رسالة الى الأحبة
إعلان إفتتاح قاعة البحث القرآنى

في الأحد ١٥ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الأساتذة الكرام موضوع دراسة حالة ربط جنسي من المواضيع المهمة والحساسة في أطروحات الدكتور أحمد صبحي منصور
أقدمه الآن كموضوع للرواق أفيدونا بتعليقاتكم وآرائكم
ولمن يود الإطلاع على الموضوع مع التعليقات التي كانت عليه الدخول على الرابط
http://www.ahl-
alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=1322
د. أحمد صبحي منصور
دراسة حالة ربط جنسى .
مقدمة
فى الريف المصرى ـ وغيره ـ يسود الاعتقاد بقدرة الأعمال السحرية على (ربط الزوج ) أى حرمانه من ممارسة الجنس مع زوجته. ويتعيش من هذه الخرافة كثير من الدجالين بحيث أصبح شائعا أن العريس ليلة الدخلة أو قبل الزفاف لا بد أن يدفع المعلوم لذلك الشيخ الدجال حتى ( لا يعمل له عمل و يربطه ليلة الدخلة) فيصبح هو والعروس سواء وأخوة أشقاء ..!! الأسئلة تترى عن هذه الخرافات ، ومن عجب ان لها جذورا فى التاريخ المملوكى و العثمانى تؤكد وجود هذه العاهة الاجتماعية والدينية.
الامام الشعرانى ـ أكبر فقيه صوفى فى العصر العثمانى ـ حدثت له هذه المشكلة ليلة زفافه، وظل عاجزا مربوطا خمسة أشهر الى أن تم له ( الفتح ) عندما اصطحب الانسة زوجته الى ضريح ( السيد البدوى ). دعنا نتجول فى عقل الشعرانى وكيف استطاع ان يتغلب على حالته ، ثم كيف صاغ هذا فى اكذوبة كراماته.ثم نعطى راينا فى النهاية..
أولا
حكى الشيخ عبد الوهاب الشعراني تجربته في الربط الجنسي في كتابه " الطبقات الكبرى"، فى تأريخه للشيخ السيد أحمد البدوي أشهر ولى صوفى فى مصر والمتوفى سنة 675، والذى لا يزال ضريحه أشهر المزارات حتى الآن . فقد تزوج الشيخ الشعراني فاطمة، وفى ليلة الزفاف عجز عن مواقعتها، واستمر عجزه عنها خمسة أشهر، وظلت بكراً طيلة هذه المدة، وفي النهاية جاءه الحل، فقد رأى السيد البدوي في المنام، وأخذه ـ فى المنام مع الزوجة العذراء إلى ضريحه ـ ضريح السيد البدوي طبعاً ـ وأقام له حفل زفاف،واستطاع الشعراني أن يواقع زوجته، ويزيل بكارتها في ضريح السيد البدوي.
قد يكون من الأفضل أن ننقل عبارات الشعراني فيما يحكيه عن نفسه، ثم نحلل ما قاله. يقول:( ولما دخلت بزوجتي فاطمة أم عبد الرحمن، وهىّ بكر، مكثت خمسة شهور لم أقرب منها، فجاءني ـ أي البدوي في المنام ـ وأخذني وهىّ معيِ، وفرش لي فرشاً فوق ركن القبة على يسار الداخل، وطبخ لي حلواء، ودعا الأحياء والأموات إليه،وقال:" أزل بكارتها هنا، فكان الأمر تلك الليلة).مطلوب منا أن نصدق أن السيد البدوي الذي كان قد مات قبل الشعراني بقرنين ونصف قرن، قد هب من موته ليحل مشكلة الشعراني الجنسية، فترك قبره في طنطا، وذهب إلى الشعراني في القاهرة فى "باب الشعرية" وأخذه هو والآنسة زوجته، لا نعرف كيف، ثم عاد به إلى الضريح في طنطا، وحين دخل الشعراني وزوجته بصحبة السيد أحمد البدوى، وجد السيد أحمد البدوي قد جهز له فراشاً بجانب قبة الضريح، وجهز له الحلوى، بل والمعازيم من الأحياء والأموات،ثم طلب من الشعراني أن يواقع زوجته، ويزيل بكارتها، ولا نعرف هل شهد المعازيم الأحياء والأموات ذلك أم لا، وإنما المهم أنه بهذه الطريقة الفريدة حل الشعراني مشكلته مع زوجته البكر، بعد معاناة استمرت خمسة أشهر.
