بعد تصحيحه لغويا ..
فقه الهداية فى القرآن الكريم ـ خالد حسن

في الإثنين ١٤ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم
خالد حسن


الإرادة الإنسانية (نظرية الجبر و نفي الحرية)

لقد كانت كلمة الحرية وما زالت هي حلم المضطهدين وأملهم الذي يسعون إليه ,(،) وكانت وما تزال ذات الكلمة هي التي تقض مضاجع الظالمين ,(،) فحاولوا تغيبها (تغييبها) بأي طريقة كانت ,(،) ومن أفظع ما فعلوه هو إخفاء الحرية تحت ستار الدين فأفسدوا على الناس دينهم ودنياهم ,(،) وكان أول من فعل ذلك هم من نقول عنهم خير القرون وخير الأمم . فبعد قيام الصحابة بشن الحروب الاعتدائية على الدول الأخرى باسم الدين ووقوعهم في حبائل الشيطان واقتتالهم على الملك والحكم ,(،) استخدم كل فريق منهم الدين ليثبت حجته على الآخر ويبرر أخطاءه ومن أبرز الحيل التي ابتكروها هي مسألة القضاء والقدر ونفي الإرادة عن الإنسان ,(،) وعند عدم مقدرتهم على تغير(تغيير) القرآن اخترعوا أحاديث تناقض القرآن وجعلوها قاضية على القرآن ومفسرة له ولو كانت مناقضة له وجعلوا حاجة القرآن للسنة أكثر من حاجة السنة للقرآن ,(،) وجاء متأخرين ( متأخرو) الصحابة وأوائل التابعين بأقوالهم وتأويلاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان بعدما أغرتهم الدنيا وبدؤوا بتسيير الدين حسب حاجتهم ومصالحهم حتى غدا الدين ألعوبة في يدهم , (،) وبذلك قضوا على مقاصد الدين الأساسية من حرية وعدل وقسط .

قال تعالى ((مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) النحل ))
يتوعد الله من كفر به وظلم بعد إيمانه بعذاب أليم ولكنه استثنى حالة واحدة الآ( ألا) وهي الإكراه في الدين وذلك لأن الإنسان ( كما يفهم سياق الآية الكريمة ) فقد حرية الاختيار التي هي مناط التكليف وأجبر على الكفر جبرا (جبراً) وبذلك كان له عذر في كفره .
فنتعلم من هذه الآية أن الحرية في الاختيار والإرادة هي من الضرورات التي حفظها الله ونزلت الشريعة لحفظها , (،) ولكن هل تعامل سلفنا الصالح مع مبدأ الحرية بهذا الفهم ؟ وما هو موقفهم ؟

لنقرأ هذا النص الذي ننقله عن ابن تيمية (( وذكر أبو بكر الخلال عن المروذي : (( أن رجلا قال : إن الله لم يجبر العباد على المعاصي , (،) فرد عليه آخر فقال : إن الله جبر العباد ,(،) أراد بذلك إثبات القدر (،) فسألوا عن ذلك أحمد بن حنبل فأنكر عليهما معا ,(،) وأمر أن يقال ( يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) )) ابن تيمية – مجموعة الفتاوى – المجلد الثامن
إن هذا النص يعبر كأوضح ما يكون التعبير عن الرؤية السلفية في مسألة الارادة الحرة للإنسان ,(،) فأحمد بن حنبل يتخذ من المسألة موقفا امتناعيا يعبر عن موقف و
وسط سلبي .(،) فهو حيال طرفين ينفي كل واحد منهما الآخر , (،) ولكن نفي أحدهما لا يؤدي به إلى إثبات الآخر .
نحن نستطيع أن نفهم موقف الوسط السلبي لدى أحمد بن حنبل على ضوء الجبلة السلفية المتوجسة من ممارسة العقل فيما لم يعرض له السلف ,(،) فلقد نظر أهل الحديث ( وهم قلب المنظومة السلفية ومحورها ) إلى النصوص المتعلقة بحرية الإرادة فإذا ظواهرها تشير إلى كل من الطرفين ,(،) وتلك مشكلة لا حل لها في المنهج الحديثي إلا بنص أو سلف , (،) ولما كان النص هو محل النزاع فلم يبقى إلا قول السلف .(،) ولكن السلف ليس لديهم فيه قول وبدلا من إعمال العقل واقتحام المشكلة يكتفي المنهج الحديثي بترديد القول بأن السلف تركوا الخوض فيها فالواجب هو ترك الخوض فيها ,(،) هكذا يكون حل المشكلة هو بعينه الامتناع عن حل المشكلة ,(،) وسوف نقف على هذه الحقيقة بصورة أوضح ,(،) حين نستحضر البداية الأولى لقضية الحرية ,(،) التي طرحت لأول مرة تحت مسمى (( القدر)) على يد معبد الجهني المقتول سنة 80 هجرية وغيلان الدمشقي سنة 99 هجرية والجعد بن درهم سنة 120 هجرية .(،) انتصر الثلاثة لمبدأ الحرية الإنسانية فقالوا (( إن العبد هو الفاعل للخير والشر والإيمان والكفر والطاعة والمعصية وهو المجازى على فعله والرب تعالى أقدره على ذلك )) ولكن الثلاثة دفعوا رؤوسهم ثمنا لهذا الانتصار

