الشعراء يتبعهم الغاوون
بحثا عن محمد في القرآن [ 10 ]

امارير امارير في الأحد ٢٥ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

ذات الأمر عند الحديث عن فهم [ سياق ] السورة في مجمله ، بحثاً عن تفسير يبتعد عن العجائبيّة أو السطحيّة ، ففي قوله تعالى : ]وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء 224 ، اتّجه المفسّرون نحو القول بأن الآية تتحدّث عن [ الشعراء ] أصحاب الكلام الموزون و المقفّى ، و عمّموا التفسير في عموم ذكر [ الشعراء / الشاعر /الشعر ] داخل النّص دونما بحث أو تقيّيد [ سياقٍ عامٍ ] أو معنى [ دلالة خاصّة ] ، بل اتّجهوا ناحية تقسيم هؤلاء الى صنفين ضمن فهمٍ سطحي للكلمة خارج القاموس القرآني ، بناء على معلومةٍ طارئةٍ ترد في كتب التاريخ مفادها أنّه كان تحت إمرة الرسول شاعرٌ يخدم الإسلام بهجاء الكفّار و هذا شاعرٌ [ محمودٌ ] ، خلاف الشاعر المذموم موضوع الآية في سورة الشعراء ، رغم عدم كفائة الفكرة في تغطية معنى الآية أو حتى الإحاطة ببعض مدلولات لاحقاتها ، فالآية أولاً تتحدث عن [ الشعراء ] في المطلق ، و [ ال ] التعريف تفيد كون الحديث عمّن يمتهنون مهنةً بعينها ، بل هو الحال في كلّ الآيات التي يرد فيها ذكر [ الشعر ] ، حيث يتلازم دوماً مع ذكر [ السحر ] عبر [ سياق عامٍ ] يخالف المعنى الإعتيادي [ المُعجمي ] للكلمة : ]بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ [الأنبياء5 ،  ]وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ [الصافات36 ، ]أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور30 ، و الدلالة واضحةٌ في سياق الآيات مرّةً أخرى : ]أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ [الأنبياء3 ،  ]وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصافات15 ، ]أَفَسِحْرٌهَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ [الطور15 ، و الأمر يستمر على حاله في ما عدا في قوله تعالى : ]وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ [الحاقة41، حيث و عبر معنى [ دلالةٍ خاصٍ ] نجد الكلمة مقيّدةً بدلالتها الخاصّة لا بسياقٍ قرآنيٍّ عام ، و أيضاً في قوله تعالى : ]وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ [يس 69 ، فترد تهمة الشعر [ مضافة ] الى [ الكتاب /هو ] ، ليكون المعنى [ القرآن ] لا الرسول ، و حسب المشركين و هو الذي يبرز في النّص عدّة مراتٍ ، عبر فهم مدلولات الكلمة داخل السياق العام ، و التراكم المعرفي لقيمة النصّ ككتلة متجانسةٍ يدعم و يفسّر فيه النصّ من الداخل نفسه ، الرسول [ شاعر / ساحر ] ، و القرآن داخل معنى الدلالة الخاص [ قول شاعر / شعر ] ، و في هذا تهمةٌ أخرى لا علاقة لها بتهمة السحر ، تتناسق مع تهمة كون الرسول [ سرق ] نصوص أساطير الأولّين ، و لا علاقة له بالقرآن أصلاً : ]وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ [الأنفال 31 ، فهو و هو ما يقوله الكفّار لم يقم بتأليف القرآن بل نسخه من كتبٍ سابقةٍ تحوي ما يشبه الشعر ، و في الآية تحدّي على لسان الكفّار من قبل مجتمع يثقن فيه الناس قول الشعر لتقليد النّص القرآني كونه ليس سوى نصّاً مقلّداً يمكن تكرار مثله : ]قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا [الأنفال 31 ، ]وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان 5 ، يعود إليهم في صيغة تحدّي آخر : ]وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ [البقرة 23 ، النّص [ القرآن ] هو حسب قول الكفّار [ شعر ]  ، كونهم يعلمون جهل الرسول لنظم الشعر أصلاً ، و هذا يتماشى مع كون الحديث عن [ نص ] القرآن المتناسق على جانبٍ ، و تهمة كونه [ شعراً ] على جانبٍ آخر ،  فاتّباع الناس للرسول لا علاقة له بالقرآن ، بل و  كما يقول المشركون ، ليس سوى نتيجةً كونه قد [ سحر ] الناس و هي التّهمة الأولى : ]وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ [الصافات36  ، و على جانبٍ آخر فإنّ تفسير الآية في سورة [ الشعراء ] قد عزل الآية عن لاحقتها التي فقدت أي معانٍ  بناءً على هذا الفهم السطحي ، فالآية اللاحقة للحديث عن الشعراء و تقول : ]أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ [الشعراء 225 ، فما معنى القول بأن الشعراء يتبعهم الغاوون ؟ ، و هؤلاء يهيمون في الوديان ، بحثاً عن ماذا ؟ ، يقول ابن كثير في تفسيره : [ ... قال عكرمة : كان الشاعران يتهاجيان فينتصر لهذا فئام من الناس , ولهذا فئام من الناس , فأنزل الله تعالى : ]وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [،وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة , حدثنا ليث عن ابن الهاد عن يُحَنّس مولى مصعب بن الزبير , عن أبي سعيد قال : بينما نحن نسير مع رسول الله بالعرج إذ عرض شاعر ينشد , فقال النبي : خذوا الشيطان لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلىء شعراً ،  و قوله تعالى : ]أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ [  ،  قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : في كل لغو يخوضون ، وقال الضحاك عن ابن عباس : في كل فن من الكلام , و كذا قال مجاهد وغيره ،  و قال الحسن البصري : قد و الله رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها مرة في شتمه فلان , و مرة في مدحة فلان ، قال قتادة : الشاعر يمدح قوماً بباطل و يذم قوماً بباطل ]  ، و هذا حديثٌ وضعه الواضعون و اخترعه المؤلفون  أصحاب الهوى تأييداً لفهمهم بغية إغلاق أفواه المؤمنين بعدهم ، و هذا التأويل حدث بعد وفاة الرسول أصلاً ، فالشعراء ليسوا هم من يقولون الشعر ، فهذا القول [ تسطيحٌ ] لدلالة المفردة في النّص القرآني المحكم ، إذ للأمر قراءةٌ أخرى بعد فهم الفصل و الفرق الشاسع بين (1)المعنى المعجمي للكلمة ، (2)السياق العام للكلمة داخل النّص و(3)الدلالة الخاصة للكلمة داخل نفس السياق ، فسياق السورة [ الشعراء ] كما هو اسمها لا علاقة له بالشعر ، بل أن الشعراء هم [ المنجّمون / السحرة ] ، و السورة اسمها سورة [ المنجّمون / السحرة ] ، بناء على محورين ، الأول : السورة تبدأ بالحديث عن قصّة النبي [ موسى ] عليه صلاة اللهو الميقات المعلوم مع [ سحرة فرعون ] ، فيرد ذكر السحر و السَحَرة في بداية الآيات [ 6 ] مرّات في اضطّرادٍ متوالي ، وفي آياتٍ متتاليّةٍ : ]يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [الشعراء 35 ، ]فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ [الشعراء 38 ، ]  لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ [الشعراء 40  ، ]فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ [الشعراء 41 ،  ]فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ [الشعراء 46 ، ]قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ [الشعراء 49 ، بل أن سياق الحديث عن [ السحر ] يتكرّر ربطه في السورة باتّهام الكفار لنبيّين آخرين هما [ صالح ] و [ شُعيب ] عليهما صلاة الله  بالسحر : ]قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [الشعراء 153/185 ، و الثاني: الشعراء : ]فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ[، بحثاً عن [ الشعرى ] ، وهي إشارة الى النجوم التي يلاحقها المنجّمون : ]وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى[النجم 49  ، فيكون سياق الآية في إجمالي السورة ، و عبر البحث عن عمق دلالة كلمة [ شعر ] ، [ سحر ] و [ تنجيم ] توصل الى نتيجةٍ مخالفةٍ للتفسير السطحي الذي ابتعد عن النص لدرجةٍ فقد فيها هذا النص الصلة بين أطرافه ، و أصبحت معانيه دونما [ عمقٍ ] أو [ فاعليةٍ ] ، و دونما [ واقعٍ ] تتحدّث عنه :

