مُتسولات لكنهن مُنتقبات

سعد الدين ابراهيم في السبت ١١ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

من تجليات صعود التيارات الإسلامية فى الحياة العامة المصرية أن أصحابها قد خاضوا مُعترك الحياة السياسية، خلال العقدين الأخيرين، رغم مُضايقات الأجهزة الأمنية لهم فى عهد الرئيس حسنى مُبارك، ثم جاءت ثورة يناير ٢٠١١ لتفتح لهم كل الأبواب على مصاريعها.

وقاد «الإخوان المُسلمين» هذه التيارات، فحظوا معاً بثلثى المقاعد فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولأن شارع قصر العينى يشق قلب القاهرة من ميدان التحرير إلى مبنى مجلس الشعب. فقد تحول فى الأسابيع الأخيرة إلى ساحة للجدل وللمسيرات السياسية. التى تحول بعضها أحياناً إلى عراك وتشابك بالأيدى بين الفصائل المُختلفة، وحتى ما يحدث خارج العاصمة، مثلما حدث فى بورسعيد الأسبوع الماضى من عراك بين مُشجعى النادى الأهلى وجماهير النادى المصرى، سرعان ما وجد طريقه إلى ميدان التحرير، وشارع قصر العينى فى الأيام القليلة التالية.

ولأننى أمر فى شارع قصر العينى عادة، فى طريقى إلى الجامعة الأمريكية بالتحرير، وبسبب عاداتى المهنية، كمُشتغل بعلم الاجتماع، فإننى أعتبره مسرحاً حياً للمُجتمع المصرى. ففى أوله من الجنوب، الأقرب إلى حى مصر القديمة، تعيش فئات وشرائح من الطبقة الدُنيا والطبقة المُتوسطة الصُغرى، ومع كل مُربع فى اتجاه الشمال يرتفع المُستوى، سواء فى الأبنية، أو المحال التجارية، أو ملابس الرجال وأزياء السيدات.

وفى المُربعات الثلاثة الموازية لمستشفيات ومبانى كُليتى الطب والصيدلة ثم نقابتى الأطباء والاجتماعيين، يظهر فجأة عدد كبير من المُتسولين، الذين يُلحون فى استجداء الصدقات.

كان تفسيرى لهذه الظاهرة فى البداية أن عدداً كبيراً من المرضى، ومنهم من يوشك على إجراء عمليات جراحية يكونون فى حالة نفسية تجعلهم أكثر استعداداً لإعطاء الصدقات.

لكن الجديد هذا العام هو ظهور المُتسولات «المُحجبات»، ثم ظهور المُتسولات «المُنتقبات»، وما كان لهذا النوع من المُتسولات أن يظهر بهذه الكثافة، إلا مع صعود الإسلاميين إلى قيادة النقابات المهنية، التى تقع فى شارع قصر العينى.

ثم جاءت الانتخابات البرلمانية فى الشهور الثلاثة الأخيرة، لينتقل ثِقل الإسلاميين من النقابات المهنية فى أقصى جنوب شارع قصر العينى إلى مجلس الشعب فى شمال نفس الشارع. فانتقل المُتسولون والمُتسولات تدريجياً معهم. أى أن الحراك السياسى والحراك التسولى يسيران معاً بالتوازى.

وتطور الزى المُفضل للمُتسولات من الحجاب إلى النقاب، حتى يتناسب ويتسق مع التكوين الجديد للطبقة الحاكمة. فالأمر لم يعد يقتصر على النواب المُنتخبين من الإخوان المُسلمين، لكن أيضاً على السلفيين، والعاملين معهم من مُساعدين وسكرتارية، وأطقم الحراسة. فكما أن هناك زيادة ملحوظة فيمن يظهرن بالحجاب والنقاب للسيدات، هناك زيادة ملحوظة فى عدد من يُطلقون لحاهم.

وكما أن هناك حجاباً وهناك نقاباً، فهناك تنويعات من «الإسدال». وهناك تنوع فى اللحى بين الرجال (أو الإخوة). فهناك أصحاب اللحى القصيرة، الشذية، وهم عادة الإخوان، وهناك من يُطلقون لحاهم، لتطول، وبلا تشذيب أو تهذيب، وهم عادة «السلفيون» «الجهاديون». حتى أصبح شكل وطول اللحية هو بمثابة بطاقة تعارف لأصحاب نفس الانتماء.

والطريف هو أننى خلال الأسبوع الماضى ذهبت إلى مدينتى المنصورة، ثم إلى قريتى بدّين. فلاحظت نفس الظاهرة، وسألت بعض الأقارب والمعارف عما إذا كانت المُحجبات والمُنتقبات قد شاركن فى الانتخابات الأخيرة.

وأسعدنى أن الإجابة كانت «بنعم». أى أن اختفاء وجه المرأة خلف حجاب أو نقاب لم يمنع معظمهن من المُشاركة الانتخابية، بل قيل لىّ إن النساء عموماً والمُنتقبات منهن خصوصاً شاركن بكثافة.

لكن ذكر البعض أيضاً أن كثيراً من المُنتقبات استخدمن صعوبة التعرف عليهن، لكى يصوتن أكثر من مرة، وللتغلب على وجود الحبر الفسفورى، فقد كُن يستخدمن أصابع مُختلفة من اليدين.

أهم المُلاحظات جاءت من صيدلانية مُحجبة، فى المنصورة، مفادها أن حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسى للإخوان المُسلمين، بدأ يتصرف كحزب للأغلبية، تماماً مثلما كان يتصرف «الحزب الوطنى»، حزب حُسنى مُبارك، فى الماضى. من حيث غرور القوة. فقلت لها ولنفسى، لا حول ولا قوة إلا بالله.

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 8691