الطاغية
محاكمة مبارك

محمد حسين في السبت ٠٢ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

لقد كان مبارك رئيسا عندما قامت الثورة. وبرغم الجدل حول شرعيته قبلها فإن اللاشرعية أصبحت واقعا بالثورة ، وتم خلعه لجرائمه تجاه الأمة. وأعلن تمرد تلك الأمة أن مبارك كان وحده متمردا لثلاثين عاما على شرعية الشعب فإستباح إنتهاكاته تجاه الشعب. وهاهو خلف القضبان الزائفة كان قد صدر تلك اللاشرعية لإخوته وأوفياءه من العسكر. فحتى عند سقوط الشرعية عنه لم يشأ أن يترك السلطة لمن لهم شرعية فإنقلب إنقلابه الأخير على دستور هو وحاشيته واضعوه وبدلا من أن ينتقل الحكم للقضاة إنتقل لثلة من العسكر فى تحد صارخ للدستور ، وهنا غلف جرائمه بجريمة أخرى. مبارك لا يمكن له أن يحاكم بتهمة او تهم. بل لا يمكن أن يقف أمام القضاء من أساسه للنظر فى الإتهامات الموجهة إليه من فساد وجرائم تجاه الأمة. مبارك تم محاكمته بقيام الثورة. فالثورة حكم شعبى لا جدال فيه. فهو بحكم الثورة مدان. الإفتراضات التى وضعت مبارك أمام القضاء ، أيا كانت القاعدة التى سيتم محاكمته بناءا عليها ، هى ردة لما قبل الثورة ومقاضاته بقواعده لفساد نظام وقضاء عانى التفكك فى عهده. بل وفوق ذلك مبدأ مقاضاته هو فى حد ذاته إرساء لقواعد متينة لثورة مضادة. لأن تلك المحاكمات تضعه فى كفة وتضع الطرف الآخر ، وهى الثورة ، فى كفة أخرى. إذا فنحن هنا نوافق على إعلان الثورة خصما وليس حكما. وهذا يضع الثورة فى مسألة عن شرعيتها. ومجرد صمتنا وهى موافقة ضمنية على محاكمته فنكون بالضرورة مشككين فى تلك الثورة وشرعيتها ووضع علامات إستفهام حولها. ماذا لو تم تبرءة مبارك؟ بل وإنه برئ بإفتراض أن مبارك متهما ، والمتهم برئ حتى تثبت إدانته. نحن إذا نبتذل الثورة ونضعها فى نفس كفة المحاكمات أمام القضاء!  إذا لماذا قامت الثورة؟!! وما هى فائدتها إن كان مبارك برئ حتى تثبت إدانته؟ هل نريد أن نقول أن الثورة والقائمون بها ماهم إلا مجرد مشوهين مغيبين ومفترين حتى يثبت القضاء عكس ذلك؟

مبارك لم يكن فى وضعية طبيعية حتى نحتكم فيما بيننا وبينه أمام قضاء إخترقه وأفسده. لذلك لا يمكن بأى حال أن نقلب الطاولة على الثورة ونحاكمه محاكمة طبيعية ، أو وضع اللاشرعية على منصات القيم!

كنا سننظر لتلك المحاكمة بنظرة عادلة كبديل للشرعية الثورية لو أنها كانت فصلا بين الطغيان والحرية ، بين القيم واللاقيم ، بين ثورة مقهورين ضد قاهر ، بين الفضيلة والجريمة...وليس بين ثائرين وبرئ حتى تثبت إدانته. فإن الأخيرة ستصب فى مصلحة الجريمة والطغيان!

إن الثائرين تم إستغفالهم بأفكار مغلوطة ومهرفات باغية فى طياتها ، ومفاهيم مغلوطة وحق مشكوك فى قواعده يراد به باطل تحت شعارات الحقوق المدنية والقانون الذى كان غائبا لعقود فشل فى محاربة الفساد والطغيان بل ظل هذا القانون مرسخا للطغيان مستكينا لرغباته وعبثه فى حقوق الناس والأمة دستوريا وشرعيا فى دولة كل مؤسساتها كانت ومازالت تعمل لمصلحة الطغيان وتأبى ألا تحميه وتقيمه مرة أخرى بقسوة أشد. لقد تم سياق الثائرين والأمة إلى خلط شديد ، بحجة تلك القيم ، إلى الصلة بين علاقة المواطنين وبين علاقة الأمة بعدوها. فبين المواطنين تكون الحقوق المدنية ، ولكن بين الأمة وعدوها مبارك الذى تآمر عليها لا تستقيم تلك الحقوق قاعدة. وعاملنا الثورة التى ثارت على نظام بمؤسساته الفاسدة على أنها دولة تعيش فى خضم مؤسسات صالحة منتخبة. فأخذنا الفاسد نقيس عليه قيم ما بعد الثورة: كيف يستقيم أن نقيم دولة الحرية والعدالة الإجتماعية ونحن نستخدم مؤسسات الفساد لتحكم بين الثورة والطاغية الذى تآمر عليها؟ بين الأمة الثائرة وبين شخص فسد ودمر الدولة وهياكلها وقيمها؟

وزدنا على هذا كله بقبول ما تم رسمه عن طريق أصدقاء وأخوات الطاغية من هذا المجلس العسكري لنعطى لهم شرعية فاسدة ضد شرعية الثورة فأرسخنا دعائم الثورة المضادة دون أن نشعر ، فى حالة غير طبيعية وغير عادية لا شبيه لها. ونريد عليها أن نحاكم الطاغية بناءا على مبادئ دولة إعتبارية ، فالمبادئ لم يتم ترسخيها بعد ، والدولة مترنحة ولم تستقيم.

يا أمة مصر نحن أمام وهم وزيف وتدابير إشتركنا فيها دون أن نشعر.

مبارك مدان ، ومجلسه إنقلب على الثورة وشرعيتها.

يجب أن تقتص المقصلة رقاب مبارك وأصدقاءه ، حتى يقدر لتلك الأمة أن تفلت من مقصلة الثورة المضادة...

يجب أن يموت مبارك ومن حوله حتى يكتب لمصر أن تعيش...

اجمالي القراءات 7451