حدالردة والتفريق

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠١ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
قرأت لك كتاب ( حد الردة ) ورايتك فيه تستعمل اسلوب علماء الحديث و تتخذ من أقوالهم حجة عليهم ، وهذا تكتيك بارع لأنهم لا يقتنعون بالقرآن وحده. بنفس المنهج أريدك أن تجيب على سؤالين بتفصيل أكبر : هل طبق النبى محمد عليه السلام حد الردة؟ وهل كان يقوم بالتفريق بين المرتد وزوجته كما حدث من القضاء المصرى حين حكم بالتفريق بين الدكتور نصر حامد أبو زيد وزوجته ؟
آحمد صبحي منصور
في غزوة أحد أصيب النبي عليه السلام وكاد يتعرض للقتل ، وقال غاضبا فيما يروونه هم عنه " لا يفلح قوم فعلوا بنبيهم هذا " أي أنه حكم على الكافرين الذين حاربوه وكادوا أن يقتلوه بأنهم لن يفلحوا ، فنزل قوله تعالى للنبي" لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ: آل عمران 128 : 129 " .
أي ليس للنبي في الأمر شيء ، ليس له أن يحكم على الآخرين بالفلاح أو عدمه لأن الأمر لله تعالى وحده ، وقد كان خالد بن الوليد من قادة المشركين فى غزوة (أحد ) وممن تسبب فى نصرة المشركين على المسلمين فى تلك الموقعة ، وبالتالى فان من المنتظر ان تحل عليه دعوة النبى محمد عليه السلام بعدم الفلاح ، ولكن الذى حدث أن خالد بن الوليد أسلم فيما بعد وسماه النبى محمد ـ وفق تلك الروايات ـ سيف الله المسلول . وبقي لنا الدرس القرآني الرائع في أن الله تعالى لم يعط الرسول الكريم تفويضا في الحكم على عقائد الناس وفي تكفيرهم حتى لو كانوا يحاربون الله ورسوله ولكن ماذا نفعل في عصرنا البائس حين يعطي بعض الناس أنفسهم حقوقا تفوق ما كان للنبي عليه السلام .

وقد ذكر القرآن ما يفعله أتباع الشياطين من السحرة والدجالين في التفريق بين المرء وزوجه عن طريق الإيقاع بين الزوجين" وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ : البقرة 102 " وقد وصف القرآن من يفعل ذلك بأنه ما له في الآخرة من خلاق !! وهذا ينطبق على من يحاول التفريق بين زوجين مسلمين يعلنان إسلامهما .

لقد اتهموا الدكتور نصر ابو زيد بالردة مع أنه يعلن إسلامه حيث ليس مطالبا بأن يعلن ذلك للناس ، لأن علاقته بربه أمر يخص مستقبله في الآخرة ، ولكنهم يتهمونه بالنفاق ..فهل كان النبي يعامل المنافقين بحد الردة ويفرق بينهم وبين زوجاتهم ؟

في داخل مجتمع المدينة في عصر النبي عليه السلام عاش المنافقون ، وكانوا نوعين ، نوع أدمن النفاق وحافظ على مظهره الإيماني مع شدة عدائه للإسلام ، وأولئك قال عنهم رب العزة " وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ : التوبة 101 " ، وصنف آخر فضحته تصرفاته وتآمراته فكان معروفا بالاسم والنسب ، وكان منهم عبد الله بن أبي " كبير المنافقين ، وحسبما جاء فى الروايات فهو الذي تولى الاتهام الباطل للمحصنات في حديث الإفك ، وتوعده الله تعالى بالعذاب العظيم ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ : النور 11 ) ومع ذلك لم يقتله النبي بحد الردة المزعوم ، ولم يقم بالتفريق بينه وبين زوجاته ، وكانت لديه عدة زوجات ..

