الفقيه - الذي لا يفقه - بين زنى الشيوخ والشذوذ الجنسي

نبيل هلال في الأربعاء ٠١ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 الله  أراد الجلد حدا للزنى كما جاء في سورة النور, لكن الفقيه أراده شيئا آخر: الرجم حتى الموت كشريعة بني إسرائيل . وتوسل بالكذب لإحقاق الباطل وإبطال الحق , وانظر إلى أين ذهب به كذبه ,  فقال :" عن فلان عن فلان أنه قال :" كأيِّن تعد سورة الأحزاب ؟ قلت : اثنتين وسبعين آية , أو ثلاثا وسبعين آية , قال : إن كانت لتَعْدِل سورة البقرة , وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم . قلت : وما آية   الرجم ؟ قال : "إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البته نكالا من الله والله عزيز حكيم .

والوضع والكذب واضحان في هذا القول من عدة أوجه : فهذا عن زنى الشيوخ , فما القول إذا  زَنى الشباب ؟ وكان الأَولى الحديث عن زنى الشباب فقلما يزني الشيوخ فهم لا يستطيعون حتى وإن أرادوا. وإذا كانت جريمة الزنى أزلية وأبدية أي حدثت وستحدث , فمن الأولى والضروري إثباتها لا حذفها من المصحف , فقد أثبت الله في قرآنه ما هو أقل شأنا من الزنى  كآداب الاستئذان والتحية وغير ذلك , بل أبقى على أحكام الرق وهو يعلم أنه سيبطل بعد حين وليس للرق بقاء كاقتراف الزنى .ويقول الفقيه بأن سبب نسخ تلاوة آية رجم الزاني هو التخفيف عن الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وإن كان حكمها باقيا , لأنه أثقل الأحكام وأشدها , وأغلظ الحدود , وفيه الإشارة إلى ندب الستر . ومَن صدّق هذا الكلام ونظر إلى عقله وأنصف ,  لاتزر عليه كما يتزر على عورته . ولما بحث فقيهنا البائس عن مبرر يخرجه من ورطته لم يجد سوى القول بأن هذه " الآية " كانت مكتوبة في رقاع حفظتها السيدة عائشة أم المؤمنين تحت سريرها فجاء الدجاج وأكل تلك الرقاع . لكن من المعلوم- حتى للأطفال والسذج - أن الدجاج لا يأكل الجلد ولا العظم , وهما مما كان يُكتب عليه القرآن . وفوق ذلك كله , كيف يتعهد الله سبحانه بحفظ القرآن ويعجز الجن والإنس عن النيل من نصوصه زيادة أو نقصانا , وتستطيع ذلك مناقير الدجاج ؟ ويالها من مناقير! إذ تمكنت أيضا من محو هذه الآية المزعومة من صدور آلاف المؤمنين ولم يعد يذكرها أحد ! هذا الهراء مدون في كتبنا وتراثنا الديني ! وبقاؤه يخدع الكثيرين بأنه من الحق والدين. وحديث نقصان سورة الأحزاب أورده الوضاعون في رواية أخرى  منسوبة إلى السيدة عائشة أم المؤمنين أنها قالت :"كانت سورة الأحزاب تُقرأ في زمن النبي مئتي آية , فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن  . وواضع الحديث يتحدث وكأنه قد مضى على زمن النبي قرون وليست عدة سنوات - وقت حديث عائشة - ويكذب على سيدنا عثمان بأنه لم يكتب المصحف كاملا , والمعلوم أن سورة الأحزاب ثلاث وسبعون آية فقط ولم تكن يوما مئتي آية .واستكمالا لتفعيل آلية النسخ في موضوع هام كحد الزنى , قالوا بأن الآية الخامسة عشرة من سورة النساء منسوخة بسورة النور, وهذا غير صحيح , فالآية تقول :" {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً }. والفاحشة المذكورة في هذه الآية ليست الزنى , ولكنها الشذوذ الجنسي بين النساء " السحاق " , "وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ  "هن المساحقات , وما كانت الآية تقصر الحديث والعقوبة على النساء وحدهن على فعل يقترفه اثنان ذكر وأنثى فيما لو كان الحديث عن  الزنى . ولما كان الحديث عن الشذوذ الجنسي بين النساء , كان من الطبيعي بحكم السياق التعرض للشذوذ بين الذكور" اللواط " , فجاءت الآية التالية مباشرة- الآية السادسة عشرة- لتبين الحكم فيه أيضا . تقول الآية :"{ وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء16, فمقترفا هذه الفاحشة موصوفان " باللذان " مما يفيد المثنى المذكر , وهما طرفا هذا الفعل . وإن قال قائل بأن " اللذان " قد تعني مذكر ومؤنث بقصد إثبات أن الحديث عن زنا وليس شذوذا , نقول بأنه ما الداعي لتكرار الحديث عن زنى الأنثى إذا كانت الآية السابقة ذكرته فعلا وحددت له عقوبة خاصة تختلف عن عقوبة الحالة الثانية .والله توجه بخطاب واحد لكل من" الزناة والزواني "معا فالجريمة واحدة والعقاب واحد :" {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النور2, وهو نفس النهج لما خاطب المعنيين بالشذوذ : فخاطب الشاذات وحدهن وحدد عقوبة فِعلهن , وخاطب الشواذ وحدهم وحدد عقوبة فِعلهم .

وسورة النساء سابقة لسورة النور بما لا يزيد - على الأرجح - على ثلاث سنوات والعقوبات المنصوص عليها في الآيتين المذكورتين من سورة النساء 16,15 , تُعتبر عقوبات هينة فيما لو كانت للزنى وخاصة أن فقيهنا يقول بالرجم للزاني , والتطور بين عقوبتين - لجريمة واحدة- إحداهما هينة والأخرى شديدة القسوة , في مدة ثلاث سنوات تقريبا , لابد لها من سبب قوي يفسر لنا  ذلك .

كما ورد في القرآن ما يؤكد أن عقوبة الزنى ليست الرجم حتى الموت , فحد الإماء إذا زنين هو" نصف "ما على الحرائر المحصنات , أي خمسون جلدة . ولو كان الحد هو القتل رجما , فكيف يكون النصف منه ؟ واسمع الله يقول : " وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ " النساء 25

وفي سورة الأحزاب الآية 30 , يخبر الله ُ نساء النبي بان من تأتي منهن بفاحشة فسوف تُضاعف لها العقوبة ضعفين ,{يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً }الأحزاب30,وعقوبة الجلد هي المقصودة بكلمة العذاب في الآيتين السابقتين . وعقوبة الموت رجما لا يمكن مضاعفتها , والممكن الوحيد هو مضاعفة الجلد .وفقيهنا لا يزال يقول بعقوبة الرجم حتى الموت في مكابرة ومصادمة لقول الله  . ونفي عقوبة رجم الزاني خروج على أحكام المعبد , وإن لم يكن خروجا على إسلام الله الحنيف. نبيل هلال هلال

اجمالي القراءات 16041