الثورة السورية
سيكولوجيا التبرير

محمود الكردي في الأربعاء ٢٥ - أبريل - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

رغم كل الفظائع والجرائم المرتكبة من قبل النظام في سوريا بواسطة المؤسسات الأمنية ,وبعض قطع الجيش الموالية ,والشبيحة المرتزقة الذين امتهنوا القتل مقابل المال ,فما زال البعض يدافع عن النظام المنتهي أصلاً,والفاقد لشرعيته منذ أن أطلق الرصاصة الأولى إلى صدور المتظاهرين السلميين .

النظام خدع الطائفة كما خدع الأقليات وخدع البعض من الفئات الصامتة بخلقه لعدو وهمي ,لا وجود له في سوريا ,رغم وجود بعض الممارسات من قبل مجموعات مرتزقة ,نادت بالطائفية ومارست القتل على الهوية ,وخربت المباني العامة ,لكنها   أي هذه المجموعات هي في الأصل صنيعة هذا النظام الذي يحاول تبرير إجرامه أمام العالم بوجودها .

هذا النظام الذي أعتقل بوحشية بعض الناشطات اللواتي رفعن لافتة كتب عليها أوقفوا القتل أمام البرلمان...هو نداء لكل الأطراف التي ترفع السلاح ,حتى  لا يقتل المواطن أخوه في الوطن....وقد صدق السيد البني المعارض والموجود في سوريا  عندما وصف هذه  الوحشية في التعامل معهن بقوله  ....من يعتقلهن سوى القاتل !!!!!

ومع كل هذه الصور المؤلمة ,التي نشاهدها ونسمع عنها خلال مسيرة الثورة السورية السلمية ,التي اضطرت لحمل السلاح دفاعاً عن العرض والنفس ,مازال البعض يبرر للنظام أفعاله الشنيعة .

لماذا؟

 هذه المقالة التي أرسلها لي صديق من الداخل دون ذكر اسم الكاتب أنقلها للأخوة الأحباء لفهم ما يسمى في علم النفس سيكولوجيا التبرير

 

 

سيكولوجيا التبرير:


ينحاز المدافعون عن النظام السوري "لمصالح مبادئهم" ويحاولون بوعي أو بدونه عقلنة موقفهم بإنكار الذبح اليومي. لكن إنكارهم هذا لا يختلف كثيرا عن إنكار طفلة هجرها والدها وما عاد عندها غير التعلق بصورة قديمة تدافع عن صاحبها باستماتة. في علم النفس، يستخدم الإنسان "الإنكار اللاواعي" عندما يرفض عقله تقبل الواقع فينشئ عالما وهميا موازيا يمكنه فهمه والتعامل معه. إنكار المجزرة الماثلة أمام الأعين هي حالة سيكولوجية بامتياز تتحول إلى جريمة بحد ذاتها وشراكة مباشرة في القتل إذ تتوسل بأساطير "العصابات المسلحة" وخرافة القائد الذي لا "يدري ولا يرضى بقتل شعبه".

يزيد بن معاوية أيضا كان يدعي أنه لا يرضى بقتل معارضيه. يروي المؤرخون كابن الأثير والطبرسي تنصل يزيد من دم الحسين. وذكرت إحدى روايات المصادر الشيعية أن يزيدا اختلى بعلي بن الحسين بعد أيام من كربلاء ونفى إعطاء الأمر بالقتل قائلا "لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أنني صاحب أبيك (كنت معه) لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ولكن الله قضى". لو كان حول يزيد بعض إعلاميي عصرنا لاعتبروا الحسين الشهيد وثلته "عصابة مسلحة" مدفوعة "بفكر تكفيري" وساعية لتخريب "محور المقاومة" الصامد بوجه الروم. ألم يحارب يزيد أعداء الدولة من خراسان حتى غرب أفريقيا؟

لكن الكثير من مؤرخي وفقهاء السنة والشيعة على السواء لم يترددوا في تقريع يزيد ولومه على كربلاء بمقالات كثيرة منها كتاب ابن الجوزي تلميذ ابن حنبل (الرد على المتعصب العنيد، المانع من ذم يزيد). نحن هنا لسنا في وارد بحث ذلك الخلاف ولم نورد إلا ما اتفق عليه الكثير من مؤرخي السنة والشيعة لإظهار التشابه الفاضح بين كربلاءي الأمس واليوم.

