فـقـه الـمـصـالـح فـي إطــار مــدرسـة دمـشــق لـلـمـنـطــق الـحـيـــوي

رضا عبد الرحمن على في الإثنين ١٢ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

فـقـه الـمـصـالـح فـي إطــار مــدرسـة دمـشــق لـلـمـنـطــق الـحـيـــوي

نظرا لحبي الشديد وعشقي الأكيد وارتباطي الوثيق بوطننا وأمنا الغالية مصر فدائما ما أبحث بإخلاص عن حلول لأي مشكلة تحدث على أرض هذا الوطن الحبيب ، يعاني منها معظم المصريين ، لكن هناك علماء ومفكرون أكثر مني حبا وعلما وحرصا على هذا الوطن ، ولذلك يتوقعون حدوث الثورات والتغييرات السياسية والاجتماعية قبل حدوثها بسنوات أو بعقود ، ويؤهلهم لهذا عقليتهم المستنيرة وفكرهم المضيء وقراءة التاريخ بحيادية دون تقديس الأشخاص لإظهار خطايا البشر ووضعها أمام الناس لكي لا يقعوا في أخطاء السابقين ولكي يأخذوا العظة ولكي لا يتكرر ما حدث على أرض الواقع بسبب سلوكيات وأفعال الناس.

وبعض هؤلاء العلماء يسبق فكره الزمن الذي يعيش فيه فقد يتنبأ أحدهم بما سيحدث في المستقبل إذا توافرت مجموعة من الظروف والأحداث والعوامل.

وبهذه الفطرة التي فطرنا الله عليها وهي حب الوطن والخوف عليه والتفكير والانشغال بحاضره ومستقبله ، وجدت من الضروري التذكير بهذا الموضوع الهام ، الذي تناول مشكلة هامة وخطيرة يعيش فيها المجتمع العربي كله منذ عقود ، ورغم مرور الزمن إلا أن المشكلة لا تزال قائمة ولا يزال العرب جميعا يدفعون الثمن بسبب انتشار وسيطرة ثقافة المصالح استنادا على مرجعية دينية هي فقه المصالح ، مما أدى إلى توزيع الثروات بصورة ظالمة وغير عادلة وتنتهك فيها حقوق معظم المواطنين في البلاد العربية.

اليوم أنشر موضوع تمت مناقشته في رواق ابن خلدون وبحضور كوكبة من المفكرين المصريين  وبعض   الأشقاء العرب.

الموضوع بعنوان:ــ

فـقـه الـمـصـالـح فـي إطــار مــدرسـة دمـشــق لـلـمـنـطــق الـحـيـــوي

بتاريخ 4/5/1999م العدد 91 السنة الثالثة يوليو 1999م

المتحدث المفـكر السوري / د. رائــق الـنــقـري

 بدأ المفكر السوري حديثه عن مدرسة دمشق للمنطق الحيوي ، فقال أنها مبادرة فكرية سياسية انطلقت في سوريا بعد هزيمة 1967م للبحث عن صيغة جديدة تواجه الهزيمة حضاريا وعسكريا ، ونشأت المدرسة سراً خوف الملاحقة الأمنية ، وانضم إليها الشباب من الجنسين مع التركيز على الطلائع العسكرية ، ولم يكن الهدف من المدرسة انقلابا عسكريا ، ولكن كان التعبير العقلي لتصبح الشعوب العربية أكثر قدرة على الصراع الحضاري مع اسرائيل ، إلا أن السلطات السورية ما لبثت أن اعتقلت أكثر من مائة من رواد جناح المدرسة عام 1976م ، وفي هذه الفترة تم الإفراج عن هم عام 1982م ، وهي مدة قياسية في الإفراج تنظيم سري له جناح عسكري ، وفي هذه الفترة تم نشر ستة كتب لقائد التنظيم د. رائق النقري عن المنطق الحيوي كانت نتاج تفاعل داخل التنظيم الذي أخذ فيما بعد اسم مدرسة دمشق للمنطق الحيوي ، ومع أن الكتب لم تنشر داخل سوريا ، إلا أنه تم نشرها وتداولها خارج سوريا.

