الأزهر و تحويل القرآن إلى مادة دراسية بحته

رضا عبد الرحمن على في الأربعاء ٢٤ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

إن المؤسسات التعليمية في أي وزارة  حكومية خاصة بالتعليم تحتوى على مجموعة من المواد (المناهج) الدراسية , وهذه المواد الدراسية بكل ما فيها من علوم وتاريخ ولغات ورياضيات ومنطق وأدب وفلسفة .. إلخ  من تأليف و صنع البشر, ونتاجا لمجهودات وأبحاث بشرية على مر التاريخ ..

ومن يقوم بالدراسة في هذه المؤسسات التعليمية يكون مطالبا بمذاكرة مجموعة من المواد الدراسية التي قام بتأليفها مجموعة من العلماء وخبراء التعليم وتحويلها إلى مناهج دراسية مبسطة  يستطيع طالب العلم أن يستوعبها ويذاكرها أو يحفظ كل ما فيها من محتويات فلسفية أو أدبية أو ثقافية علمية , وفى نهاية كل تيرم أو كل عام دراسي يدخل الطلاب ما يسمى بالامتحان الذي يتم من خلاله تقييم مستوى الطلاب وانتقالهم من فصل دراسي إلى فصل آخر ومن مرحلة دراسية إلى مرحلة أخرى , وهكذا ....

ومن خلال ثقافة التعليم في الدول النامية أو ما تسمى بدول العالم الثالث , وبالتحديد فى مصر , والتي تحول التعليم فيها إلى مجرد الحصول على شهادة ليس أكثر , وخاصة في العشرين سنة الأخيرة  فإن التعامل مع المناهج الدراسية وصل إلى درجة رديئة جدا ألا وهى قيام الطلاب بتقطيع الكتب تارة , ووضع الكتب في الحمامات تارة أخرى , وضع بعض الصفحات في الشراب , وكل ذلك هدفه الأساسي النجاح والحصول على الشهادة ...

وعلى الرغم إن مثل هذه التصرفات تسيء للتعليم ولثقافة هذه المجتمعات وإلى مدى الإنحدار الثقافي والأخلاقي الذي وصلت إليه , ولكن في النهاية هذه كتب علمية ليس فيها أي قدسية مثل الكتب السماوية التي نزلت بالتشريعات الدينية لهداية الناس , كما نزلت كي يتدبرها الناس حتى يعرفوا الحقائق الدينية المطلوبة منهم , وحتى يصلوا إلى بر الأمان  في الدنيا والأجرة ..

ولكن المصيبة الكبرى أن يتحول كتاب سماوي , كتاب دين , وآخر الكتب السماوية التي نزلت من عند رب العزة جل وعلا إلى مادة دراسية شانه شأن كتب الفيزياء والحساب والمنطق والفلسفة , يكون طلاب العلم مطالبون باجتياز امتحان عادى في هذا الكتاب السماوي الذي سيحاسبون على فهمه وتدبره يوم القيامة , ولن يحاسب أحد على عدم حفظه وتسميعه ..

تحول القرآن الكريم إلى مادة دراسية عادية , وكل ما يطلب من طلاب العلم تجاهه هو حفظ هذا الكتاب مثل أجهزة الكاسيت وعبور امتحانين فيه أحدهما شفويا والآخر تحريريا , وكما أشرت في البداية إلى كيفية تعامل طلاب العلم في دول العالم الثالث مع كتب العلم في الامتحانات  , وليس هناك أي فرق بين القرآن وغير ه من الكتب الدراسية الأخرى فهنا تلاشت الفوارق من ذاكرة الطالب لأنه يريد اجتياز الامتحان وخلاص , وهذا ما يحدث بالفعل في لجان الامتحانات من محاولات الغش للحصول على درجة النجاح على الأقل في مادة القرآن الكريم , ويدخل الامتحان الشفوي للحصول على درجة النجاح أيضا يبقى كده تمام , وطبعا يقوم الأستاذ الممتحن بالبحث عن الآيات المتشابهات في القرآن حتى يقيس درجة حفظ الطلاب لهذه المادة , ويسمونها في الأزهر مواضع الأسئلة في القرآن الكريم , ويجلس الطالب يرتعد أمام المدرس وكأنه هايقبض روحه , ولا يخلو الأمر من التريقه على الطالب الذي لم يسعده الحظ بحفظ  الأجزاء المقرره ..

