الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر و طبيعة الدولة (إسلامية أو إستبدادية )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٤ - أبريل - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر  ).

الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى  )

الفصل الأول : (  الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا  )

رابعا : دور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى قوة الدولة الاسلامية 

(1  ) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر و طبيعة الدولة (إسلامية أو إستبدادية )

  أولا

 1 ـ الدولة إختراع بشرى أقيم لتنظيم شئون المجتمع وحمايته والدفاع عنه. وتنقسم الدول الى نوعين حسب المستفيد ، هل هو الشعب بكل أفراده أم المستبد بجنده وأعوانه . أى لدينا نوعان : دولة يقيمها زعيم عصابة لصالحه ودولة يقيمها أفراد المجتمع نفسه لصالح الشعب.

2 ـ دولة زعيم العصابة وقطاع الطرق تعنى أن عصابة ما تتكون من زعيم وقادته ومعه جنده وأتباعه يسيطرون على مجتمع ما ، إما أن يكونوا من داخل المجتمع أو جاءوا غزاة له وتحكموا فيه . هذه العصابة تحمى المجتمع وترعاه من منافسين لهم ، إمّا غزو لصوص آخرين من الخارج ، أو من لصوص آخرين من الداخل . تقوم زعيم العصابة الحاكمة بتنمية موارد الأرض وببعض العناية بالمجتمع شأن من يملك مزرعة وحيواناتها ، ولا بد له من رعاية المزرعة وحيواناتها ليزداد دخله . زعيم العصابة قد ينشىء الطرق ويقيم الجسور وينشىء المدن ويشق الترع ويرفع العمائر وعليها إسمه ، ويقوم بتسخير أفرد الشعب فيما يفعل ، وهو فى كل ما يفعل إنما ليزيد موارده ويعظم ثروته ويرفع إسمه وشهرته.  وهو فى كل ما يفعل يؤمن أنه يملك الأرض ومن عليها من بشر وحيوانات ومزارع وعقارات . هذه هى دولة المستبد البدائى .

3ـ التطور البشرى أجبر المستبد على إجراء بعض التعديل والتعليل والتبرير ليقنع شعبه بقبول الإستبداد ، وليأمن ما استطاع  تمرد المنافسين ، فأصبح زعيم العصابة يتحجج بالدين فيقيم دولة دينية يزعم أنه هو الممثل لرب العزة جل وعلا والمختار من لدنه لحكم المجتمع، وبالتالى فإن أى إهانة له فهى إهانة للدين فقد تقمّص هو وأتباعه الدين ، ومن ينتقده فهو كافر يستحق القتل ودخول جهنم وبئس المصير . وقد يتستر زعيم العصابة بالقومية ، فيزعم أن أفراد المجتمع كلهم متميزون عن بقية الخلق ، وهو يمثلهم ولا بد أن ينصهروا فيه طاعة له ، ومن ينتقده فهو خائن للقوم . وقد يزعم ( الزعيم ) أنه ممثل الوطن ، وان الوطن قد حلّ به وأنه إتحد بالوطن ، ومن ينتقده فهو خائن للوطن .

4 ـ تحررت أوربا والغرب وأقامت دساتير تحفظ الحقوق ، وعلى أساسها قامت دولة القانون بديلا عن دولة الفرد المستبد ، ونشأت ديمقراطيات نيابية بانتخابات ومجالس تمثل الشعب ونواب يتحدثون باسمه ، وسلطة تنفيذية تراقبها السلطتان التشريعية والقضائية واعلام حر يتابع ويفضح ويناقش .وبدأت شعوب الشرق التعس تتطلّع وتتحسّر وتحلم وتتحرّك وتستنكف فاضطر المستبد الشرقى لاخفاء عورة استبداده ببعض الديكور الديمقراطى ، من دستور هزلى وقوانين استثنائية وطوارىء مستمرة وانتخابات مزورة ومجالس نيابية من الراقصين والمصفقين ، واعلام يسيطر عليه البهلوانات والحواة ، ومجتمع يتحكم فيه رجال الدين ورجال الأمن .