الجزء الواقعي في قصة الشعراني هو أنه كان عاجزاً جنسياً منذ ليلة الدخلة، أو بالتعبير الدارج "كان مربوطاً"، وأنه لابد وقد جرب كل الوسائل التي تتفق مع عقليته وثقافته وعصره، ثم نجحت الطريقة الأخيرة ، أى اصطحب زوجته الى ضريح السيد البدوى ونام معها هناك فاتاه الفرج ،وبعدها سجل هذه الحادثة عن نفسه في معرض الإشادة بنفسه وبالسيد البدوي وبكراماته .
ونتساءل: كيف يستجيز فقيه الصوفية الشيخ الشعراني أن يمارس الجنس مع زوجته داخل ضريح السيد البدوي الذي يقدسه ويتبرك به ؟ وهل للضريح أو الأضرحة مغزى جنسي أو "سر" جنسي يتمكن به العاجز أو "المربوط" من "حل" مشكلته ؟.. أو بمعنى آخر، هل قدسية الضريح (أي ضريح) التي تقوم أساساً على طلب المدد والعون مرتبطة أساساً بالعون والمدد (الجنسي) خصوصاً للمحتاج والملهوف الذي يواجه أكبر مشكلة تواجه رجلاً، وهىّ العجز الجنسي ؟ .
في عصر الشعراني كان الاحتراف الديني هو السائد، وكان الشيوخ هم الأطباء والحكماء، وأهل الحل والعقد في السياسة والجنس على السواء، كانوا يسيطرون على كل شيء، ويتمتعون بالتصديق والتقديس مهما قالوا، ومهما فعلوا. والشعراني حين واجه هذه المشكلة كان شاباً في مقتبل العمر، أي كان مريداً لم يصل إلى الشهرة التي واتته فيما بعد، ولا ريب أنه ألقى بنفسه على عتبات الأضرحة الكثيرة في القاهرة وخاب رجاؤه، وفي النهاية قصد طنطا، حيث أكبر الأولياء عنده، وهو السيد البدوي، فكان "اللقاء" بعد طول "عناء".
إذن مربط الفرس هو ثقافة الشعراني وعقيدته فى قدرة الأولياء على حل مشكلته الجنسية، وقد تيقن بعد طول عناء أن حل مشكلته لدى البدوي أعظم الأولياء الموتى فى عصره، وعن طريق هذا الاعتقاد الذي لا يلحقه الشك بالبدوي وضريحه، جاء الحل بالإيحاء والاقتناع النفسي.. لأن المشكلة في الأصل نفسية.. والحل فيها بالإيحاء النفسي أوـ على حد قولهم ـ الاعتقاد القلبي .
لقد عاش الشعراني فيما بين (898 ـ 973 هـ)، وفي كل سنوات حياته كانت تصاحبه الأساطير المتعلقة بالسيد البدوي، والحكايات المروية عن ضريحه وكراماته، وقد قام الشعراني برواية أكثرها في تأريخه للسيد البدوي في كتابه "الطبقات الكبرى" اعتقاداً منه وتصديقاً لذلك الشيخ المشهور، والجنس كان يغلف أغلب هذه الحكايات.
ومنها تلك القصة التي رواها عبد الصمد الأحمدي في كرامات البدوي في كتابه "الجواهر السنية" ، وتحكي أن شخصاً راود امرأة عن نفسها في ضريح عبد العال الملحق بضريح البدوي، وتدخل المقبورعبد العال صاحب الضريح، وقام( بتسمير الرجل في مكانه حتى أصبحت أعضاؤه يابسة )، وتاب الرجل، فعفا عنه عبد العال" (فانتشرت أعضاؤه .. وصار من الفقراءـ أى الصوفية ـ الملاح). والمستفاد أن الضريح ترقد فيه الرغبة الجنسية وتنتعش، فالرجل وجد فرصة في الضريح للخلوة بالمرأة ومحاولة اغتصابها، والواضح أنهم صاغوا تلك الكرامة للتحذير من أحداث كانت تقع فعلاً ،وربما كانت تقع أملاً في المدد من صاحب الضريح كي يفك عقدة العاجزين، ولذلك صيغت تلك الكرامة لكي تنذر أولئك بأن صاحب الضريح سيحدث فيهم أثراً عكسياً .