إن تحويل القرآن الكريم كتاب التشريع وكتاب الدين للمسلمين إلى مادة دراسية تـُحْـفـظ وتـُسَـمّـع آخر العام مشكلة كبيرة يتم فيها إهانة كتاب الله الذي انزله على نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام وأمره بتبليغه وشرحه وتدبر معانيه وفهمها فهما واعيا مبنيا على البحث والدراسة , ليس مبنيا على الحفظ والتسميع كما يحدث في الأزهر ..

طلاب أحد الكليات بجامعة الأزهر يقومون بتقطيع ورق المصحف بدون اى وعى أو تقديس لكتاب الله , ويأخذون ما يقطعونه من ورق المصحف معهم داخل لجان الامتحان , ويضع حسبة في الشراب , وحسبة في الجيب  , وحسبة ماعرفش فين , المهم يكون ملغم هدومه بورق المصحف كما يفعل في المواد الدراسية الأخرى بهدف النجاح في الامتحان , ونسى الطالب المسكين الامتحان الأكبر يوم القيامة , ولكن الطلاب مساكين لأن مشايخ الأزهر السبب في وضع كتاب الله في هذه المنزلة التي لا تليق بقدسية القرآن الكريم الذي سنحاسب عليه جميعا أمام الله تعالى يوم القيامة ..

وقد يسأل أحد القراء كيف عرفت هذه الأخبار بالتفصيل .. ؟؟

أنا خريج كلية التربية جامعة الأزهر ورأيت بعيني زملائي في نفس لجنة الامتحان بدل المرة سبعة مرات ــ  يضعون ورق المصحف في الشراب لكي يغشوا منه وقت اللزوم , وعندما تحدث كبسة على اللجنة من احد الأساتذة يقوم الطالب بوضع ورق المصحف في فمه ومضغه وبصقه على الأرض أو من الشباك حسب موقعه فى اللجنة , أو يقوم بوضعه في الشراب أو رميه على الأرض حتى يخلى مسؤوليته تجاه هذا الورق الذي يسمى بمفهوم الامتحانات آنذاك ( براشيم )  , ولقد رأيت هذا بعيني في لجان الامتحانات داخل قبة الأزهر التي يدعى رجاله الدفاع عن الدين الإسلامي  والحفاظ على كتاب الله ..!!

وأقول رأيت هذا سبعة مرات بالتحديد لأنني دخلت امتحان القرآن سبعة مرات ..

وذلك بسبب عدم قدرتي على حفظ خمسة أجزاء وتسميعهم في كل عام دراسي ــ  شيء عجيب ما يحدث في الأزهر من إهانة واضحة لكتاب الله عز وجل ..

لماذا لا يحول الأزهر أسلوب دراسة القرآن إلى الأسلوب البحثي المبنى على التدبر والفهم , ولماذا لا يفكر رجال الأزهر في طريقة تتناسب مع كتاب الله حتى يتساوى مع كتب الحديث التي تدرس في الأزهر , ويطلب فيها أبحاث و دبلومات وماجستير ودكتوراه ويتم تفعيل هذه الأبحاث على الوجه الأمثل لأنها في التراث الذي أصبح أهم من كتاب الله تعالى ..

حتى الأبحاث التي قام الباحثون بعملها فى كتاب الله عز وجل لم يتم تفعيلها على الوجه الأكمل أو الاستفادة منها كما ينبغي , لأنهم ببساطة شديدة يحكمون على أبحاث القرآن بمقاييس التراث ولغته وحقائقه المذيفة القديمة..

وبالتالي إذا كانت نتيجة اى بحث قرآني تتعارض مع الحقائق التراثية البخارية القاطعة من وجهة نظرهم فإنهم يقومون بتعويم المسائل ونصر البخارى على كتاب الله ــ  حتى لا يتم المساس بصحيح البخاري الذي أصبح أكثر أهمية عند المسلمين من كتاب الله عز وجل  ..

 

 

..

لماذا لايسند لطلاب الأزهر البحث في كتاب الله والخروج بما يفيد بدلا من تحويل الطلاب إلى أجهزة كاسيت لا تفكر ولا تعقل ولا تفهم شيئا ..

والمضحك أن الأزهر قام ولم يقعد عندما سمعنا أن احد الجنود الأمريكان قام بتدنيس المصحف في جوانتنامو .. !!! ولم يحرك لهم ساكنا ما يفعله الطلاب كل عام داخل قبة الأزهر في كتاب الله  .. الجندي غير مسلم ولا يعرف قيمة القرآن أما الطالب المسلم الذي يدرس في الأزهر عندما يفعل هذه الأفعال مع كتاب الله فكيف نحاسبه .. ؟؟

و كيف نحاسب من جعله يفعل ذلك .. ؟؟

أعتقد انه أول من يستحق أن يحاسب هم رجال الأزهر لأنهم فرضوا القرآن على طلاب العلم بطريقة تجعل الطالب يكره التعامل معه متناسيا انه كتاب الله القرآن الكريم ..