والمنطق الحيوي باختصار يتجاوز الثنائيات الموروثة وإشكالية المذاهب القومية والدينية والأفكار الأحادية ، ومع ذلك فليس المنطق الحيوي مذهبا فكريا جديدا ، وليس اجتهادا دينيا يتشابك مع المعتقدات ، ولكنه طرح عملي واقعي لمنظومات التفاعل الاجتماعي ، ولذلك فإن المنطق الحيوي يرى أن كل الأفكار والممارسات والنظريات والمذاهب والمجتمعات تختلف وتتفق فيما بينها ، ويدعوها المنطق الحيوي إلى أن ترى القانون الكوني العام المشترك الذي يجمع بينها ، سواء كانت ظواهر اجتماعية أو عقلية أو غير ذلك ، وتفسير اختلافها من خلال ردها إلى المنظومات المنطقية التي تستند إليها وتتحوى بدلالتها ، ومن هنا يقوم المنطق الحيوي على "الشكل" كمفهوم نظري وعملي يختلف عن أي جوهر مادي أو روحي ويتجاوز أية ثنائية كالذات والموضوع والوجود والعدم ، ومن الشكل نستمد الحركة ، وفي الحركة نستمد الصيرورة التي هي مصدر الحيوية بوصفها تحديات المعروف ، ولكن بمفهوم فلسفي يجعل من حق كل طائفة أن تبحث عن مصلحتها في ضوء احترام مصالح الآخرين ضمن منظومة كلية كونية ، تهتم بالإنسان في كل زمان ومكان.

وبــدأت تـعــلـيــقــات الــــرواق:ــ

قال الفنان:  محمد نوح : نبدأ بتجديد المصالح بعيدا عن العواطف الشكلية ، وهذه هي البراجماتية الأوروبية حيث لا توجد علاقات دائمة بل توجد مصالح دائمة ، وهذا ما نفتقده في سياستنا ، وهناك خطورة أخرى تتمثل في اللغة العربية وهي لغة مطاطة تحتمل التأويل وفيها متسع للمجاز وتتجلى هنا خطورة فقه المصالح حين يفسره الفقهاء ، المتزمتون وفق مصالحهم ، وقد دفع د.أحمد صبحي منصور الثمن بسبب ذلك ، وقال محمد نوح للمتحدث لا أوافقك على ثلاثة أرباع ما قلت ولكن أوفقك على المنهج الذي اتبعته ، وبذلك فإن رواق ابن خلدون يتحول إلى بؤرة ثقافية تنويرية مؤثرة وسط هذا الجو المحيط.

وقال: د . حسن عيسى : فقه المصالح الذي استمعنا إليه ينتمي إلى علوم السياسة وليس علوم الشرع ، والواقع أن فقه المصلحة يمكن من خلاله تفسير التاريخ الإنساني وتاريخ المسلمين أيضا ، ونحن نحتاج إلى نظرة للمصلحة العامة لنا في عالم يبحث عن مصالحه ، وكلمة الشكل التي اختارها لمتحدث تقابل كلمة المضمون أو التضمين.

ورداً على ما تردد في الرواق من "وحدة الوجود" المذهب الصوفي والفلسفي ردّ : محمد رفعت بيومي : بأنها تناقض الإسلام لأن الله تعالى ليس كمثله شيء وتساءل عن موقع الروح في المنطق الحيوي ، وقال أن العولمة ستنشر الثقافة البراجماتية النفعية وسيشكل خطرا على الهوية المحلية يستوجب حمايتها مع انفتاح رشيد على العالم.