ومولد السيد البدوي بالذات كان أهم مناسبة للانحلال الخلقي في العصرين المملوكي والعثماني، إلى درجة أن السلطان المملوكى جقمق ألغى مولد البدوي سنة 851 هجرية بسبب المفاسد الخلقية التي تحدث فيه.وكان جقمق ضد الانحلال الخلقي والشعوذة الدينية، ولكن بسبب الضغط الشعبي اضطر السلطان لإعادة الاحتفال بمولد البدوي في العام التالي. ومن الطريف أن إدمان الانحلال الخلقي في مولد البدوي دفع الناس لإقامة مولد آخر في نفس العام851هـ قريب من طنطا ليتقياوا فيه ما اعتادوه من انحلال خلقى فى مولد البدوى الملغى. ،يقول المؤرخ المحدث السخاوي الذي عاش هذه الأيام فى كتابه ( التبر المسبوك ) أنه عندما أبطل جقمق مولد البدوي (عمل شخص يسمى رمضان بناحية محل البرج بالقرب من المحلة الكبرى المولد، ووقع فساد كبير على العادة) ، أي وقع الانحلال الخلقي المعتاد، إذن فالمدد له معنى جنسى في ثقافة الشعراني وعقليته التي تشبعت بالحكايات المتداولة في عصره ومجتمعه، ولذلك فإنه عندما واجهته المشكلة طلب المدد (الجنسي) من أكبر مخزن للمدد حسبما يعتقد، وهو ضريح السيد البدوى ،والمسألة كلها مجرد اعتقاد.. فقط.
ثانيا
على أن هناك جانباً فقهياً خفياً في عقلية الشعراني، فقد كان شيخ الفقهاء والصوفية في عصره، وله كتابات في الفقه والتصوف، وإن كان قد استخدم علمه بالفقه في خدمة التصوف، ولكن ثقافة الشعراني الفقهية أكدت نفس الحل للمشكلة الجنسية.
لقد كان الشعراني قارئاً جيداً لمؤلفات الأئمة السابقين في التصوف، والحديث والفقه، وهذا ما يتأكد في مؤلفاته، وحديثه عن نفسه، وتلخيصه لأقوال السابقين، وكان من أهم من قرأ لهم وتأثر بهم الأئمة ابن عربي، والغزالي، وابن تيمية ، وابن القيم الجوزية.
الامام السلفى ابن القيم توفي عام 751هـ .وكان من أصحاب ابن تيمية إلا أن فيه جانباً صوفياً يظهر في بعض مؤلفاته، وأهمها "الروح" و "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" ، والكتاب الأخير ـ كما يظهر من عنوانه ـ يتحدث عن الحب والعشق، ويتطرق أحياناً إلى الجنس و(الوصال) بطريقة دينية، وقد وضع فى كتابه هذا قصيدة طويلة يتغزل فيها بالحور العين ، وقد استفاد الشعراني من هذا الكتاب فيما أسميه بفقه النصف الأسفل، الذي يتردد كثيراً في كتابات الشعراني وكتب الفقه السنى، ومن المعتقد أن هذا الكتاب كان له أثره في توجيه عقل الشعراني الباطن لطلب المدد من البدوي.
ونقتطف من كتاب "روضة المحبين" بعض الروايات التي حكاها ابن القيم، ـ ونعتذر عن ذلك مقدماً ـ يقول إن الإمام الليث بن سعد، أول فقيه في مصر ، كان إذا أراد الجماع خلا في منزل في داره ، وارتدى ثوباً يقال له (الهركان) ، فإذا لبسه علم أهل الدار أنه يريد أمراً، وكان إذا غشىّ أهله يدعو قائلاً " اللهم شد لي أصله، وارفع لي صدره، وسهل علىّ مدخله ومخرجه، وارزقني لذته، وهب لي ذرية صالحة تقاتل في سبيلك"، وكان يقول ذلك بصوت جهوري يكون مسموعاً .أي كأنه في معركة حربية .
