لماذا بكت أمى أمام اللجنة الإنتخابية ؟

حمدى البصير في السبت ٢٦ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

شعرت بالفخر عندما أصرت أمى  " المسنة  " على أن أصطحبها كى تشارك فى الإنتخابات الرئاسية أول أمس الخميس ، وتعطى صوتها لمرشح رئاسى تريده ، فى لجنة قريبة من مسكنها  فى حى المطرية بالقاهرة ، ورغم نصحيتى لها بعدم الذهاب بسبب ظروفها الصحية ، خاصة أنها عانت كثيرا وهى تدلى بصوتها فى الإنتخابات البرلمانية الماضية ، ولكنها أصرت على المشاركة ،وذهبت معها بالفعل إلى لجنتها الإنتخابية ، وبعد أن إنتهت من الإدلاء بصوتها ، وكنت فى إنتظارها أمام اللجنة الإنتخابية ، سألتها : ماشعورك الأن بعد المشاركة ياأمى ؟ قالت وقد إغرورقت عينها بالدموع ، الحمد الله إنى أعطانى الله العمر كى أشهد هذا اليوم ، أنا الأن أشعر بالإطمئنان على أحفادى .

ولم يلفت نظرى إجابة والدتى الواعية فى إطمئنانها على مستقبل أحفادها فى ظل نظام ديمقراطى واعد نصنعه الأن بأيدينا ، ووعيها السياسى الفطرى ، ولكن هزتنى دموعها بعد الإدلاء بصوتها ، وبدأت اخمن ، هل سر بكائها هو ذلك الإستقبال الحافل من رجال الأمن والجيش لها عند دخولها إلى اللجنة ، ومساعدة قاضى اللجنة والموظفين لها حتى الإدلاء بصوتها فى راحة ويسر ؟ لاسيما أنها تعرضت إلى مايشبه المهانة فى عهد النظام السابق عندما أصرت على الإدلاء بصوتها فى إنتخابات سابقة ، وقت أن كان الحزب الوطنى وبلطجيته يسيطرون على اللجان الإنتخابية من الداخل والخارج ، ويمنعون الناخبين من الإدلاء بأصواتهم إلا بعد الإطمئنان إلى أنهم من  " أتباعهم " .

ولكن إقتنعت بعد مناقشة طويلة مع أمى أثناء عودتى معها إلى منزل العائلة ، إنها بالفعل تشعر إن الأيام القادمة هى الأفضل لمصر بعد قيام الثورة ، خاصة بعدإجراء الإنتخابات التشريعية ، ثم الرئاسية ، بشفافية ونزاهة فائقة ، فهى حسب قولها تتذكر فى شبابها عهد الملكية ، وعاصرت ثورة يوليو ، وكانت تحب عبد الناصر ، وشاركت فى الإنتخابات " الصورية " التى كانت فى عهد السادات ومن بعده فى أثناء حكم المخلوع مبارك ، لأنها تحب هذا البلد وتعتبر أن المشاركة السياسية هى دلالة على إنتمائها لمصر " أم الدنيا " ، وأفهمتنى أن  نظام مبارك البائد ، كان سببا فى زيادة البطالة بين الشباب وإنتشار الأمراض وتدهور التعليم ، وإرتفاع نسبة الفقر،  وكذلك تراجع الرعاية الصحية فى المستشفيات وعدم وجود نظام تأمين صحى محترم ، لأولادها واحفادها ، وإنتشار الأمراض والدروس الخصوصية وكانت ترى إنها مقصرة فى حق أولادها ، وسببا غير مباشر فى عدم معيشتهم  بشكل لائق ، وتكبدهم المعاناة حتى تزوجوا وكونوا عائلات ، دون أن تستطيع مساعدتهم بشكل جيد ، خاصة بعد وفاة والدى ،.

والدتى ، وهى ريفية بسيطة من إحدى قرى الشرقية ، رأت أنها لم تستطع مساعدتنا ، وهى جزء من الأغلبية الصامتة التى تحملت فساد النظام السابق ، ولم تستطع التغيير لأسباب عديدة ، وبالتالى فإن مشاركتها الأن بقوة فى إنتخابات مجلس الشعب وفى إنتخابات رئاسة الجمهورية بعد الثورة ، هى نوع من الإيجابية " والتكفير عن الذنب " خاصة إن تلك الإنتخابات نزيهة ، وإن صوتها له قيمة وسيساهم فى عملية التغير ، وبناء نظام ديمراطى ، سيستفيد منه أولادها وأحفادها فى المستقبل .

وقد لفتت دوموع والدتى نظرى إلى مشاهدات عديدة لبعض سيدات مسنات أيضا ، كن يبكين أمام اللجان الإنخابية بعد الإدلاء بصوتهن فى الإنتخابات التشريعية الماضية والرئاسية أيضا ، وكانت القنوات الفضائية العديدة ، تستضفن هؤلاء مع مصريات أخريات ، وتسألهن السؤال التقليدى : مارأيكن فى تلك الإنتخابات ؟ ، وكانت الإجابة المصحوبة بالدموع أحيانا ، إنها انتخابات حرة ونزيهة وإن مصر أم الدنيا ، ولم ولن تقع لإن الله يحرصها ، وإن شعبها طيب وكريم ، وستستمر قوية ومحروسة ببركة ربنا لأنها أم الدنيا ومذكورة فى القران.

تلك الإجابات البسيطة تعبر عن لسان حال الأمهات المصريات خاصة كبار السن ، اللائى علمن أولادهن منذ الصغر حب مصر ، وحتمية الإنتماء لها ، وإن حب الوطن من الإيمان ، وهؤلاء السيدات المسنات – ومنهن أمى العظيمة – تربين بالفطرة منذ ولادتهن على عشق مصر والإنتماء لترابها ، وكانت السنوات الماضية ، خاصة الثلاثين عاما الأخيرة ، كابوسا بالنسبة لهن ، وعندما جاءت لهن الفرصة بعد سقوط مبارك للتغيير ، سارعن إلى المشاركة فى الإنتخابات رغم المرض وكبر السن ومعاناة السنين ، لإنهن شعرن وكأنهن ولدن من جديد ، وهذا سر بكائهن .

حمدى البصير

Elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 7882