الجاهلية

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٣ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

1 ـ من الأخطاء الذائعة قولنا عن العرب قبل الاسلام ( الجاهلية ) و ( العصر الجاهلى ) فى التفرقة بينهم قبل وبعد الاسلام ، ونفهم (الجاهلية ) مقترنة عكسيا بالعلم ، وبالتالى نرمى العرب قبل الاسلام بالجهل العلمى والجاهلية العلمية والحضارية.

2 ـ بالرجوع الى القرآن الكريم نرى مصطلح ( الجاهلية ) تكرر أربع مرات ليدلّ على ثقافة الأديان الأرضية وملامحها فى العقيدة (آل عمران 154 ) وفى التشريع ( المائدة 50 ) وفى الزى والزينة للمرأة ( الأحزاب 33 ) وفى حمية الاعتداء (الفتح26.).أى إن (الجاهلية)هى وصف لأى مجتمع تتحكم فيه ثقافة الأديان الأرضية التى تناقض الاسلام وثقافته المؤمنة.

3 ـ يؤكد هذا إن ما نزل عن قريش فيما نسميه بالشرك والكفر العلمى العقيدى كان ينطبق على عصور الخلفاء الأمويين والعباسيين ولا يزال ينطبق على عصرنا الذى سيطرت عليه ثقافة السلف الوهابية السّنية ـ هذا برغم اختلاف الظروف عن عصر قريش قبل وأبّان نزول القرآن . ولنقرأ مثلا قوله جل وعلا :(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(الانعام 144)،هذه الآية الكريمة ـ  التى  تكرر معناها فى آيات أخرى كثيرة ـ تتحدث عن جهود قريش وغيرهم فى إختراع أحاديث تنسبها كذبا للوحى الالهى ، وفى نفس الوقت تكذّب بالقرآن ، كل هذا لتضل الناس عن الحق . قريش فى العصر الجاهلى وفى ثقافتها ( الجاهلية ) كانت تفعل ذلك برعاية وزعامة الأمويين فى مكة . ثم عادت قريش من خلال الأمويين فى دولتهم الى استعمال نفس الاسلوب فيما كان يسمى بالقصص أو القصّاص ، أو الرواية الشفهية لأكاذيب منسوبة للوحى الالهى على أنها أحاديث نبوية وسيرة نبوية وقصص أنبياء ، ثم أتيح لهذا الافتراء التدوين فى العصر الذى حكم فيه العباسيون القرشيون ، والفاطميون القرشيون . بل تم التوسع فيه وجعله علما ( علم الحديث ) و ( علم الجرح والتعديل ) ، وفى نفس الوقت تأسس تكذيب القرآن والتشكيك فيه فيما يسمى بعلوم القرآن ، ومنها النسخ وأسباب النزول .

4 ـ كانت تلك الجاهلية هى ثقافة العصور الوسطى فى بلاد المسلمين وفى اوربا معا ، ثم تحررت أوربا من سيطرة الكنيسة ودينها الأرضى الذى سيطر على الناس وأذاقهم الويل والنّكال ، وتأسست العلمانية الأوربية ، وحاولت مصر اللحاق بالعلمانية الغربية ولكن قيام الوهابية السلفية وتطورها وإنتشارها وسيطرتها أعاد مصرالى ثقافة السلف وجاهلية السلف، ويريد السلفيون إقامة دولة دينية فى مصر تتبع الأسرة السعودية فى تطبيق الجاهلية القرشية التى تتخفّى تحت مسمى السّنة النبوية والاسلام والجهاد الاسلامى .    

5ـ  وهذا يؤكد أن (الجاهلية ) هى ملامح ثقافية يمكن أن توجد فى أى زمان وأى مكان ، ولا يصح إرتباطها بعصر معين لا تتعداه .ويكفى أن هذه الجاهلية فى عصرنا قد أقامت دولا فى الجزيرة العربية ( السعودية ) وفى أفغانستان ، ولها تيارت سياسية تسعى للحكم فى مصر أو تمارسه خلف ستار كما فى السودان وباكستان ..ونأتى للتوضيح .

