لا تنتخبوا رجال معاوية

نبيل هلال في السبت ٠٧ - أبريل - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

لقـد أدى أخْذ الشيخين (أبى بكـر وعمـر) بمبدأ مشـاورة المسلمين فى كل ما يعرض لهمـا من أمـور إلى تصفية أيـة اختلافات بين وجهات النظر مع سـائر الأمـة، وقلـل احتمالات ظهور أى تجاوزات تسـتدعى مسـاءلة الأمة للخليفتين العظيمين. وفى واقع الأمـر لم يكن هنـاك تجاوزات للشـيخين تسـتدعى مراجعة من الصحابة، فقـد سـارت الأمـور على نحـو مثالى على هـدى من التعاليم النبـوية، وذكَّى ذلـك تميز شخصيتىْ الشـيخين بالزهـد والإيمـان، وكان الشـيخان يأخذان بمبـدأ الشـورى مع الأمـة التى كانت حديثـة عهـد بالنبـوة، وخلال تلـك المـدة التى اسـتغرقتها خلافة الشـيخين، والتى بلغت 12 عاما، لم تكن هنـاك حاجـة عمليـة إلى ممارسـة المساءلة للشـيخين، ومرت هـذه المـدة دون ممارسـة حقيقيـة لهـذه المسـاءلة، ودون محاولـة جـادة لإرسـاء أسـس أى شـكل "مؤسسى" لممارسة المساءلة من قبـل الأمـة لحكامهـا، كذلـك فـإن هـذه المسـاءلة لم تكن أبـدا محل دراسـة أو تمحيص أو تقنين من قبـل النـاس، إذ لم يُظن أن ذلـك أمـر يتطلب النظـر فيـه بتحـديد شـكل تنفيـذى ما لتطبيقه، فكان المتصـور والمسـلم بـه أن الخليفـة إذا تجـاوز يكفى أن توجهـه الأمـة أو تلفت نظـره إلى موطن الخلاف، فيبـادر الخليفـة من فـوره، بوازع من دينـه وخشـيته للــه، إلى الرجوع إلى الحق دون ممـاراة أو مجـادلة، هكـذا ببسـاطة. وهاهـو عمـر بن الخطاب رضى اللـه عنـه يقـول عنـد توليـه الخلافـة:
"....فـإن زغت فقـومونى فيـرد أعرابي قائـلا : واللـه نقومك بحـد سيوفنا، فيشـكر عمـر بن الخطاب ربـه على ذلـك دون إنكـار أو غضب، وتـرد امرأة على عمـر مخالفة رأيه فى شـأن المغـالاة فى المهور، ويتنبـه عمـر إلى صواب رأيها وخطـأ رأيـه ، فيـرد من فـوره قائـلا: "أصابت امرأة وأخطـأ عمـر"، وفى موضع آخـر ممـاثل يقـول: "كل النـاس أفقـه منـك ياعمـر"، وسـارت الأمور بهـذه البسـاطة، فلم تنشـأ الحاجـة إلى مؤسسة رقابيـة تتولى الأمـة من خلالهـا مساءلة الحكام ، حتى درجت الأمة على عـدم ممارسـة سـلطتها الرقابيـة فى ظل هـذه الظروف ولم تستشعر حاجتها إلى مثـل هـذه "المؤسسة" أو "المجلس"، وبالتالى لم تتبين السبيل لممارسة مساءلة الحاكم ومراقبتـه، وما إن دعت الحاجة ، بعـد عهد الشـيخين وتطور الأحداث وتعقـدها، إلى مساءلة الحاكم وإخضاعه لرقابـة الأمـة وانصـياعه إلى أمرها، وامتثـاله لتوجيهاتها، حينئـذ لم تعـرف الأمـة كيف تنهض بإنفـاذ هـذه المساءلة، ولم يعرف الحاكم كيف يخضع لمطالب الأمـة على نحـو لا يرى فيـه نزولا منـه عن حقـوق لـه أو اختصاصات ينفرد بهـا. وكان ذلـك أول صدام بين الرعية والحاكم فى زمن خلافة سـيدنا عثمـان بن عفـان رضى اللـه عنـه، عنـدما أنكـر النـاس عليـه محاباتـه لأهله وإيثـارهم بالإمـارة والعطايا، وغير ذلـك من الأمـور التى رأى النـاس أنهـا تتطلب مسـاءلة الحاكم . ولكن نظـرا لعـدم وجـود أصول متفق عليها لآليات ممارسة هـذه المساءلة، فإن إنكـار المسلمين لمـا رأوه مآخـذ على سـيدنا عثمـان وامتنـاعه عن النـزول على رأى المسلمين، لم يتعـد حـدود الإنكـار من جانب النـاس، والرفض من جانب الخليفـة، فانتهى الأمـر بهم جميعـا إلى طريق مسـدود، فوثبـوا عليـه وقتـلوه، فلم تكن هنـاك وسـيلة سلمية للتفـاوض يعرض فيهـا الطرفان الرأى والرأى الآخر، ولم يكن هنـاك جهة ملزمة تقـوم بالتحكيم وإنفـاذ الرأي بعـد تبين جليـة الأمـر، فتلكم وظيفة-الجهة التنفيـذية-أو المجلس التنفيـذى، وتتطور الأحداث بعـد ذلـك، أو قـل تفاقمت وآل الأمـر إلى معاويـة الذى كان وراء الأحداث يحركها كيف يريـد، واستولى الأمويـون على مقـاليد الحكم، وحرصوا على مزاولته فى غيـاب هـذه المؤسسات الرقـابية التى كان ظهورها يعنى تقويض ملـك الأمويين من القواعـد، ولم تنشـأ مثـل هـذه المؤسسة الرقابية فى بلاد المسلمين منـذ ذلـك الحين، وللـه الأمر من قبـل ومن بعـد. ولا يكفى أن يكون الحاكم ورعا حتى يمكن القـول بعـدم الحاجـة إلى الآليـة الرقابيـة التى يمكن بهـا مساءلته، فقـد يكون الحاكم ورعـا تقيـا، ولكن الورع فى حد ذاته لا يكفى لعصمة الحاكم والحيلولة دون وقوعه فى تجاوزات قد لا يرى فيهـا أي خروج على المسموح به، بل يراهـا اجتهـادات يصيب فيهـا أو يخطئ، وقد لا يرى الحاكم الحـد الفاصل بين سلطاته وبين حقـوق المواطنين. ومهمـة الجهة الرقابية هى تحـديد هـذه الحـد الفاصل، وعـدم السـماح للحاكم بتجاوزه بأى حال من الأحـوال، سـواء بالقهـر، أو سـن القوانين الاسـتثنائية، أو باسـتثارة عواطف الجماهير فيدفعهـا دفعـا فى اتجـاه مضاد لمصالحها.

اجمالي القراءات 10102