مسمار جُحا

د. شاكر النابلسي في الأربعاء ٢٤ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-

للأقباط المصريين الحق كل الحق، في الاعتراض على المادة الثانية من الدستور المصري الحالي، التي تنص على "أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع المصري". وهم في واقع الأمر، لا يعترضون على أن يكون الإسلام والتشريع الإسلامي هو المصدر الأساسي للتشريع، لأن الإسلام بحد ذته، هو الحامي والحافظ لحقوق الأقباط ولكل المواطنين، كما هو الحامي للمسيحيين في الشرق العربي كله. وما العداء المفتعل بين الإسلام والأقباط والمسيحيين عموماً، إلا من فعل الفقهاء الدينيين السياسيين، وفقهاء السلاطين، الذين يُشكّلون الدين للناس، كما يُشكّل الخبّاز العجين، حسب طلب السوق، ورغبة الزبون. ولكن مخاوفهم من هذه المادة، أبعد من ذلك، وترتكز على عدة حقائق تاريخية، سابقة ولاحقة.

-2-

لقد أنصف الإسلام - كدين وقرآن - الأقباط، وعاشوا في ظله ردحاً من الدهر، كانت لهم فيها صعوبات، ولكنها صعوبات من فعل السياسة، ومن فعل الاقتصاد، وليست من فعل الدين. فربُّ المسلمين والأقباط واحد. وشمسهم واحدة، وقمرهم واحد، ووطنهم بالتالي واحد. وهم مواطنون وليسوا رعايا. ونساؤهم حرائر، ولسن سبايا. ووصف الذميّة الدونية لهم، كانت وصفاً سياسياً اقتصادياً مرحلياً مؤقتاً، ليس عابراً للتاريخ، وليس دينياً. صفتهم الدينية، أنهم "أهل كتاب"، مثلهم مثل المسلمين واليهود. ولكن الفقهاء هم الذين يثيرون بين وقت وآخر مخاوف الأقباط من الإسلام، ويرعبونهم لأسباب سياسية واقتصادية وكيدية كذلك. وكان آخرها كتاب محمد عمارة، الذي نشرته وزارة الأوقاف المصرية. وعندما أكتُشف بأنه مُسيّس ومدسوس، ويسيء إلى الأقباط، تمَّ حرقه حرقاً، وإعدامه إعداماً، بعد تعنّت شديد من محمد عمارة، ومن الأوقاف المصرية ناشرة الكتاب. ولم يحرقه الأقباط، بل أحرقه الضمير الإسلامي، الذي استيقظ في لحظة صدق وصفاء مع الذات.

من هنا، يعترض الأقباط على المادة الثانية من الدستور المصري، ويطالبون بتعديلها، حتى لا تُستغل سياسياً مستقبلاً ، من قبل حكام ضعاف نفوس، وتُتخذ ذريعة للتنكيل بإخوان لهم، هم في هذا الوطن قبل زمن طويل، من بزوغ الهلال في الجزيرة العربية.

-3-

اجمالي القراءات 13990