 

 

[ تهمة / الشاعر ]

آية

[ السحر ]

آية

الشّعراء

 

 

]يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ [

35

الشّعراء

 

 

]فَجُمِعَ السَّحَرَةُ [

38

الشّعراء

 

 

]  نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ [

40

الشّعراء

 

 

]فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ [

41

الشّعراء

 

 

]فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ [

46

الشّعراء

 

 

]عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ [

49

الشّعراء

 

 

]أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [

153

الشّعراء

 

 

]أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [

185

الشعراء

]وَالشُّعَرَاءيَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [

224

]فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ [

225

الأنبياء

]بَلْ هُوَ شَاعِرٌ [

5

]أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ [

3

الصافّات

]لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ  [

36

]هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ [

15

الطّور

]أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ [

30

]أَفَسِحْرٌهَذَا [

15

 

 

[ جدول 1-1 / سياق عام ، الشاعر = الساحر / المنجّم ]

 

 

 

[ تهمة / الشعر ]

 

آية

 

[ القرآن ]

 

آية

يس

]وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ [

69

]هُوَإِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ [

69

الحاقّة

]بِقَوْلِشَاعِرٍ [

41

]وَمَا هُوَ [

41

الأنفال

]لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا [

31

]تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا [

31

الفرقان

]اكْتَتَبَهَا[

5

]تُمْلَىعَلَيْهِ  [

5

 

 

[ جدول 2-1 / دلالة خاصة ، القرآن = شعر ]

 

أمّا الإستثناء في الآية الموالية : ]إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء 227 ، فإن المقصد يعود على : ]الْغَاوُونَ [، حيث الإستثناء ينطلق عبر [ الإيمان ] : ]إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [، و متّجهاً نحو [ العمل ] : ]وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [، الإيمان بأن علم الغيب في علم الله ، و التنجيم ضربٌ من ضروب الشرك ، و النتائج تحدث عبر العمل لا عبر الإتّكال على [ أقوال ] الكهنة و المنجّمين : ]الشُّعَرَاء [الذين وظيفتم أنهم فقط : ]يَقُولُونَ [، و لا : ]يَفْعَلُونَ [حيث القول هنا مربوط بالفعل ، و المقصد أنّهم يقولون أنهم يفعلون شيئاً وهم  يفعلون خلافه ، بينما قول الشعر لا يدخل ضمن أطار ثنائيّة الشرك و الإيمان حال السحرو التنجيم ، بل ضمن إطار المًباح و الغير مُباح ، و على جانبٍ آخر فإنّ [ الشعر ] قولٌ و ليس فعل ، بينما [ السحر ] و [ التنجيم ] فإنّه  فعلٌ مصحوبٌ بقولٍ ، و ]الْغَاوُونَ [هم من ]ظُلِمُوا [فلجأوا الى السحرة ]الشُّعَرَاء [بحثاّ عن حلولٍ غير ممكنةٍ  أصلاً .    

اجمالي القراءات 8911