إذن على رأي هذا الفقيه السلفي ابن القيم، فإن الإمام الليث بن سعد كان يطلب المدد من الله، وحين يقرأ الشعراني هذا القول فإنه يتأسى به في حياته الجنسية مع زوجته، ولا يتحرج من أن يكرر ذلك في كتابه ( لطائف المنن الصغرى ) ، ولكنه بعد أن يلونه بعقيدته الصوفية في الإتحاد بالله عز وجل، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وننقل عنه ما يقول ونحن نستغفر الله ، يقول الشعراني : " ومن علامة كون الحق جل وعلا يحب من عبده الجماع أن يدوم انتشار فرجه إن كان فيه ارتخاء إحساناً للظن بالله"، ويفتخر بتجربته مع زوجته، فيقول " ومما أنعم الله تبارك وتعالى علىّ به حضوري مع الحق تبارك وتعالى في حال اجتماعي بزوجتي ، كما أحضر معه تبارك وتعالى في صلاتي على حد سواء .. بجامع أن كلا منهما عبادة مأمور بها" .أي يجعل ممارسة الجنس مع الزوجة عبادة كالصلاة.!!.
أكثر من هذا إنه يجعل الفحولة الجنسية من صفات الأقطاب الصوفية الكبار فيقول: " فإياك والاعتراض على من يكثر من الجماع، ربما يكون سبب كثرة جماعه الحكمة التي ذكرناها، وقد رأيت شخصاً يدعي القطبية يدخل الحمام ثلاث مرات ، فازددت اعتقاداً فيه وتعظيماً".
أي أنه حين تحقق من فحولته الجنسية تأكد أنه قطب من الأقطاب !!
والشعراني بهذا متأثر بما ذكره ابن القيم في كتابه "روضة المحبين"عن بعض السلف الصالح من التابعين ذوي الفحولة الجنسية، وننقل عن ابن القيم بعض رواياته مع الاعتذار للقاريء كالعادة : يقول : ( كان عبد الله بن ربيعة من خيار قريش صلاحا وعفة، وكان ذكره لا يرقد فلم يكن يشهد لقريش خيراً ولا شراً) أى يظل فى حالة هياج جنسى دائم بحيث لا يستطيع أن يخرج للشارع بهذا المنظر الفضيحة لذا أخذها من قصيرها و اعتزل الناس ليجلس مع ..يقول ابن القيم ( وكان يتزوج المرأة فلا تمكث معه إلا أياماً حتى تهرب إلى أهلها ، فقالت زينب بنت عمر بن أبي سلمة: " ما لهن يهربن من ابن عمهن؟ "، فقيل لها: " إنهن لا يطقنه"، قالت :" فما يمنعه مني؟ فأنا والله العظيمة الخلق، الكبيرة العجز، الفخمة الفرج "، فتزوجها، فصبرت عليه، وولدت له ستة من الولد) هنا رجل هائج دائما لا تطيق النساء فحولته ، فانتهى به الأمر الى زواجه من فدائية استوعبت كل هياجه.!!
ونعود الى ابن القيم وهو يقول (وكان محمد بن المتكدر يدعو في صلاته فيقول: اللهم قوي لي ذكري، فإن فيه صلاحاً لأهلي ") وواضح هنا ان الأخ ابن المنكدر هذا كان يعانى ضعفا استلزم هذا الدعاء. ولكن على النقيض منه كان خادم ـ أو غلام ـ الصحابى أنس بن مالك، يقول ابن القيم (وروى محمد بن سيرين أنه كان لأنس بن مالك غلام ،وكان شيخاً كبيراً ، فشكته امرأته إلى أنس ، وقالت لا أطيقه، ففرض له عليها ستة في اليوم والليلة.) فهذا الشيخ العجوز كان هائجا لا يرحم زوجته، كان يواصل معها الجنس رغم أنفها فكانت ترفع رجليها وتدعو عليه !!..وهو لا يكف ولا يعف ولا ينهدّ ولا يرتدّ ، فاضطرت الى أن تشكوه الى سيده أنس بن مالك ، فتوسط بينهما أنس بن مالك على اساس ستة أشواط فقط فى اليوم والليلة.!!.وابكوا على حالكم يا شباب اليوم ..!
وحتى لا يسقط الشباب فريسة الاحباط نبشرهم بأن رائحة الكذب تفوح من هذه الرواية حتى لو صدقها ابن القيم ، فقد روى ابن القيم ما هو أكذب منها ، وهى تلك الرواية التى يقول فيها خالد الحذاء: (لما خلق الله آدم ، وخلق حواء قال له : يا آدم اسكن إلى زوجك ـ أى باشرها جنسيا ـ ، وبعدها قالت له حواء : يا آدم ما أطيب هذا، زدنا منه!!)
