لا اله الا الله فقط

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٤ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
لماذا تقول (لا اله الا الله ) فقط ، ولا تلحقها بمحمد رسول الله ؟ أود معرفة حقيقة أمر الشهادتين، و هذا مما لم أفهم من زمان لماذا نقول و أن محمدا رسول الله؟ فهل كان من قبلنا من الحواريين يقولن مثلا أشهد أن لا إله إلا الله و أن عيسى رسول الله؟وكنت أنتقد بشدة الذين يبيعون و يشترون( الكوادر ) التي يكتب عليها الله .. محمد. وأنا أعتبر هذا من الشرك فما قولكم؟و قد لاحظت هذه الكتابة في سحن مسجد المدينة كتب على جدرانها: الله، محمد، أبوبكر في نفس الصف، وعمر، عثمان، علي، في الصف الثاني، ثم آيات من القرآن.ألا يعتبر هذا من الخبل و من الجهل
آحمد صبحي منصور
أخى العزيز
فى الرد على سؤالك انقل لك بعض صفحات من الفصل الختامى من الجزء الثانى من كتاب الصلاة الذى لم ينشر بعد ، وسيتم نشره بعون الله جل وعلا فى مشروع نشر مؤلفاتى ـ والذى سيبدأ بفضل الله تعالى مع بداية الشهر القادم :
الفصل الختامى :
المسلمون اليوم وتضييع الصلاة بالوقوع فى الشرك والمعاصى

يقول تعالى عن الخلف الآتى بعد الانبياء " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم 59؛) فالعرب وبنو اسرئيل أضاعوا الصلاة بالوقوع فى الشرك الذى يضيع الثواب وبالوقوع فى المعاصى وعدم التوبه منها .
وبعد نزول القرآن وانتشار الإسلام لم ييأس الشيطان فأعاد نفس اللعبة وأضاع الصلاة بأن أوقع المسلمين فى المعاصى وفى تقديس الأولياء والأنصاب أو الأضرحة ...
دور الشيطان فى غواية المسلمين

سبق وأكّدنا ان العرب كانت تصلى نفس الصلاة وفق ملة ابراهيم ولكن أضاعت الصلاة وملة ابراهيم بالوقوع فى الشرك والمعاصى والكبائر، فأرسل الله تعالى خاتم النبيين ليجدد ملة ابراهيم وليدعو الى "اقامة الصلاة وايتاء الزكاة " بجعل العبادة خالصة لله تعالى وحده ، وبجعل السلوك الراقى والعمل الصالح والتوبة والتعفف عن المعاصى هى الثمرة الحقيقية لاقامة الصلاة وايتاء الزكاة أو التطهر الخلقى. أى تكون الصلاة والصدقة والحج والصيام والتسبيح وذكر الله تعالى وسائل للتقوى .
الشيطان خدع الجاهليين وغرّهم فى دينهم فأضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات. وفعل نفس الشىء مع المسلمين.
بل ان سخرية الشيطان لم تصل بالجاهليين مثلما فعله بالمسلمين . فقد أضل المسلمين ومعهم كتاب الله تعالى وفيه كل الهدى لمن يشاء الهدى. أكثر من ذلك وأفظع منه أن الشيطان جعل المسلمين أعداء للنبى محمد عليه السلام ، بل أشد الناس عداوة له.
فأعداء النبى فريقان . عدو كاره يؤذى النبى ويسبه ويتهمه بالكذب على الله تعالى وادعاء النبوة ، وهذا ماكانت قريش تعامل به خاتم النبيين فى مكة . العدو الأكبر للنبى هو الأحمق المحب للنبى حبا يجعله يقوم بتقديس النبى وتأليهه خلافا لأصل رسالة النبى نفسه. فالنبى يأتى لنبذ تأليه البشر فيقوم أولئك بجعل النبى نفسه الاها مع الله تعالى.
خطورة أولئك الخصوم للنبى أنهم يعتبرون أنهم يحسنون صنعا ، وانهم بتقديسهم للنبى انما يعبرون عن حبهم الشديد له. يتناسون أن الحب هو الطاعة والتمسك بما كان النبى محمد يستمسك به ، وهو القرآن الكريم. يتناسون أيضا أنهم يضعون النبى محمدا فى موضع حرج يوم الدين ، لأن الله تعالى يدافع عن النبى ضد الأعداء الكارهين له، ولكن يسائل النبى فى أولئك الذين يقدسونه . وسيعلن النبى محمد براءته من أولئك الذين ضلوا واضلوا.
تقديس المسلمين للنبى محمد هو العنصر الأساسى فيما فعله الشيطان بالمسلمين وفى ملة ابراهيم.
والصلاة هى فى المقدمة من ملة ابراهيم ..