ولننظر هذه القصة معا التي جاءت في كتاب (شرح نهج البلاغة ) لابن أبي حديد ج2 (( وقد بدأ الجبر الأموي مبكرا على لسان معاوية بن أبي سفيان , (،) فقد كان يبرر خروجه لقتال علي بقضاء الله . (،) فمن خطبته في جموع جيشه بصفين (( وقد كان فيما قضاه الله أن ساقتنا المقادير إلى هذه البقعة من الأرض ,(،) ولفت بيننا وبين أهل العراق .(،) فنحن من الله بمنظر .(،) وقد قال الله سبحانه وتعالى (( ولو شاء الله ما اقتتلوا ,(،) ولكن الله يفعل ما يريد))
لقد كانت السلطة الأموية ترفع راية الجبر صريحة,(،) تبرر تحتها مظالم الحكم ومفاسده الشائعة فضلا عن تبرير شرعية وجودها أصلا. باعتبار أن ذلك كله إنما هو قضاء الله وقدرا مقدورا.

وجاء في كتاب (شرح نهج البلاغة ) لابن أبي حديد ج 4((.... وجاء من بعد معاوية يزيد فقال : (( الحمد لله الذي شاء صنع ,(،) من شاء أعطى ومن شاء منع ,(،) ومن شاء خفض ومن شاء رفع ))

فلقد بدأ إلغاء دور الحرية والإرادة الإنسانية مبكرا منذ عهد الدولة الأموية التي شعرت بخطر هذه الحرية على ملكها وبررت جرائمها بذلك (( فعندما قتل عبد الملك بن مروان منافسه عمرو بن سعيد أمر برأسه أن يطرح على أنصاره من أعلى القصر ثم هتف عليهم الهاتف ينادي إن أمير المؤمنين قد قتل صاحبكم بما كان من القضاء السابق والأمر النافذ )) ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة (.)

ومن هنا استشعر الأمويون الخطر الكامن في آراء الجهني , (،) الذي كان يعرض أباطيل السلطة وينفي أن يكون الظلم والفساد من الله ,(،) مقررا مسؤولية الإنسان عن أفعاله , (،) من حيث أنه مريد لها قادر عليها . (،) وهو ما يعني أن (( قضية الحرية )) لم تولد ولادة فلسفية مجردة ,(،) وإنما طرحت لأول مرة في السياق السياسي الاجتماعي الذي فرضه الاستبداد الأموي .(،) فقد كان معبد وعطاء بن يسار كما ذكر ابن قتيبة ,(،) يأتيان الحسن البصري (( فيسألانه ويقولان يا أبا سعيد إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون الأموال ويفعلون ويقولون إنما تجري أعمالنا على قضاء الله وقدره ))