أي كان الراوي (الكذاب) خالد الحذاء حاضراً لأول لقاء جنسي بين آدم وحواء ؟!!
أمثال تلك الروايات ـ وأكثرها كاذب ـ هي التي شكلت ثقافة السلفيين في فقه النصف الأسفل ، وقد تشربها الشعراني الذي ربط بين الجنس والتدين، على عادة السلفيين الأوائل، خصوصاً وهم الذين أشاعوا أحاديث كاذبة عن النبي صلى الله عليه وسلم تنتهك حرمته الخاصة، وعلاقته بأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، وتفتري تلك الأحاديث الضالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطي قوة ثلاثين رجلا في الجماع، ثم جاء الغزالي فأفاض في هذا الإفك بطريقة أخرى مغايرة تؤكد دعوته فى اعتزال النساء، فيزعم في "إحياء علوم الدين" أن النبي محمدا عليه السلام شكا إلى جبريل ضعفه عن الوقاع، فدله "على أكل الهريسة"!! فاصبح أكل الهريسة دواء لكل عليل منكوب فى أعز ما يملك. وهذا طبعا قبل اختراع الفياجرا ..
ولم يكتف الصوفية بهذه الروايات المختلفة عن الجنس بل أضافوا عليها عقيدتهم في الحلول والإتحاد بالله ( تعالى عن ذلك علواً كبيراً ) خصوصاً فيما كتبه ابن عربي في " فصوص الحكم " الذي اعتبر اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة شهوداً لله ( تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ) وقد فصلنا هذا فى الجزء الثالث من كتابنا عن التصوف المملوكى..
ثالثا
وإذا قرأت ما كتبه الشعراني ( بعد أن أصبح مشهوراً وأكبر فقيه صوفي ) عن السيد البدوي في الطبقات الكبرى،تجده متأثراً بهذه التجربة الجنسية في ضريح البدوي، كما تحس بامتنانه للبدوي، وحرصه على تأليف الكرامات التي توثق العلاقة بينهما.
فالشعراني يزعم أنه ذهب مع الشيخ محمد الشناوي إلى ضريح السيد البدوي فى طنطا لأخذ العهد عليه فى ضريحه، يقول: " فخرجت اليد الشريفة من الضريح وقبضت على يدي"، وطلب الشيخ الشناوي أن يتولى البدوي برحمته الشعراني، ويزعم الشعراني أن البدوي تكلم من تحت الضريح " فسمعت سيدي أحمد من القبر يقول نعم"، ويستمر الشعراني في مزاعمه فيقول: " ثم إني رأيته بمصر مرة أخرى هو وسيدي عبد العال، وهو يقول زرنا بطندتا، ونحن نطبخ لك ملوخية ". وواضح تخصص كرامات السيد البدوى فى الملوخية، فهى المرة الثانية التى يطبخ فيها السيد البدوى ملوخية للشعرانى. يخرج خصيصا من قبره ليطبخ له ملوخية.. فهل كانت الملوخية مهمة عندهما الى هذا الحد ؟
ويقول الشعرانى يحكى عن نفسه : " وتخلفت عن ميعاد حضوري للمولد سنة ثماني وأربعين وتسعمائة، وكان هناك بعض الأولياء، فأخبروني أن سيدي أحمد (البدوي) كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح، ويقول أبطأ عبد الوهاب (الشعراني) ما جاء .." .أي أن البدوي في ضريحه كان قلقاً ومشتاقاً لرؤية عبد الوهاب الشعراني .. وهىّ أكاذيب ربما لم تخطر ببال أبليس نفسه.