الشيطان والأرضية التاريخية لتأليه النبى محمد :

1 ـ الحقّ مصدره رب العزة ، والتحريف مصدره الشيطان .
أن الشيطان لم ولن يقدم استقالته ، أنه مستمر فى اغواء البشرالى قيام الساعة، وأنه يستعمل نفس الأساليب من الوحى الشيطانى عبر أحاديث وفتاوى وعقائد تحول الحب الطبيعى العادى للأنبياء والصالحين الى تأليه لهم ثم ادخال هذا التأليه فى الصلاة والحج وبقية العبادات. وسيظل البشر فى أغلبهم لعبة بين يدى الشيطان يخدع كل جيل بنفس ما كان يخدع به الجيل السابق ، الى أن تأتى الساعة ويقول تعالى للبشر يذكرهم بالعهد القديم الذى أخذه عليهم قبل خلقهم جسدا وكيف أضاعوه واتبعوا الشيطان الذى أضلهم جيلا بعد جيل. اقرأ قوله جل وعلا:"( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّمبين . وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ . وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ . هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ . اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) يس 60 ـ 64 )
واصل الشيطان مكره وقت نزول القرآن الكريم ، فأضّل فريقا من الصحابة جعلهم منافقين ومتآمرين على النبى محمد فى حياته ، ونزلت عشرات الآيات القرآنية تفضحهم وتحذر منهم وتؤكد على ضلالهم وأنهم فى الدرك الأسفل من النار.
ثم واصل الشيطان مهمته بعد وفاة النبى محمد وانتهاء القرآن نزولا حيث لم يعد هناك وحى يفضح مكائد المنافقين والضالين والعصاة والمخادعين، أو ينبه على أخطاء الصحابة والتابعين. تم القرآن نزولا ، وكان يجب على الصحابة طاعته بعد موت النبى محمد عليه السلام طلبا للفوز فى الآخرة . ولكن بسبب التهالك على المتاع الدنيوى الزائل وقع الصحابة فى جريمة كبرى استغلوا فيها اسم الاسلام زورا وبهتانا هى ما يسمى بالفتوحات الاسلامية، وهى ذلك الاعتداء الأثيم على أمم لم تهاجمهم ولم تعتد عليهم؛ قام المسلمون الصحابة بغزو جيرانهم وقتل مدافعيهم وسبى نسائهم وسلب أموالهم واحتلال أراضيهم . وكل ذلك اعتداء يناقض شرع الله تعالى القائم على العدل والاحسان وليس البغى والعدوان. بعد الاستيلاء على معظم ثروات العالم المعروف وقتها اختلف الصحابة فى الغنائم فوقعوا فيما يسمى بالفتنة الكبرى ، وهى تعبير مخفف عن الحرب الأهلية المريعة حين كانوا يقتلون أنفسهم بأيديهم، وبلغ عدد القتلى فى مواقع الجمل وصفين والنهروان وغيرها حوالى المائة الف قتيل غير الجرحى ، وذلك بعد موت خاتم النبيين بأقل من ثلاثين عاما.
كان هذا تقريرا موجزا لاضلال الشيطان لبعض الصحابة فى عهد الرسول محمد عليه السلام ، ولاضلاله لمعظمهم بعد وفاته خلال أقل من ثلاثين عاما أثناء ما يعرف بعصر الخلفاء الراشدين .