وقد كان حريا بهذا الطرح الذي ينتصر لقضية العدل في مواجهة السلطة المستبدة , (،) أن يفوز برضى الفقهاء وأهل العلم من بقايا الصحابة والتابعين ( ممن يمكن تسميتهم مجازيا ( مجازاً ) بالنواة ( نواة ) السلطة الفكرية التي ستصبح فيما بعد مدرسة الحديث ) ,(،) أو على الأقل ,(،) أن ينجو من استنكارهم .(،) ولكن هذا لم يحدث , فكما يؤكد البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق ) (( تبرأ المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر و جابر بن عبد الله وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى وعقبة بن عامر الجهني وأقرانهم ,(،) وأوصوا أخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يصلوا على جنائزهم و لا يعودوا مرضاهم ))

ومنذ ذلك الحين عد القول بإرادة الإنسان لأفعاله وقدرته عليها بدعة منكرة وإحداثا في الدين.(،) يقول الشهرستاني في كتابه الملل ج1 (( وأما الاختلافات في الأصول : فحدثت في أواخر أيام الصحابة ,(،) بدعة معبد الجهني وغيلان الدمشقي ويونس الاسواري في القول بالقدر وإنكار إضافة الخير والشر إلى القدر )).

وكما هو معلوم فقد كان هؤلاء السلف يتوجسون خيفة من أن يكون في القول بالقدرة الإنسانية افتئات على الاقتدار المطلق للمشيئة الإلهية,(،) أو إلغاء لمفهوم القضاء والقدر. . ومبعث التوجس هو أن (سلف ) السلف لم يكن لهم في المسألة قول وردت به الأخبار ,(،) في حين أن هذا السلف يفتقد الأدوات العقلية اللازمة لحسم المسألة وهو افتقاد كرسته العادة المضطردة على الإتباع .

وإلا فإن إثبات الإرادة الإنسانية لا يشكل في ضرورة العقل تناقضا مع إثبات القدرة المطلقة لله تعالى , (،) طالما أن الله هو الذي خلق هذه الإرادة وأقدر الإنسان على إنفاذها .(،) فهو قانون من قوانين الخلق الإلهي خاص بالإنسان الذي خلقه الله مختلفا عن سائر المخلوقات وجعله أكثر شيء جدلا.(،) هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى,(،) لا يشكل هذا القول تناقضا مع النص السمعي الصحيح,(،) اللهم إلا بشكل ظاهري وقريب لا يتوقف حياله إلا من افتقد الأدوات العقلية بشكل واضح.(،) فعندما نقرأ قوله تعالى ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) الإنسان )),

يصبح الأمر جليا وواضحا فإرادة الإنسان هي إرادة مستقلة عن إرادة الله حيث أن الله سن قانونا كونيا يسمح للإنسان أن يفعل ما يريده ,(،) فكما سن الله قانونا للجاذبية وجعل الماء يغلي على درجة حرارة 100C ,(،) فقد سن قانونا إلهيا يقضي بحرية تحرك الإنسان حرية كاملة وتحمله المسؤولية التامة عن أفعاله ,(،) فإرادة الله هي الأصل وإرادة الإنسان هي الفرع , (،) والفرع لا يلغي الأصل .




فعند قراءتنا قوله تعالى ((قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) التوبة )), وقوله ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) الحديد ))
علينا أن نتذكر قوله تعالى
((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) الشورى)) . وقوله تعالى ((مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)النساء))

ويعد موضوع الهداية أحد نتاجات العقيدة الجبرية التي بثتها الدولة الأموية في دين الله , (،) حيث ألغت دور الإنسان تماما وألبست الله لباس الظلم بصورة غير صريحة وحاشا لله .


ولنتطرق الآن إلى موضوع الهداية الذي أشكله الدين الأرضي

لقد علمنا جميعا أن الله خلق الكون فأمره نافذ في كل شيء ,(،) فهو الخالق المسيطر على الكون وبيده ملكوت السماوات والأرض فإذا أراد شيء( شيئاً ) قال له كن فيكون , (،) فهو الذي خلق الأرض والسماء والنجوم والنباتات والحيوانات والهواء والماء وخلق الإنسان وميزه بما يختلف به عن سائر المخلوقات الآ( ألا) وهو العقل فبه يميز الأشياء ,(،) فالله تعالى سخر للإنسان هذا الكون وجعله تحت أمره فهو ينقاد له انقيادا ( انقياداً) متى اكتشف بعقله سنن الله في الخلق والطبيعة .

