الحكم بماأنزل الله

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٣١ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
يرفع الاخوان المسلمون الشعار القرآنى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) فى وجه الدولة يتهمونها بالكفر. ونراك تتفق معهم فى هذا باعتبارك تؤمن بهذه الآية. فلماذا تختلف إذن مع الاخوان المسلمين ، وهم الذين يقولون القرآن شعارنا ؟
آحمد صبحي منصور
مع أن الاجابة على هذا السؤال تكررت فى سياق العديد من كتاباتنا ، إلا أننا نرد بايضاحات أكثر.

تيار الاخوان المسلمين يتهم الدولة بأنها تحكم بغير ماأنزل الله . و يحكمون بكفــر الدولة لأنها تحكم بغير ماأنزل الله . وهم يرفعون شعارات تنتهى بقوله تعالى : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) ( ومن لــــــم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ).

وكتاب الفريضة الغائبة الذى كتبه عبدالسلام فرج أحد المتهمين بقتل السادات دارحول فريضة الجهاد ضد الدولة التى تحكم بغيرما أنزل الله . وقد تجرأ أحد الشيوخ وكتب ردا على كتاب الفريضة الغائبة مؤداه أن آيات( ومن لم يحكم بما أنزل الله ..) مقصود بها فقط أهل الكتاب، وقد نزل ذلك الرد على أهل الدولة بردا وسلاما فأنعموا على الشيخ بالمناصب يتدرج فيها الى أن أصبح شيخ الأزهر تحت اسم الشيخ جاد الحق على جاد الحق. ومن مناقب هذا الرجل أنه لم يكن يحفظ القرآن الكريم ، ولم يكن يعرف أن يقرأ بضع آيات من القرآن بدون أن يتلعثم و يرتبك. ومن الطبيعى أن رده خاطىء .

فقوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ليس مقصودا به أهل الكتاب فقط ، بل جاء عاما لكل أمة . فكل من لم يحكم بما أنزل الله فى التوراة أو الانجيل أو القرآن يحكم الله عليه بالكفر والظلم والفسوق ، وذلك هو حكم الله عليه يوم القيامة. وذلك شأن يخص الله وحده ،والله تعالى وحده هو الذى سيحاسب عليه يوم القيامة. فالله تعالى أنزل الدين كتابا سماوي سواء كان التوراة أوالانجيل أو القرآن ولم ينزل مع الكتاب السماوى سيفا أو مدفعا ، وإنما أنزل في الكتاب تقرير الحرية للبشر فى أن يؤمنوا أو يكفروا. وفى مقابل تلك الحرية الدينية هناك يوم للدين اسمه يوم الدين أو يوم الحساب حيث الثواب والعقاب . والله تعالى هو مالك يوم الدين ولايشرك فى حكمه أحدا.. فلا مجال لأحد لأن يتقمص ذات الله ويتحدث باسم الله فيتهم من يشاء بالكفر ويلقى بمن يشاء فى الجحيم اذا اختلف معه سياسيا أو دينيا .

وبعيدا عن سياسة التكفيرللأشخاص الأحياء ـ التى نرفضها والتى نترك الحكم فيها لرب العزة جل وعلا يوم القيامة فيما نحن فيه مختلفون ـ فإننا نقرر أن الحكم بغير ماأنزل الله منهج سارعليه سلف هذه الأمة منذ أن تأسس فيها الحكم القائم علىالقهروالاستبداد فى الخلافة الأموية والعباسية والفاطمية وغيرها ، وفى ذلك المناخ تمت صياغة شريعة تخدم الحاكم المستبد وتجعل بيده قتل من يشاء باسم الشرع ،وورثنا ذلك الافك على أنه شريعة الله تعالى ، مع أن دين الله برىء من تلك الأحكام التى ماأنزل الله بها من سلطان .

ومن أسف فان التيار الدينى الذى انشغل بالسياسة ليس لديه من الثقافة الدينية مايمكنه من تمحيص ذلك التراث ليعرف الحق منه و الباطل ، والنتيجة انهم يطالبون بتنفيذ شريعة لم ينزل الله تعالى بها سلطانا ؛ فقتل المرتد بحد الردة حكم بغير ماأنزل الله، وقتل الزانى المحصن بحد الرجم حكم بغير ماأنزل الله ، وقتل تارك الصلاة حكم بغير ما أنزل الله، أى جعلوا القتل عقوبة لكل تلك الجرائم عندهم مع أن الله تعالى جعل عقوبة القتل فى بعض حالات القصاص فقط ونهىعن قتل النفس التى حرم الله الا بالحق القرآنى وحده فقال فى سورتى (الأنعام والاسراء) (ولاتقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق ) وجعل جريمة الافتاء بقتل نفس خارج القصاص مثل جريمة قتل الناس جميعا ، وجعل فضيلة من يعارض تلك الفتوى مثل الذى يحيى الناس جميعا، يقول تعالى : ( من أجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )( المائدة 32 )

إن حد قاطع الطريق هو القتل اذا قتل نفسا . وفى القتال فى سبيل الله نرى ملامح القصاص أيضا، فليس فى الحرب فى تشريع القرآ ن أى نوع من الاعتداء. بل هو رد للإعتداء بمثله،أى قصاص، يقول تعالى ( وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا ان الله لايحب المعتدين ) (والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل مااعتدى عليكم ) (البقرة 190 ، 194) وفيما عدا ذلك أوضح القرآن أن عقوبة الزنا هى الجلد ، وليس الرجم، وحدد عقوبات السرقة والقذف وقطع الطريق ، وهى عقوبات تسقط بالتوبة و الصلاح . وهى عقوبات تخص حقوق العباد وتعمل على ضبط التعامل بين البشر. أما حقوق الله تعالى من صلاة وحج وايمان وعبادات فليس لبشر أن يتدخل فيها بالثواب أو العقاب وإنما هى لله تعالى وحده يجزى عليها فى الدنيا والأخرة.

وذلك هو حكم الله تعالى فى القرآن .

إلا أن الحكم الكهنوتى الذى عرفه المسلمون جعل الحاكم متألها ينشىء أحكاما يشارك بها الله تعالى فى شرعه ودينه . وحين ظهر التيار الدينى السياسى أخذ ينادى بالعودة الى العصور الوسطى ويتهم الدولة بأنها تحكم بغير ماأنزل الله مع أن هذا التيارالدينى السياسى يطالب بتطبيق شريعة ماأنزل الله بها من سلطان ، واذا حاورتهم بالقرآن عجزوا عن الرد واكتفوا باتهامك فى شخصك وتأليب الدولة عليك .والدولة فى ضعفها تضطهد المفكرين الاسلاميين دعاة الاصلاح لأن مستشاريها من الأشياخ يؤمنون بنفس الأكاذيب التى يؤمن بها التيار المتطرف
اجمالي القراءات 15515