صنع الله الذي أتقن كل شئ
الجزء الثاني من رحلة الصحرا البيضا

محمد عبدالرحمن محمد في السبت ٠٣ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

       

                      (صنع الله الذي أتقن كل شئ)

 هذا هو الجزء الثاني من وصف رحلتي داخل الصحراء البيضاء، وليكن بمعلومك عزيزي القارئ أنك لو قمت بمائة رحلة لا يمكن أن تحيط بما في تلك المحمية من إعجاز إلهي في خلقها وتشكيلها بهذ الحسن وهذا البهاء.. فسبحان من خلق وسبحان من صنع وأتقن صنع كل شئ يقول تعالى :

  {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }النمل88

 وإذا كانت هناك في البحر الأحمر جنات تحت مياة البحر من الشعب المرجانية والمروج والأسماك الملونة،  وكذلك الأرخبيلات الملونة بألوانها البديعة كما في الحاجز المرجاني العظيم في المحيط الهادي  وفي البحر الكاريبي .. والمخلوقات الأسطورية.. التي تبهر العقل لإتقان خلقها وبهاء صنعها .. !!

 كل ذلك وأكثر منه من جنات من الصخر كما الجنات التي تحت مياة البحر  وذلك فوق رمال الصحرا البيضا  لا تقل بهاءاً وإتقاناً عنها..!!

  ولو كانت هناك فرصة لعرض صور لا تقل جمالا من مناظر السحر تحت سطح البحر وجنان الزهر لكانت صور تكوينات الصخر في الصحرا البيضا,,!!

لكن سوف نكتفي بإلقاء وصفا ليس كافياً للتعبير عما هناك من سحر الصنع وإتقان الله في الخلق وفي الطبيعة الواسعة الشاسعة.. التي يحار العقل في جمال التكوينات الصخرية التي لا تقل جمالا .

     

أولا : شجرة السنط العجوز العفية الوارفة الظلال:

 أصر دليل وسائق الرحلة أن نذهب أولاً إلى شجرة السنط العجوز وكنا نتعجب من ذلك .. وعندما وصلنا ذُهِلْنَا من روعة الاصرار على الحياة والتكيف لدى هذه الشجرة العجوز .. قالوا أن عمرها يتعدى المائة عام.. وأنه كل السياح ورواد المحمية يؤكدون ذلك....

هى شجرة عجوز كبيرة جدا وارفة الظلال مورقة الأغصان الكبيرة الملتوية والمتضخمة التي تشبه المخلوقات الأسطورية التي تبعث في النفس الريبة والخوف .. فهى تشبة الديناصور وربما  التنين الضحم في التوائها وغِلظة فروعها.. ونتوئاتها القوية التي منها تتعرف على رسوخها واصرارها على البقاء..

يهرع إليها كل رواد المحمية ليستظلوا في ظلها من الهجير وكأنه تكييف طبيعي .. وللتأمل والمنظر الجميل .. بها زهور كثيفة .. وتفرز الصمغ الكثير.. وترتادها الطيور الجبيلة وربما النحل.

العجيب الملفت للنظر : جذور تلك الشجرة العجوز.. فبعد أن انفصل الجزع ومعه الجذر الأم لطول عمر الشجرة.. تكونت جذور جديدة عجيبة جذور ليست تحت سطح التربة الرملية الصخرية.. بل هى فوقها.. تراها بعينيكِ مصرة على اختراق التربة والعثور على المياة داخل التربة.. من أسفل ,, وهى طافية فوق سطح التربة تمتص مياة الندى من الجو في الصباح لتساعد في اجتذاب وامتصاص الماء بكل  الطرق والوسائل .. لتبقي شجرتها حية ونامية دائمة الخضرة والظلال.

 جلسنا عندها ساعة أو اكثر وشعرنا بالأمان والراحة  النفسية ثم  انطلقنا إلى عين خضرا وكنت قد ألقيت بعض الضوء عن تكوينها في مقال الصحرا البيضا.. الأول.