فالسؤال الآن :

هل مصير الإنسان وهدايته بيده وباختياره أم بيد الله وبقدرته النافذة والمسيطرة على الكون ؟

لقد كانت هذه المسألة وما تزال تسيطر على أذهان الكثيرين : الله لم يرد هدايتي, سأؤمن إذا شاء الله ذلك
وغير ذلك من هذه العبارات التي تعيش بيننا .

وللبداية سوف نبدأ بهذه الآية ((وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) ))

في هذه الآية يلقي المشركون باللوم بافترائهم أن الملائكة هم إناثا( إناث) على الله تعالى وتحججوا أن الله يستطيع منعهم من عبادة الأصنام وشتم الملائكة (،) وقال لو شاء الله لما جعلنا نشتم الملائكة ولا نعبد الأصنام فهو لم يمنعنا من ذلك فإذا هذه إرادته .(،) ونلحظ هنا بداية الصراع وتزين( تزيين) الشيطان لبني آدم حجة أن كل شيء بيد الله إلى أن يصل إلى موضوع الهداية فيجعل السبب في الكفر والضلال هو الله.

فهذه الحجة القديمة الجديدة ما زالت تفعل فعلها في المؤمنين والضالين على حد سواء , (،) ومن أجل ذلك يجب وضع النقاط على الحروف وتجلية الأمور بما نستطيع آملين من أهل الاختصاص بتصويب ما أخطأنا به وزيادة على ما أصبنا به (.)

لقد خلق الله الإرادة الحرة للإنسان بعكس باقي المخلوقات الأخرى وجعله السبب الرئيسي لهذا الوجود حيث قال تعالى ((تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) ))

فقد جعل الله الحياة كلها من أجل الإنسان ومن أجل اختباره هل يعمل صالحا أو سيئا ,(،) فالإنسان مثل الطالب في قاعة الامتحان يقدم ما لديه من دون ضغط عليه ولا إجبار فيكتب ما يعرفه و يترك ما يجهله ثم تأتيه النتيجة بعد الامتحان ولو أراد أيضا ما كتب شيئا .
وكذلك الإنسان فهو مسير,(،) له الحرية الكاملة بالإيمان أو الكفر
قال تعالى (( ألم نجعل له عينين (8) ولسانا وشفتين (9) وهديناه النجدين (10) ))

فالله تعالى لم يجبر أحد( أحداً ) على طريق معين ولم يكتب لأحد الجنة والنار سلفا بل سيكون له ما يستحق بناء على ما يعمل في هذه الدنيا (.)

افتراض : دخل أحد الطلاب قاعة الامتحان ثم بدأ المعلم بتوزيع الورق ,(،) ثم وجد الطالب أن الأسئلة قد تم الإجابة عليها سلفا وأن جميع الأجوبة هي خطأ ولم يستطع تغير ( تغيير) الأجوبة وقام بتسليمها للمعلم بعد نهاية المدة المفترضة للامتحان ,(،) ثم جاءته العلامة بالرسوب .(،) هل الطالب مسئول عن ذلك؟ وطالب آخر وجد أن جميع الأجوبة صحيحة وجاءته النتيجة بالنجاح هل الطالب هو المسؤول عن النتيجة ؟

لقد كان هذا الموضوع الهداية ( لقد كان موضوع الهداية هذا ) من أعظم المواضيع التي تلاعب بها المسلمون في العصور الأولى للدولة الأموية ( كما بينا ) فقد رسخوا لموضوع أن كل شيء بيد الله سبحانه وتعالى لدرجة أن الإنسان هو عبارة عن أراقوز تتلاعب فيه إرادة الله يمينا وشمالا مع إلغاء لدوره تماما عن الوجود فهو أصبح كالريشة تتقاذفه رياح القدر (.)

فهل من المعقول أن يكتب الله الهداية لأناس فتكون أعمالهم كما يقول أحد الأحاديث المنسوبة كذبا لرسول الله رفعت الأقلام وجفت الصحف؟ ويكتب للمرء هل هو شقي أو سعيد وهو في بطن أمه , (،) و يكتب لآخرين الضلال والنار قبل أن يفعلوا شيئا أو قبل أن يولدوا حتى ؟؟؟

إذا سلمنا بهذا الرأي فإننا نوصف ( نصف) الله بأنه ظالم وحاشا لله ذلك فكيف يعذب أناس (أناساً ) بمعاصي ( بمعاص ) هو كتبها عليهم ويثيبهم على أعمال كتبها لهم , (،) لذا علينا جمع الآيات المختصة بالهداية وعرضهم( عرضها أو عرضهن ) على بعض فنحن مأمورون بتدبر القرآن .

