شباب مصر لا يحتفلون بسرقة ثورتهم!

محمد عبد المجيد في الأربعاء ٢٥ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً


 
اليوم تتقدم مـِنـّا الذكرى الأولى لثورة الشباب العظيمة لتختبر صلابتـَنا، وقوتـَنا، وعزيمتـَنا، وكرامتـَنا، وذكاءَنا، ووفاءنا لشهدائنـِا، وشجاعتـَنا في مواجهة خصومنا، ومعرفتـَنا بتفاصيل المشهد وأدوار الكومبارس فيه، ومداخل اللصوص، ومخارج الأوغاد.
اليوم يصفق اللصوص والشرفاء، ويهلل الكاذبون والصادقون، ويحتفل قناصة العيون بجانب أطهر ثوار مصر، وعلينا أن نميز الخبيث من الطيب، والقاتل من القتيل، والمنافق من الصادق، والشياطين من الملائكة!
اليوم علينا أن نجيب على كل الأسئلة، فـَنـَصـْدُق أو نكذب، نعتذر لأرواح شهدائنا أو نشكر المجلس العسكري الذي لم يقتل منا أكثر من ألفين، ولم يعتقل ويلقي في غيابات السجن إلا حفنة ضئيلة من الشباب المصري لا تزيد عن سبعة عشر ألف من أطهر من أنجبتهم مصر وأكثرهم لم يعرفوا شيطانا غير مبارك، فسقطوا من بطون أمهاتهم في عهده الأسود، وأقسم لهم الكبار أن مبارك سيرث مباركاً، وأن مــَلـَكَ الموت إذا قام بزيارة أحدهم فلن يأتيه في عهد عائلة أخرى.
اليوم يخرج المصريون لتكملة ثورتهم، وتظهر زبيبة صلاة في جبهة العسكري، ومسدس في جيب الاسلامي، ونكتشف أن (جماعة أبناء مبارك) جنود بملابس مدنية، وأن ( إحنا آسفين يا ريس) عساكر أمن مركزي.
اليوم يتوجه أعضاء مجلس الشعب بالشكر الجزيل إلى المشير لأنه ألغى قانون الطواريء، لكنه لم يلغ الطواريء! ويشكرونه لأنه وقف مع الثورة في محمد محمود، وماسبيرو، وميدان التحرير، وكشف العذرية، وقلع عيون 340 شاب، وحرمان أمهات آلاف الشباب من فلذات أكبادهن فخرج من السجون أصحاب السوابق والمجرمون، ودخل إليها من حرروا مصر من الطاغية الوغد.
اليوم تحتفل وسائل إعلامنا المقززة بثورة مسروقة، وخيرات منهوبة، وأموال مهربة، وكلاب تمرح رغم القبض على زعيمها.
اليوم يهيل أعضاء مجلس الشعب باسم الدين والاسلام ونقسم ( .. بما لا يخالف شرع الله) على الذاكرة الحمقاء لإنسان ما بعد القردة العليا وهم يزعمون أن المشير لم يكن شريكا مع مبارك، وليس هناك شاهد واحد رآهما معاً، لذا فالمشير لا يعرف أي شيء عن صفقات السلاح، وتهريب الأموال، وتعذيب الأبرياء، واغتصاب الرجال في السجون، واشعال النار في أجساد البعض، وأسرار كل الذين عملوا مع مبارك.
لهذا قام مجلس الشعب الموقر والملتحي والمكحل العينين بتوجيه الشكر الخالص لأمير المؤمنين، مشيرنا وتاج رؤوسنا وقائدنا.
أيها الدين العظيم، كم من الأحذية لعق أتباعك، ثم أقسموا بالعزيز الجبار أنه شرع الله.
أيها الدين العظيم، كم من الدماء شرب دراكيولاتك، ثم أشهدوا اللهَ على ما في أنفسهم وهم ألدّ الخصام.
يا خاتمة الرسالات السماوية، إنهم شهداء زور يضعون قرون شياطين مكان أجنحة الملائكة، ثم يتلون الصلاة بفاتحة ليست من الكتاب المبين، إنما هي تبييض للأموال أو رشوة مقسمة بين العسكر والفلول والاسلاميين.
اليوم أكمل اللهُ للمصريين دينهم، وكشف لهم مضلليهم، وسارقيهم، وقاتلي أولادهم، وقناصي عيون شبابهم، ومحرفي تعاليم كتبهم المقدسة.
اليوم اكتشف المصريون أن صناديق الانتخاب كانت مصيدة، واختفاء البلطجية جاء بأوامر عليا، وأن مثقفيهم الذين حرضوهم على ديمقراطية عرجاء شهود زور مآواهم النار قبل أن تلسع إبليس.
اليوم ، 25 يناير 2012، ينزل الوحي على شباب مصر. إنه وحي الكرامة والثورة والغضب للحق واسترداد مصر وتعليم الأوغاد أن شباب مصر لن يُسـْتــَعـْبــَدوا بعد اليوم.
اليوم نجدد غضبنا، ونسترد ثورتنا، ونستعيد كرامتنا، ونحمي مصرنا حتى لو احتفل الحمقى به عيداً لبقاء كل أركان نظام الطاغية المخلوع.
يا شباب مصر ،
لا تصدقوا الشيطان وهو يتلو عليكم من الكتب المقدسة، ولا تصدّقوه وهو يعلن نتائج الانتخابات، ولا تصدقوه وهو يرفع الطواريء، ولا تصدقوه وهو يبعث لكم تهنئة بعيد الثورة.
استردوها لئلا يخلعوا عيونكم الجميلة ..
استردوها قبل أن يغتصبوا أخواتكم وبنات وطنكم ..
استردوها قبل أن يربطوا سلاسلهم الغليظة في أعناقنا لثلاثين عاما قادمة ..
استردوها قبل أن يعلنوا أن وحيهم أقنعهم أنكم مفسدون في الأرض، وأن غالبية أعضاء مجلس الشعب يطلبون إعدامكم في ميدان التحرير لأنكم خرجتم على طاعة أمير أو مشير المؤمنين ..
استردوها فالثورة مــِلـْكيــّة خالصة لكم، مكتوب عليها بدماء زملائكم وثيقة عهد مع الله أن لا تـُفــَرّطوا في مصر مرة أخرى كما فرط آباؤكم لثلاثة عقود كارثية ..
استردوها فهي الميلاد الحقيقي لمصر المشرقة، والجديدة، والمتحضرة، والآمنة..
أكاد أرى زملاءكم الشهداء في جنة الخلد يراقبونكم عن كثب، ويشيرون إلى كل واحد منكم، ويهتفون لعظمتكم، وكل منهم ينادي أمه وأباه قائلا: ألم أقل لكم بأن زميلي وصديقي الذي ودَّعــَني خلال الثورة سيعود في ذكرىَ رحيلي ليثأر لي؟
قلبي معكم يا نور عيوننا التي لا تزال ترى.


محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج
اجمالي القراءات 9304