5 ـ هذا المستبد الشرقى يواجه الآن تحديا من شباب الانترنت ومن زخم ثقافة حقوق الانسان والديمقراطية ، وسينتهى إن عاجلا أو آجلا فلم يعد العصر عصره . بل سيشهد المستقبل القريب تطور الديمقراطية النيابية لتصبح ديمقراطية مباشرة وكاملة ، وهى نظام الشورى الاسلامية . وندخل بهذا على النوعية الثانية من الدول : الدولة التى يقيمها المجتمع نفسه .

6 ـ دولة الناس (We People)يقيمها الناس جميعا وفق عقد وعهد ودستور يحفظ الحقوق وينظم العلاقات بين أفراد المجتمع . الأغلب السائد الآن هو الديمقراطية النيابية بمجالس تشريعية يمثل فيها النوّاب المواطنين حسب مناطقهم . وعيبها تركز الحكم فى الطبقات الثرية التى تستطيع التبرع للمرشحين فى حملاتهم الانتخابية ، ومن ثم السيطرة عليهم وتوجيه القرار السياسى لصالح المؤسسات الكبرى التى تملك معظم الثروة ، وبالتالى تتحالف الثروة مع السلطة تحت واجهة الديمقراطية المنقوصة أو الديمقراطية غير المباشرة أو الديمقراطية النيابية التمثلية التى ( يمثل ) فيها (الأقلية) الغنية القادرة على الترشيح يخدعون فيها ( الأغلبية ) التى لا تملك سوى التصويت . هى  (ديمقراطية الملأ القرشى الحاكم ). ولكن تظل بما فيها من حرية وليبرالية وتمسك بالقيم العليا أفضل ملايين المرات من الاستبداد بكل أنواعه.

7 ـ الأفضل ـ وهوالأقل حاليا ـ  أن تكون ديمقراطية مباشرة بلا مجالس نيابية بل بجمعيات عمومية يحضرها أفراد الشعب فى نظام لا مركزى فى كل قرية وكل حى وكل مدينة ، ويختارون أولى الأمر أو اصحاب الاختصاص ليباشروا الادارة وخدمة المواطنين تحت رقابة ومحاسبة الشعب فى كل مستوى من القرية الى الحى الى المدينة. مع تقسيم للمهام وتنسيق بين العاصمة والشئون القومية العامة للدولة من علاقات خارجية ودفاع وأمن ..الخ من ناحية وشئون محلية داخلية تخص كل قرية وحى ومدينة .

8 ـ وهذه هى الديمقراطية الاسلامية أو الشورى كما جاءت فى القرآن الكريم .ولنا فى هذا بحث بالعربية سننشره لاحقا بعون الله جلّ وعلا ، مع بحث آخر بالانجليزية منشور فى موقعنا . على أن هذه الدولة الشورية الديمقراطية ليست بدعا من الدول . فقد أقيمت قديما فى اليونان ، وتأخذ بها محليا بعض المناطق فى سويسرا ودول اسكندنافيا وبعض مناطق فى الولايات المتحدة الأمريكية . ولكن الذى يهمنا إنه تم إقامتها فى دولة الاسلام الأولى ،والاخيرة ـ فى المدينة فى عهد خاتم النبيين عليه وعليهم السلام.

9 ـ إقامة دولة الشورى ( الديمقراطية المباشرة ) فى عصرنا أيسر كثيرا من العصور الماضية التى أقيمت فيها فى اليونان وفى المدينة . بوسائل الاتصالات الحديثة المباشرة وبالانترنت يمكن بكل سهولة عقد الجمعيات العمومية العلنية لكل بلد وقرية وحى ومدينة حيث يحضرها كل أفراد البلد أو القرية أو الحى أو المدينة ، وفيها يتم اختيار الخبراء (أولى الأمر ) وتتم مناقشتهم ومحاسبتهم . ويكون ذلك علنا أمام الجميع داخل البلد والقرية والحى والمدينة وخارجها على مستوى الوطن والمجتمع كله .

10 ـ التحدى الوحيد هنا هو موضوعنا ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) ، بمعنى آخر هل المجتمع حىّ ومتفاعل ونشط بكل أفراده ، يتواصى فيه الجميع بالخير ويتناصح فيه الجميع بالمعروف المتعارف عليه من عدل وقسط وحرية وخير وحق ، ويتناهى فيه الجميع عن الظلم والكذب والبغى والخيانة والفسق والشرور ؟  أم هو مجتمع خامل نائم ؟ مجتمع ( وأنا مالى ؟ ) مجتمع ( إذا جاءك الطوفان فضع ابنك تحت رجليك ) مجتمع ( ضرب الحاكم شرف ) مجتمع ( علقة تفوت ولا حد يموت ) مجتمع ( إذا كانت البلد بتعبد عجل قم حشّ له البرسيم ) مجتمع ( إذا كان لك عند  الكلب حاجة قل له يا سيدى ) مجتمع ( اللى يتزوج أمى أقول له ياعمّى ) مجتمع ( ن.. الحكومة ولا توريها ز..) مجتمع الأغلبية الصامتة الساكنة الساكتة المقهورة .