أوّلا : ملامح الجاهلية

 جاهلية الاعتقاد الشركى الكفرى:

1: وهو بالمصطلح القرآنى ( ظنّ الجاهلية المخالف للحق). والظّن هو الاعتقاد القابل للشك ، وقد جاء ( الظّن ) وصفا للمنافقين ـ وليس فى معرض الحديث عن العرب قبل الاسلام ـ يقول جل وعلاعن المنافقين (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)( آل عمران 154). هنا ( ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ) بالله جل وعلا ،وهو طبقا للتوصيف القرآنى (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ) .

2 ـ لم يرد فى القرآن الكريم مصطلح الاعتقاد فى الله جل وعلا ، ولكن ورد مصطلح الايمان به. ولا يخلو أى إنسان من إيمان بالله، فمهما بلغ كفره فبقايا الفطرة فى داخله كامنة ، وهى تظهر عند الأزمات كالغرق مثلا فيدعو الكافر الملحد ربه مخلصا متضرعا .والكفر من (كفر) أى غطّى ، فالكافر يغطّى فطرته فى الايمان بالله جل وعلا وحده بالايمان بآلهة وأولياء يجعلهم شركاء لله جل وعلا فى الالوهيةوالتقديس. وبهذا يلتقى الكفر والشرك فى معناهما القلبى العقيدى . وبالتالى ففى الكفر إيمان ولكنه إيمان قليل لأنه إيمان بالله وشركاء له فى الالوهية،وهذا الايمان القليل لا يجدى فى نجاة صاحبه ، بل يستحق به الكافر لعنة الله جل وعلا: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ)(البقرة88)(قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)(السجدة 29 ).

3 ـ الله جل وعلا يريد ان يكون الايمان به خالصا لاشائبة فيه بأى نسبة تقديس لغيره ،ولا وجود لشريك معه لأن الاخلاص يعنى الايمان بالله الواحد الأحد بنسبة مائة فى المائة، فلو كان هناك واحد فى المائة تقديس لنبى أو ولى فهو شرك وهو كفر،وهو ( ظنّ سىء بالله ) جلّ وعلا. وهذا الظّن السىء بالله جل وعلا هو ( ظنّ الجاهلية) الذى جاء وصفا للمنافقين، يقول جل وعلا عن المنافقين والمشركين : (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ً)( الفتح 6 ).

4 ـ : و( ظنّ الجاهلية ) هذا لا ينطبق على العرب فقط قبل وأبّان نزول القرآن الكريم، فالشائع قبلهم وبعدهم تقديس البشر والحجر لدى المصريين والفرس والروم والأوربيين والصينيين والهنود والأفريقيين وسائر البشر أجمعين. لا خلاف بين من يقدس الأنبياء ومن يقدس البقر والحجر. وهناك ورثة الكتاب السماوى الذين حوّلوه الى أديان أرضية تؤسس تقديس النبى والأحبار والرهبان والبابوات والأئمة والصحابة والسلاطين وحتى قطّاع الطرق ورءوس العصابات الذين أفلحوا فى إقامة دول .

 جاهلية التشريع:

1 ـ ينتج عن جاهلية الاعتقاد و(ظن الجاهلية ) جاهلية التشريع، إذ لا يكون الحكم لكتاب الله جل وعلا وشرعه ولكن للهوى،فالبشر حين يفرضون أهواءهم فى الاعتقاد بتقديس المخلوقات وتأليهها لا يلبثون أن يفرضوا أهواءهم فى التشريع بدلا من تشريع الكتاب الالهى. وقد طلب بعض أهل الكتاب من النبى أن يحكم بينهم فأمر الله رسوله أن يحكم بينهم بالقرآن الذى نزل مصدقا لكتبهم السماوية ومهينما عليها،ونهاه رب العزة عن إتّباع أهوائهم التشريعية، وحذّره من ألاعيبهم فقال :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ )،وقال :( وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)،الى أن يقول جل وعلا عن تشريعاتهم يصفها بالجاهلية: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)( المائدة ـ 50 ). الحديث هنا ليس عن عرب الجاهلية ولكن عن بعض أهل الكتاب.