2 ـ فما هى المحصلة لاضلاله المسلمين فى العصر الأموى؟
على عاتق الأمويين تقع معظم المسئولية فى جر المسلمين إلى بئر المعصية خصوصا فى مكة والمدينة فى العصر الأموى . إذ أن أولاد السابقين فى الاسلام فى مكة و المدينة كانوا يعتقدون فى أحقيتهم بالخلافة من دون الأمويين وكثير ما ثاروا واخمد الأمويين ثوارتهم بعنف مثل ثورة الحسين وزيد بن على ويحى وثورة عبد الله ابن الزبير .... وكانت المدينة بالذات موطن أهل الحل والعقد الموكول إليهم إختيار الخليفة فى عصر الراشدين ......
وقد عمل الامويين على ان يشغلوا المدينة ومكة بالمتع الحسية فانتشر فيها الجوارى ومحبو الغناء والمجون وشعراء الغزل بالنساء ومن يقرأ فى كتب الأدب يرى أمثلة وافيه عن سلامة القس
وحبابه والشاعرعمر بن ابى ربيعة الذى تخصص فى مغازلة النساء فى موسم الحج واستراح الأموين إلى ما صار اليه أهل مكة والمدينة وكيف تحولوا من أهل الحل والعقد فى شئون الحكم ومصالح المسلمين إلى أهل الحل والعقد فى الخمريات والتشبيب ومجالسة النساء والصراع على الجوارى والمغنيات ، استراح الأمويين الى " ابن أبى عتيق" اكثر من جده ابى بكر الصديق وأحبوا " العرجى" الشاعر الماجن أكثر من حبهم لجده عثمان بن عفان، وتحول مجلس " سكينة بنت الحسين " إلى صالون أدبى بعد ان كان مجلس على بن ابى طالب محراب علم وتقوى .
وهكذا أضاع الأمويون الصلاة بالتشجيع على شيوع الفاحشة فى موطن الذين آمنوا ثم جاء العباسيون فاستعصى الداء على الدواء .
فقد تحولت كربلاء إلى مكان مقدس ثم انتشرت الأضرحة والأنصاب وأولياء الصوفية والأئمة الشيعة وأصبحت الرحال تشد إلى كل مكان ضريح حيث تقام له الصلوات كاملة من نية مخلصة إلى قيام بخشوع أمام الضريح ثم قراءة الفاتحة والتضرع طلبا للمدد ثم ركوع لتقبيل المقصورة ثم سجود لتقبيل الاعتاب ، ومع الصلاة تقدم القرابين والهدى والنذور، ولا يجرؤ أحدهم على النطق بالتحيات لأنها أقل من المستوى ، وحتى إذا ابتعد أحدهم عن الضريح فهو فى كل عمل يهب الفاتحة للشيخ ولو لم يكن مارا عليه . وقبل أن تركب التاكسى لابد أن تقرأ الفاتحة للنبى لأنهم يعتقدون أن النبى حى فى قبره ولديه علم كامل بكل أنواع المواصلات والطرق والمرور والمواعيد ولابد من تقديم الصلاة اليه لتنجو السيارة من الكوراث....
ومع ذلك تقع الكوارث.....
فى العصر الأموى القائم على قانون القوة تم انتهاك الكعبة ومكة والمدينة وقتل معظم ذرية فاطمة بنت رسول الله . بالاضافة الى ثورات الأنصار فى المدينة وأتباع ابن الزبير فى الحجاز والعراق والخوارج والشيعة هبت ثورات متنوعة متتابعة من الأقباط والبربر والموالى ( أبناء البلاد المفتوحة ). أخمد الأمويون كل تلك الثورات بكل قسوة وعنف راح ضحيتها مئات الألوف. امتد القتل الى الناس العاديين الذين لا شأن لهم بالفتن .تنافس الخوارج و الأمويون فى قتل المسالمين أثناء الصراع الدامى بينهم. وقتل الحجاج بن يوسف مئات الألوف من المسلمين لمجرد الاشتباه فى ولائهم للحكم الأموى ، وكان بذلك ينافس واليا سفاحا تولى العراق من قبله هو زياد بن أبيه ، وجاء بعد الحجاج وال آخر على العراق سفاح مثله ينافسه فى سفك الدماء اسمه خالد القسرى. سفك الدماء فى العراق جرى مثله فى مصر وأفريقيا ( أى شمال أفريقيا ) والاندلس والحجاز وآسيا الوسطى.
فى نفس الوقت توسع الأمويون فى الغزو فأقاموا امبراطورية امتدت من تخوم الصين والهند شرقا الى جنوب فرنسا غربا ليصبح ضحاياهم بالملايين من غير العرب والمسلمين ، حيث كانت الجزية تؤخذ من مواطنى البلاد المفتوحة حتى لو أسلموا ، ويتعرضون للذل والاضطهاد . بجانب القسوة المفرطة واكل أموال البلاد بالباطل بلغ الفجور مداه وتفاخر به خلفاء مثل يزيد بن معاوية ويزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد. بل وغزا الفجور الحجاز خصوصا المدينة ومكة ، فاشتهرت مدينة الرسول بالمجون والمغنيات والداعرات فى العصر الأموى ، وحفلت بذلك كتب الأدب والشعر والغناء.
فى نفس الوقت اشتهر الأمويون بالتهاون فى أداء الصلوات الخمس ، وتأخير مواعيدها ، أو " اماتة الصلاة " حسب التعبير التراثى ، ولم ينج من هذه العادة السيئة الا اثنان من خلفاء بنى أمية هما سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز.
فى نفس الوقت حولوا الصلاة الى وسيلة للدعاية ، اذ اخترعوا وظيفة القصص بعد الصلاة ، خصوصا صلاة الجمعة. وفيها يجلس راو يقص على الناس أخبار السابقين وأساطيرهم يستميل الناس للاستماع اليه ، حتى اذا سيطر عليهم بحكاياته الدينية تكلم فى مناقب الأمويين وفضلهم ، ولعن "أبى تراب " وهو لقب "على بن أبى طالب ". أيضا كانت خطبة الجمعة تتضمن سبّ أمير المؤمنين عليا بن أبى طالب. وقد أوقف عمر بن عبد العزيز ذلك فى خلافته ، لكنهم أعادوه بعده ، الى أن الغاها العباسيون.
العصر الأموى عاش فيه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، وفيه تمتع الشيطان بنفوذ ساحق على السلوك من سفك الدماء الى هتك العراض وأكل أموال الناس بالباطل.


3 ـ فى العصر العباسى تمتع الشيطان بنفوذه الساحق على سلوكيات المسلمين بصورة فاقت العصر الأموى ، بل وأضاف اليه نفوذا أكبر على عقائد المسلمين حين انتشر تقديس النبى محمد وتأليهه ثم تأليه وتقديس الأولياء والأئمة.
كان ممكنا أن تنتهى هذه الجرائم وتصبح فى ذمة التاريخ مثلما حدث من الأمويين لولا جريمة التدوين. وهنا تكمن عبقرية ابليس اللعين.
قام أئمة العصر العباسى ـ ومعظمهم من أصل مجوسى ـ بتدوين وكتابة الثقافة السمعية التى بثها الأمويون خلال مجالس القصّاص وزادوا عليها الكثير ، كما دونوا كل ملامح التدين السائد لديهم والمخالف للاسلام . كتبوا كل ذلك الافك ونسبوه للنبى محمد واعتبروه جزءا من الاسلام لم يبلغه النبى محمد فقاموا بالنيابة عنه ـ وبعد موته بقرنين وأكثر ـ بالتبليغ، زورا وبهتانا ، وأطلقوا عليه مصطلح " السّنة " التى جعلوها مكملا للقرآن وشارحا له وحكما عليه. بهذا تمت سيطرة ابليس على تدين العصر العباسى، وتوارثنا هذا البهتان على أنه صحيح الاسلام .
تتكون " السنة " من أكاذيب منسوبة للنبى محمد تحت اسم الحديث النبوى ، وأكاذيب منسوبة لله تعالى تحت اسم الحديث القدسى .