قال تعالى:
1 _ ((قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35))) يونس
2- ((كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) آل عمران
3- (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) )) المائدة
4_ ((إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) النحل
5- ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) النحل
6-(( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) )) الشعراء
7- ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) )) البقرة
8_ ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) )) البقرة

9- ((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) )) النساء
10 ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) )) النساء
11 – ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) )) النساء

12 –(( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) )) المائدة

13 – (( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) )) الانعام
14 – ((قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) )) التوبة
15 – ((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) يونس
16 – ((وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) يونس
17 – ((وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) )) الرعد
18 – ((اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) النور
19 – ((بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) )) الروم
20 – ((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) )) فاطر
21 – ((لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) )) ص
22- ((أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) )) الزمر
23- ((وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) )) المدثر

هذه الآيات التي عرضت أعلاه نستطيع أن نقسمها الى قسمين :

- أولا: قسم بين الله السبب فكانت النتيجة تبعا للسبب:

لقد أرسل الله الرسل الكرام ومعهم الكتب والمعجزات لدعوة الناس الى الخير والهداية وتصحيح مسارهم إذا ضلوا ,(،) فأمر الله الأنبياء بالدعوة بالحسنى للأقوام من دون إكراه ولا إلزام مع تبين( تبيين ) ما يجنيه المرء إذا صدق أو كفر ,(،) فإذا اختار المرء طريق الإيمان والهداية يزيده الله هدى وإيمانا( إيماناً ) فتكون هداية الله له بناء( بناءً ) على خطوته الاولى واستمراره عليها , (،) أما إذا كفر المرء واختار طريق الضلال فالله تعالى يضله بناء على خطوته الاولى واستمراره عليها , (،) فالله لم يتحكم بإرادة أحد بل ترك لهم الامر ليختاروا ثم ييسر ما اختاروا لهم (.)

- قال تعالى ((((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) يونس
فالذين اختاروا طريق الإيمان وطريق الحق فالله يهديهم بعملهم وبإيمانهم (،) وليس بفرض ذلك وكتابته عليهم سلفا وهم في بطون أمهاتهم فكان استحقاقهم لهداية الله لهم بسببهم هم (.)

- قال تعالى (( فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ )) فبمجرد إيمانهم بالله واعتصامهم به فسيهديهم الله ويدخلهم جنته (.)

- قال تعالى ((بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ )) فبعد أن اتبع معظم الناس أهواءهم واستحقوا لقب الظالمين وأصروا على الظلم وعدم الرجوع للحق (،) فإن الله لن يهديهم بما اقترفت أيديهم ,(،) فكانت ضلالتهم بما كسبت أيديهم , (،) ولو غيروا وعادوا عما فعلوا لغير الله ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) )) النساء

- قال تعالى (( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) آل عمران

سؤال استنكاري يوجهه الله الى كل من يقول ( لماذا الله لا يهدي الظالمين ؟ أليس الله قادرا (قادراً ) على كل شيء ؟ ) فالله يؤكد لهم أن الهداية تبدأ أولا من أنفسهم ثم يستجيب الله لما يختارونه ,(،) فيستنكر الله على المشركين في الآية السابقة أنهم عرفوا أن الرسول حق وعلموا أن هذه البينات حق ثم يكفرون ,(،) فالله يعلمهم أن الله لا يهدي الظالمين ,(،) بل على الظالمين هداية أنفسهم وتنظيف قلوبهم ثم الله يهديهم بإيمانهم (.)