2ـ ومن الأهواء التشريعية فى تشريع الجاهلية إستحلال الحرام وتحريم الحلال . سفك الدماء البريئة من أفظع المحرمات ولقد إعتادها العرب قبل الاسلام دون أن يفتروا لها تشريعا، ثم تكفّل الدين السّنى فيما بعد بافتراء تشريعات جاهلية يتم بها استحلال قتل الأبرياء مثل الرجم وقتل المرتد وقتل تارك الصلاة، وحق الأمام فى قتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين.كل هذا طاعة لهوى الخليفة المستبد. وموضوع الطعام أبرز مظاهر تدخل الهوى فى التشريع . فقد حدّد رب العزة المحرّمات فى الطعام وكررها،ومنها قوله جل وعلا( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )( الانعام 145 ). والله جل وعلا جعل الاباحة والحلال هو الأصل فقال :(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )، ثم جعل المحرم من الطعام هو الاستثناء المحدد فقال فى الآية التالية:(إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )، وفى الآية التالية منع رب العزة من تحريم الحلال فى الطعام: ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) ( النحل 114: 116) ، وتكرر هذا المنع من تحريم الحلال فى الطعام بنفس الاسلوب الاستنكارى فى قوله جل وعلا :(قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)( يونس 59 ). ومع هذا التحديد الواضح الجازم البّات فإن الهوى تلاعب بمشرّعى الدين الّسنى فحرموا الحلال فى الطعام. وهى عادة سيئة لدى البشر فى موضوع الطعام بالذات . فالانسان يهوى طعاما ولا يهوى نوعا آخر من الطعام ، وكل إنسان يحب أن يأكل كذا ، ويكره أو يستقذر أن يأكل كذا ، هناك فى اوربا من يأكل أطراف الضفادع ، وهناك منى يستلذ أكل السحالى بل والكلاب والخيول ، وهناك من يستفظع هذا. الذى يجعل هواه مصدرا للتشريع يسارع بتحريم ما لايهواه من الطعام ،أما المؤمن فهو يكتفى بالاعراض عما لايحب دون أن يحرمه لأنه من الاعتداء على حق الله جل وعلا فى التشريع أن تحرّم ما أحلّ الله .

فى موضوع الحرام والحلال ينقسم الطعام الى قسمين: الأغلب والأعمّ وهو المباح الحلال ،او بالتعبير القرآنى المذكور عليه إسم الله. والحرام هو الاستثناء الذى لم يذكر عليه إسم الله ، يقول جل وعلا عن الطعام الحلال :(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ) ويقول عن المحرم فى الطعام  (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) ويشير رب العزة الى دور الهوى فى تحريم الحلال معتدين على حق الله جل وعلا فى التشريع ، فيقول :(وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)(الانعام 118 :119، 121).

الهوى هو الأساس فى عقيدة الجاهلية وتشريعاتها:(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً )( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى )( النجم 23 : 24 ، 28). والهوى هو الاله الذى يعبده الجاهليون فى كل زمان ومكان فيهبطون بهواهم الى مستوى الأنعام : (أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)  ) ( الفرقان 43 : 44 ).

حمية الجاهلية : الاعتداء على الغير

أخذت حمية الجاهلية قريشا فمنعت النبى والمسلمين من دخول مكة حين توجهوا مسالمين لأداء فريضة الحج :(هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ )، كان الكفار قد أخذتهم حمية الجاهلية، كما قال جل وعلا:(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) فى مقابل هذه الحمية الجاهلية المعتدية التزم النبى والمؤمنون بالتقوى والسكينة :(فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(الفتح 25: 26).