حقاً إنها شجرة طيبة تظل الآوي إليها من عناء وهجير الصحراء.!

 وتستحق أن تكون مزاراً من مزارات المحمية الطبيعية..

             ثانياً : صخرة المظلـــــــــــة ..

 في بداية المحمية صخرة كبير ممتعة منظرها بديع .. تشبه الشمسية  أو الأمبيرلا .. بمعنى الكلمة ليست صخرة واحدة وليست شمسية واحدة ,, بل اكثر ..

 وما كنت لأصدق انك كما تستظل بالشجر يمكنك أن تستظل بالصخر ..

يمكنك أن تتأمل وتتعجب في هذا النحت الإلهي  وهذا الصنع المتقن.. وفي نفس الوقت تستظل بظلها من حر الشمس . التقطنا صورا عديدة لتلك الشمسيات الصخرية العجيبة الممتعة. وانصرفنا إلى غيرها..

وكما أن أفضل لون للشمسية القماش أن يكون لونها أبيض ناصع البياص لتعكس أشعة الشمس بعيدا عن المُسْتَظِلِ بها  فإن الشمسيات الصخرية في الصحرا البيضا لونها أبيض ناصع البياض !! لأن الله تعالى خلقها من حجر جيري أبيض ناصع البياض لاتقوى عيني الناظر لها لأن يحدق فيها طويلاً وقت ذروة الشمس..

فهى تعكس الأشعة ويظهر المكان مشرقا إشراقاً متألقاً يبعث في النفس الفرح والسرور والانكسار في نفس الوقت.!

                ثالثاً : صخرة عش الطائر ..!

  ما أبدع أن تجد صخرة بحجم كبير على شكل عش الطائر ويحملها فرع من الصخر مثل فرع الشجر ،تسع الصخرة مبيتاً لطائر أسطوري كبير الحجم مثل العنقاء .. أو الرخ..  كما يسع هذا العش الصخري لصغار فراخ طائر أسطوري..

 أخذنا الصور بجوار هذا العش الفريد من نوعه .. لقد ذُهِلنا من روعة ما نرى ولم أكن أعلم أنه على شكل عش الطائر حتى رأيت فيلما أجنبياً رأيت فيه هذا الشكل للعش ،فعرفت أن هذه الصخرة قد شكلتها رمال الصحراء بهذا المنطر والمنحت البديع. وسبحان من أتقن الصنع سبحان الله العلي القدير.

 

وآخرون ممن كانوا معي في الرحلة وصفوا هذه الصخرة على أنها على شكل فنجان الشاي .. فيكون ضيقاً من أسفله وواسعاُ من أعلاه محمولاً على قاعدة  وهى الطبق الذي يكون عليه الفنجان..!  وهكذت كانت الصخرة في جزعها بهذا الشكل.

الكل يشبه بما يمكن لخياله أن يتصور ويجد الشكل مطابقاً لما في وجدانه..!!!

  

 

                صخــــرة الجمل الرابــــض :

الطبيعة والبيئة بحكم النشأة تجعل الانسان يرى في الصخر الألوان التشكيلية لمفردادت مخلوقات بيئته.. قالوا لي لابد أن ترى صخرة الجمل الرابض..  ماذا تعني كلمة الرابض .. قالوا يعني الجمل البارك الذي برك على أرجله ليتم تحميله بالأمتعة والبضائع.. يكون أعلى شئ في جسده وهو رابض رقبته وسنامه..

 أنظر إلى  ذلك الجمل الصخري.. إنه رابض بارك عنقه طويل شامخ وسنامه أقل ارتفاعاً من عنقه .. وفخذيه الخلفيين منحوتين طبيعيين .. أما عن ساقيه الأماميين.. فهما مقيدان بحبل..!!

حتى أن لون الصخر الذي شكل هذا الجمل لم يكن ناصع البياض بل كان يميل إلى لون البيج .. او البني الفاتح . لون الجمال في بيئة الواحات.. الصحراوية.. .. وكأن الطبيعة الصخرية للمحمية  تعقد العزم على إهداء أبناء الواحات هدية دائمة يتذكرون بها الجمال (الإبل) التي  كانت في الماضي عماد الحياة وأمانها ..!

