الحصار " الجديد " لبور سعيد

حمدى البصير في الخميس ٢٣ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

  صدق او لا تصدق .. مدينة بورسعيد شبه محاصرة الان ومنذ انتهاء المجزرة الكروية البشعة التى حدثت فى إستاد بور سعيد ، عقب مبارة الاهلى والمصرى والتى راح ضحيتها 73 مشجعا معظمهم من الالتراس الأهلاوى .
المشهد الان حسبما لخصه لى بعض أصدقائى وزملائى الصحفيين البورسعيدية ، هو إن المنطقة الحرة والسوق التجارى ومحلات بورسعيد شبه مهجورة ، ونادرا مايأتى إلى بورسعيد زوارا أو مشترين من القاهرة أو المحافظات الأخرى ، وبالتالى ضرب الموسم الشتوى لبيع الملابس الجاهزة المستوردة والمستلزمات المنزلية ، ولاسيما ان أسواق ومحلات بورسعيد كانت تشهد رواجا كبيرا لبيع " المستورد " الجديد والمستعمل ، فى هذا الوقت من العام ، خاصة فى أجازة نصف السنة لطلبة المدارس والجامعات وهو الموسم الذى ينتظره البورسعيدية كل عام .
كما لاتوجد سيارات مكتوبا علي لوحاتها المعدنية ، نقل أو ملاكى بورسعيد ، تستطيع دخول القاهرة خشية من تحطيمها ، وأصبح البورسعيدية غرباء فى وطنهم ، ولايستطيعون الدخول إلى عاصمة بلدهم إلا فى الخفاء !
ولم تفلح محاولات كسر الحصار التى قادها حزبى الحرية والعدالة والنور السلفى ، كما لم تأت القوافل التى نظمها إعلاميون وفنانون ورجال أعمال ، فى إعادة الحياة إلى طبيعتها فى المدينة الصامدة ، لإن عمليات الكشف عن المتورطين فى الأحداث الدامية تسير ببطء ، وأيضا لن يرفع الحصار والغبن عن بورسعيد وتحدث المصالحة الحقيقة إلا بعد القبض على الجناة والسفاحين وإتخاذ الإجراءات العقابية القاسية ضدهم فى محاكمات عادلة ، أى القصاص من قتلة الشهداء كما يطالب الألتراس وكل الجمهور الأهلاوى ، وإثبات أن " بورسعيد بريئة من المؤامرة الدنيئة " .
وبسبب الحصار الوهمى والغير قانونى واللاأخلاقى لبورسعيد أصبح هناك نقصا فى المواد الغذائية بسبب صعوبة النقل من وإلى المحافظة ، رغم إن ميناء بورسعيد يستقبل سفن عملاقة وحاويات تحمل موادا غذائية مستوردة يوميا ، لا إلى بورسعيد فقط ولكن إلى جموع الشعب المصرى فى سائر المحافظات .
وبسبب شح المواد الغذائية أرسل الجيش أطنانا من " الغذاء " إلى المحافظة " المحاصرة " وكأنها أصبحت من المدن المنكوبة أوبها زلزال أو مرض الطاعون أو الكوليرا أو أنفلونزا الخنازير ! .
ونتج عن نقص المواد الغذائية ووقف الحال ، وجود سوق سوداء فى العيش والوقود خاصة أنابيب البوتجاز ، وكأننا نعاقب بورسعيد كلها ونحاصرها من جديد ، ونقوم بتجويع شعبها من اجل مباراة فى كرة القدم .
