آحمد صبحي منصور
في
الجمعة ٣٠ - ديسمبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
فى العادة أننى أصدق ما يقوله السائل عن نفسه وعن غيره ، إلا إذا ظهر بين سطوركلامه ملامح تشير وتشى بشخصيته . وأراك تتحدث عن زوجتك أكثر ما تتحدث عن نفسك . لم تقل سبب تحولها عنك ، ولم تذكر علاقتك بأولادك . أرى الآتى :
1 ـ انك حققت الحُلم الأمريكى ماديا لك ولزوجتك وولديك . وعلى هامش هذا النجاح أعطيت إهتماما سطحيا ثقافيا بالدين ، وتطوفت ببعض الاتجاهات وأخذت من كل منها بطرف ، وأصبحت تؤمن بالله وتنكر القرآن . لم تعط نفسك فرصة التعمق فيما تقرأ ، ووصلت الى الالحاد والايمان الناقص سريعا . وانعكس هذا على زوجتك فحدثت المشاكل ، وتدخل فيها فقهاء الشيطان لخراب بيتك . أى إن نجاحك فى تحقيق الحلم المادى جاء معه خراب بيتكم .
2 ـ هناك جانب مشترك بينك وبين معظم المهاجرين ، يحملون داخلهم ثقافتهم الأصلية مختلطة بما أكتسبوه من ثقافة أمريكية مخالفة ، ولا يمكن التوفيق بينهما . هناك من اختار الانعزال داخل ثقافته الدينية وجعلها جنسيته الحقيقية التى يتميز بها ، وإلتجأ الى المسجد مجتمعا ، وألجأ أولاده الى المدارس التابعة لهذا المسجد . وهناك من إختار الثقافة الأمريكية بخيرها وشرها ، وانغمس فيها . أنت لم تحدد ما تريد . شغلت وقت فراغك بالمرور السطحى على الاتجاهات الدينية دون أن تتعمق فى شىء ، وكوّنت لك موقفا ، يبدو أنك حاولت فرضه على زوجتك فخسرتها وخسرت بيتك .
3 ـ إذا كان هناك أمل فى التصالح مع زوجتك فلا تضيعه . الأساس هنا هو حرية الرأى والفكر والعقيدة والدين ، ولا إكراه فى الدين . كل منكما حرُّ فى دينه ، وكل منكما مسلم بالاسلام السلوكى الذى يعنى السلام ، وكل منكما مؤمن بالايمان السلوكى الذى يعنى الأمن والأمان . أما العلاقة بالله جل وعلا فمرجع الحكم فيها لله جل وعلا حيث سيحكم بين الناس فيما هم فيه مختلفون . ليس فى الاسلام مطلقا أن تكون الخلافات الفكرية الدينية وحدها سببا فى الطلاق والانفصال . هذا فى الأديان الأرضية المتسلطة التى تحكم بقتل من تعتبره مرتدا وتفرّق بينه وبين زوجته .
4 ـ إذا لم يكن هناك أمل فى التصالح مع زوجتك فعليك أن ترضى بالانفصال الذى تريده ، وعاملها بالمعروف والاحسان بما تقتضيه العشرة الطوية بينكما ووجود أولادكما . والانفصال بين الزوجين هو الشائع هنا فى أمريكا ، وهو لا يمنع من استمرار العلاقة الطيبة ، والمشاركة فى الأفراح والمناسبات العائلية .
5 ـ ليس مطلوبا من كل من هبّ ودبّ أن يتعمق فى تدبر القرآن الكريم . هذا فقط للراسخين فى العلم . الأغلبية الساحقة من الفقهاء يتلاعبون بالقرآن الكريم فلا يزدادون به إلا خسارا ، كما قال جل وعلا : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82) الاسراء ). بعضهم مثلك يدخل على القرآن الكريم بلا إستعداد علمى للتدبر فيها فيرى ما لا يستوعبه عقله فيسارع بالالحاد . الأمر أيسر من هذا بكثير . الله جل وعلا وهو رب الجميع ، وقد جعل يوم القيامة مجموعا له الناس أجمعين ، وكل منا سيلقى الله جل وعلا فردا . قال جل وعلا : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) مريم ) حيث ستجادل كل نفس عن نفسها . قال جل وعلا : ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) النحل ) ، ومهما حقّقت من أحلام الدنيا فستموت تاركا كل شىء ، وكما قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94) الأنعام ). إذا كنت تؤمن باليوم الآخر وترجو لقاء الله جل وعلا فليس عليك أن تتبحر فى تدبر القرآن الكريم وأنت غير مؤهل لذلك ، ولكن عليك أن تُخلص لله جل وعلا دينك وعبادتك بلا تقديس لمخلوق ، وأن تعمل عملا صالحا . قال جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) الكهف ). لاحظ أن الكلام للبشر جميعا ، مع إختلاف الزمان والمكان واللسان . ليس مهما إن كان ضليعا فى اللسان العربى وفهم القرآن الكريم أو كان من الاسكيمو وغابات الأمازون .
مضى من عمرك الكثير وبقى من الضئيل . سارع بالتوبة .
هدانا الله جل وعلا وإياك .