4 ـ لم يجعلوا محمدا مشاركا لله تعالى فى التشريع والتقديس بل زادوا محمدا تقديسا على تقديسهم لله تعالى ." سنّتهم" المزعومة جعلوها حكما على القرآن ، وقالوا أنها "تنسخ " أى تبطل أحكام القرآن ، وعندهم لا تنهض الآية القرآنية دليلا بنفسها الا اذا جئت بحديث يعضدها ، كما لوكان الحديث هو ولى أمر الآية القرآنية. اى انهم من حيث الموضوع فضلوا محمدا على الله تعالى. ثم أن عنايتهم فى تزييف وتقديس الأحاديث المنسوبة للنبى محمد زادت وفاقت على عنايتهم بتزييف وتقديس الأحاديث المنسوبة لله تعالى لأن مقام محمد أصبح فى عقائدهم فوق قدر الله تعالى .

5 ـ ولا زلنا نتوارث هذا الفجور العقيدى حتى الآن.
خذ على ذلك مثلا حيا : اذا قمت خطيبا فى جمع من الناس أو فى مسجد ثم ذكرت اسم محمد أو لفظ النبى ، تراهم جميعا يقولون : صلى الله عليه وسلّم .
ولكن هب أنك ـ وانت تخطب ـ ذكرت اسم الله تعالى ، سيسكتون ، ولن ينطق أحد قائلا : سبحانه وتعالى ، مع ان تسبيح الله تعالى فريضة مأمور بها النبى والمؤمنون ، بل و لها مواقيت وكيفية ( اقرأ : ق 40 ـ الانسان 26 ـ الطور 48:49 ـ آل عمران 41 ، 191 ـ طه 130 ـ غافر55 ـ السجدة 15 ـ الفتح 9 ـ النور 36 ـ الأحزاب 42 ـ الاسراء 108 ـ الروم 17 ـ ، الزخرف 13 ـ الأنبياء 87 ـ النور 16 )
الشيطان جعل تقديسهم النبى محمدا ورفعه فوق رب العزة ينسيهم هذه الفريضة.

6 ـ تقديس النبى محمد وتأليهه كان ـ ولا يزال ـ ضرورة للمسلمين منذ العصر العباسى الذى أدخل المسلمين عصر الكهنوت. والكهنوت يحتاج الى اسطورة شفاعة البشر ، وطالما ان الناس أدمنت المعاصى ولا تستطيع التوبة عنها فلا بد لها من مبرر ومسوغ لاستمرار العصيان ، وأتى هذا المبرر فى الشفاعة، فالنبى محمد سيشفع فى المسلمين مهما ارتكبوا من آثام ، وعليه تستمر مسيرة العصيان ويستمر معها تقديس النبى وتأليهه والصلاة اليه والصلاة عليه والحج الى قبره المزعوم.
وشفاعة البشر ينكرها القرآن ، وقد جعلها من ملامح الشرك والكفر بالله تعالى ، وعاب على الجاهليين الاعتقاد فيها ، ولكن العصر العباسى مالبث أن أضافها للنبى محمد ثم الى الأولياء الصوفية والأئمة الشيعة فتحول اليوم الآخر فى عقائدهم الى مهرجان للشفاعات والواسطات مثل الموالد الصوفية و المصالح الحكومية.
المؤلم أن الشفاعة تعبر عن نفس الفجور العقيدى فى تفضيل النبى محمد على رب العزة، حيث يكون محمد"مالك يوم الدين " وليس الواحد القهار، وحيث يوقف محمد مشيئة الله تعالى وينفذ مشيئته هو بزعم الشفاعة.
المضحك أنهم يدعون الله تعالى قبل صلاتهم فيقولون : " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والدرجة الرفيعة ، وابعثه اللهم المقام المحمود الذى وعدته" ويجعلون ذلك دعاء لله تعالى لكى يشفع محمد فيهم . المضحك هنا انهم يدعون الله تعالى لكى يتوسط لمحمد كى يشفع فيهم . أى جعلوا الله تعالى أقل مستوى من محمد ورسولا مبعوثا اليه برسالة !!
ان الله تعالى وحده هو وحده الولى الشفيع حسبما أكّد رب العزة فى القرآن ، ولكن بدلا من طلب الشفاعة منه وحده رأسا فانهم يجعلون الله تعالى واسطة بينهم وبين محمد، فيدعون الله تعالى ان يؤتى محمدا الشفاعة كى يشفع فيهم. فمحمد عندهم فى بؤرة الشعور وفى قدس الأقداس ، اما الله تعالى فلا يحتل فى عقيدتهم الا مجرد المانح لمحمد الشفاعة ، أو الذى يملك ولا يحكم .
وهم يجعلون " المقام المحمود " هو الشفاعة ، طبقا لتأويلاتهم وتحريفاتهم لمصطلحات القرآن الكريم ، مع أن المقام المحمود هو الجنة فقط.