هناك بالفعل تعصب أعمى عند بعض الجمهور البورسعيدى من مشجعى النادى المصرى ، وهناك " تار بايت " بين جمهورى النادىين ، الاهلى والمصرى ، ولكن المسألة مهما بلغت سخونتها لاتتعدى حدود مبارة كرة قدم بها خروج عن الروح الرياضية والاخلاق العامة وتهور من الألتراس فى الناديين بإطلاق الشماريخ أو الطوب أوحتى الإعتداء المحدود بالضرب خارج الإستاد ،على المشجعين ،بل وتحطيم بعض السيارات والمحلات ، ولكن لم تصل المسألة أبدا إلى جريمة داخل إستاد كرة قدم ، وإقتحام الجمهور المشاغب للملعب ، وقيام بعض البلطجية والمأجورين بالإعتداء على لاعبى الأهلى ، ثم يتطور الأمر إلى إقتحام البلطجية المأجورين مدرج مشجعى الألتراس الأهلاوى والإعتداء عليهم بقسوة ومطاردتهم ودهسهم وذبح بعض المشجعين ، وإلقاء البعض الأخر من فوق سور إستاد بور سعيد العالى ، وكإن هؤلاء الضحايا غير مصريين ، وقتلتهم من " اليهود " المتعصبين .
لقد أثبت التقرير المبدئى للجنة تقصى الحقائق البرلمانية وجود تقصير أمنى واضح يصل إلى درجة التواطؤ فى أحداث إستاد بورسعيد ، وهناك فلول من الحزب الوطنى المنحل وراء تلك المجزرة ، وسوف تثبت تحقيقات النيابة ذلك ، والتى أتمنى أن تنتهى سريعا وتحيل الفاعلين إلى محاكمة سريعة حتى يهدأ أهالى الشهداء ، ويتم القصاص العادل من قتلة هولاء الشهداء الأبرار الذين ماتوا فى عمر الزهور دون ذنب .
وأيضا نريد محاكمة سريعة لقتلة شهداء إستاد بورسعيد ، من أجل إثيات براءة البورسعيدية وفك الحصار الوهمى عنهم ، وإختفاء مقولة " لنجيب حقهم لنموت زيهم " ووضع حد للتسخين الإعلامى من بعض القنوات الرياضية التى تريدها حربا بين أبناء الوطن الواحد بسبب مباراة كرة قدم ، وهى نفس الفضائيات التى كانت تحرض على غزو الجزائر عسكريا أو قطع العلاقات معها بسبب أحداث استاد الخرطوم ومن أجل مباراة كرة قدم أيضا تسببت فى خروجنا من تصفيات كأس العالم .
من الغير المنطقى وليس من الأخلاق أو من الوطنية أن يعادى المصريين بعضهم بعض ، أو تنقسم مصر بين صعايدة وبورسعيدية ونوبيين وقاهريين ، أو تحارب قبيلتين فى قنا بعضهم البعض ، أو يتم تهجير أسر قبطية من أماكنها بسبب جريمة أخلاقية ,
لابد أن يتصالح المصريون مع بعضهم البعض ، ونبدأ فورا على المستوى الشعبى ومن خلال منظمات المجتمع المدنى فى رأب الصدع والمصالحة بين القاهرة وبورسعيد وكسر هذا الحصار الوهمى ، وتكثيف الزيارات أكثر وأكثر الى المدينة الباسلة ، بل وتشمل العمال والطلبة وتنظيم رحلات داخلية إلى بورسعيد ، وإستقبال أهلها فى بيوتنا ، ويكفى المدينة الباسلة ماتعانيه من حصار إقتصادى داخلى بعد الشلل الذى أصاب المنطقة الحرة وقرب إلغاؤها ، وإفتقار البورسعيدية للموارد والمشروعات الاستثمارية الكبرى، وتهميشها فى ظل النظام السابق عمدا بعد حادثة أبو العربى الشهيرة والمحاولة الوهمية لإغتيال الرئيس المخلوع مبارك فى سبتمبر 1991.
ويكفى بورسعيد معاناتهم أثناء حرب 1967 والتهجير ، وحرب الإستنزاف ، ولنذكر دائما بطولات تلك المدينة الباسلة أثناء العدوان الثلاثى عام 1956 .
وبالفعل المدينة التى صمدت أمام ثلاثة دول معتدية لايمكن أن تقتل من أجل ثلاثة نقاط فى مباراة لكرة القدم .
حمدى البصير

elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 8072