اصمدي يا مصر

كمال غبريال في الثلاثاء ١٩ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

لأن مصر الوطن هي كل ما نملك، فإننا نفتقد لرفاهية الاستسلام لليأس والغضب وصب اللعنات، كما يفرض علينا ما نؤمن به من التزام بالشرعية، وكذلك احترامنا للدولة المصرية في ذاتها أن نعترف للفائز في الانتخابات الرئاسية بوضعه الجديد كرئيس لجمهورية مصر، مهما كان حجم خلافنا معه، ومهما كانت توقعاتنا لما سوف يترتب على ذلك من خطورة على مستقبل دولة مصر الحديثة التي بدأ محمد علي تأسيسها مع بداية القرن التاسع عشر.
ها قد وصل مرشح الإخوان المسلمين لرئاسة الجمهورية أو كاد، هي نهاية مأساوية لهبة شعبية أوصلتنا لمشارف كارثة بكل المقاييس، فهل لنا نحن دعاة الدولة المدنية والحداثة أن نشكل معارضة محترمة تستند إلى الجماهير التي تقارب نصف الشعب المصري، أم سنظل على تخبطنا وفشلنا وعشوائيتنا، حتى تصل بنا جماعة الإخوان المسلمين لمصير أفغانستان والصومال والسودان؟!!
سوف يتحقق هذا لو امتلكت النخبة رؤية واضحة ومستقيمة لمصر الحديثة العلمانية الديموقراطية. . بالطبع يمكننا أن نتفرغ للعويل والبكاء على اللبن المسكوب، كما يمكننا الاستمرار في الردح والشتائم إن لم يكمموا الأفواه ويقطعوا الألسنة، لكن يمكننا أيضاً بدلاً من ذلك أن ندرك ونتلافى القصور الشديد في صفوف من يحلمون بدولة حديثة علمانية قادرة على مسايرة العصر، وأن نتكاتف وننظم صفوفنا، على الأقل لنكون معارضة وطنية محترمة، إن لم يكن لدينا حكام جديرون بشخوصهم ورؤاهم بأي نوع من الاحترام.
نعم وقعت الواقعة، وسقطت مصر في يد دعاة العودة بها لأربعة عشر قرناً خلت، لكن لا ينبغي أن نغفل أن ما يقارب نصف الشعب المصري رفض هذا المصير، وأن هذا في حد ذاته يعد مبشراً، إذا ما قورن بما سبقه من استفتاء وانتخابات مجلس الشعب، فبعدما حصل التيار الديني على 75% تقريباً من الأصوات في التجربتين، لن تتعدى أغلبية مرشحهم لرئاسة الجمهرية إلا بضع مئات من الأصوات فوق نسبة الـ 50%. . قد انتفت الآن الحجة بأن الجماهير مختطفة ومغيبة بالخطاب الديني، لكن الحقيقة التي علينا مواجهتها أن هذه الجماهير العريضة التي رفضت حكم الإخوان المسلمين لا تجد على الأرض بديلاً محترماً يعدها بالتغيير الذي تهفو إليه، فأغلب من صوتوا لأحمد شفيق كانوا بالدرجة الأولى يعلنون رفضهم لمرشح الإخوان، دون أن يعني هذا الكلام طعناً في قدرات المصري المحترم والكفء الفريق/ أحمد شفيق، لكنه يهدف للفت الانتباه إلى أننا أمام حالة لا بأس بها في الشارع المصري، يظهر فيها بقوة وعي قطاع عريض من الجماهير بخطور الدعوات الظلامية. . جماهير تحتاج من يأخذ بيدها، ويشرح لها معالم الطريق إلى العصر والحداثة والحرية، جماهير يتيمة تعرف ما ترفض لكن ما تريد غائم أمام عيونها، وذهبت للصناديق لتعلن رفضها بقوة، لكن نخبتها تائهة هائمة وتافهة، بل وكان دورها هو زيادة التشويش والاختلاط لدى العامة والشباب، ولولا هذا الدور المدمر للنخبة لما حدث ما حدث، وقد كان تيار المدنية والحداثة أقرب ما يكون من الفوز. . يبدو أننا جميعاً وليس البسطاء منا من يستحق ما فرض علينا الآن من درس أليم، فربما نتعلم، وربما أيضاً يكون هذا كل وأقصى ما نستحق.
الآن علينا أن نراقب أداء رئيس جمهوريتنا بغير عدائية، لنعطيه الفرصة لأن يكون رئيساً للمصريين، وليس ممثلاً لعصابة سرية ذات تاريخ دموي وخطاب مخيف وظلامي. . حقه علينا أن نمنحه هذه الفرصة، بغض النظر عن تقديرنا لاحتمالات أن يحسن استغلالها لصالح مصر والمصريين، وألا يسيء فهمها ويعتبرها فرصتهم التاريخية كما يقولون لتدمير الدولة المدنية الحديثة، وتأسيس خلافتهم الإسلامية الأسطورية، وخلال هذا لابد من تأسيس حزب علماني حداثي الرؤى، يلعب دور الحارس للدولة المصرية من محاولات هدمها، ويعد نفسه لتولي الحكم في الدورات القادمة، هذا إذا أتيح لمصر أن تشهد دورات قادمة من تداول السلطة.
فهل نحن قادرون على هذا، أم أن خيارنا سيكون البقاء على ذات أحوالنا الرثة، والاستمتاع باستعذاب الألم والتذمر وإطلاق اللعنات؟
أخيراً همسة تفرض علي الأمانة أن أهمس بها لرئيس جمهوريتنا: لا أخفيك أنني أتوقع ويتوقع الكثيرون معي منك كل الشر لمصر، ومنتهى أملي حالياً أن تخيب ظننا

اجمالي القراءات 6699