تلك الحمية الجاهلية لا تعنى العزة الصادقة، فهى لله جل وعلا ولرسوله وللمؤمنين: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)(المنافقون 8 ). حمية الجاهلية هى العزّة بالاثم المنافية للتقوى، وهى للمستكبرين المتعالين بالباطل:( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ )(البقرة 206). هى حمية معتدية لا تحترم تشريع الله جل وعلا القائل:(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)( البقرة 190)، والكفر السلوكى هو الاعتداء على الغير مستخدما الدين فى تبرير الاعتداء. الحمية الجاهلية هى غرور القوة لأى دولة ولأى نظام حكم،فى فرض الهيبة وطغيان الهوى. تبرج الجاهلية : (الزى والزينة للنساء )

جاء هذا فى سياق تشريع خاص لآمهات المؤمنين :(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)(الأحزاب 33 ). ويظهر منه نوعان من التبرج فى الزى والزينة ، تبرج عادى مباح وتبرج متطرف مبالغ فيه نزل فيه نهى أمهات المؤمنين عنه فى تشريع خاص لهنّ دون بقية المؤمنات. وبالتالى فالتبرج العادى كان مباحا لهنّ ولبقية المؤمنات . وليس هنا مجال التفصيل فى تشريعات الزى فسنتحدث عنه فى حلقات خاصة فى برنامج فضح السلفية . ولكن الذى نؤكده هنا أن التبرج المنهى عنه موجود فى كل مجتمع ، وحتى لو إحترف هذا المجتمع شريعة التزمت والنقاب فإن نساءه فى أى فرصة ينطلقن فى سباق زى محموم يتبرجن فيه تبرج الجاهلية الأولى وما هو أفظع منها.

أخيرا :

1ـ  ( فى أمريكا والدول المتقدمة ) لو كذب المسئول السياسى فى تصريح له فنهايته العزل وبئس المصير. فى دول الاستبداد العسكرى فى عالمنا العربى ، لو أفصح المسئول بالصدق فنهايته العزل وبئس المصير . فى الدول الدينية المذهبية ( ايران والسعودية ) يعتبر الكذب والافتراء شريعة واجبة التطبيق. أمّا الاخوان المسلمون فلا يكذب أحدهم أبدا إلا إذا تكلم.!

2ـ الوهابيون الحنبليون السّنيون بالذات هم أشد الناس تمسكا بدين الكذب ؛ ترى ملامحه فى سياستهم وفى شعاراتهم وفى شريعتهم . يؤسسون الكذب على الله جل وعلا أولا،ثم يقيمونه على الناس بعدها. يصدرون قرارا من أنفسهم بأنهم وحدهم المختارون والمخولون من الله جل وعلا لحكم الناس باسم الاسلام ، وهذا كذب ، ثم يجاهدون فى تطبيق هذا الكذب على الناس فى خطوات تبدأ بفترة التربية وغسيل المخ عبر المساجد والاعلام والتعليم ، وبعد إقناع الأغلبية الصامتة بأكاذيبهم يدخلون مرحلة التمكين وركوب الشعب باسم الدين.

3 ـ فى مصر وصلوا الى السيطرة على مجلس الشعب عبر حزبين أسموهما كذبا ( العدالة والحرية )و (النور). أعلنوا الآن أنهم سيتولون وزارتى الداخلية والتعليم . بالشرطة يتحكمون فى الناس ويظلمونهم باسم الاسلام ، يجلدون الناس ويسلبون حريتهم الشخصية وكرامتهم بشعار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وبوزارة التعليم يتحكمون فى عقلية التلاميذ والطلبة لتتكون منهم فى المستقبل القريب دولة طالبان المصرية. قبلها اتفقوا مع المجلس العسكرى على أن تكون لهم نسبة كبرى فى القبول فى الكليات الحربية والشرطة ضمانا للتحكم فى القوة . وما خفى من بنود الاتفاق بين الاخوان والعسكرى هو أعظم وأفظع .

