شوبش

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠١ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا

  • ـ  قبل عصر التليفزيون والراديو كانت قريتنا تعيش أفراحها بالمزيكة . تأتى فرقة أبوصالح أو أبو خليل من المنصورة فى حفل الزفاف الذى يكون يوم عيد ، ويبدأ موكب الزفة فى الشوارع بالفرقة الموسيقية ووسطها الراقصة ، ويتقدمهم أفندى محترم يرتدى بدلة كاملة وكرافتة وطربوشا ، ويمسك بيده عصا ، وكل حين يتوقف فيقف الموكب ويهز عصاه وتهتز أردافه وهو يصيح " شوبش " وتبدأ وصلة جديدة من الرقص والموسيقى وجمع النقوط . وحين كنت صبيا لم أكن أرى من يرتدى بدلة محترمة وكرافتة وطربوشا سوى ناظر المدرسة الإبتدائية وذلك الأفندى المحترم الذى يقول شوبش يوم المزيكة ، وعقلى ـ الذى كان ولايزال سبب شقائى ـ كان يقارن بين الشخصين ، ناظر المدرسة ببدلته الأنيقة وشخصيته الوقورة ، وذلك القائد للمزيكة أبوشوبش .. كلاهما فى أحسن زى ولكن لكل منهما طريقته فى الحياة ومهنته التى يرتزق منها، وكنت عندما أغضب على قسوة ناظر المدرسة وتزمته أعاقبه بينى وبين نفسى بأن أتخيله قد تقمص بنفس زيه المحترم وظيفة صاحبنا أبو شوبش ، وأضحك فى سرى . وانتقلت إلى المدينة حيث التعليم الثانوى ، وشاهدت حفل عرس فى مسرح بالشارع ..وتعجبت لوجود سيدات أنيقات يبدو عليهن الإحترام والشياكة يجلسن على كراسى مميزة على المسرح ، وظننتهن من المدعوات الهامات وفوجئت بهن حين بدأت الموسيقى يقمن للرقص .. أى كن راقصات الفرقة .. وانخدعت بمظهرهن الراقى تماما مثلما فوجئت بأن الأفندى المحترم الذى رأيته لأول مرة كان " بتاع شوبش" وتعلم عقلى الشقى ألا ينخدع بالمظاهر حتى لاتصيبه مفاجآت أخرى . وتخصصت فى التاريخ وعرفت أن " بتوع شوبش" أكثر من الهم على القلب .. ليسوا فقط أولئك الراقصين والراقصات وجامعى النقود .. بل هناك أسماء لامعة من المؤلفين ، تهتز لهم القلوب وتقشعر لهم الأبدان ، وكنت أنطق أسماءهم بكل احترام فلما تفرغت لدراسة مؤلفاتهم التراثية وجدت وجههم الحقيقى  وأنهم لايختلفون فى كثير أو قليل عن آل شوبش .. فهم الذين يحرقون البخور للحاكم يزينون له الظلم ويسوغون له الإجرام بأحاديث مزورة ينسبونها للنبى عليه السلام كذبا وبهتانا ، ومنهم أولئك الأربعون شيخا الذين جىء بهم للخليفة يزيد بن عبدالملك(101 ـ 105 هجرية) ليشهدوا له أنه ماعلى الخليفة من حساب ولا عذاب، وكان يزيد بن عبدالملك قد عزم على أن يسير على طريقة سلفه عمر بن عبدالعزيز ، وبعد تلك الشهادة الآثمة قضى خلافته فى مجون بين جارتيه حبابة وسلامة .
  •       ـ  وبدأت مسيرة آل شوبش فى تاريخ المسلمين فى خدمة الحاكم ينافقونه ويؤلهونه ، ولن نذكر أسماءهم المشهورة حرصا على أعصاب القراء ، ولكن نكتفى بالإشارة لبعض جهودهم فى الإفساد والرقص بين يدى الحكام، منهم من خصص كتبا يؤكد فيها أن ظلم الحاكم عقوبة من الله ويحرم الاعتراض على ظلم الحاكم لأنه اعتراض على إرادة الله ، ويهاجم المظلوم إذا جار بالشكوى أو دعا على الحاكم ، ومنهم من بث ثقافة الخنوع والخضوع للحاكم بين سطور مؤلفاته ورفعه إلى مستوى العصمة والتأليه ، ومنهم من وجد لديه الجرأة الكافية لكى يؤلف كتبا مستقلة فى مناقب الحاكم ـ كل حاكم ـ مثل ذلك الذى كتب " الروض الزاهر فى سيرة الملك الظاهر " ( ططر) و" السيف المهند فى سيرة الملك المؤيد"  ( شيخ المحمودى) وذلك الذى كتب فى مناقب السلطان قايتباى ، والمشكلة أن أغلبنا يدعى الثقافة والعلم بالتراث دون أن يقرأ ، وإذا قرأ فقلما يفهم ويعقل ، وإذا فهم وعقل أصابه الخرس وكتم الحق .  