من الميدان (٢٠١١) إلى البرلمان (٢٠١٢)

سعد الدين ابراهيم في السبت ٠٧ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

كان عام ٢٠١١ هو أهم أعوام المائة سنة الأخيرة، فهو العام الذى قامت فيه الشعوب العربية بالثورة على أنظمة قديمة، وأزاحتها من الفضاء السياسى العام، وهى تحاول فى العام الجديد ٢٠١٢ أن تستكمل بناء أنظمة مُجتمعية جديدة.

ورغم أن التيار الجارف الذى اجتاح القديم كان قد بدأ بمحمد بوعزيزى على عربة بيع خُضار فى أحد الشوارع الخلفية لبلدة بوعزيزى بتونس، وكان إحراقه لنفسه هو الشرارة التى أشعلت الثورة فى ذلك البلد الشقيق سرعان ما انتقلت إلى مصر، وليبيا، والبحرين، واليمن، وسوريا.. وكانت كلها تُريد تغييراً فى الأنظمة الحاكمة فى بُلدانها، وحينما تلكأت تلك الأنظمة فى الاستجابة، تطورت المطالب بسرعة إلى تغيير الأنظمة نفسها، وهو ما حدث فعلاً فى أربعة منها ـ تونس ومصر وليبيا واليمن.

وما زال النظام البعثى فى سوريا يُحارب معركته الأخيرة، والتى يبدو أنه على استعداد لإفناء كل السوريين فى سبيل الاستمرار فى السلطة، وفى ذلك فهو يُحاول أن يجرّ معه كل أبناء الطائفة التى ينتمى إليها، وهى طائفة «العلويين النصيرية»، وهى إحدى الفرق الأكثر هامشية فى المذهب الشيعى، وتصل نسبتهم إلى ١٥ فى المائة من سُكان سوريا، أى حوالى المليون ونصف. وأوحى لهم آل الأسد، وأخوالهم من آل مخلوف، بأنهم إذا فقدوا السُّلطة، فستتم إبادة كل أبناء الطائفة! وخلال العقود الأربعة الأخيرة، كان آل الأسد يتعمدون أن يضعوا أفراد الأسرة، ثم أصهار الأسرة، ثم أبناء الطائفة فى كل المناصب الأمنية الحيوية ـ من الدفاع إلى الداخلية إلى المُخابرات.

وهذا هو ما يُفسر ضراوة المواجهات بين المُحتجين السوريين ونظام آل الأسد، وهو ما يُفسر أيضاً امتداد الصراع المُسلح زمنياً ومكانياً، وارتفاع عدد الضحايا، بين قتلى وجرحى ولاجئين إلى البُلدان المُجاورة- وخاصة إلى تركيا ولبنان والأردن. ولكن نهاية نظام آل الأسد هو أمر أصبح حتمياً، وأغلب الظن أنها ستكون أقرب إلى السيناريو الليبى، الذى دامت المواجهة المُسلحة فيه إلى عدة شهور، انتهت بمقتل الطاغية الليبى مُعمر القذافى والتمثيل بجثته (أكتوبر ٢٠١١)، وكانت هى نفس نهاية ديكتاتور رومانيا، نيقولاى تشاوشيسكو، قبل عشرين عاماً (١٩٨٩).

لقد كان العام المُنصرم- ٢٠١١ ـ بحق، وكما أطلقت عليه وسائل الإعلام، هو الربيع العربى للديمقراطية، وتركز الاهتمام فيه، وبحق على مصر، فهى الأكبر والأهم، وفى مصر تركز الاهتمام على القاهرة، عاصمة البلاد، رغم أن الاحتجاجات الجماهيرية، شملت كل المُدن الكُبرى، وشاركت فيها كل الأطياف الأيديولوجية، وكل التكوينات الاجتماعية. وفى القاهرة تركز الاهتمام على «ميدان التحرير»، أكبر وأهم ميادين العاصمة، رغم أن هناك ميادين أخرى، مثل مصطفى محمود والعباسية، شهدت هبّات شعبية مُناصرة أو مُضادة لنظام حسنى مُبارك ـ كذلك كان ميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية هو الفضاء العام المُفضل لجماهير الشعب السكندرى.

لقد كان لجوء الناس إلى الميادين العامة للتعبير عن غضبها أو طموحها، لغياب القنوات المؤسسية الحساسة والفعالة، لذلك أصبح «الميدان» بمثابة «السُّلطة الرابعة». وارتبطت هذه السُّلطة الشعبية الرابعة بميدان التحرير، الذى بدأ فيه شباب أحرار ديمقراطيون، حتى أسقطوا النظام. وحينما ذاع صيت ميدان التحرير، سعت قوى أخرى إسلامية، ثم سلفية، ثم صوفية، إلى نفس «الميدان»، وشهد الميدان- إلى جانب التظاهرات الاحتجاجية السلمية- مواجهات عنيفة بين المُحتجين والقوات الأمنية- لنظام مُبارك أولاً، ثم للمجلس العسكرى الحاكم، فيما بعد، وكانت الشوارع المُنفتحة على التحرير، مواقع للكر والفر، واكتسبت تلك الشوارع شُهرة واسعة، خلال الشهور الستة الأخيرة من عام ٢٠١١- ومنها محمد محمود، والشيخ ريحان، وماسبيرو، وشامبليون.

وسرعان ما اتسعت الرُقعة المكانية للمواجهات، لتشمل شارعى قصر العينى ومجلس الشعب، وفى هذه الأخيرة سقط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وهو ما ضاعف من التجمعات الاحتجاجية الناقمة، لا على قوات الشرطة، التى اختفت من المسرح منذ ٢٨ يناير ٢٠١١، ولكن أيضاً على قوات الجيش، وخاصة «البوليس الحربى»، التى اضطلعت بحفظ النظام وحماية المؤسسات العامة.

لقد شهدت الشهور الأخيرة من عام الثورة استفتاءات، ثم انتخابات نيابية، أقبلت عليها جموع المواطنين، بمُعدلات غير مسبوقة فى الحياة السياسية المصرية. ومع اختيار مُمثلين للشعب، سيتبوأون مقاعدهم خلال هذا الشهر (يناير ٢٠١٢) ينتقل العمل السياسى من الاحتجاجات فى الميادين العامة، إلى نشاط تشريعى مؤسسى تحت قبة البرلمان، وسيكون على كاهل النواب الجُدد، ومُعظمهم من التيار الإسلامى (الإخوانى والسلفى) اختيار جمعية تأسيسية، لصياغة دستور جديد للبلاد، وكذا مُتابعة الاستفتاء عليه. كما سيكون على المواطنين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومجلس جديد للشورى، وإعادة عجلة الاقتصاد إلى سابق سُرعتها، أى أنه إذا كان عام ٢٠١١ هو عام الثورة والتغيير، فإن عام ٢٠١٢ سيكون عام التدبير والتعمير.

ولا يُخالجنا أى شك فى أن مصر مُقبلة على فترة مُزدهرة، وبذلك فإن مصر الديمقراطية المُستقرة، ستعود إلى سابق عهدها ومكانتها الرائدة والقائدة فى وطنها العربى، وفى منطقتها الشرق أوسطية.

وكل عام ومصرنا وقُرّاؤنا جميعاً بخير

اجمالي القراءات 8993