تحالف الأمريكان والإخوان

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٩ - يوليو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

تحالف الأمريكان والإخوان

 

1 ـ أنفقت أمريكا مئات البلايين فى حربيها فى العراق وخرجت منه وقد تحول العراق الى ضيعة إيرانية.  كسبت إيران فى تنافسها مع الامريكان ، ولم يدفع الايرانيون شيئا بينما دفع الأمريكان الكثير من دمائهم وأموالهم وكرامتهم . وتمددت إيران  الى العراق بعد أن أزال الأمريكان حاجزا هائلا إسمه صدام حسين . تمدد النفوذ الايرانى الشيعى ليشمل  سوريا والعراق وحزب الله فى لبنان و شيعة اليمن الزيدية والحوثيين الى شيعة الخليج والسعودية وهم السكان الأصليون لمناطق البترول حول الخليج ( الفارسى ) ، وانتعش شيعة مصر وشمال أفريقيا والمغرب ..ومقابل هذا وصلت سمعة أمريكا الى الحضيض فى البلاد العربية ومعها عملاؤها من مبارك الى شيوخ السعودية والخاليج بينما أصبح حسن نصر الله فى أوج تألقه .

2 ـ جاء الربيع العربى فتحركت أمريكا تؤيده فى حذر ، ثم عملت على استغلاله بمغازلة البديل القادر على أن يحلّ محل عملائها المتساقطين من مبارك الى صالح وبن على زين العابدين . ومصر هى واسطة العقد . والاخوان فى مصر هم المؤهلون للقفز فوق السلطة ولا يدانيهم فى التعطش للسلطة التى انتظروها ثمانين عاما إلّا تعطش الأمريكان الى ملء فراغ مبارك بحليف أو خادم يساعدها فى إعادة ترتيب المنطقة بما يحجّم النفوذ الايرانى ويمنع خطره على اسرائيل وعلى حقول البترول . لذا كان التحالف ضروريا بين الأمريكان والاخوان . خصوصا وأن من الواضح أن الشرق الأوسط على وشك إعادة لرسم خريطته ، وتريد أمريكا إعادة رسم خريطته بما يقلّص النفوذ الشيعى الايرانى وبما يحمى مصالحها ومصالح حلفائها فى تركيا والخليج ( الفارسى ).

3 ـ. بعد الحرب العالمية الأولى خلقت سايكس بيكو دول العراق وسوريا ولبنان ، بعدئذ ثم تخليق السعودية واسرائيل . وفى رسم تلك الحدود دفع الثمن الشيعة والأكراد ، وهما معا السكان الأصليون فى المناطق التى يعيشون فيها .

4 ـ عاش الأكراد فى مناطقهم حتى قبل الفتح العربى ، ولكن اتفاقية سايكس بيكو حرمتهم من تأسيس دولة تجمعهم ، فجعلتهم كالأيتام على مأدبة اللئام ، وتوزعوا أقليات فى العراق وسوريا ، و فى تركيا وايران ، وعانوا من إضطهاد القومية الفارسية فى ايران والقومية العربية فى سوريا والعراق ، ولقد حصلوا بعد نضال شاق قاده مصطفى البرزانى ثم مسعود ابرزانى و جلال الطالبانى على بعض حقوقهم فى العراق.  ولكن كان أكراد سوريا المسالمين أسوأ حالا ، حرمهم نظام الأسد  من الحصول على الجنسية والهوية . ولكن من الممكن أن يتغير الوضع فى سوريا مع رسم جديد للخريطة بعد سقوط الأسد وبعد تأكد الوضع الكردى فى العراق . ولو أقيمت للأكراد دولة فى سوريا فسيشكل هذا خطرا على تركيا  وإيران .

5 ـ السكان الشيعة هم أصحاب مناطق النفط فى الخليج والسعودية ، وهم أغلبية فى مشيخات الخليج ، وأغلبية فى مناطقهم التى تسيطر عليها الأسرة السعودية . وقد تحركوا ثائرين فى البحرين  فوقفت لهم السعودية وأمريكا بالمرصاد خوف تغلغل النفوذ الايرانى الى الخليج وسيطرة إيران على منابع البترول .  أى إنّ أمريكا التى تقف مع ثورة مصر وسوريا وليبيا وتونس تنكرت لثورة الشيعة فى البحرين وتقف ضد حقوق الشيعة فى السعودية والخليج نكاية فى إيران وتمسكا بقواعدها هناك والبترول . الدول الكبرى ليست مؤسسات خيرية ولكنها صاحبة مصالح ، والسياسة الأمريكية هى مع مصالحها وليس مع مبادئها . لذا فطالما تحتاج الى التحالف مع الاخوان فلا مانع لديها من التحالف حتى مع الشيطان طالما يحقق أهدافها فى حصار ايران وحماية نفوذها وقواعدها العسكرية فى قطر ومصر واليمن وغيرهم .

