]وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم 4
بحثاً عن محمد في القرآن [ 29 ]

امارير امارير في الجمعة ٠١ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

]وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم 4 ، هذه الآية تشكّل القاعدة في معرفة شخصيّة الرسول الكريم محمّد عليه صلاة الله، بعيداً عمّا يرد في كتب السير و الأحاديث التي كتبها رجالٌ انتحلت آراهم و وجهات نظرهم شخصيّة الرسول الكريم عبر نصوصٍ أساسها التدليس ، منبعها البهتان ، ضلوا فأضلّوا : ]وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران 144  ، فشخصيّة الرسول التي رسمها المؤرّخون أصحاب كتب السير و الاحاديث ، تبقى صورةً مهووسةً تملأ عالمها الريبة و الأفعال الشاذّة التي يستحيل قبولها مهما كانت صحّة سندها أو وجاهة من نُسبت إليه روايتها ، إذ أنّ القصّة المتداولة على لسان الفقهاء أن الرسول الذي هو على خلقٍ عظيم شخصيّة تتمحور كل أفعاله و تصرّفاته حول محور [ الجنس ] و [ الشهوانيّة ] الغرائزيّة ، فيقومون بإلصاق صفة الرجل المليء بمشاعر الشبق كلما سنحت لهم الفرصة في وضع قصّة يلصقونها بالنّص القرآني خارج سياقها تارةً ، و خارج أي سياقٍ تاريخيٍّ لوقائع و أحداثٍ هامشيّةٍ بالنّسبة للدين و فحوى رسالة الإسلام كثورةٍ ضد الظلم و القهر و الإستبداد تارةً اخرى رغم الإرتقاء بوضع المرأة و مكانتها و الذي يعلنه النّص القرآني دائماً ، و الذي أتى ليلغي الإنتحال الشهواني لشخصيّة المرأة في [ التوراة ] تحديداً ، فعلى سبيل المثال لم يرد ذكر اسم زوج [ آدم ] داخل النّص القرآني ، لكن النّص التوراتي تسلّل الى الذاكرة الشعبيّة للمسلمين عبر نصوص الفقه ، بكلّ تفاصيله و خرافاته ، لتكون [ حواء ] سبب غواية آدم للخروج من الجنّة ، القصّة التوراتيّة التي ينفيها القرآن جملةً و تفصيلاً : ]فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [البقرة 36 و انطلاقاً من هذه السخصيّة المنتحلة بدأ مسلسل الإنتحال الذي رسمه الفقهاء  بربط السياق القصصي لتفسير جل الآيات التي ترد فيها إشارات للرسول الكريم و حياته الخاصّة أو تصرّفاته مع [ قومه ] بالجنس ،  و هي في واقع الأمر يعكس المشكلات التي كان يعانيها هؤلاء في حياتهم الجنسيّة على ما يبدو ، فحاولوا انتحال شخصيّة الرسول من أجل الوصول لمنفذٍ يمكنّهم الفرار من هذه المشاكل ، و ليس أكثر إثارةً للفزع تفسيرهم للآية الأولى من سورة التحريم بقصّة صراعٍ مركزه الجنس بين  ما جلعوا منه حزبي زوجات الرسول ، حزب زوجة أسماها المؤرخون [ عائشة ] و حزب أخرى أسموها [ حفصة ] ، إذ أن أسماء زوجات الرسول و الصحابة على حدٍّ سواء لا تمت بصلةٍ سوى للتاريخ و المؤرخ ، حيث لم يرد ذكر اسم أيٍّ منهم داخل النّص القرآني ، محمّد عليه صلاة اللهورد اسمه ، رفقة الإشارة الى شخصٍ اسمه : ]زَيْدٌ[، لا نعلم عنه شيئاً داخل النّص خلاف اسمه ، بل أن الإسم [ زيد ] إصطلاحاً يكون في واقع الأمر دالّةً على نكرة كقولنا : [ زيدٌ من الناس ] بمعنى : [ فلانٌ من الناس ] .