وتستمر أسماء آل شوبش فى عليائها لايجرؤ أحد على نقدهم وكشفهم . والعجيب أن آل شوبش يزدادون التصاقا بالحاكم الظالم كلما ازداد ظلما واستبدادا ويعظم التعاون بينهم ، وحتى عصر قريب وقف شيخ عالى الشأن يخطب امام الطاغية إسماعيل صدقى فبدأ حديثه بقوله تعالى " واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد " !!  وفى عصر السادات وقف شيخ آخر يعلن بكل صفاقة أنه لو كان الأمر بيده لأعلن أن السادات لا يسأل عما يفعل .!.أى جعل السادات الاها مع الله تعالى .!!
  •          وحتى الآن لايزال آل شوبش يتصدرون المواكب والزفة.. وهم يعملون فى ميدانين فى نفس الوقت فى مصر وفى خارجها . ذهبوا إلى دولة نفطية مرموقة يخالفونها فى مذهبها الرسمى ولكن يحبون أكثر ثراءها النفطى ، ولذلك كتبوا مئات الكتب بدون إقتناع ، ولكن فى براعة وإبداع . وحشدوها بمنقولات من الأئمة السابقين فى آل شوبش ، وانتشرت تلك الكتب بأسعار رخيصة وأتيح لها أن تشكل عقلية الشباب الرافض فتحولوا إلى التطرف ، وهم يحسبون أن ما يقرأونه حقا . وكما ساعد آل شوبش فى إفساد الشباب ساعدوا أيضا فى إفساد الحكام فى الداخل بالنفاق الرخيص ، وهم أمهرخلق الله فى تطويع النصوص ، اذا كان الحاكم يعلن مبدأ إلقاء إسرائيل فى البحر هتفوا له قائلين " وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة " وإذا عقد الحاكم صلحا مع إسرائيل صاحوا أمامه "وإن جنحوا للسلم فإجنح لها" . وإذا كان الحاكم اشتراكيا فالإشتراكية من عدالة الاسلام ، وإن كان يؤمن بالإقتصاد الحر فالاشتراكية رجس من عمل الشيطان . هم جاهزون فى كل وقت وفى أى وقت ، وهم المنتصرون دائما ، والحاكم فوق رءوسهم مادام ظل حاكما أما إذا إنتهى داسوه بأقدامهم ورقصوا أمام الحاكم الجديد ، وتراهم فى مظهر خلاب ومناصب عالية وقدرة عجيبة على معسول القول وربما ينخرط أحدهم فى البكاء والصراخ وهو يستشهد بالآيات والحديث وأفانين القول ، وفى النهاية يحظى بالتصفيق الحاد وبشائر الرضى السامى .
  • ومادام ظل أهل آل شوبش يتحكمون فى حياتنا سنظل أسرى التخلف والهوان !!.  
  • أخيرا

نشرت هذا المقال فى جريدة الأحرار منذ 22 عاما . حينها كان آل شوبش يسيطرون على الاعلام والمساجد والتعليم على الأرض  ..الآن هم المسيطرون أيضا على الانترنت ..هربنا منهم وتركنا لهم مصر فوجدناهم أمامنا فى أمريكا يسيطرون على العرب والمسلمين فيها .. هم فى كل فرح وفى كل زفة وفى كل عرس وفى كل طهور وفى كل عزاء وفى كل صباح وفى كل مساء ..لا تتعب خصورهم من الرقص ، ولا تخلو عقولهم من النقص ..عليهم لعنة الله جل وعلا والملائكة والناس أجمعين .                                                                                                                

اجمالي القراءات 11485