معركة اعداد الدستور المصرى

حمدى البصير في الإثنين ٠٥ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

  

 

معركة اعداد الدستور الجديد

حمدى البصير

معركة سياسية بدأت من أجل إعداد الدستور الجديد أو دستور مابعد ثورة يناير .

وهناك حراك سياسى واسع فى مصر ، بدأ منذ إنعقاد مجلسى الشعب والشورى جلستهما المشتركة أول أمس السبت من اجل إختيار مائة عضو أعضاء اللجنة التأسيسية التى ستعد الدستور الجديد ، ومن المقرر أن ينعقد المجلسين مرة أخرى فى جلسة مشتركة يوم 24 مارس الجارى من اجل إنتخاب أعضاء اللجنة ، الذين سيصيغون دستورا توافقيا جديدا ، يقود مصر سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا لفترة طويلة ويحدد ملامح النظام السياسى المصرى فى مرحلة مابعد الثورة ، برلمانيا أم رئاسيا أم مختلطا ؟ وينص صراحة على طبيعة النظام الإقتصادى ، ويضع خارطة طريق قانونية لمعرفة الحقوق والواجبات لكل المواطنين دون تمييز ، وتدشين عهد جديد بين المواطن والسلطة ، يقوم على الإحترام ، وتأكيد المواطنة وقبول الأخر ، وعمل فصل كامل وحقيقى بين سلطات الدولة الثلاث ، التنفيذية والتشريعية والقضائية ، دون أن تطغى أى سلطة على الأخرى أو تهيمن بشكل قانونى سلطة ما على الحياة اليومية ـ مثلما كانت السلطة التنفيذية تقود الدولة فى المرحلة السابقة - ، أى مطلوب دستور توافقى يعبر عن المرحلة الحالية ، ويطبق على أرض الواقع شعار ثورة يناير المتمثل فى العيش بحرية وكرامة إنسانية وتحقيق العدالة الإجتماعية .

معركة إعداد الدستور بدأت بشكوك وريبة بين التيارات السياسية المختلفة ، وهناك توجس عام من سيطرة التيار الإسلامى على لجنة إعداد الدستور وصبغ " أبو القوانين " أى الدستور الجديد بصبغة إسلامية ، ولاسيما بعد أن طلب حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين ، بأن يمثل أربعين عضوا فى اللجنة التأسيسية من أعضاء مجلسى الشعب والشورى ، وثلاثين من الشخصيات العامة ، والثلاثين الأخرين من ممثلى النقابات المهنية والمجتمع المدنى ، بينما طالب حزب النور السلفى برفع عدد أعضاء البرلمان بغرفتيه – الشعب والشورى – إلى 60 عضوا ، كما طالب ممثل حزب البناء والتنمية " الإسلامى " برفع عدد الأعضاء إلى الى 70 والباقى من المتخصصين .

وفى المقابل إستنكر بعض الخبراء الدستوريين هيمنة السلطة التشريعية على لجنة إعداد الدستور ، على إعتبار إن ذلك سيطرة مسبقة من البرلمان على السلطتين التنفيذية والقضائية ، وطالبوا بتمثيل كافة فئات " الشعب " فى عملية الصياغة ، وهذا يستحيل بالطبع .

على جانب أخر طالبت كل الأحزاب بتمثيل مشرف لها فى لجنة الإعداد وعدم هيمنة الحزبين الإسلاميين الحاصلين على أغلبية برلمانية على عملية الصياغة وإنتقاء المواد الدستورية ، كما طلبت النقابات المهنية والعمالية بالتواجد أيضا ضمن عضوية اللجنة ، ومن المنطقى أن تطلب المرأة بتمثيل قوى فى لجنة الإعداد ، وأيضا ألح الأقباط على تمثيل قوى فى صياغة الدستور ، بل طالب النوبيون وبدو سيناء ومطروح بتواجدهم ضمن لجنة الصياغة ، بل أبدى الصوفييون والشيعة رغبتهم بضرورة تمثيلهم فى لجنة إعداد الدستور بشكل أو بأخر، بإعتبارهم مواطنين مصريين ولهم نفس الحقوق والواجبات ، خاصة انهم غير ممثلين بأعضاء فى مجلسى الشعب والشورى .