فلماذا لا يتحول أسلوب دراسة القرآن الكريم من أسلوب الحفظ  والتسميع إلى أسلوب البحث والتدبر والفهم الواعي لآيات الله , ويتم تحديد مجموعة من القضايا الاجتماعية , ومجموعة أخرى من القضايا الإنسانية , ومجموعة ثالثة من القضايا العلمية  , كما يتم تحديد مجموعة العبادات والتشريعات والقوانين الدينية في القرآن , ويطلب من كل دارسي القرآن الكريم في الأزهر وفى غير الأزهر البحث في أحد هذه القضايا , وبذلك سيهتم الطالب بجميع سور القرآن الكريم , كما أنه سيستفيد من بحثه في آيات الله لأنه مسلم أولا , وطالب ثانيا , وفى النهاية ستكون المنفعة الأكبر للأمة الإسلامية بشبابها الفاهم الواعي الذي يبدأ منذ نعومة أظافره على تدبر آيات الله ..

أما إذا كان مشايخ الأزهر يريدون بقاء الوضع على ما هو عليه فهذا موضوع آخر .. لأنهم لا يريدون خلق جيل مثقف يفهم القرآن من القرآن , ولأنه لو وجد هذا الجيل سينسف تاريخهم الطويل وسيسحب البساط من تحت أقدامهم جميعا , لأنهم يتمسكون بما يخالف القرآن الكريم وبالتالي لا يريدون لأي مسلم أن يعلم شيئا عن حقيقة الدين حتى يستمروا في مقاعدهم التي يخافون عليها ..

و رغم أنهم يدعون الحفاظ على كتاب الله والإعلاء من شأنه ..

لكنهم يؤمنون بأحاديث كاذبة منها ما يضحك وما يجعل القارئ يتساءل كثيرا..

هناك حديث يقول " من قرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات فكأنه قرأ القرآن الكريم كله " لأن سورة الإخلاص تساوى ثلث القرآن حسب ثقافة البخاري وأكاذيبه ..

بالله عليكم أيها القراء لو أن رجال الأزهر يؤمنون بهذا الحديث فعلا إيمانا قطعيا ــ  فلماذا يرهقون طلاب العلم في جميع مراحل التعليم بالأزهر من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية وفى جميع التخصصات ــ  الطب والصيدلة والهندسة والزراعة ــ وطالما أن هذه السورة تساوى ثلث القرآن فلماذا لا يتم امتحان جميع طلاب الأزهر في هذه السورة فقط ويقوم الطلاب بكتابة هذه السورة ثلاث مرات في ورقة الإجابة , كما يقوم الطالب بتسميعها ثلاث مرات شفويا أمام الشيخ الذي سيمتحنه شفويا  , وبكده يكون قد كتب القرآن كله كاملا وسمعه كله كاملا  كما يقول البخاري في صحيحة ...

إن القرآن الكريم أكبر وأنزه من كونه ماده دراسية تجرى فيها امتحانات ويكون فيها نجاح ورسوب في حياتنا الدنيا , بهذا الحال فقد القرآن قدسيته و  مكانته بين المسلمين والسبب البخاري ومن يروج له في الدول الإسلامية , الطرق المستخدمة فى  مؤسسات التعليم وأولها الأزهر الذي حول الاهتمام بالقرآن إلى عكس ما أمرنا به المولى سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في أكثر من آية وهى الدعوة إلى تدبر هذا القرآن ومن لم يفعل هذا يوصف بان على قلبه قفل أن يفقه آياته ..  

النبى عليه الصلاة والسلام كان يـُعلم الناس القرآن ويشرح لهم معانيه وتشريعاته الجديدة  , ولم نسمع ان النبى فتح كتابا لتحفيظ القرآن الكريم فى حياته يقول تعالى  " كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ " البقرة : 151

" وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " النحل : 64

إن ما أمرنا به المولى سبحانه وتعالى يجب ان نتبعه لكى نكون متبعين لمنهج الله سبحانه الذى وضعه للمسلمين فى كتابه العزيز يقول تعالى

أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ  ــ المؤمنون :   68   

أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ــ النساء 82

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ــ  محمد : 24

 

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ـ القمر : 17

 

نريد صحوة حقيقية لتصحيح الطريقة التى نتعامل بها مع كتاب الله إذا كنا فعلا نريد نصرة وعلو الإسلام وتقدم ورقى المسلمين ..

يقول تعالى " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " العنكبوت : 69

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 25107