7 ـ ما فعله الشيطان بنا بعد نزول القرآن الكريم هو نفس ما فعله بالعرب الجاهليين قبل نزول القرآن.
كانوا يؤمنون بالله تعالى ولكن يؤمنون أيضا بالأولياء لأنها تقربهم الى الله زلفى ، وكانوا يتشفعون بها ويحجون اليها فى مواسم معينة أو موالد، ويقدمون لها النذور والقرابين، ولا يجدون تعارضا بين ايمانهم بالله تعالى وعبادتهم له وبين ايمانهم بالأنصاب والأولياء والأضرحة وعبادتهم لها. كانوا يؤدون الصلاة بنفس الشكل والهيئة والمواقيت ولكن يقدسون القبور والأضرحة والأوثان والأولياء ، وينتهكون الحرمات .
نزل القرآن يدعوهم الى اقامة الصلاة وايتاء الزكاة ، أى الحفاظ عليها بالتقوى التى تعنى اخلاص العقيدة لله تعالى بدون تأليه أو تقديس بشر أو حجر ، والطاعة فى السلوك بالابتعاد عن الكبائر والتوبة والانابة، ولكنهم أعرضوا تمسكا بما وجدوا عليه آباءهم ، أمرهم الله تعالوا بالاحتكام الى كتابه العزيز فرفضوا تمسكا بتللك العادات والتقاليد الدينية وذلك التراث الدينى وتلك " الثوابت "، ولكنهم رفضوا الاحتكام الى كتاب الله تعالى.
الشيطان هو هو لم يتغير ، واساليبه لا تتغير. لذلك فعل بالمسلمين بعد نزول القرآن نفس ما فعله بالجاهليين, ونفس ما فعله بملة ابراهيم ، أى حوّلها الى تدين سطحى شكلى مظهرى واحتراف دينى كهنوتى يقوم أساسا على تقديس البشر والحجر ، مع الاعتراف لله تعالى بالالوهية واشراك غيره معه فى سلطانه والتقديس الذى ينبغى أن يكون له وحده خالصا نقيا.
الشيطان فعل بملة ابراهيم بعد نزول القرآن مثل ما فعله قبل بعثة خاتم النبيين عليه السلام. أى ترك المسلمين يحاكون طريقة الصلاة كما هى بشكلها ومواقيتها ولكن مع تضييعها فعلا بالوقوع فى الشرك وادمان المعاصى.
بل زاد الشيطان من تلاعبه بنا حتى اتخذنا القرآن مهجورا ، لا نهجره ونتركه فعلا ولكن نتخذه مهجورا ، أى يكون موجودا ومهجورا مغيّبا ، نتغنى به فى الحفلات ، ونبكى به فى الجنازات ، ونزين به الصالونات والسيارات ، ونهتف به فى المظاهرات ، لكن اذا وصل الأمر الى الاحتكام اليه فى الأحاديث والسنة وفى شتى ملامح تديننا العملى عندها يتم اعلان الكفر بالقرآن واتهامه بالنقص والغموض وعدم البيان ، وانه مفرط قاصر يحتاج الى كلام البشر ليصلح من شأنه وليستر عيوبه وليكمل تقصيره . فاذا جاء الاثبات من القرآن بآيات تؤكد أن الله تعالى أنزل الكتاب مفصلا تاما كاملا ما فرط فى شىء وبيانا لكل شىء جاء الاتهام الأخير : فأين مواقيت الصلاة وهيأتها وكيفيتها؟ أى أعلنوا معاجزتهم لله تعالى.
ويزعمون أنهم مسلمون !!

تقديس محمد أساس التحريف الحالى فى ملة ابراهيم

1 ـ والقضية أفظع من ذلك وتتعداه من تأدية الشعائر التعبدية الى المس بالعقيدة الاسلامية القائمة على أساس اخلاص العقيدة لله تعالى وحده الاها لا شريك له. التواتر بعد نزول القرآن وبعد موت خاتم النبيين محمد عليه السلام ارتبط بتقديس محمد وتأليهه ، وانعكس هذا على تدين المسلمين فى الصلاة والحج ، وحتى فى الزكاة. هنا تلوث التواتر بما سبق وأن تلوث به فى العصر الجاهلى ، أقصد الوقوع فى الشرك بالله تعالى اتخاذ أنداد ، وتقديس البشر مع الله تعالى ، وبدأ الشرك بتأليه النبى محمد ، ثم اتسع بتأليه الصحابة والأئمة .
2 ـ وعموما فان الصلاة هى لذكر الرحمن فقط ، أى لتعظيمه فقط، وما عداه ومن عداه خاضع لجلاله ، بدءا من الأنبياء المكرمين والملائكة الأبرار الى كل مخلوق ، وتتجلى عبوديتهم وطاعتهم فى خضوعهم وخشوعهم لله تعالى حين الصلاة . بل ان الأنبياء هم الأسوة والقدوة لنا فى اخلاص العبادة لله تعالى وحده والخشوع والاخبات له وحده. وعليه فيمتنع ذكر أى أسم بشرى لنبى أو غير نبى فى الصلاة. ويكفى قوله تعالى لموسى عليه السلام (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) طه 14 ) فالصلاة هى لذكر الاله الواحد جل وعلا وحده، ولا يذكر معه على سبيل التعظيم والتوقير والتقديس أحد غيره. واذا كان لنا ان نحترم الأنبياء فان ذلك يجب أن يكون خارج الصلاة التى يجب أن تكون خالصة التعظيم والتقديس لله تعالى وحده ، وهكذا الشأن فى كل العبادات.
والصلاة بالذات هى صلة يومية شديدة الخصوصية بين العبد وربه جل وعلا فلا يصح بأى حال ان يكون فيها لله تعالى شريك فى قلب المصلّى الخاشع لربه. وعليه فانها قاعدة عامة فى الصلاة فى قصر التعظيم فى الصلاة على الله تعالى وحده ، وأى اضافة فى الصلاة المتوارثة يكون فيها تعظيم لأى مخلوق فهى تحريف شيطانى لا بد من نبذه.
3 ـ وما ينطبق على الصلاة فحسب ينطبق من باب أولى على الأذان للصلاة ، وفى التكبير لاقامة الصلاة ، فيحرم ذكر اسم النبى محمد الى جانب اسم الله تعالى فى الأذان وفى الصلاة . وغريب ان نقول " الله أكبر " فى الأذان والصلاة ثم نضيف ـ على سبيل التعظيم ـ اسماء لبشر مع الله تعالى الأكبر.
التفريق بين الله ورسله هو بداية وأساس تأليه محمد