ومن أولئك المنافقين المعروفين من كان يدخل على النبي يقدم له فروض الطاعة والولاء خداعا ثم يخرج من عنده ليكذب عليه ويتآمر ، وينزل القرآن يخبر النبي بكذبهم وافترائهم ، ولكن لا يأمر النبي بعقوبتهم وهو الحاكم المطاع في المدينة ، ولكن يأمره بالإعراض عنهم " وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا : النساء 81 " وهذا هو شرع الإسلام الحقيقي وتلك هي السنة الحقيقية للنبي التي تطبق القرآن ، حيث لم يعرف النبي حد الردة المزعوم ولم يقم بالتفريق بين زوجين بسبب العقيدة .

وتفصيلات القرآن الكريم كثيرة عن مكائد أولئك المنافقين من الإيذاء للنبي والسخرية منه ، وتحيته بغير تحية الإسلام ، والاجتماعات السرية للكيد للمؤمنين، وإقامة مسجد الضرار للتآمر ، والتحالف مع الأعداء عند الحرب ، والتربص بالنبي والمؤمنين في الشدائد ، والتخلي عن المسلمين عند الدفاع عن المدينة .. وكان أولئك المنافقون معروفين بالاسم والنسب ، والله تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور يخبر النبي في القرآن بمكائدهم ويحكم بكفرهم ، ومع ذلك فإن تشريع القرآن يأمره بالإعراض عنهم وعدم التعرض لهم اكتفاء بما سيحدث لهم يوم القيامة ، طالما لا يرفعون سلاحا ، وطالما يكتفون بالكيد القولي والسياسي فقط .. أما إذا خرجوا عن طاعة الدولة – كالأعراب المتمردين – أو رفعوا السلاح واعتدوا فتشريعات القرآن تقف لهم بالمرصاد ( اقرأ سورة النساء 88 – والأحزاب 60 ) .

وفي داخل الدولة الإسلامية لكل إنسان الحق في اختيار عقيدته حيث شاء لأنه لا إكراه في الدين ، وقد شاء الله تعالى أن يكون البشر مختلفين في العقائد وفي الأفكار داخل كل دين ، بل داخل كل مذهب وكل حزب ، يقول تعالى " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ : هود 118 " . والله تعالى يؤجل الحكم في عقائد البشر إليه تعالى وحده يوم الدين " قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ : الزمر 46 " .
إن الله تعالى لم يعط رسوله الكريم تفويضا بأن يحاكم الناس على عقائدهم لأن ذلك اختصاص إلهي لله تعالى وحده ، وذلك يعني أن من ادعى لنفسه تفويضا مزعوما بمحاسبة الناس على عقائدهم فقد جعل نفسه إلها مع الله دون أن يدري ..
أكثر من هذا نجده فى تشريع الاسلام فى الزواج .
لقد كان من أنواع الزواج التى حرمها الله تعالى أن يتزوج الرجل من تزوجها أبوه ، وأن يجمع الرجل بين أختين فى عصمته الزوجبة . ونزل القرآن الكريم يحرم ذلك ، وكانت هناك بعض حالات فردية موجودة وقت نزول التحريم ، فلم يحكم رب العزة بالتفريق هنا ، ولم يجعل التحريم بأثر رجعى يسرى على ما كان من قبل نزول التحريم ، بل جعله يسرى على الحالات الآتية يمنع مستقبلا ويحرم ما سيحدث بعد نزل الآيات. يقول تعالى : (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) (النساء 22 ) ويقول تعالى (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (النساء 23 )
أى لم يتعلق التحريم بما سلف حتى لا يحدث تفريق فى تلك الزيجات الماضية. وهذا لأن الله تعالى ( كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا )
أما فقهاء الدين السنى فما أقسى قلوبهم ..!!
نقول هذا لنوضح بعض حقائق الإسلام أمام أولئك الذين أنساهم الصراع الدنيوي والسياسي حقيقة الشرع الإسلامي .. " فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون


اجمالي القراءات 11740