هذا يدفعنا إلى تساؤل: لماذا يستسهل الشعراني، وغيره من الشيوخ الصوفية والسلفيةهذا الكذب الصارخ وتأليف تلك الروايات الساذجة المضحكة؟: والإجابة طويلة، ولكن نوجزها في أن جوهر الإسلام هو إخلاص الدين لله تعالى وحده، وهذا يناقض الاحتراف في الدين، أي أن تطلق على الناس لحيتك، وتطالبهم بثمن تدينك المظهري في شكل أموال أو جاه، وسيطرة اجتماعية أو دينية أو سياسية، ليس في الإسلام شيخ أو رجل دين يأكل أموال الناس بالدين، وإنما في الإسلام رسول، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسأل الناس أجراً، والله تعالى يقول:{اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون} يس21. هذا الاسلام العظيم ولى وانتهى وحل محله أديان أرضية تحترف الضحك على الناس وأكل أموالهم بالباطل. و باختفاء الاسلام وحلول تلك الأديان الأرضية محله ـ من سنة و تصوف وتشيع ـ سادت الخرافة الدينية ، وأصبح كل ما يرويه الشيوخ حقائق لا يستطيع أحد مناقشتها مهما بلغت سخافتها أو إفتراؤها. و السبب أن أولئك الشيوخ ينسبون علمهم الى الله تعالى ، إما بالعلم اللدنى ـ أو الكشف ـ كما يزعم الصوفية ، وإما بالوحى ، أى نسبة كلام للنبى محمد أو لله تعالى ثم اعتباره وحيا على أساس ان السنة وحى ، وهم يتعيشون بهذه الأكاذيب ، وينالون بها الحظوة ، ويتمتعون بالتصديق مهما قالوا من خرافات ساذجة ، وهم يرتزقون من هذا الخداع و(النصب) .
عفواً.. فإن تعبير النصب على الناس ليس من عندنا ، ولكنه تعبير الشعراني نفسه، يقول في كتابه "البحر المورود"( يعلم الشيوخ حرفة النصب " ينبغي للشيخ ـ إذا لم يعلم في جماعته الصدق في طلب طريق الله تعالى ـ أن ينصب لهم حتى يقوي يقينهم، وأجره على الله تعالى ، وصورة نصبه أن يقول: عندي فقراء صالحون، ويعني صالحون للجنة أو النار، ومقصودي أحد من أهل الخير يبرهم بشيء من الخبز أو شيء من العسل، ثم إذا جاء ذلك المحسن يوما إلى زاويتهم فليأمرهم بالاشتغال بالذكر والقرآن حتى يداوم عليهم ذلك البر، وإلا تحول قلب ذلك المحسن عنهم، وقال: في سبيل الله حسنتي لهؤلاء، يا ليتني أعطيتها لغيرهم!! ) والكلام واضح ولا يحتاج الى شرح.
في نفس الكتاب يقول الشعراني:" ينبغي للشيخ إذا رأى نفسه قد صار قليل الصيد للفقراء ـ أي الصوفية ـ أن يعلنهم بسبب توقف الرزق"، ويعترف الشعراني بأن زوايا الشيوخ قد "صارت مصيدة للدنيا" أي أصبحت مشاريع للنصب لأكل الدنيا باسم الدين .. وهذا لا يختلف كثيراً عن النصب الذي حدث في عصرنا ، بداية من جمع الأموال لإنشاء مساجد للتطرف، ومرواً بشركات توظيف الأموال، وانتهاء بتوظيف الأموال للإرهاب باسم الإسلام المظلوم!!
رابعا
لكن هل بعدنا عن الموضوع الأصلي ؟ كلا .. لأننا لا نزال مع الشعراني ، ومشكلته وحرفته، وقد رأينا اعترافه بالنصب، كأحد لوازم الاحتراف الديني، وقد قام بتوظيف خبراته في أهم طرق النصب، وهىّ الشفاء لمن يتوهم في نفسه العجز الجنسي، وطبقاً للشائع في عصور التخلف ، فإن شيوخ الدجل هم الأطباء المختصون، والتمائم، والحروز والأحجبة هي الدواء الشافي، وأصبح الشعراني أعظم طبيب، لأنه أصبح أشهر الأولياء، ووصلت شهرته إلى اليهود والنصارى، فانهالوا عليه بمرضاهم، وعلى عادته يبالغ، فيجعل الجن أيضا من رواد عيادته والملتمسين لبركته، وهو يفتخر في كتابه "لطائف المنن ـ الكبرى" فيقول : "ومما أنعم الله تبارك وتعالى به علىّ اعتقاد كثير من الإنس والجن واليهود والنصارى فيّ الصلاح وإجابة الدعاء"، ويقول : "وإذا علمت ذلك فمن جملة اعتقاد المسلمين في أنني أعطي أحدهم القشة من الأرض إذا طلب مني الدعاء لمريضه، أو كتابة ورقة، وأقول له بخّر المريض بها، فيفعل ذلك، فيحصل له الشفاء، فأعرف أنه لولا شدة اعتقاد أحدهم ما شفى الله تعالى مريضه بدخان تلك القشة، فإن الأمور تجري بها المقادير الإلهية سرعة وبطئاً، بحسب قوة الاعتقاد وضعفه، ووقائعي في ذلك كثيرة وشهيرة، ومن جملة اعتقاد اليهود والنصارى أنهم يطلبون مني كتابة الحروز لأولادهم ومرضاهم، فأعطي أحدهم القشة فيبخر بها مريضه، فيحصل له الشفاء، فأتعجب في اعتقادهم مع اختلاف الدين، وكثيراً ما أقول لهم :لما لا تسألون رهبانكم وعلماءكم، فيقولون: أنت أعظم عندنا من البطرك، ومن جميع أهل ديننا".