التواطؤ مع المجرمين في كربلاء السورية لا يفسر إذاً -إذا وضعنا التبريرات المصلحية والطائفية جانبا- إلا في إطار الخلل المريع في الأولويات (المشروع القومي قبل الناس) والسيكولوجيا المنفصمة عن الواقع (الإنكار اللاواعي).

وإلا فكيف يمكن لأي كان أن يصم أذانه عن طحن الجماجم حقيقة لا مجازا؟ يروي حسام الشافعي البطل الأولمبي السابق الذي فقد قدمه في حماة كيف كانت الدبابات، وكأنها خيول كربلاء "الأعوجية"، لا تكتفي بقتل الناس بل تعود جيئة وذهابا على جثثهم حتى يسمع صوت تكسر عظامهم.

وتخبرنا تقارير الصحفيين كيف حورب الناس بالظمأ في معظمية دمشق وذبح الرضع في بابا عمرو، وكيف فصلت رأس زينب الحصني عن جسدها وطافت الأشلاء حتى وصلت أهلها، وكيف اعتقل الطفل حمزة الخطيب في درعا وعاد إلى أهله جثة مقطعة مشوهة بعد أن شوهد سليما خلال الحجز كما ذكر المنشق أفاق أحمد ابن الطائفة العلوية الذي كان مدير مكتب رئيس قسم العمليات الخاصة في المخابرات الجوية. وذكر الأستاذ الجامعي ومدرس بشار الأسد السابق الدكتور محمد الكردي كيف قتل النظام عائلات بأكملها في قريته بشكل عبثي. 

يصبح حياد كل قادر على الكلام جريمة. فسوريا اليوم هي كربلاء ممتدة يشاهدها العالم الذي لا يتعلم من صمته المخزي على جرائم التاريخ. هي مجزرة ينتصر فيها الدم على السيف بقوم يبرزون لحتوفهم المعروفة سلفا. هؤلاء هم الورثة الحقيقيون، فعلا لا قولا، للصرخة الخالدة "أبالموت تخوفوننا؟ طاش سهمكم".

هؤلاء الذين يلغ في دمهم النظام السوري هم أبناء الأنبياء وذراري القديسين والأولياء ومخترعي الأبجدية وصناع الحضارة. كل طفل قتله النظام في حمص هو مشروع ستيف جوبز الذي أسس شركة تزيد قيمتها عن الناتج السوري الإجمالي منذ الاستقلال وحتى اليوم أضعافا مضاعفة.

كل شيخ ووري الثرى في مقبرة جماعية في حماة هو معري ذبيح. كل جندي أعدم لرفضه قتل العزل هو سيف الدولة في عنفوانه، وكل امرأة اغتيلت كرامتها هي ملكة من ملكات تدمر. هؤلاء ليسو أرقاما أو شخوصا في فيلم خيالي. هم ألوف مؤلفة من البشر لكل واحد منهم أسرة وقصة وأحلام.

 

توضيح :

من هو ستيف جوبز؟

هو أسطورة أميركية فريدة ومؤسس شركات متعددة امتلك حينها مئات الملايين من الدولارات (زادت إلى مليارات لاحقا) مع أنه لم يبلغ الثلاثين ولم يحمل شهادة جامعية ولا يعرف والديه الحقيقيين، إذ نشأ في كنف رجل متواضع من وسكنسون يعمل في إصلاح السيارات

.

وفي مفارقة كنا نظن أنها لا تحدث إلا في أفلام "بوليود" الهندية، اكتشف الاثنان(ستيف جوبز ,وعبد الفتاح جندلي) بعد سنوات أنهما أب وإبن. فالمدير الأسطورة "ستيف جوبز" ليس سوى ابن السوري "الدكتور عبد الفتاح جندلي" كما أصبح الآن معروفا وكما ذكر المؤرخ ولتر أساكسون في سيرة ستيف جوبز التي طلب ستيف كتابتها وتم نشرها بالتزامن مع وفاته في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

لقد حاول ناشطون سوريون الحديث عن ستيف كمثال لما يمكن أن يحققه الإنسان السوري إذا تخلص من القمع.

اجمالي القراءات 11360