جواز غسل القدمين أو مسحهما في الوضوء

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

جواز غسل القدمين أو مسحهما في الوضوء

[ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم إلى الكعبين ...] المائدة 6

أتت قراءة نصب كلمة ( أرجلَكم ) في أربع قراءات .وهي : قراءة نافع, وعاصم, وابن عامر, ويعقوب.وأتت في جر ( أرجلِكم ) ست قراءات وهي : قراءة ابن كثير الدمشقي ,وحمزة بن حبيب,وأبو نافع وعاصم وابن عامر ويعقوب وكلهم قراءات متواترة م إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم إلى الكعبين ...] عمرو بن العلاء , وأبو جعفر يزيد , والكسائي , وخلف بن هشام .وكلها قراءات متواترة , ومتداولة في العالم الإسلامي.

واختلاف القراءات للنص القرآني هو اختلاف تنوع ، لا اختلاف تضاد . وكل قراءة متضمنة دلالة القراءة الأخرى ، ولذلك كانت القراءة الواحدة جامعة مانعة كاملة معجزة بذاتها ، والحفظ لأحدها في الواقع كاف ، وهذا الاختلاف في القراءات لا يؤثر على الأحكام أبداً ، فالحرام ، حرام في كل القراءات ، وكذلك الحلال, حلال في كل القراءات ، والواجب ، واجب في كل القراءات, إذاً التنوع والتغير في القراءات إنما هو من باب تسليط الضوء في قراءة على جانب من الأمر بصورة واضحة ، وترك الجانب الآخر في ظل النص يدركه الباحث إذا تعمق في دراسة النص كاملاً, وتأتي القراءة الأخرى فتسلط الضوء على جانب آخر من الأمر ذاته,وترك جانب في ظل دلالة النص يدركه الباحث إذا تعمق في دراسة النص.

فجمع القراءات مع بعضها يسهل على الباحث الرؤية لكامل دلالة النص بينما دراسة الأمر في نص من قراءة واحدة يتطلب من الباحث جهداً يبذله للوصول إلى عمق دلالة النص, ويعلم الأمر الذي في ظل النص, ليضيفه إلى الأمر الذي تحت الضوء, فتكتمل عنده الرؤية لكامل دلالة النص .

لنر ذلك من خلال فقه نص الوضوء بالقراءتين ( النصب والجر ) فقراءة النصب لكلمة [ أرجلَكم ] واضحة في عطفها على كلمة [ وأيديَكم ] وبالتالي تأخذ حكمها من حيث الغسل ضرورة . أما قراءة الجر ( وأَرْجُلِكم ) فهي معطوفة على كلمة ( برؤوسِكم ) وبالتالي تأخذ حكمه ضرورة .

فغسل أو مسح القدمين في الوضوء ثابت في القراءتين كما ذكرنا آنفاً ، ولا يصح إنكار فريق على آخر فيما أراد أن يلزم نفسه به !! .

فالأمر على الخيار ، وينبغي العلم أن الوضوء للصلاة هو أمر تعبدي بالدرجة الأولى, وليس أمراً للنظافة,ولو أن ذلك من مقاصد الشارع , أما مسألة تحديد قدر الغسل أو المسح للقدمين, فقد أتى ذلك صراحة في النص [ وأرجلَكم إلى الكعبين] والكعب كلمة تطلق على كل شيء يتجمع على ذاته ، ومن هذا الوجه سميت الكعبة كعبة . وكذلك المكعب وغيره . فالكعب في القدم هو مكان التقاء مشط القدم بعظمة الساق ، ويطلق على العظمتين الناتئتين من جانب القدم [ مقاييس اللغة ] ابن فارس. أو على العظم الناشز فوق القدم [ القاموس المحيط ] وبناء على ذلك يكون حد الغسل أو المسح ينتهي إلى الكعبين, أما التجمع في آخر أسفل مشط القدم فاسمه ( عقب ) وليس كعباً .

ولنر الآن كيف أن كل قراءة متضمنة دلالة الأخرى, فكلمة [ أرجلَكم ] بالنصب تدل على أمرين وهما : الأول : بما أن كلمة [ أرجلَكم ] أتت منصوبة بعد الأمر الأول . [ فاغسلوا وجوهَكم وأيديَكم إلى المرافق... وأرجلَكم إلى الكعبين] مما يدل على أن كلمة [ أرجلَكم ] معطوفة على كلمة[ أيديَكم] لاشتراكهما بالصياغة والتحديد والنصب ، وبالتالي تأخذ الأرجل حكم الأيدي من حيث الغسل لكليهما ، ويكون الضوء مسلطاً على غسل الأرجل.

الثاني : بما أن كلمة [ أرجلَكم ] أتت معطوفة على مسح الرؤوس من حيث ترتيب الجملة . دلَّ ذلك ضرورة على أن حكمها حكم المعطوف عليه من حيث المسح ، ويكون حكم المسح في ظل النص . فنلاحظ أن قراءة النصب لكلمة [ أرجلَكم ] دلت على جواز الغسل أو المسح بالوقت ذاته, والأمر متروك للخيار, ونلاحظ من تلك الدراسة للنص من عدة جوانب أن القراءة الواحدة متضمنة دلالة القراءة الأخرى ومستغنية عنها ، وكل واحدة منهما كافية شافية .

ولنر ذلك بقراءة الجر لكلمة [ أرجُلِكم ] .

عندما نقرأ كلمة [ أرجُلِكم ] بالجر فهي معطوفة على كلمة [ برؤوسِكم ] وبالتالي تأخذ حكم المسح ضرورة ، ويكون الضوء مسلطاً على حكم المسح . أما الحكم الآخر [ الغسل ] فهو في ظل النص ، يدل عليه إتيان جملة [وأرجٌلِكم إلى الكعبين ] بصياغة محددة على نمط جملة [ وأيديَكم إلى المرافق ] وبالتالي تأخذ حكم الغسل للاشتراك بينهما في التحديد والنمط والنوع من كونهما أطراف عملية أدواتية, بينما نلاحظ أن جملة [ وامسحوا برؤوسكم ] غير محددة ، مما يدل على إطلاق عملية المسح مع صحة المسح لبعض الرأس مثل قوله تعالى [ فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم..] النساء 43

وتكون قراءة الجر لكلمة [ أرجُلِكم ] كافية شافية مستغنية عن غيرها من القراءات, وهكذا دواليك . والحفظ للنص القرآني يتحقق بحفظ قراءة واحدة كحد أدنى ، فما بالك إذا كانت القراءات العشر متواترة . وكل واحدة منهن كافية شافية معجزة !!!

لذا ينبغي أن نحترم خيار الآخر المختلف عنّا مهما كان اختياره , مادام أن الأمر يتسع , والاختلاف في حقل التنوع ,وليس في التناقض ( الحرام والحلال ) , والتناحر والكره يأتي من انعدام العلم والانغلاق على ما بأنفسنا

وكم من عائب قولا صحيحا ..........وآفته من الفهم السقيم !!!

اجمالي القراءات 58157