لقد طبقت شهرة الشعراني الآفاق منذ النصف الثاني للقرن العاشر الهجري، ولم يكن المسلمون وحدهم ضحية هذه الشهرة،بل كانت مصر كلها "بوحدتها الوطنية"، فاليهود والنصارى اعتقدوا في كراماته ومعجزاته، وقد اضطرتهم ظروف المرض والعجز لالتماس العلاج منه، وكان العجز "الجنسي" ـ بلا شك ـ في مقدمة تلك الأمراض، والعلاج كله قائم على الإيحاء أو الاعتقاد النفسي، كما يعترف الشعراني، وهو المريض السابق ، والمثل الشعبى المصرى يقول ( إسأل مجرب ولا تسأل طبيب ) فمابالك اذا كان المجرب هو نفسه الطبيب ؟.
خامسا
وهذا الاعتقاد النفسى هو أساس العجز الجنسي أوسالقوة الجنسية. بالاعتقاد النفسى المتخلف فى الدجالين و النصابين من الأولياء و الشيوخ فان الرجل مكتمل الصحة والعافية والذكورة يسقط فى بئر العجز الجنسى إذا اقتنع بقدرة الشيخ أن يصادر قدرته الجنسية .
وهنا مكمن الخطورة، فأنت حين تعطي عقلك أجازة وتعتقد في الخرافة ، فإنك في الحقيقة تكون ضحية نموذجية للدجالين والأمراض الوهمية، والاضطراب النفسي ، أما إذا أسلمت لله تعالى وحده عقلك وقلبك، وأخذت أيضا بالأسباب في أمور الدنيا ، وتقبلت القضاء المحتوم بصدر رحب قائلاً: " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا "،فانك ستعيش في توازن نفسي تقابل به المصائب والأفراح في اعتدال ومشاعر هادئة، طالما تؤمن بأن الحتميات القدرية مكتوبة ولا فرار منها ولا بد من الصبر عليها وتجاوزها ، يقول تعالى " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم "الحديد 22 ، 23 . أي تسعى بعقلك وعلمك وتدبيرك في الأرض متوكلاً على الله، ثم ترضى بالقضاء والقدر، وهذا هو موجز التوازن النفسي في الإسلام.
أما في دنيا الاحتراف الدينى فى الأديان الأرضية فالضحية معلق بالشيوخ وأساطيرهم ورواياتهم، إذا أوهموه أنه مريض شعر بالسخونة، وإذا جاءه صداع اعتقد أن ذلك من غضب الأسياد عليه،وإذا كان ذلك يحدث أحياناً في بعض الأمراض العضوية بطريق الإيحاء، فإنه بالتأكيد يحدث في موضوع العجز الجنسي للرجل المكتمل العافية، لأن الجنس عند الرجل قائم اساسا على النفس ، وليس الجسد سوى تابع للحالة النفسية.وهنا يكمن الفارق بين الجنس عند الحيوان و الانسان.
