الأمانة

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٦ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
يقول تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72).الأحزاب. أرجو من فضلكم توضيحا لمعنى الأمانة المقصودة في الآية فما هي ؟ وكيف عرضت على السماوات والأرض و الجبال؟ وكيف أبين ما عرض الخالق؟ وكيف حملها الإنسان الظلوم الجهول؟
آحمد صبحي منصور

الأمانة ( أو العهد) تعنى الالتزام الطوعى بانه لا اله الا الله و تنفيذ أوامر الله تعالى و الابتعاد عما نهى عنه . هى بتعبير الفقهاء ( التكليف ) أو التكليفات والأوامر الشرعية فى العقيدة و الاخلاق و الشرع .ومن صفات المفلحين من المؤمنين انهم لاماناتهم وعهدهم راعون بدافع من التزامهم الطوعى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) (المؤمنون 8 )(ـوَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)( المعارج 32 ).
ومنذ البداية و قبل كل شىء ، وعندما كان الخلق أمرا فى عالم الغيب لم يصل بعد الى مرحلة التجسيد و التكوين عرض الله جل وعلا عليهم الاختيار بين ان يكونوا أحرارا فى الاختيار بين الطاعة و المعصية ومسئولين عن اختيارهم أمامه جل وعلا يوم القيامة بعد فناء كل الخلق ، أو أن يكونوا مجبرين على الطاعة وبلا أى مسئولية .
وعليه فان المخلوقات انقسمت نوعين فى هذا الصدد : قسم إختار أن لا يختار ـ أى اختار أن يخلقه الله جل وعلا مفطورا على الطاعة دون ارادة ودون اختيار ، وهم كل العالم الطبيعى المعروف وغير المعروف لنا من الكون بما فيه من كواكب ونجوم ومجرات و ما بعده من سماوات وما يعيش فيه من دواب وكائنات غير عاقلة . كلها ليست ( مكلفة ) أى ليس عليها تشريع ، بل هى مجبورة على الطاعة ، شأن دوران الاليكترونات حول النواة فى الذرة ( أصغر شىء ) ودوران الكواكب حول نجومها ، والمجرات حول مركز الكون .. ومثل عمل خلايا الجسد الانسانى ، وتصرفات الأميبا و الجراثيم و الكائنات العضوة و الحشرات و الطيور و الحيوانات .. وكلها مسخرة للانسان ..
وقسم اختار أن يكون حرا ومتحملا المسئولية وهى المخلوقات العاقلة (الانسان و الجن والملائكة ) هى التى اختارت أن تكون حرة فى الطاعة أو فى المعصية . أى اختارت مسئولية الحرية أو الامانة .وقد أخذ الله تعالى العهد على أنفس البشر ـ وهم مجرد أنفس لم تلبس أجسادها بعدـ أن يلتزمزا بالعهد والأمانة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) ( الأعراف 172 ـ ) وبينما ينجح معظم الملائكة فى الاختبار فان اغلبية البشر تفشل فى الاختبار. وهذه الأغلبية من بنى آدم أو البشر تستحق فى نهاية الاختبار أن يطلق عليها مصطلح ( الانسان ) الذى يخون الأمانة و لا يفى بالعهد ويصبح ظلوما جهولا .
ومن هنا أراد الله جل وعلا ان يكون الدين كله لله جل وعلا بمعنى أن تكون للبشر تمام الحرية فى الاختيار ليكونوا مسئولين أمامه جل وعلا يوم القيامة بلا اكراه فى الدين ليستحق كل منهم نتيجة اختياره .وهذا هو معنى مصطلح (يوم الدين ) مقابل يوم الدنيا. يوم الدين هو يوم الحساب على المسئولية على الأمانة التى إئتمن الله تعالى الانسان عليها فخان الأمانة ونسى العهد وقام بعبادة الشيطان . ويوم الدين سيذكر الله تعالى البشر بالعهد المشار اليه سابقا أو الأمانة التى اخذها عليهم قبل الوجود فى المستوى الحسى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ )( يس 60 ـ ).

اجمالي القراءات 12561