامدا متعمدا فى نهار رمضان لم يجزئه صوم الدهر كله وإن صامه .)
( حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أنه قال : بئس عبد السيجارة ..بئس ابن الحمارة.. بئس وانتكس وإذ شيك فلا انتقش .)
(وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا، هُرَيْرَةَ فى حديث يرفعه الى .. يؤتى يوم القيامة بالمدخنين وعلى وجوههم دخان من طين فيلقى بهم فى جهنم فى وادى النيكوتين ليتجرعوا العذاب أبد الآبدين .ما تقولش آمين ..)
* وسيكتب الشافعى فى (الأم ):
وأكره للصائم أن يفطرعلى سيجارة أو أن يدخن وهو يركب الحمارة ، واحب للمدخن قبل السحور أن ينفث الدخان على اليمين ليكون من أهل اليمين ،وأكره له أن ينفث الدخان على الشمال حتى لا يكون من اليساريين و الشيوعيين أصحاب الشمال.
وقال الشافعى :
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ ومن أفطر وهو مسافر فى رمضان فلا يجوز له التدخين إلا بعد أربعين فرسخا .. .فإن اشعل سيجارة قبل بلوغه الفرسخ الأربعين رجع من سفره الى الفرسخ الأول ..
وإن إضطر الرجل للتدخين كأن هددوه بسكين فأكره له أن يستعمل السجائر الأمريكية الامبريالية ، وعليه بالسجائر المصرية، برغم ما فيها من حشرات حرصا على اصلاح ميزان المدفوعات.. والضرورات تبيح المحظورات .
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ ومن أدركه الفجر وهو يدخن الجوزة أو الشيشة أو السجارة أو السيجار فأسرع فابتلع الدخان أتم صومه وعليه القضاء . فإن غلبه الدخان فنفثه فى الهواء صح صومه وليس عليه قضاء .
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ ومن ادركه الفجر وهو يدخن فاراد كتم النفس ( بفتح النون والفاء ) وكان فى وضع غير مريح فغلبه الريح فقد انتقض وضوؤه ولكن يصح صيامه ..
‏[‏قَالَ الشَّافِعِيُّ‏]‏‏:‏ ومن أدركه الفجر وهو يجامع زوجته وهو يدخن أثناء الجماع فاسرع فنزع وأطفأ السيجارة صح صومه ، حتى لو أنزل بعدها وقت دخول الصوم ،لأنه أنزل بعد مباشرة مباحة . فإن نزع وغفل عن إطفاء السيجارة فصيامه صحيح ، فإن تعمد ألا يطفىء السيجارة بطل صومه وعليه فدية وكفارة . وقال بعض أصحابنا إن عليه تقديم الفدية قاروصة سجاير مارلبورو ..
وسيكتب البخارى فى باب ( تحريم التدخين )
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ .. حديثا يقول : قوم من امتى لا تشملهم شفاعتى ..يشربون الجوزة والشيشة ..ألا سحقا لهم .إذا لقيتموهم فالعنوهم ..قيل لأبى هريرة : هل سمعت هذا الحديث من الرسول عليه الصلاة و السلام ؟ فضحك وقال : كلا ..إنه من كيس أبى هريرة.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ـ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ ـ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ ابن عباس يقول : من اصبح جنبا بلا إحتلام وعلى سيمائه التدخين بلا احتشام فقد بطل صومه والسلام.. وده آخر كلام ..
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه أنه قال : إن المدخن إذا أشعل السيجارة فإن ملكا من الملائكة يقعد على يمينه ويقعد الشيطان على شماله ، فاذا عطس المدخن بادره الملك فصفعه على قفاه وقال : ذق أمراض الصدر قبل أن تذوق عذاب القبر ، بينما يربت الشيطان على قفاه ويقول : إشرب ما تشاء يا ابن اللخناء ولا تستمع للسفهاء .. قالوا يا أبا هريرة : هل سمعت الرسول يقول هذا الحديث ؟ فقال : لم اسمعه ، وإنما رويته عن ابن عمر ، وهو أحفظ منى .. )

السطر الأخير :

لست.. ولن أكون بإذن الله جل وعلا.. من المدخنين...