بدأ تأليه محمد فى التفريق بين الله تعالى ورسله بجعل محمدا مميزا بين الرسل والأنبياء، ثم رفعه عليهم ليوضع اسمه فى مجال التعظيم مع اسم الله تعالى ، وبدأ المرض بتحويل شهادة الاسلام لتصبح شهادتين بدلا من شهادة توحيد واحدة.
القرآن الكريم يؤكد ان شهادة الاسلام شهادة واحدة فقط تقصر الألوهية على الله تعالى وحده ، دون ذكر اسم بشر معه من الرسل والأنبياء .فلا يصح أن تقول مثلا " أشهد أن لا أله الا اله محمد رسول الله " ولكن قل فقط : ( أشهد ان لا أله الا الله ) حتى لا ترفع محمدا عليه السلام الى نفس الموقع مع الله تعالى . يكفيك قوله تعالى : (وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) النحل 51 ـ ) اقرأ ما بعد هذه الآية من آيات لتؤكد معنى الايمان بالله تعالى وحده . ان شهادة الاسلام ( لا اله الا الله ) شهادة واحدة هو"التشهد" وهو جزء أساسى من الصلاة اليومية يقوله رب العزة والملائكة وأولو العلم : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ىل عمران 18 ) ومن اسف اننا تناسينا هذا التشهد وابدلناه بصيغة متهافتة منتحلة مختلفة الصياغات أسميناها " التحيات " حتى نجعل لاسم محمد ذكرا وتعظيما فى صلاتنا وهى المفترض فيها أن تكون لذكر الله تعالى وحده وتعظيمه وحده.

حين تقول : "اشهد ان لا اله الا الله" تكون قد آمنت بكل ما قاله الأنبياء جميعا، وتكون قد آمنت بهم جميعا لأن كل واحد منهم جاء مبعوثا بهذه الحقيقة السامية، وهذا ما قاله رب العزة لخاتم رسل الله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء 25 ) وقال له أيضا نفس التحذير من الوقوع فى الشرك ، وهو نفس التحذير الذى قيل من قبل للأنبياء السابقين : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) الزمر 65 : 66 ) . وحتى لا يظن نفسه مميزا على الأنبياء السابقين قال الله تعالى لخام النبيين : (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) الأحقاف 9 ) أى أمره رب العزة ان يقول ويعلن أنه ليس مميزا بين الرسل ، وانه لا يعلم الغيب ولا يدرى ما سيحدث له أو لغيره ، وأنه مجرد رسول منذر لقومه متبع للقرآن الكريم.

الحب الحقيقى للنبى محمد هو اتباع القرآن

هو أن تتبع رسالته ودينه والمنهج الالهى الذى جاهد فى سبيله ، الحب هو الاتباع والطاعة للقرآن الكريم : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران 31 : 32 )
الشيطان يخدعنا بجعلنا أعداء لله تعالى ورسله ، وله طريقة خاصة هو أن يجعلنا نتطرف فى حب النبى ليتحول حبنا له الى تأليه وتقديس نتناسى معه جوهر العقيدة الاسلامية التى ناضل وأوذى محمد عليه السلام فى سبيلها. وأفظع مثل لهذا التأليه أن يكون محمد جزءا تاليا لشهادة التوحيد ( يسمونها شهادة توحيد وهى شهادة ثنائية ) وجزءا من الأذان والصلاة ، بل حتى فى كل مسجد تقريبا يوضع اسم الله تعالى فى جهة واسم محمد فى الجهة المقابلة ، وفى الحج هناك حج لقبره المزعوم ن وهناك صلوات له تضاهىء الصلاة لله تعالى بل تزيد . كل ذلك بسبب أنهم جعلوا شهادة الاسلام ثنائية وليست وحدانية. ومن عادات التدين الفاسد فى مصر ان يقال عند الوداع " أشهد ان لا اله الا الله " فيرد الطرف الآخر " واشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ". والغريب انهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. ولو أنصفوا لرددوا شهادة واحدة هى " لا اله الا الله " وعملوا بها فعلا ، واذن لن يكونوا أعداء لمحمد وربه جل وعلا.
الأنبياء جميعا أرسلهم الله تعالى ليؤكدوا تلك الحقيقة، وقد عانوا وجاهدوا فى سبيل نشرها وكانوا أول الناس ايمانا بها وتفانيا فى نشرها، ثم جاء الشيطان ليحوّل حبنا لهم الى تطرف يجعلهم آلهة مع الله ، وبذلك ينسف أساس دعوتهم ، ويجعلهم فى موقف حرج مع الله تعالى يوم القيامة حين يسائلهم رب العزة عن أولئك الذين عبدوهم : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ؟ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ) الفرقان 17 :18 )