 

]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التحريم 1 ، قدم الفقهاء تفسيراً للآية مرتبطاً بقصّةٍ تاريخيّة لا تستند إلا على شهادة المؤرخ على جانبٍ و لا نتضمّن الوثيقة التاريخيّة المواكبة لزمن حدوث الواقعة على جانبٍ آخر ، كما أنّها لا ترتكز على سياقٍ متّصلٍ داخل الآية يربط النبي داخل  القصّة المتواترة عبر صورها المختلفة بالجنس و علاقاته الجنسيّة بزوجاته ،  و هذا حال كل مرجعيّات المفسرّين للآيات ، قدّم هؤلاء رواياتٍ عديدةٍ متناقضةً لبعضهما البعض ، فيقول كلّ من [ القرطبي ] ، [ البغوي ] ، [ ابن كثير ] ، [ القمّي ] و [ الطبرسي ] في روايتين يرد في الأولى ما مفاده : [ ... أن الرسول جامع ماريا القبطيّة و كانت جاريةً له ، على سرير حفصة بنت عمر بن الخطاب ، لتعود الأخيرة و تكتشف الواقعة ، و تغضب على الرسول ، فيراضيها الرسول بقوله : اسكتي فهي حرامٌ علي ، يقصد ماريّا ] ، أمّا في الثانية عبر طريقين مختلفين : [ ... أن الرسول كان يشرب العسل عند زوجته حفصة بنت عمر بن الخطاب ، و في الرواية الأخرى عند سودة بنت زمعة ، و بسبب غيرة عائشة إدّعت أن رائحة كريهةً تصدر عن الرسول ، ذلك بعد الإتّفاق مع بقيّة الزوجات كصفيّة بنت حيي ] ، كما توجد رواياتٌ أخرى كانت من أسماها المؤرّخون [ زينت بنت جحش ] هي موضوع المؤامرة من قبل زوجتيه [عائشة ] و [ حفصة ] ، و هذا ما يطرح السؤال عن أي القصّتين حقيقية ، و ما دام التناقض واضحٌ جداً داخل سياقهما أليس من الواضح أن المسالة ليست سوى مسالة [ تأليف ] لا غير ، حيث التركيز على القصّة ذات البعد [ الجنسي ] ، و هو ديدن الفقهاء و المؤرخّين في واقع الأمر ، فنجد أن الإشارات المتعدّدة للنهم الجنسي للرسول تتكرّر بسبّب و بدونه ، فالرسول حسب [ البخاري ] يباشر الحائض ، فعن امرأةٍ قال المؤرخون أنّها زوجة الرسول أسموها عائشة أنّها قالت : [ ... كانت إحدانا إذا كانت حائضا ، فأراد رسول الله أن يباشرها ، أمرها أن تتزر في فور حيضتها ، ثم يباشرها ] ، و قالت : [ وأيكم يملك إربه ، كما كان النبي يملك إربه ] ، رغم صريح الأمر في الآية : ]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة 222 ، فيسير الخطاب الديني هنا بعيداً عن السلوك [ المحايد ] في اتّجاه التحيّز ناحية [ الذكوريّة ] في الميول و الرغبات الجنسيّة ، و يكتسب بعداً لا يقبل الرفض بإقحام إسم الرسول [ الخَلُوق ] في سياق الحديث أو القصّة ، فالرسول حسب [ البخاري ] أيضاً كان : [ ... يباشر كل نسائة في  الليلة الواحدة ، و كان له تسع زوجات ] ، بحيث يتم الإصرار على التحوّل الغير مبرّر لشخصيّة الرسول من مبلّغٍ للكتاب الى شخصيّةٍ شهوانيّة في سياق [ خبرٍ ] لا فائدة منه مطلقاً لا على المستوى [ العقدي ] او [ التعبّدي ] ، و هو ما يناقض أولاً [ العقل ] و ثانيّاً سياقات النّص القرآني  المتكرّرة : ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً [الأحزاب 28 ، ]إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ [المزمل 20 ، و الأكثر إيلاماً ما يرد في ذات الصحيح [ صحيح البخاري ] في قصّةٍ مثيرةٍ للسخرية و الحسرة في آن واحدٍ ، قصّةٍ لا طائل منها سوى تشويه صورة الرسول ، يرد في نصّها : [ ... خرجنا مع النبي حتى انطلقنا إلى حائط يقال له : الشوط ، حتى انتهينا إلى حائطين ، فجلسنا بينهما ، فقال النبي  : اجلسوا ها هنا  ، ودخل ، وقد أتي بالجونية ، فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ، ومعها دايتها حاضنة لها ، فلما دخل عليها النبي قال : هبي نفسك لي ، قالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ؟ ، قال : فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن ، فقالت : أعوذ بالله منك ، فقال : قد عدت معاذ ، ثم خرج علينا فقال : يا أبا أسيد ، اكسها رازقيتين وألحقها بأهلها .. .  ] ، و ليس أسوأ من هذه الصورة سوى الصورة التي يقول بها [ البخاري ] في صحيحه ، أن الرسول كان يرتدي [ فستان ] عائشة : [ ... لا تؤذيني في عائشة ، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة] .