وأشار المهندس : فتحي عبد السلام : إلى التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة بعنوان "جيران في عالم واحد" لإنقاذ البيئة العالمية من التلوث والاستنزاف ، وقد أكد التقرير ــ الذي وضعه عقلاء العالم ــ على أهمية الرقي بالفقراء بالعالم ونشر الديمقراطية والوعي والعدل الاجتماعي ومواجهة الفساد والظلم لأن الفساد الأخلاقي ينجم عنه تلوث بيئي ، طبقا لقوله تعالى " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيد الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا".

وأشار دكتور محمد عثمان الخُـشت: استاذ الفلسفة بجامعة القاهرة ، إلى أن المتحدث قدم منهجا وأداة يتضمن تصورا للكون والحياة ، وقال ان كلمة "الشكل" التي قدمها بمعنى المضمون لا تشمل كل شيء والأفضل منها كلمة "شيء" واستنباط "الحركة" من مفهوم "الشكل" لا يستند إلى تلازم منطقي لأن الشكل يتلازم مع الثبات وليس الحركة.

وقال د. محمد أبو الإسعاد : أن المحاضر يقدم لنا دينا جديدا متأثرا بإقامته في أمريكا ورغبتها في السيطرة على العالم وفلسفتها المصلحية ، وتساءل عمّا وراء هذه الأفكار وصلتها بالهيمنة الأمريكية.

وقال عبد الفتاح عساكر: ان فقه المصالح بمفهوم (رائق) غير (لائق) لأن أصوله فلسفية قديمة تخالف القرآن ، وكان أولى به أن يتفهم القرآن ويستخلص منه منهجا يستفيد منه المسلمون.

وفي النهاية قال د. أحمد صبحي منصور: ان من أهداف التشريع الإسلامي تحقيق المصلحة ، من حيث التخفيف والتيسير ورفع الحرج ، ولكن الهدف الأقصى لكل الشرائع  الإلهية هو "أن يقوم الناس بالقسط" كما جاء في سورة الحديد آية 25 (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ....)

والمعنى أن يتعاون الناس جميعا (بدون أغلبية صامتة أو أغلبية سلبية) على إقامة القسط فيما بينهم ، وبالتالي يتأكد لديهم الشعور الجماعي بأن المصلحة الفردية لكل شخص لابد أن تتسق مع المصالح العامة للوطن ولا تتعارض مع المصلحة الخاصة للفرد الآخر ، وهذا معنى أن يقوم الناس بالقسط ، فإذا فعلوا ذلك أقاموا شرع الله تعالى في التعامل فيما بينهم ، حتى لو لم يكونوا يعرفون شيئا عن الشريعة السماوية ، فإذا انفرد شخص واحد أو طائفة بتحقيق المصالح الخاصة لهم ، فإن الظلم يتأكد ويستقر مكان القسط والعدل وينتج عن ذلك تهميش  المظلومين وازدياد الظلم مما يدفع إلى الثورة واللجوء إلى العنف والحديد ، وهذا ما تشير إليه بقية الآية ، في قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ .....) وهكذا فإن عدم اقامة شرع الله تعالى القائم على القسط والعدل يدفع بالمجتمع إلى كارثة وحرب أهلية يحل فيها الحديد محل الدعوة السلمية للعدل والقسط .. ومن هنا ينبغي أن يراعي فقه المصالح جانب القسط ، والعدل حرصا على سلامة المجتمع وإلا تحول إلى غابة. 

الـتــعــلــيــق :ـــ

أولا:ــ مع كامل احترامي لكل المعلقين على الموضوع أعلاه سواء كنت أتقف أو اختلف معهم .