وقس على ذلك أخي الحبيب الآيات التاليات :

((وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67))) المائدة نتيجة سبب
((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا
ســـــــــــبب نتيجة
لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) )) النساء


(( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168))) النساء
سبب نتيجة
(( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ
نتيجة سبب
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) )) المائدة

- ثانيا :
- قسم لم يبين الله السبب بل بين الله أن له الأمر بالهداية والضلال لكن هذه الآيات تحمل على الآيات التي تبين أن الهداية والضلال تأتي تبعا لما يفعل الشخص حيث أن الله لا يتدخل في اختيار الطريق للمرء ولكن بعد اختياره تأتي أوامر الله له حسب عمله ,(,) فالله تعالى ليس بظلام للعبيد
ومن هذه الآيات ((.....غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) النور ))
((أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) )) فاطر
((لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) )) ص
((قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35))) يونس

فهذه الآيات على ما أظن هي من يختلف الناس عليها لعدم تبينها السبب بالضلال أو الهدى مباشرة ولفهم الناس أن الله هو المتدخل الرئيسي في كل شيء وكأنه يعبث بنا وحاشا لله , )(،) وهذه النظرة الجبرية( كما بينا أعلاه ) الظالمة عن الله سبحانه وتعالى هي من نتاج الدين الارضي السني ومدارسه ولا ننسى بالأخص أبو حامد الغزالي الذي وجه الضربة القاضية للعقل ولغى مبدأ السببية (،) وانطلق لفهم العالم من الأعلى الى الأسفل وليس من الأسفل الى الأعلى فلغى دور الإنسان تماما في هذا الوجود , (،) ولكن الله أمرنا بأخذ القرآن كله والتدبر بالقرآن واجب قال تعالى (( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد ))

فإن الإنسان البسيط وصاحب الفطرة السليمة السوية يعلم أن حرية الإنسان هي ليست اعتداء على مشيئة الله ولا لغيا لدوره ,(،) فالله تعالى هو من أوجد هذا الكون من الأصل وخلق الخلق كله ,(،) فحرية الإنسان لا تعدو أن تكون إلا فرع( فرعاً ) من الفروع والفرع لا يلغي الأصل , (،) فانظروا كيف قلب الدين الأرضي الموازين وجعل من الدين السهل لاهوتا معقدا يحتاج الى فلاسفة و متخصصين .

دور رسول الله في الهداية

لقد تعارفت العرب قديما على أن الرسل لا تقتل أثناء الحروب لأن الكلام الذي يو صلونه هو ليس كلامهم بل

هو كلام من أرسلهم وكان يعد قتل الرسل جريمة وذهابا للمروءة.

وكذلك رسول الله عليه السلام هو ينقل لنا كلام ربه وليس كلامه وليس مطلوبا منه إرغام أحد على الإيمان بما

يحمله من رسالة لأن مهمته التبليغ فقط قال تعالى يصف مهمة رسوله ويرسم لها حدودها في أكثر من موضع في القرآن الكريم ((مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) المائدة ))

((وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)النحل ))

وكان عندما يلح عليهم الرسول شفقتا( شفقةً) بهم وإنقاذا( إنقاذاً ) لهم من النار كان الله يذكره بمهمته فيقول له

((فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)الشورى ))




ويذكره الله أن المرسلين من قبله كانت لهم نفس المهمة آلا وهي التبليغ فقط قال تعالى :

((قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)

فإذا بالغ الرسول عليه السلام في إلحاح( الإلحاح ) على قومه وأراد فعل المستحيل لهداية الناس فيذكره الله أن الهداية تعود من ذات الإنسان والله يوفقه على ذلك ( إلى ذلك ) وأن مهمة الرسول تنحصر فقط في التبليغ ولو كان الذي يدعوهم هم أقرب الناس إليه قال تعالى :

((إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص))

((لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) البقرة ))

فكان هذا هو منهج القرآن في الدعوة وهذا هو دين الله الذي يقوم على الحرية المطلقة من دون إجبار ولا إكراه
لا كما قام به المسلمون من هجوم وإعتداء على جيرانهم بحجة نشر الاسلام واختراعهم أحاديث تناقض تشريع الله الذي أنزل مثل ذلك الحديث البخاري المنسوب كذبا وافتراء على رسول الله أنه أمر أن يقاتل الناس حتى يشهدوا لا إله إلا الله وحديث مكذوبا آخر من بدل دينه فاقتلوه .

فهذا هو دين الله المنزل في القرآن والمسطر فيه وهذا هو دين السنة الارضي

فأيهما تختار ؟ ولك حرية الاختيار