الجنس عند الحيوان هو لمجرد حفظ النوع ، لذلك يمارسه بالغريزة ، و ليس عليه حساب او مؤاخذه فى ممارسته للجنس. الجنس عند الانسان للمتعة و للانجاب ايضا ، لذا هو محاط بالحلال والحرام والتقاليد والعادات. ولأن منبعه النفس فلا بد من التهيؤ له عند الرجل وعند المرأة. واذا كان الرجل يملك ـ ظاهريا ـ زمام المبادأة والمبادرة ، فهو مأمور فى القرآن بأن يقدم لنفسه ( البقرة 223 )، وهو أجمل تعبير يقال عن مقدمات الفعل الجنسى بين الزوجين ،لأنه بتلك المقدمات يستمتع الزوج ـ اى أنه فى الحقيقة يقدم لنفسه حين يهيىء زوجته جنسيا قبل أن يقع عليها . ليست المرأة مأمورة فى القرآن بأن ( تقدم لزوجها ) لأنها تفعل ذلك بطبيعتها حين تريد اللقاء الجنسى ، وغالبا ما تحقق ما تريد ، فإذا تزينت و تجهزت أصبح على الزوج المسكين أن ينصاع رغم أنفه ، وإلا صارت حربا سريرية قد تتطورلتصل الى القضاء تحت شكاوى مزعومة لا تمت للسرير بأى صلة .!!
بدون التهيؤ الجنسى النفسى لا ينتصب الرجل. تخيل نفسك سائرا ففوجئت بامرأة عارية ـ لن تحس إلا بالمفاجأة والخجل. إحساسك حين ترى ساق أختك أو أمك أو ابنتك ليس هو نفس الاحساس اذا كانت هذه الساق لفلانة ممثلة الاغراء. تخيل نفسك تسير خلف امرأة محترفة تتمايل أمامك لاغرائك وانت منبهر بجسدها المتراقص ، وفجأة تصدمها سيارة ويتحول جسدها الذى كان يبهرك من لحظات الى كتلة من اللحم والدماء.. هل ستظل منبهرا فاغر الفم من الاعجاب أم ستتقايأ من الصدمة ؟
لو كان الجسد هو الفيصل فى الشهوة الجنسية لانمحت الفوارق بين الانسان والحيوان ، ولكن النفس هى العامل الأساس فى الجنس ، والجسد هو مجرد المجال الحيوى للنفس فى ممارسة الفعل الجنسى. وعليه فاذا كانت النفس مريضة بالتخلف الدينى ،وتعتقد فى كرامات الأولياء ومقدرتهم على سلب القدرة الجنسية فان صاحب هذه النفس المريضة سيظل (مربوطا ) حتى لو كان فى قوة الثور...سيظل مربوطا مثل أى ثور...ولن يكون علاجه إلا بالايمان الصحيح ، أى بالتحرر من خرافات الأديان الأرضية..
إن من إعجاز القرآن الكريم أنه تحدث عن مرض الجسد ومرض النفس وشفاء هذا وذاك. فهناك مرض حسى ، أباح الله تعالى فيه التيسير فى اداء الفرائض: ( البقرة 184 ،196)( النساء43 ،102) (المائدة 6) (التوبة 91 )(النور61 )(الفتح 17) (المزمل 20). وهذا المرض الحسى له شفاء حسى بيد الله تعالى (الشعراء ـ 80 ـ ) وبالتداوى (النحل 69 ).
وهناك مرض معنوى يصيب القلب والفؤاد و الصدور ـ وكلها مصطلحات تعنى النفس البشرية التى تتحكم فى الجسد وتسيره . وهذا المرض المعنوى هو تقديس البشر والحجر، وجاء ضمن صفات المنافقين والكفار: (البقرة 10) ( المائدة ـ 52 )( الانفال 49 ) (التوبة 125 )(الحج 53 )(النور 50 )( الأحزاب 60 ) ( محمد 20 )( المدثر 31 )ومدمنى الزنا ( غافر19 )(الاحزاب 32 ).
وهذا المرض المعنوى العقيدى و السلوكى له شفاء معنوى مناقض له ، وهوالهداية بكتاب الله تعالى (يونس 57 ) فهو الموعظة وهوالشفاء لأمراض الصدور وهو الرحمة للمؤمنين . ولكن لا بد أن تطلب الهداية من القرآن الكريم لتنالها ، فإذا دخلت عليه لتتلاعب بآياته ـ كما يفعل أصحاب الديانات الأرضية من المسلمين ـ أزددت بالقرآن خسارا( الاسراء 82 ) (فصلت 44 ).
ومن الخسران الهائل أن يضع ابليس أصحاب الديانات الأرضية فوق أصبعه وهم يحسبون أنهم مهتدون ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ، و يحسبون أنهم على شىء.!!. بينما هم فى الواقع فى حالة ربط عقلى.. وجنسى ..