ثانيا :ــ أعيد نشر هذا المقال لسببين أساسيين :ـ

السبب الأول:ـ لأن النظام الحاكم في مصر في أواخر عام 1999م بدأ فعليا التجهيز لحملة ضد مركز ابن خلدون لأن الرواق الذي أشرف عليه أحمد صبحي منصور كان له صدى وتأثير محلي وقومي داخل الوطن العربي كله باستضافته مفكرين ومعارضين من جميع البلاد العربية لمناقشة وضع حلول أو آلية حقيقية للإصلاح الفكري والسياسي في الوطن العربي ، وحسب رؤيتي الشخصية الآن إن ما حدث من حملة تشويه للمركز والقبض على د. سعد الدين إبراهيم ، وبعض العاملين بالمركز بتهم التمويل الأجنبي (التهمة التي لم تتغير حتى بعد الثورة) ، وكان في الطريق سيتم القبض على أحمد صبحي منصور وبعض أقاربه لكنه بادر بالسفر ، وهذه القضية التي تم الاستعداد لها جيدا كان هدفها قتل أي محاولة لتوعية الناس وإصلاح المناخ الفكري (السياسي أو الديني) في المجتمعات العربية ، ولا أستبعد أن يكون الهجوم على مركز ابن خلدون في هذه الفترة كان بالتنسيق والاتفاق مع بعض الدول العربية مثل السعودية وسوريا.

وبكل همة يقوم جهاز الأمن المصري بالمهمة على أكمل وجه ، ووسائل الإعلام كذلك والأزهر يساهم في تشويه صورة العلماء والمفكرين الذي يحاولون فضح السياسات الفاسدة للأنظمة العربية ، وكذلك فضح وتعرية الفكر الوهابي الذي يتناقض مع القرآن على طول الخط ، فهي مؤامرة واضحة ضد ابن خلدون كمنبر لتعليم المواطنين وتثقيفهم وتنويرهم بحقوقهم السياسية ، وضد أحمد صبحي منصور كمفكر قرآني يجتهد في إظهار وتجلية حقائق القرآن وتخليص الإسلام من سيئات المسلمين.

السبب الثاني :ــ هذا الهجوم على ابن خلدون في هذه الفترة كان سببا رئيسيا في تأخير الربيع العربي حوالي عشر سنوات تقريبا خصوصا في مصر ، لأن موضوع التوريث في مصر كان لا يزال جنينا لم يولد من رحم النظام الفاسد ، لأن ابن خلدون من خلال فريق العمل صنع حالة من الوعي عند كثير من المصريين ، والرواق من جهة أخرى صنع حالة من الحراك الفكري والنشاط العقلي وصدمة فكرية عند كثيرين ، وهذا كله كان ضد مصالح النظام السياسي الفاسد في هذه الفترة التي كان لابد أن يسود فيها الهدوء والسكينة لتمرير موضوع التوريث دون أي معوقات ، وأكبر دليل على ما أقول أنه رغم القبض على د. سعد وبعض رفاقه ووضعهم في السجن ، ورغم حملة التشهير والتشويه التي قام بها الأزهر ووسائل الإعلام على أكمل وجه إلا أن المركز لم يغلق وعاد يمارس عمله من جديد ، ورغم أن الهجوم والتشويه طال شخص أحمد صبحي منصور إلا أن نجليه (الشريف ومحمد) ظلّا يعملان بالمركز حتى عام 2005م ، مما يؤكد أن هذه القصة مدبرة ومقصودة ولها هدف محدد وقتي ، وهدف بعيد المدى مثل إرهاب المفكرين وإسكات الجميع.

أخيرا ::ــ لا أجد هنا أفضل مما قاله الدكتور منصور في تعقيبه على الدكتور رائق النقري ، حين حذّر من العواقب الوخيمة للظلم والفساد والاستبداد والاستعباد وأنها قد تكون سببا في ثورة حقيقية يطالب فيها الشعب بإقامة العـدل والقسط في المجتمع ، وهذا ما حدث في ثورتي تونس ومصر ، ولا ننسى أن شعار الثورة المصرية هو (كرامة حرية عدالة اجتماعية).

 متى يتعلم هؤلاء من التاريخ.؟ ومتى يقرأون نصائح العلماء والمفكرين ويتعاملون معها بعين الاعتبار.؟.

  

اجمالي القراءات 9850