المقال الرابع من القابلية للاستنعاج وفقه الخنوع
وجوب طاعة ولي الأمر ولو ضرب الناس بالجزمة(الحذاء)

نبيل هلال في السبت ٠٧ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

  

 حاول المعتزلة إعادة الدين إلى مواقعه الحقيقية , فقالوا بأن مناهضة الظلم واجب ديني , وأعادوا النظر إلى الحقائق الدينية وتفعيلها حتى تتحول إلى ثورة على الواقع ويتحول الدين إلى أيديولوجية ثورية تحرض الجماهير على الثورة , فرفضوا - أي المعتزلة - حكم المتغلب وقالوا بعدم جواز الصلاة خلفه , ويأخذ بمثل قولهم  الزيدية والخوارج .  لكن ابن حنبل يرى مبايعة المتغلب وإن كان فاجرا , ولا يشترط العدالة في الإمامة , ويجرم الخروج على أئمة الجور . كذلك يرى ابن جماعة أن فسق الخليفة وجهله لا يقدحان في شرعيته . وكم من فقيه من " فقهاء " الإسلام لا  يرى الجور والفسق وتعطيل الحقوق (!) موجبات كافية لعزل الخليفة , وبدلا من ذلك يرى وجوب وعظه وتخويفه . ولم يبين لنا مثل هذا الفقيه البائس كيف يمكن للمسلم الضعيف المستخذي الذي لا يجد قوت يومه لأولاده , أن " يخيف " السلطان أو  يعظه ! وحسبك من فساد الدنيا أنك ترى من يسترعى الذئب الغنم ,وحسب المرء من الهوان أن تضطره الدنيا إلى طلب العدل من أهل الجور, فذلك من قبيل إراقة ماء الوجه عند من لا ماء في وجهه .لقد كانت جناية فقيه السلطان على الإسلام والمسلمين فادحة فادحة . وانشغل الفقيه وشغل الناس بمسائل يدور معظمها في فلك المرأة : فصوتها عورة - مع أن النساء كن يحادثن النبي بالصوت لا بالإشارة , وهي كالزانية إن تعطرت , والنساء مفطورات على حب العطر والتطيب . وكأنه يجب أن تكون رائحة المرأة المسلمة  كريهة . وتركزت خطب الوعاظ في المساجد على قضايا غض البصر والحجاب والنقاب وأن من تصل شعرها بشعر مستعار أو تنتف الشعر من حاجبيها وجبت لها النار . وظنوا  أن الشرف ينحصر فقط في دائرة ثابتة لا يغادرها وهي المرأة والجنس , وفات فقيه السلطان البائس أن الشرف - كل الشرف- في عدم الاستخذاء وقبول الهوان والرضا بسلب الحقوق , فليس اكتمال شرف الرجل في إسدال جلبابه وإعفاء لحيته , فهو ليس بشريف إن ضُرب على قفاه وسُرق رغيفه وبُصق في وجهه ورُكل في مقعدته,  وعجز عن توفير لقمة العيش لزوجه وأولاده وسائر من يعول . "وأنكر أصحاب الحديث وأهل السّنة الخروج بالسيف على أئمة الجور حتى لو قتل هؤلاء الأئمةُ الرجالَ واسترقوا الذرية وسبُوها  ( من السبي وليس السب) , وقالوا بإمامة الفاجروالفاسق" . فإن كان ذلك هو رأي أصحاب الحديث وأهل السنة , فعليهم أن يقولوا لنا عن أي حديث يتكلمون , وأي سُنّة يقصدون . وينفرد الخوارج بقولهم إنه لا شرط لانتخاب الخليفة , فيجوز أن يكون من عامة الناس عربيا كان أم أعجميا , ويجيزون عزله بل وقتله إن طغى واستبد . لذا  كان فكرهم السياسي مجرَّما , وتم تسفيههم واعتبارهم خوارج بكل معاني الخروج على الشرعية والمألوف . أما الجبرية (وهم القائلون بأن لا إرادة للإنسان فيما يفعل , مما يعني أن أفعال الحكام مقدَّرة عليهم مما يسقط مسئوليتهم) , فقد مثلوا قمة استخذاء الفكر واحتقارالعقل إذ نسبوا أفعال الناس إلى الله وكان القصد تبرير الفساد السياسي والاقتصادي والدعوة إلى قبول الظلم على اعتبار أنه مقدر . والحقيقة التي جهلها أو تجاهلها  فقيه السلطة , هي أن الخروج على السلطان الظالم واجب ديني كالصلاة والصيام . وأوامر الله بالخروج والثورة جاءت كفلق الصبح في آيات بينات جاهد فقهاء السلطان والسلطة على إخفائها وطمس معانيها , فأثبتوا على أنفسهم الجهل فوق العمالة وخيانة الله ورسوله .

 واسمع معي الله تعالى يقول :

"َمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً" النساء 75- 76  . 

ويفسر فقيه السلطان هذه الآيات على أنها موجَّهة إلى المسلمين في مدة الدعوة بمكة , إذ فسر"القرية" بأنها مكة , وهذا التفسيرغير صحيح من عدة وجوه : لأن سورة النساء مدنية ونزلت - في تقديري - في السنة السابعة عشرة من البعثة النبوية , أي بعد الهجرة بأكثر من ثلاثة أعوام تقريبا بحيث لا محل للكلام عن استضعاف في مكة وتمني الخروج منها إذ كان قد مضى على الهجرة أكثر من ثلاثة أعوام تقريبا . كما أن المسلمين لم يؤمروا بالقتال في مدة الدعوة بمكة , لذا فلا محل للقول بالحض على القتال في سبيل الله في المدة المكية , فالله لم يأذن للمسلمين بالقتال إلا بعد الهجرة . والآيات توجيه عام للمسلمين لدرء الظلم الذي يحيق بهم طوال تاريخهم , واستنفارهم للتمرد على حالة الاستضعاف للرجال والنساء والولدان , وهو استضعاف العيش في ظل سلطان ظالم يقهرهم وينهبهم . والاستفهام في الآية استنكاري , والخروج على الظالم على هذا النحو يتطلب قائدا يتولى هذا الأمر ," وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً"أي قائدا من عندك يتولى إدارة هذا الأمر .ويقرر اللهُ قاعدة أساسية , هي أن المؤمنين يقاتلون في سبيل الله , أي سبيل الحق والخير , وفي المقابل الكفار يقاتلون في سبيل الطاغوت , وهو لفظ جامع لكافة أنواع الطغيان والاعتداء ومجاوزة الحد . والأمر هنا بقتال أولياء الشيطان مع كشف حقيقة الظالم  ووصفه بالضعف وإن كان بين جيوشه وجنوده : إن كيد الشيطان كان ضعيفا .

 


 

اجمالي القراءات 12429