صلة التفريق بين الله تعالى ورسله وجعل الشهادة مثناة

انك حين تضيف " وان محمد رسول الله " تكون قد وضعت مخلوقا الى جانب الخالق جل وعلا ، وتكون قد فرقت بين الرسل ، فلماذا اخترت محمدا بالذات ولم تقل اسحاق رسول الله أو يونس رسول الله او هود رسول الله او الياس رسول الله؟
لقد جعلها رب العزة لب الايمان بالرسل. وهى ان تؤمن بالرسل دون ان تفرق بين احد منهم ، واكثر من ذلك ألزم المؤمنين ان يقولوا: سمعنا وأطعنا فى عدم التفريق بين الرسل ومن لم يقلها باقتناع يكون كافرا. اقرأ فى ذلك قوله تعالى " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " البقرة 285 ) المسلم الحقيقى أو المؤمن الحقيقى يقول سمهنا وأطعنا ، ويتوقف عندها ويصلح لسانه وقلبه ، أما المنافق والمعادى لله تعالى ورسوله فهو الذى يرفض ويعتقد بألوهية محمد وأنه "أشرف المرسلين " ,انه "خير الخلق " وأنه " سيد الآنبياء " الى آخر تلك الطامات التى نقولها ونعتقدها والتى ترفع محمدا فوق الأنبياء ـ أى تؤلهه ـ وترتب على هذا الأساس العقيدى العبادة له والصلاة له وعليه بمعنى التقديس . واذا لم نصلح أنفسنا بالقرآن فمآلنا الى جهنم وبئس المصير.

وقوع بعض أهل الكتاب فى خطيئة التفريق بين الله ورسله

عدم التفريق بين الله تعالى ورسله تكرر فى نفس سورة البقرة أمرا قرآنيا يجب أن نقوله ـ نحن المسلمين ـ لأهل الكتاب أيضا فى الدعوة للايمان بكل الرسل دون تفضيل لأحد منهم على الآخر (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)
أى يجب أن نكون دعاة لأهل الكتاب نأمرهم بعدم التفريق بين الله والرسل ، ـ ومثلا ـ ألا نرفع عيسى فوق الأنبياء، وألاّ نفاضل بينهم.
المضحك أننا بدلا من أن نقوم باصلاح أهل الكتاب تابعناهم فى نفس الخطأ ورفعنا محمدا فوق الأنبياء وجعلنا الأنبياء لعبة للتنافس والتعصب ، كل فريق يوالى نبيا ويرفعه فوق الآخرين ـ أى يفرق بين الله تعالى ورسله.