6 ـ روسيا ـ  التى تنافس أمريكا ـ تؤيد نظام الأسد فى سوريا حرصا على سلاحها وقواعدها على البحر المتوسط ، كما تتحالف روسيا  ـ ضمنا ـ مع ايران حتى تظل ايران مشدودة نحو الغرب حيث العرب والمسلمون ، وتظل منشغلة بهم عن أن تمد نفوذها شمالا وشرقا فى مناطق كانت تابعة ثقافيا فى العصور الوسطى لايران ثم دخلت فى الاتحاد السوفيتى ، وبعد إنهياره تريد روسيا أن تحافظ على ولايات الاتحاد السوفيتى القديم مجالا حيويا لها خصوصا ما يقع منها على سواحل بحر قزوين وبتروله متاخما لايران . أى لو استدارت إيران نحو الشرق والشمال لدخلت فى مواجهة مع روسيا ومجالها الحيوى لذا لا بد أن تظل ايران منشغلة بالعراق والخليج وأمريكا ولبنان واليمن . ثم إن التطرف السّنى يهدد روسيا فى الشيشان وفى غيرها من مناطقها الحيوية ، ولا بد أن تواجهه فى منابعه الأصيلة فى الشرق الأوسط بالتعاون مع إيران الشيعية .  

7 ـ وإذا كان هذا هو ما تريده روسيا حماية لأمنها القومى ومجالها الحيوى فإنّ غريمتها أمريكا تريد العكس . وبالتالى تحتاج أمريكا الى التحالف مع الاخوان المسلمين ليس فقط لمواجهة إيران وليس فقط لأن إيران بمشروعها النووى تهدد الخليج واسرائيل ، ولكن لسبب آخر هو الحد من خطر القاعدة . فالقاعدة تنتمى دينيا ومذهبيا للوهابية التى تجمعها بالاخوان والسلفيين . والتحالف مع الاخوان يضمن تقليل خطر القاعدة بالنسبة لأمريكا ، بل ربما يهدد بتفكيكها طالما لم تعد أمريكا الشيطان الأكبر .

8 ـ الثورة السورية ضد الأسد أكّدت ضرورة التحالف بين الأمريكان والاخوان . الأقلية العلوية الشيعية هى التى تتحكم فى الأغلبية السنية من العرب والأكراد ،وهى لا تعرف الحدود أو القيود فى وحشيتها فى التعامل مع السنيين ، فكان ردّ الفعل قيام الاخوان المسلمين السوريين بالمقاومة . ولأن روسيا تدعّم الأسد  كان لا بد لأمريكا من مساندة الاخوان المسلمين السوريين . ونجاح الاخوان المسلمين فى الوصول بالانتخابات الى حكم مصر يشجع أمريكا على التحاف معها لتأكيد تحالفها مع إخوان سوريا لتنتزع سوريا من النفوذ الروسى ، ولتخنق حزب الله الذى يهدد اسرائيل .

9 ـ بسقوط نظام الأسد ستواجه سوريا واحدا من إحتمالين : اللبننة أو الصوملة . اللبننة أى تحول سوريا الى دولة طائفية مثل لبنان يتقاسم السلطة فيها السنة والشيعة والأكراد وبقية الملل والنحل حسب نسبة السكان وتأثير وقوة كل طائفة . وهو حلّ متعذر . ففى الحالة اللبنانية لم يكن الاحتقان الطائفى شديدا فى جبل لبنان قبيل قيام دولة لبنان واستقلاله ، لذا كان الاتفاق السلمى بتوزيع السلطة بين الطوائف بتفاهم بينها وبرعاية فرنسا وأوربا وأمريكا . هذه اللبننة لم تعد صالحة لسوريا بعد مجازر بشار الأسد ، وبعد نشوب الحرب الأهلية وتحولها الى ( حرب وجود ) ، وانتشار السلاح بين الميليشيات السنية الوهابية ، وتدخل أطراف عربية واقليمية ودولية . يبقى الخيار الوحيد هو الصوملة ، وهو تقسيم سوريا بعد القضاء على النظام العلوى الى دويلات ثلاث ، دولة علوية على ساحل البحر المتوسط مقرها اللاذقية حيث تركز الطائفة الشيعية العلوية ، وحيث يمكن تواصلها بحرا بحزب الله فى لبنان ، وحيث تضمن روسيا حمايتها عن طريق قواعدها العسكرية فى الساحل السورى . ثم دولة سنية تمتد من دمشق الى حلب وحماة وحمص تتاخم العراق وتتحالف مع السنيين العراقيين ، ودولة كردية فيما تبقى فى أماكن تركز الاكراد .

