المبارزة بالأحاديث

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٨ - فبراير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
هل من المنطق الاحتجاج بحديث لنفي كتابة الاحاديث.. مثل الإحتجاج بحديث «لا تكتبوا عنّي، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه» لإثبات النهي عن تدوين ما يُسمّى (السُنّة النبويّة الشريفة)! بمعنى هل يجوز الإحتجاج بشيء لنفيه في ذاته؟ كيف يسمح العقل والمنطق أن يحكم بصحّة الأحاديث الناهية عن الكتابة، مع أنّ الرسول "عليه السلام" أمر في أُخريات حياته أن يحضروا له قلماً و دواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً! وما كان المكتوب (على فرض كتابته) إلاّ حديثاً من أحاديثه كما يقولون، فقد روى البخاري عن إبن عباس أنّه قال: لمّا اشتدّ بالنبي وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، قال عمر: إنّ النبيّ غلبه الوجع وعندنا كتاب اللّه حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط قال: «قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع» فخرج ابن عباس يقول: الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه وبين كتابه. أفهل يجتمع هذا الأمر مع النهي عن تدوينه؟! ثمّ إنّنا نرى أنّ الرسول بعث كتبا إلى الملوك والساسة والأُمراء والسلاطين وشيوخ القبائل و رؤسائها ناهز عددها ثلاثمائة كتاب في طريق الدعوة والتبليغ أو حول العهود والمواثيق وقد حفظ التاريخ متون هذه الرسائل التي جمع بعضها نخبة مع المحقّقين في كتب خاصة.والتأريخ يصرح بأنّ الرسول كان يملي والكاتب يكتب، فلما إزدادت الحاجة وكثرت العلاقات الإجتماعية أصبحت الحاجة إلى كتّاب يمارسون عملهم، فأدّى ذلك إلى كثرة الكتّاب فجعل لكلّ عمل كاتباً، ولكلّ كاتب راتباً معيناً.فهل يجوز أن يكتب الرسول "عليه السلام" هذه المكاتبات والعهود والمصالحات إلى بطون القبائل و رؤساء العشائر وهو يعلم أنّهم يحتفظون بهذه المكاتبات بحجّة أنّها من أوثق الوثائق السياسية والدينية، ثمّ ينهى عن تسطير كلامه وحديثه؟!فما هذان إلاّ نقيضان لا يجتمعان.
آحمد صبحي منصور

فى العصر العباسى الأول إحتاج العباسيون الى صناعة الأحاديث لتشريع دولتهم الدينية . وكان من أسباب قتل أبى حنيفة عدم إعتداده بالأحاديث وتأكيده على ان أقرانه هم الذين صنعوها ونسبوها زورا للنبى محمد عليه السلام . مالك بن أنس هو رائد التأليف فى الحديث ، وكتبها عنه تلامذته فى حوالى عشرين نسخة مختلفة من كتاب ( المظأ ) . الشافعى هو  الذى أسّس دين السنة ، سواء فى التشريع بكتابه ( الأم ) أو فى تقعيد هذا الدين السنى فى ( الرسالة ) . فى رسالته هذه قام الشافعى  بالرد على من ينكر الأحاديث ، وهذا دليل على وجود منكرى السنة ، إلا إن صوتهم القرآنى لم يكن مسموعا ، لأن الأحاديث دخلت فى الرواج والانتشار ، وتعرض القرآنيون للتجاهل من المؤرخين السنيين من ابن سعد الى الطبرى وتلامذته حتى ابن الجوزى . ثم فى العصر العباسى الثانى ـ أعلن الخليفة المتوكل السنة دينا وإضطهد خصومه فى الدين من المعتزلة الى الصوفية وأهل الكتاب والشيعة ، ووقتها إزدهر التدوين ، فلجأ الشيعة الى حرب السنة بالأحاديث السنية ، أى  يخترعون أقاويل ويجعلون لها سندا ، بنفس ما يفعله السنيون ، ولكن يطعنون بها السنة . وبنفس الطريقة فعل منكرو السنة ، يطعنون فى الأحاديث بصناعة أحاديث ، وبوضع قواعد تجعل كل الأحاديث آحاد تفيد الظن ولا تفيد اليقين . المهم أننا نرى هذه الحرب بالأحاديث ظاهرة فى ثنايا بعضها ، مثل حديث ( لا يقعدن أحدكم على اريكته ويقول علينا بكتاب الله ..ألا وأنى أوتيت القرآن ومثله معه .. ) وفى المقابل حديث النهى عن كتابة غير القرآن . وفى العصر المملوكى عصر التقليد تم الاعتراف بكل تلك الأحاديث مع تناقضاتها .

وفى مرحلة سابقة من نضالنا ضد السُّنّة كنا نستعين بضرب الحديث بالحديث ، وبإختلافاتهم فى الجرح والتعديل ، لأن الاستشهاد بالقرآن لا يؤثر فيهم .

اجمالي القراءات 3848