4 ـنجحوا  فى جعل الناس يصدقون أن شريعتهم إسلامية وأنها شرع الله الواجب التطبيق ، واستخدموا قوله جل وعلا فى سورة المائدة : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45)(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (47)،يتهمون المستبد العادى بالكفر والظلم والفسق لأنه لايحكم بما أنزل الله، ونجحوا فى إبتزازه بهذه الآيات الكريمة. مع أن هذه الآيات الكريمة  تنطبق أولا عليهم هم قبل الجميع . فالمستبد العادى لا يزعم انه يحكم بما أنزل الله ، لأنه يحكم بقانون مدنى متأثر بالتشريع الغربى ـ وهو فى إعتقادنا أقرب الى ما أنزل الله طالما راعى العدل وحرية الدين وحقوق الانسان.

5 ـ الوهابيون والأخوان والسلفيون هم الذين يحكمون بغير ما أنزل الله جل وعلا ، هم الذين يحكمون بحكم الجاهلية وبشريعة بشرية ظالمة ولكن ينسبونها زورا وكذبا لله جل وعلا. هم الذين ينطبق عليهم قوله جل وعلا :( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50).شريعتهم البشرية صاغها أئمة الزور والبهتان من مالك والشافعى وابن حنبل والبخارى ومسلم فى العصر العباسى الى ابن تيمية وابن القيم فى العصر المملوكى الى ابن عبد الوهاب فى العصر العثمانى ، ثم أخيرا (سيد سابق ).

6 ـ سيد سابق هو فقيه الاخوان المسلمين ومؤلف كتاب ( فقه السّنة) الذى كتب حسن البنا مقدمة له.وزع الاخوان والسلفيون مئات الالوف منه على الطلبة منذ السبعينيات . وحاول سيد سابق فى هذا الكتاب تجميل الشريعة السنية وجعلها بقدرالامكان فى تصالح مع ثقافة عصرنا،فتجنب الكثير مما لا يستسيغه عصرنا،مثل قتل تارك الصلاة وحق الامام فى قتل من يشاء من الرعية وتحريم زواج المسلم من غير المسلمة ، وأتى بفقه معتدل بالمفهوم السّنى وبصورة مبسطة تخلو من الحشو متبعا منهج الشيخ شلتوت فى كتابه ( الفتاوى) ، ولكن شتان بين العالم المجتهد شيخ الأزهر شلتوت وسيد سابق السّنى ، لذا فقد احتوى كتاب ( فقه السّنة ) للشيخ سيد سابق أسس الشريعة السّنية من قتل المرتد ورجم الزانى والزانية وقتل المخالف لهم فى الرأى وجلد شارب الخمر وتطبيق الجزية على المصريين الأقباط وتحريم التصوير والتماثيل والذهب والفضة..الخ .

7 ـ إذن نحن لسنا أمام شريعة الله جل وعلا بل أمام شريعة سيدسابق وابن عبد الوهاب وابن تيمية وابن القيم الجوزية ومسلم والبخارى وابن حنبل والشافعى ومالك . نحن أمام شريعة تتعامل مع كتاب الله وشرع الله الحق بالالغاء والإبطال بزعم ( النسخ ) ، وتفترى على الله جل وعلا كذبا حين تضع على لسان النبى أحداديث مفتراة تناقض شرعه ودينه ، وتجعلها وحيا الاهيا . ثم بالكذب والافتراء يقنعون الناس بأن هذا هو شرع الله ودينه ، وأنهم المختارون لركوب ظهورنا لتطبيق هذه الشريعة الشيطانية .. ليس هناك كذب وافتراء أفظع من ذلك .

8ـ  ليس هذا بغريب . ولكن الغريب فعلا أن تنجح الجاهلية الوهابية السلفية فى الوصول الى مجلس الشعب المصرى ..هى محنة كبرى سيدفع المصريون ثمنها هائلا إن لم يهبوا لتحرير أنفسهم ووطنهم من إستبداد دينى قادم يهون معه إستبداد مبارك .

اجمالي القراءات 29846