11 ـ فى وجود هذه الأغلبية الصامتة يصل للحكم أى معتوه مثل القذافى وأى بليد مثل مبارك وأى جاهل أمى مثل عبد الله آل سعود . بل من مضحكات عصرنا أن بعضهم ابتدع للقذافى ( الكتاب الأخضر ) ونظرية عصر الجماهيرية وحكم الجماهير ، والمجالس الشعبية التى تحكم محليا من القرية الى المدينة . هو كلام رائع وجميل ، ولكن كان التطبيق على العكس تماما ، وبه اصبح القذافى هو القائد المتحكم فى كل شىء حتى فى تفكير الناس وفى نفس الوقت ليس له منصب رسمى .! . الذى ساعد القذافى ليس فقط سياسة الارهاب الأمنية ولكن صمت الأغلبية وخنوعها . فلما تحركت الأغلبية إهتز عرش القذافى ، ثم زاد تحركها وغليانها فانهار القذافى وصار إضحوكة فى مماته كما كان فى حياته . الآن تتحرك عناصر من الأغلبية الصامتة يمثلون الشباب الثائر ، بينما تختار معظم الأغلبية الجلوس على الارائك ينظرون يشاهدون الأخبار ويعلقون متكاسلين .

12 ـ فى موضوعنا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لدينا طوائف ثلاث : شباب الثورة ، وهم بما يفعلون ـ وحتى وهم لا يدركون ـ يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . ثم هناك الحكام الطغاة والساعون الى وراثتهم من الوهابيين السنيين وأمثالهم ، وأولئك باستبدادهم وظلمهم وفسادهم ـ أى بافعالهم ـ يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ثم هناك الصامتون الساكتون عن الحق ( حزب الكنبة ).

 13 ـ نجاح الثوار مرتبط بصمودهم وبانضمام معظم الأغلبية الصامتة اليهم.. استمرار وجود الأغلبية الصامتة معناه وقوع البلاد فى حمامات دم ، وسيكون الضحايا هم الأغلبية الصامتة نفسها وابناؤها ، أى إن الأغلبية الصامتة ستدفع الثمن من أبنائها ومن حاضرها ومستقبلها . ففى حالة عدم الحسم واستمرار القلاقل والفتن والاعتصامات والمظاهرات والمحاكمات والشائعات والمناورات والمؤامرات سينهار الاقتصاد وستستشرى المجاعات والكوارث الاقتصادية وينعدم الأمن ، وتتجهز البلاد لحروب أهلية وحمامات دم . يمكن تقصير أمد المعاناة لو تحركت الأغلبية الصامتة وكسرت حاجز الخوف وودعت الصمت والسلبية والخمول والذل والاستكانة ووقفت الى جانب حقوقها مع أبنائها شباب الثورة . عندها سيقف العالم بكل قوة الى جانب الثورة الحقوقية بلا خوف من سيطرة السنيين والارهابيين ، وسينهار معسكر الظلم من المستبد القائم فى الحكم والمستبد الساعى الى الحكم.

14  ـ لو نجح الثوار فى سعيهم لاقامة الأمر بالمعروف وفى التصدى للمنكر فربما تقام دولة الاسلام الحقيقية القائمة على الديمقراطية المباشرة والقسط والحرية الدينية والسياسية وحقوق الانسان .

 أخيرا :

ندخل بهذا على القسم الرابع من الفصل الأول وهو عن دور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى قوة الدولة الاسلامية  فى لمحة قرآنية تاريخية . ونبدأ فى المقال القادم بالحديث عن أهمية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى إقامة مقاصد الشرع الاسلامى ، حيث يتأسس هيكل الدولة الاسلامية على مقاصد الشرع الالهى وهى الحرية والعدل والتقوى .

اجمالي القراءات 12537