انطلقت السيارة إلى مجموعة صخور أخرى والعيون لا تفارق الجمل الصخري الرابض .. فهو تراث وواقع حي يعيشون عليه حتى الآن ففي المناطق الوعرة التي لايمكن للسيارات الجيب ذات الدفع الرباعي أن تسير فيها أبدا .

. لايتبقى إلا الجمل الحي الحقيقي ينقل السياح والمسافرين إلى  سحر المحمية .فهو يقوم بما لا يستطيع علم التصنيع أن يقوم به بكل سياراته .

 تقديرهم لدور الجمال (الابل) في الصحرا الذي يقوم عليه لقمة العيش لكثير من العاملين في هذا المجال جعلهم لا يصرفون النظر عن الجمل الرابض حتى وارته صخوراً لا تقل عنه  سحرا وجمالاً وكان منها .

                      صخرة الديناصور:

صخرة عملاقة كبير جدا مثل حجم الديناصور وذيلها الطويل مرتفع عن الأرض وكأنه يجره وراءه. .. متهادياً  وترى جسم الديناصور الضخم ورأسه الكبير متشكلاً وكأنه نائم لا يتحرك .. فتود لو أنك تمر من جانبه بأسرع ما يمكنك قبل أن يستيقظ من نومه..! وبالفعل لم نتوقف أمامه كثيراً لفرط حجمه الكبير ولفرط الخوف التاريخي الجيني عند الانسان من ضخامة تلك الكائنات البائدة المنقرضة..

 لكنك في لحظة تقف أمام واحداً منها في تلك المحمية ولكنه من الصخر فهذا يعطينا الجرأة أن نتوقف ونلتقط الصورة تلو الأخرى وننصرف قبل أن يتملكنا أحاسيس الماضي البعيد عندما كان الانسان يسير مذعورا من هول تلك الكائنات المخيفة.

                     صـــخرة  الهــدهــد :

  هـــدهــد عملاق .. يفوق الوصف  ومن فرط جمال التكوين الصخري فوق رأسه وهو ما يمثل الريش أو التاج الذي يكون فوق رأس الهدهد حتى أنه يخبئ باقي جسمه في تكوينة صخرية أخرى ويختلط جسد الهدهد باجزاء الجبل الذي نحتته الرمال منه..

 لايظهر من الهدهد إلا رأسه عليه التاج الريشي الجميل ومنقار كبير منقوص من طرفه  يثير التأمل والتعجب والتسبيح بقدرة الله القدير..

 وعنق مكتمل به التجاعيد .. كأنه الريش المزركش حوله في تشكيلة لونية بديعة  .. ثم يندمج باقي الجسد داخل الجبل الذي خرج منه الرأس .. وكأن  الهدهد لم يبدِ إلا رأسه وعنقه من عشه داخل الجبل ليقرر التحليق بحثاً عنه رزقه في الفلاه.

   وإن كنا نقرأ الآية العظيمة التي صدرت بها هذه المقالة الوصفية المتواضعة عن بعض من سحر الصحرا البيضا وهى عن الجبال وألوانها .. المحددة في قوله تعالى

 .. {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }النمل88

 فإني أتذكر معكم وبهذه الألوان المميزة للصحرا البيضا في قول الله تعالى :

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ }فاطر27   

اختلاف درجات اللون الواحد في هذه المحمية بصورة غير نهائية كما في الصحرا البيضا ، لايمكن تخيله في هذه الآية إلا بعد أن ترى هذه المحمية الفريدة من نوعها في هذا الكوكب الأزرق.

هذا عن الجبال (الجدد البيض) التي يمكنك التعرف عليها وعلى درجات بياضاها المختلفة المثيرة للعين والعقل والوجدان.

 وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

اجمالي القراءات 11280