 

 

إن [ تسريب ] أي [ رأي ] عبر نصًّ حديث أو روايةٍ تاريخيّةٍ منسوبةٍ للرسول يبقى أمراً له [ علّته ] ، إلا و هي الإنتصار لهذا الرأي ، ذاك المذهب أو تلك الفرقة ، لكن ما هي الغاية من رسم هذه الصورة [ الشبقة ] للرسول الكريم في نصوص السيرة و الحديث سوى التعبير عن وجهة نظر الكاتب نفسه الفقيه أو المؤرّخ الذي يُلبس الواقعى التي ينسجها [ خياله ] زيّ الحديث أو الخبر المنسوب للرسول الكريم ، فأين شرع الله في قولهم أن : [ ... جبريل أعطى الرسول قوّة أربيعن رجلاً في النكاح ] كما يرد في الطبقات و منتخب كنز العمّال ، و [ ... قوّة ثلاثين ] عند البخاري ، و أين القدوة في قولهم أن الرسول قال : [ ... حبّب لي في الحياة الدنيا الطيب و النساء ] عند السيوطي و سواه ، ثم لماذا قفز بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى : ]وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء 28 ، بأن المقصود أن الرجل لا يصبر على النساء تحديداً ، و كأن ]الإِنسَانُ [ هو الرجل فقط ، و هو ما قال به [ الغزالي ] في كتابه الشهير إحياء علوم الدين ، و في نفس الكتاب يرد أن من أسماه المؤرّخون [ الحسين ] حفيداً للرسول : [ ... كان منكاحا ، حتى نكح زيادة على مائتي امرأة ، وكان ربما عقد على أربع في وقت واحد ، وربما طلق أربعا في وقت واحد واستبدل بهن ] ، فما شأن هذه القصّة في [ علوم الدين ] حتّى في حال افترضنا صحّتها ،  و لماذا ترد قصّة في الطبري و كثيرٍ من كتب التاريخ النبوي تتحدّث عن زواجه بزوجةٍ أولى أسموها [ خديجة ] قالوا أنّها : [ ... سقت أباها خمراً كي يزوّجها محمّداً ] أو كما يرد في المسند عن [ ابن حنبل ] بتفاصيل أكثر ما بنصّه : [أن رسول الله‏ ‏ذكر ‏ ‏خديجة ‏ ‏و كانأبوها يرغب أن يزوجه ، فصنعت طعاماً وشراباً ، فدعت أباها وزمرا من ‏ ‏قريش ،‏ ‏فطعمواو شربوا حتى ثملوا ، فقالت ‏ ‏خديجة‏ ‏لأبيها‏ : ‏إن ‏محمد بن عبد الله‏ ‏يخطبنيفزوجني إياه ، فزوجها إياه فخلعته و ألبسته حلة ، و كذلك كانوا يفعلون بالآباء ، فلما سريعنه سكره نظر فإذا هو مخلقٌ و عليه حلة فقال : ما شأني ، ما هذا ؟ ، قالت : زوجتني‏ ‏محمد بنعبد الله‏ ، ‏قال : أنا أزوج يتيم ‏ ‏أبي طالب ،‏ ‏لا لعمري ، فقالت‏ ‏خديجة‏ : ‏أماتستحي تريد أن تسفه نفسك عند ‏قريش ‏‏تخبر الناس أنك كنت سكران ، فلم تزل به حتىرضي ] ، و الملاحظ في هذه القصة أو الرواية كونها خارج المنطق ، العقل بل و خارج الشريعة عبر ثلاثة أصعدة ، الأول : كون الواقعة حدثت قبل [ البعثة ] بسنواتٍ كما يقر المؤرّخون أنفسهم و الفقهاء ، مما يجعلها خارج سيرة [ الرسول ] أصلا ، بل أنّها ليست من أفعاله و أقواله أصلاً ، كونها في واقع الأمر سنّة زوجة أولى أسماها المؤرّخون [ خديجة ] ، الثاني : المسافة الزمنية التي تفصل بين [ الإمام ] صاحب [ المسند ] و زمن حدوثها يفوق [ 270 ] عاماً  مما يُسقط عنها القيمة التاريخيّة ، أمّا الأمر الثالث : و هو الأهم بل والأشد خطورةً كون الرواية تم إقحامها من قبل الإمام أو من قبل أحدٍ ما أتى بعده داخل كتابٍ أتّفق الفقهاء في كونه يحوي مصدر [ تشريعٍ ] رئيسيٍّ اسمه [ الأحاديث ] قد يسبق حتّى القرآن الكريم في مكانته عند الفقهاء الذي تركوه : ]مَهْجُوراً [، و القصّة لا تحوي داخلها إجابةً على أي سؤالٍ او مسألةٍ تشريعيّةً كانت ، سوى كونها لغواً و لغطاً لا طائل أو فائدة تذكر من ذكره سوى التعبير عن حالةٍ أو مرحلةٍ بعينها واكبت زمن كتابة النّص لا زمن حدوثه،  إن هذه القصص و الإحالات الإباحيّة و الجنسيّة ليست سوى تعبيراً عن [ النمط ] الإجتماعي السائد حين كتابة الوثيقة التاريخيّة ، و [ الوضع ] الإجتماعي المسيطر في مكانه على طريقة تفكير المجتمع و المحيط الإجتماعي بالكاتب ، بل و حتّى الحالة السياسيّة السائدة أيضاً ، إذ يرد في ذات المسند قصّةٌ لا يُفهم منها شيءٌ سوى حدّة الصراع الأيديولوجي بين الجماعات الإثنيّة و الثقافيّة في نشأة الدولة الإسلاميّة ، نصّها : [ ...  من أخرج صدقة فلم يجد الا بربرياً فليردها ] ، و يرد أيضاً : [ ... جلس إلى النبي رجل فقال له رسول الله : من أين أنت ؟ ، قال :  بربري ، فقال له رسول الله : قم عني ، قال بمرفقه كذا ، فلما قام عنه أقبل علينا رسول الله ، فقال : إن الإيمان لا يجاوز حناجرهم ] ، و البربر قومٌ معروفون يسكنون في إفريقيا الشماليّة ، لم يحدث بينهم و بين ساكني نجد أو الحجاز أي إحتكاكً في تجارةٍ أو حربٍ إلا بعد أكثر من 40 عاماً من وفاة الرسول ، يرد ذكرهم في قصّة توراثيّة المنشأ لا أصل لها في القرآن ، في قصص الأنبياء لإبن كثير و التي منشأها الحقيقي خرافة طوفان نوح الذي حسب الثوراة غمر الأرض جميعاً ، و هو ما لم يقل به النّص القرآني لا بالصريح و لا بالتلميح : [ ... قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا إبراهيم بن هانىء وأحمد بن حسين ابن عباد أبو العباس قالا : حدثنا محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي : حدثني أبي عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ولد لنوح : سام و حام و يافث ، فولد لسام العرب و فارس الروم و الخير فيهم ، و ولد ليافث : يأجوج و مأموج و الترك و الصقالبة  و لا خير فيهم ، و ولد لحام : القبط و البربر والسودان]، خرافة الطوفان التي وردت في أكثر من [ 250 ] أسطورة عالميّة ، أسطورة السفينة التي يبلغ طولها حسب التوراة [ 300 ] ذراع قبل اختراع صناعة التسبيك ، تحوي داخلها زوجين من كل الكائنات الحيّة من حيوانات و طيور بل و نباتات ، و هذه القصّة التي ترد في القرآن دون إضافاتٍ و نحولٍ توراثيّةٍ ، حيث أن الهمّة التي تقرّها التوراة و يؤمن بها المقلّدون من الفقهاء بجمع هذا الكم المهول من الكائنات في سفينةٍ واحدةٍ  مستحيلةٌ عبر كل التصوّرات ، حتى تصوّرات القساوسة المسيحيّين مثلا و منهم الراهب الثيولوجي الإيطالي [ جيوردانو برونو ] الذي أحرقته الكنيسة حياً سنة 1600 م بسبب نفيه خرافة الطوفان هذه و التي نفاها العلم و أيضاً المنهج العقلاني للتفكير عبر سياقات النّص القرآني بخصوص هذه القصّة بعيداً عن العقليّة الخرافيّة الفارغة حيث لا يوجد أي إثبات علمي على سفينة نوح العملاقة هذه ، فعبر السياق القرآني [ نوح ] عليه صلاة اللهرسولٌ لقومه فقط : ]وَقَوْمَ نُوحٍلَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً [الفرقان 37 ، و بناءً عليه يكون من غير العدل إغراق بقية الأقوام في عموم الأرض بطوفانٍ ضخم كما تقول الرواية الثوراتيّة ، و على صعيدٍ آخر ، متّصلٍ بمسألة القيد [ التاريخي ] المجحف أو [ السيسولوجي ] الجهوي لدلالات النّص تأتي سورة [ قريش ] ، و دلالتها المحدودة في حالةٍ تاريخيّةٍ لا استمرار لها خارج المدلول التاريخي و الإثني بمعنى أن المقصد هو قبيلة القرشيّين التي ينحدر منها الرسول الكريم ، و هو تفسيرٌ يوصل الى معنىً [ أجوف ] في واقع الأمر حيث أن مدلولات الآية ضاعت مع ضياع السلالة عبر التاريخ ، تلك التي أقحمت نفسها أو أقحمها المؤرخون في تفسير معنى النّص : ]لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ، إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ [ قريش 1-4 ، فعند العودة الى المصادر التاريخيّة نفسها نكتشف أن اسم قريش أصلاً غير موجودٌ في شجرة الأنساب عند ابن هشام مثلاُ و هو من أوائل المؤرّخين ، بل أن [ قريش ] كانت موضع خلافٍ في أوساط النّسابين العرب أنفسهم ، فرغم الإتفاق الغير مجمع عليه كون أوّل من حمل الإسم هو [ فهر ] الجد المشترك لبطون القبيلة من كنانة ، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة ، فيقول الزبيري في كتاب [ نسب قريش ] : [ ... قريش كان دليل أبناء كنانه في تجارتهم ، و كان الناس عندما يرون قوافل كنانة يقولون : جمال قريش وصلت ] , أي أن قريشٍ هذا ليس من كنانة أصلاً ، بل أن معنى اسم قريش نفسه مُختلفٌ فيه ، فمن معنى الطوطم : سمك القرش الصغير ، و معنى : جامع الأموال و الأرزاق بفضل التجارة ، و المعنى الآخر : الجامع الموحّد لمكّة ، المدافعين عليها ، يبقى كل هذا يبقى لغواً لا طائل منه ، إذ أن دلالات سياق الآية الموصل الى المعنى الحقيقي يعزلنا عن الإستدلالات المتناقضة في كتب النسّابين و أهل السير ، فالقريش من التقرّش في مكانٍ ، و يُقصد به من تجمّع في مكانٍ لغايةٍ ما ، و الإشارة في قوله تعالى : ]هَذَا الْبَيْتِ [المتّصلة بقريش / المتجمّعون ،  توصل الى أن سياق الآية يتحدّث عن [ الحجّاج ] تحديداً ، و الأكثر تأكيداً على المعنى سياق الحديث عن الرحلتين : ]رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ [و الفصلان من فصول السنّة [ الشمسيّة ] ، بينما الحّج مواقيته [ قمريّة ] : ]الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة 189 ، فتارةً مواقيته الصيف و تارةً أخرى مواقيته الشتاء ، أما الحديث كون الآية تقصد رحلات قريش التجاريّة تتناقض و حقائق كون [ الأمن ] لم يكن موجوداً في رحلات التجارة كما تدل السياقات التاريخيّة لواقع شبه الجزيرة ، بل أن الأمن موجود في [ البيت ] مكان تجمّع الحجّاج / القرشيّين في موسم الحج ، هو ميقات الأشهر الحرم : ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ [البقرة 217 ، ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً [المائدة 2 ، فالمسألة إذاً لا تتعدى كونها [ تصفية حسابات ] بين الساسة ، انتحلوا خلالها شخصيّة [ المقدّس ] لتمرير مشاريع [ المدنّس ] ، كما حدث عندما انتحل أصحاب [ الأهواء ] و إدعياء [ الخرافة ] و [ الأسطورة ] ذات الشخصيّة لتمرير نظرتهم المشوّهة و الشهوانيّة  للعالم و الدين الإسلامي ، فخلقوا جبلاً يتضاعف حجمه يوماً بعد يومٍ ، يصنع صورةً لعالمٍ مقلوبٍ ، يحاولون إيهام الجميع بانّهم يقودونهم لتجاوز الصعاب في محاولةٍ لعبور الطريق ، متجاهلين حقيقة أن صعود المنحدر في هذا العالم المقلوب يوصل إلى الأسفل : ]وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً [الإسراء 45 .

اجمالي القراءات 9975