والحقيقة إن ترك العنان لكل الأحزاب والنقابات وباقى منظمات المجتمع المدنى وأعضاء البرلمان والاقباط والمرأة والفئات المختلفة ، سيجعلنا ننتخب لجنة " الألف " وليس لجنة المائة لإعداد الدستور ، بل إن الأقباط مثلا سيختلفون ، هل سيكون من بين أعضاء اللجنة أرثوذكس فقط ، أم كاثوليك وإنجليين ؟ وهل سيكون هناك تمثيل جغرافى للمحافظات أى من الصعيد والدلتا والأسكندرية وسيناء ، أم سيتم الإختيار على أساس الكفاءة والخبرة ، وهل سيمثل شباب الثورة بشكل كبير أم هامشى ؟ وهل مساحة الخلاف السياسى والعقائدى بين الإسلاميين واليساريين والناصريين والليبراليين ستتسع وستنعكس على عملية إنتخاب اللجنة ، أم ستذوب تلك الخلافات؟

وكذلك عند إختيار " كوتة " أعضاء مجلسى الشعب والشورى لعضوية اللجنة .. هل سيكو أغلبهم من " الإسلاميين " أصحاب الأغلبية فى المجلسين ؟ أم سيتم إختيار عضوا من كل حزب ؟

وهل الشخصيات العامة الذين سيتم إختيارهم سيكونون غير حزبيين أم سيصنفون سياسيا ودينيا ؟

الأيام القادمة ستشهد جدلا سياسيا حول إنتخاب لجنة إعداد الدستور ، وقد يؤخر ذلك الجدل عمل تلك اللجنة ، ولاسيما إننا نعيش مرحلة إنتقالية مليئة بالشك السياسى الذى يصل إلى مرحلة التخوين أحيانا ، وأيضا هناك إنقسام " طبيعى " بين الطوائف الدينية والاحزاب السياسية ، وبين الثوريين والفلول ، و بين البرلمان والميدان .

ومن هنا لابد أن يكون المعيار الأساسى لإنتخاب اللجنة التأسيسة لإعداد الدستور الجديد هو الكفاءة أى يكون أغلب أعضاء اللجنة من رجال القانون خاصة فقهاء القانون الدستورى ، من العمداء ورؤساء الأقسام فى كليات الحقوق المختلفة وكبار المحامين ، وأيضا خبراءالسياسة والإقتصاد المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والإستقلالية ، لان هؤلاء هم أهل الخبرة والمتخصصين ، ولامانع أن يكون من بين هؤلاء الخبراء الدستوريين برلمانى مخضرم وسياسى محنك وسيدة متخصصة ومحام قبطى لامع ، وفلاح فصيح ونقابى متمرس، أى يكون أعضاء اللجنة من المتخصصين وأصحاب الخبرة الدستورية .

وأن يتم أولا حسم الجدل على المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع ، ويجب عدم المساس بها مع ضمان حقوق الأقباط ، وحقهم فى تطبيق شرائعهم عليهم ، وأيضا لابد أن ينص الدستور صراحة على المساواة الحقيقية بين أفراد الشعب ، واليات تحقيق العدالة الإجتماعية وكفالة الحقوق والحريات بشكل كامل ، مع الحفاظ على النظام العام .

نحن أعددنا فى السابق أفضل الدساتير فى العالم من حيث الصياغة ، وبها أرقى النصوص فى الدنيا التى تضمن وتكفل الحقوق والحريات ولكن تللك النصوص كانت جامدة وبدون فاعلية ، بسبب تركز السلطات فى أيدى رئيس الجمهورية ، وطغيان الحاكم الفرد ، وسيطرة الحزب الواحد ، وغياب الديمقراطية والإرادة السياسية والمطلوب فى الدستور الجديد مواد تضمن حقوق وحريات وكرامة المصريين مع ضروة تفعيل وتطبيق تلك المواد ددون تمييز أو محاباة ، ولاتكون حبر على ورق ، وهذا هو المهم . ولابد أن يعلم أعضاء اللجنة المنتخبة لإعداد الدستورأنهم أمام مسؤلية جسيمة لابد من تحملها بأمانة لأنهم سيحاسبون أمام التاريخ بل ويوم القيامة إذا قصروا فى تحملها

حمدى البصير

Elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 10004