الذين صعد أوباما على أكتافهم!

سعد الدين ابراهيم في السبت ٢١ - يوليو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

ما كان لباراك حسين أوباما أن ينجِز انطلاقه الصاروخى خلال خمس سنوات، ما لم يكن قد سبقه خلال العقدين السابقين مباشرة (1985-2005) مجموعة من نجوم السينما، والإعلام، والدين، والرياضة، والسياسة، من ذوى نفس الخلفية العرقية، الأفرو-أمريكية الذين اكتسبوا شعبية، لا فقط بين الأمريكيين السود، ولكن أيضًا بين الأمريكيين البيض. أى أن صعود أوباما، والقبول الواسع الذى تمتع به سنة 2008، كان لا بد أن يمهّد جيلا كاملا من الأمريكيين الأفارقة.

فإلى أوائل ستينيات القرن العشرين، لم يكن معروفًا على المستوى القومى الأمريكى إلا عدد محدود من الأمريكيين الأفارقة، رغم أن عددهم فى الولايات المتحدة فى ذلك الوقت كان يتجاوز خمسة وعشرين مليونًا. فهم كانوا وما زالوا أكبر الأقليات العرقية فى الولايات المتحدة.

من ذلك أن المشاهير منهم، خارج مجال الرياضة، كانوا يُعَدُّون على أصابع اليد الواحدة. وحتى فى مجال الرياضة، فلم يكن هناك إلا رياضات محدودة كانت مفتوحة أمام الأمريكيين الأفارقة مثل الملاكمة، وكرة السلة، وكرة القدم (الأمريكية). وكان الأطفال السود ينشؤون على أمل أن ينجح أى منهم فى هذه الرياضات الثلاث كهواة، أولاً. ثم يحترفوا بعد ذلك، ويحققوا بعض الثراء.

وعرف المجتمع الأمريكى مثلاً نجومًا من الأفرو-أمريكيين فى مجال الملاكمة مثل كاشيوس كلاى، الذى اعتنق الإسلام، وغيّر اسمه إلى محمد على. وفى رياضة كرة السلة برز نجم آخر حذا حذو محمد على، واعتنق الإسلام، وغيّر اسمه إلى كريم عبد الجبار. وفى رياضة كرة القدم الأمريكية برز اسم أوجى سمبسون. وكان يلاحَظ أن من عوامل الشهرة والقَبُول لهذه الأسماء إلى جانب مهاراتهم الرياضية، عاملين إضافيين: العامل الأول هو المهارة اللغوية الاتصالية. والعامل الثانى هو ملامحهم الدقيقة الأقل «زنجية».

فبالنسبة إلى العامل الأول، ظلت هناك لغة إنجليزية بلكنة مميزة اتصف بها الزنوج منذ عهد العبودية، ولم تكن سهلة الفهم على بقية الأمريكيين البيض، خصوصا فى الولايات الشمالية والغربية. وعمّق من استمرار الرطانة بينهم، حرمان معظمهم من التعليم النظامى، الذى يتضمن الأدب والعلوم الاجتماعية. لذلك كان من ينجح من الزنوج فى التعليم النظامى، تتغير لغته الإنجليزية، وتفقد رطانتها الزنجية، وتقترب من اللغة الشائعة بين الأغلبية البيضاء، ويسهل الاتصال والتواصل والقَبول، بهم ومعهم.

وبالنسبة إلى العامل الثانى، فإن الصفات والسمات الزنجية المميزة كانت تشمل لون البشرة السوداء، والشعر الأجدع، والشفاه الغليظة. وهى العكس تمامًا من نمط السمات والصفات البيضاء لا فقط لون البشرة، ولكن أيضًا من حيث نعومة وانسياب الشعر، والشفاه الرقيقة، والعيون الملونة وملامح الوجه الدقيقة. ويلاحظ أنه كلما اقتربت صفات وملامح الأفرو-أمريكى من مثيله الأبيض، سهّل ذلك قبول صاحبه لدى الأغلبية البيضاء. أى أن هذه الأخيرة تكون أكثر تقبلاً لمن يقاربها لغةً وشكلاً. وينطبق ذلك على معظم من اشتهر من الزنوج الأمريكيين الأفارقة. وغالبًا ما يكونون نتاجًا للقاح مختلط فى البداية بين إناث الرقيق وأسيادهم البيض. وفى العقود الأخيرة نتيجة الزواج المختلط.

وينطبق ذلك على حالة باراك أوباما، فوالده جاء إلى الولايات المتحدة من كينيا، بشرق إفريقيا، فى بعثة دراسية، عام 1959، حيث جامعة هاواى. وهناك صادق أمريكية بيضاء، من أصول أيرلندية كاثوليكية، انتهت بزواجهما، وإنجاب الطفل باراك. وجاءت ملامح هذا الطفل خليطًا، فبشرته ليست سوداء داكنة مثلما كانت بشرة أبيه حسين، ولكنها ليست فى بياض بشرة أمه. لذلك سمعنا من بعض الأفارقة الأمريكيين فى بداية حملة الانتخابات الأولية من يقول إن باراك أوباما ليس «أسود» بما فيه الكفاية! وسمعنا بعض المتحمسين له من الأغلبية يقولون إن باراك أوباما «أبيض ثقافيًّا»!

ولكن الشباب الجامعى الأمريكى هم الذين انبروا للعمل فى حملة باراك أوباما. وفعلوا ذلك من خلال قيام كل منهم بالتبرع للحملة بعشرة دولارات. ونجحت الحملة فعلاً فى إيصال باراك أوباما إلى البيت الأبيض، عام 2008.

تأتى هذه المقدمة الطويلة تمهيدًا للحديث عن المعركة الانتخابية الرئاسية فى الولايات المتحدة، المقرر لها يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر كل أربع سنوات، أى بعد خمسة أشهر. وتحتدم المنافسة هذا العام بين باراك أوباما، عن الحزب الديمقراطى، وميت رومنى، حاكم ولاية ماساتشوستس السابق، عن الحزب الجمهورى.

ولأن هناك بقايا عنصرية فى الثقافة والمجتمع الأمريكى، فإن هذا المتغير ربما يلعب دورًا هامًّا فى الانتخابات القادمة. وسيكون ذلك غالبًا لمصلحة المنافس الجمهورى. ولا سبيل أمام باراك أوباما للفوز فى حملة 2012، إلا بعد عودة الشباب الأمريكى المثالى للانخراط فى تلك الحملة.

وفى حديث مع مستشارى الرئيس أوباما فى أثناء الثورة المصرية، كان السؤال هو: من وراء تلك الثورة؟ كانت إجابتى هى: نفس مَن أوصلوا رئيسكم إلى البيت الأبيض، أى الشباب المصرى الجامعى، الذى يريد لمصر مستقبلاً أفضل. وكان ذلك أحد أسباب حسم الموقف الأمريكى لصالح الثورة المصرية. لذلك لزم التنويه.

وعلى الله قصد السبيل.

اجمالي القراءات 8019