10 ـ وبالطبع سيستلزم هذا صعوبات داخلية دموية أقلها نزوح السكان الشيعة من المناطق السنية خوف الاسئصال الى منطقة الشيعة ، وهكذا بالنسبة للسنيين والأكراد . كما إن تقسيم سوريا سيواجه باعتراض تركى خشية أن يؤثر هذا إيجابا على النضال الكردى داخل تركيا والذى لم يهدأ بالرغم من إعتقال زعيمهم عبد الله أوجلان .ولكن أكراد العراق سيرحبون بدولة أكراد سوريا . الخاسر فى صوملة سوريا ستكون إيران ليس فقط فى هزيمة حليفها بشار الأسد ولكن فى تقليص سوريا ونظامها العلوى الشيعى الى مجرد دويلة على المتوسط ، بالاضافة الى خلق حاجز سنى مانع يحول بين الذراع الايرانى ووصوله  الى شيعة سوريا ولبنان . كما إن ايران لن تكون سعيدة بقيام دولة كردية فى سوريا ، ومهما كانت الاختلافات بينها وبين تركيا فستتفق معها فى معارضة نشوء دولة الأكراد السورية ، بل فى منع تقسيم سوريا أساسا .

11 ـ ولكن تقسيم سوريا هو فى مصلحة أمريكا واسرائيل . فهو ينهى مقدما موضوع الجولان ، ويقلّص نفوذ إيران ، ويحمى إسرائيل ، فلن يكون على حدودها دولة موحدة بل عدة دويلات مفككة ستتفرغ لبناء مقوماتها أو للتنازع المسلح بينها .

12 ـ  الفائدة الكبرى لأمريكا وإسرائيل هو التحول النوعى فى الحرب . ستنهى الحرب ضد العدو الأمريكى الصليبى وحليفه الصهيونى ، وسيحلّ محلّها الحرب المذهبية الشيعية السنية . وستنتعش مصانع الأسلحة الغربية وسيدفع الثمن السعودية ودول الخليج ، أى سيقتتل العرب المسلمون بأسلحة غربية دفعوا هم ثمنها بأموالهم لتسيل دماؤهم بأيديهم وأموالهم .. هل هناك غباء أكثر من هذا ؟  لذا فإن من مصلحة أمريكا إطالة زمن الحرب حتى لا يكون هناك مجال بعدها للمصالحة أو اللبننة ، وحتى لا يكون هناك بديل سوى الصوملة ، لأنّ تقسيم سوريا وتحولها الى دويلات سيخلق مناطق نفوذ أمريكية واسرائيلية تحاصر النفوذ الايرانى وتخنق الدويلة الشيعية التى سيتجمع فيها الشيعة دراءا للإستئصال . ولأن من مصلحة أمريكا إطالة الحرب الأهلية فستكتفى بالتأييد السياسى والدعائى للثوار وجيشهم الحرّ ..و ستستنزف أموال قطر والسعودية والخليج فى تسليح هذا الجيش . لن تتدخل أمريكا والناتو بجيش كما حدث فى ليبيا لأنه ليس فى سوريا بترول ، ولأن أمريكا تعلمت درس العراق وأفغانستان ، ثم إن هذا التدخل العسكرى بكل تكلفته البشرية ليس فى مصلحة أمريكا التى تتمنى تقسيم سوريا وليس توحيدها ودمقرطتها .

13 ـ تنفيذ هذا المخطط لا يكلف أمريكا سوى بعض التصريحات ، وأن تمتنع عن تدخلها العسكرى فى سوريا . بل ستجنى منه مكاسب هائلة سياسية واقتصادية تضمن لها عقودا من السيطرة على البترول وحصار النفوذ الروسى الايرانى وحماية حليفتها إسرائيل .

14 ـ ولكن تنفيذ هذا المخطط يستلزم التحالف مع الإخوان فى مصر . مصر ( الاخوانية ) ستتيح لأمريكا تنفيذ خطتها فى إعادة رسم خريطة المنطقة وبرعاية السعودية رائدة العالم السّنى .

اجمالي القراءات 14664