التفريق بين الله تعالى ورسله يوقع فى الشرك والشقاق

الآية التالية تجعل من موضوع "عدم التفريق بين الأنبياء " قضية ايمانية فارقة يتبين فيها موقع كل انسان ؛ اما أن يكون مهتديا أو يكون مشركا فى عقيدته ، وما يتبع الاشراك بالله تعالى من تفرق فى الدين وانقسامات مذهبية وطائفية ، وقع فيها أهل الكتاب ، ووقعنا نحن فيها بعدهم بمجرد أن رفعنا محمدا فوق الأنبياء عليهم جميعا سلام الله تعالى .
اقرأ الآية التالية بتمعن وتحسر على حال المسلمين مع الاسلام: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) البقرة 136 : 137 )) نحن الآن فى شقاق عقيدى بين السّنة والشيعة والصوفية ، ثم تشعب الشقاق الى انقسامات مذهبية داخل كل طائفة؛ فهناك مذاهب فقهية سنية ، وهناك طوائف مختلفة داخل التشيع ، وهناك طرق متكاثرة داخل التصوف، وكل عصرتتزايد الانقسامات , ولكن يبقى أصل الشقاق باقيا لا خلاف حوله لأنه سبب المصائب ، الا وهو أن الجميع يقدس محمدا ويصلى عليه أو له ـ صلات تقديس ، ويحج الى قبره فى ابتداع فى الدين لم يعرفه محمد فى حياته ، ولم يعرفه عصر الخلفاء الراشدين . لو عاملنا محمدا عليه السلام فى عقائدنا وفقا لأوامر الله تعالى ما وقعنا فى شقاق وخلاف، لأن الرسل كلهم لدينا سواء فى الايمان بهم جميعا دون تفريق ، والايمان بهم وبالكتب السماوية يأتى تبعا لايماننا بالله تعالى الواحد القهّار. ولو تأملت الآية قبل الأخيرة من سورة البقرة وتدبرتها لوجدت عجبا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) فالملائكة والكتب والرسل جاءت مضافة الى ضمير يرجع الى رب العزة باعتبار أنه جل وعلا يملكهم جميعا فى أنهم أدواته فى تبليغ رسالة الوحدانية الألهية للبشر. وحتى لا يقع أحد فى تفضيل أداة على أخرى وبالتالى رفعها الى مستوى الله تعالى المالك لكل هذه الأدوات قال تعالى أن من ضرورات الايمان قول الرسول والمؤمنين معه : (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) وكلمة رسله بالعموم وبرجوع الضمير (رسله ) الى الله تعالى مما يؤكد تحريم التفريق بينهم ، ومما يؤكد وجوب السمع والطاعة، الا ان رب العزة لكى يجعلها قضية ايمانية فارقة اوجب فيها اعلان السمع والطاعة فقال بعدها " (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) والسمع والطاعة ليس مجرد كلمة تقال ، بل هو عهد وموقف ، على أساسه سيتحدد موقفك أنت يوم القيامة بين الجنة أو النار.
هذا ما جاء فى سورة البقرة فى قضية التفريق بين الله تعالى ورسله، فماذا قالته سورة آل عمران؟
فيها يأتى الأمر للنبى محمد أن يقول ما أمر الله تعالى المؤمنين المسلمين بقولهن امره الله تعالى أن يقول نفس الكلام لأهل الكتاب ينهاهم عن التفريق بين الله ورسله :(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. )
تأمل قوله تعالى فى تقرير الصلة بين حقيقة الاسلام وموضوع التفريق ، فمن يفرق بين الله ورسله لا يمكن أن يكون عند الله تعالى مسلما ، والمسلم الحق عند الله تعالى هو الذى لا يفرق بين الله تعالى ورسله. ولذلك قالت الآية التالية : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران 84 : 85 )
ولا يزال الأمر محتاجا لبعض التوضيح:
ان الايمان بجميع الرسل والأنبياء بلا استثناء وعدم تفضيل بعضهم على بعض هو جوهر الاسلام. لأن الاسلام هو أن تسلم وجهك وقلبك لله تعالى وحده بدون شريك، فاذا جعلت رسولا مميزا فوق بقية الرسل والأنبياء فلا بد أن تأخذ مساحة من التقديس القلبى الواجب لله تعالى وحده وتعطيه للنبى المفضل لديك ، أى تجعل التقديس شركة بينه وبين الله تعالى ، وهذا هو الشرك. ثم لا تلبث ان تعطيه ـ فى قلبك وعقيدتك ـ شيئا من قدرة الله تعالى ، فتجعله حيا بعد موته فى الدنيا و شفيعا فى الآخرة ، ، ومن ثم تلوذ به وتتمسح بالجاه المزعزم الذى أضفته اليه، وهذا ما تدور عليه حياتنا الدينية ، نعتقد فى " جاه النبى" وأنه "حىّ فى قبره " تعرض عليه أعمالنا ليراجعها ويتشفع فيها مقدما ، ثم له الشفاعة يوم القيامة حيث يكون هو مالك يوم الدين ، اذا أمر الله تعالى بدخول احدهم الى النار فان شفاعته تردّ أمر الله تعلى كما لوكان رب العزة يبدل القول ويتراجع فيه !! ولذلك لا بد أن تصلى للنبى محمد وأن تحج الى قبره حتى تضمن شفاعته لأنه شريك لله تعالى فى الملك، بل اننا حين نقول كلمة " النبى " فلا تعنى عندنا الا محمدا فقط ، وبقية الأنبياء لا وجود لهم فى بؤرة الشعور لدينا. بهذا يضيع الاسلام ، اى اسلام الانسان قلبه وعقله وجوارحه ووجهه لله تعالى وحده ، فالواقع أن معظم المسلمين قد أسلموا عقولهم وقلوبهم الى محمد وليس لله تعالى.
لو أقتصر الأمر على ذلك ما وقعوا فى شقاق. الا ان العادة فى الشرك أن يتكاثر. يبدأ بتأليه النبى ، ثم يمتد الى أهله ، واصحابه ، وهنا يقع الاختلاف بين من نؤثره من الأهل والأصحاب والأصدقاء. وبقه "التفريق بين النبى وأهله وصحبه" وتتكرر قصة التفريق بين "الله تعالى ورسله " ولكن على نطاق الاله الجديد الذى ابتدعوه وهو النبى ، وهنا يختلفون كما فعل السّنة والشيعة ، ويبرز فى كل طائفة علماء وكهنة وأحبار يدعمون الخلافات بأحاديث كاذبة وافتراءات منسوبة لله تعالى ورسوله عليه السلام ، وهنا تقوم كل طائفة بتقديس أحبارها ورهبانه وأئمتها وشيوخه ، وتتكاثر الآلهة، فلا يصبح من تقديس باق لله تعالى الا اقل القليل. ولذلك فاننا حين نقارن أحاديث البخارى التى تطعن فى النبى محمدا والتى تخالف القرآن تجد الأغلبية تدافع عن البخارى بالسليقة والانتماء مع وضوح الطعن فى الاسلام ، ومع وضوح الأدلة بالصفحة والجزء. كل ذلك يؤكد ما قاله رب العزة ثلاث مرات فى القرآن ( الأنعام 91 ، الحج 74 ، الزمر67 ): انهم ما قدروا الله تعالى حق قدره .!!
وتكرر لنا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا...) (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ) (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء 150 : 152 )






اجمالي القراءات 17407