الصراعات الدينية و العصبية
بيت الداء

خليل معلمي في الأحد ٢٥ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أردت أن يكون ثاني مقال أطرحه على هذا الموقع على علاقة مع تساؤلات عدة لم تفارقني منذ أن أصبحت على وعي بما يجري من حولي، وأردته أن يكون مدخلا لمجوعة من المقالات سأنجزها إن شاء الله من أجل هذا الموقع لإبراز ، حسب ما يتجلى لي، ما يحمله القرآن الكريم بين طياته من قيم و ومناهج و حقائق، واضحة وضوح الشمس، تركها من على عاتقهم حملها و نشرها للإنسانية جمعاء، وللأسف، واتبعوا ما تسبب في تشتتهم و تفرقتهم واقتتالهم في بعض الأحيان.

وإن كانت هناك من نعمة عظيمة أنعم بها الحق سبحانه على الإنسان فهي نعمة هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا  من خلفه. من الناحية العلمية، إن كل معلومة كيف ما كانت (صورة، شريط فيديو، شريط سمعي) معرضة لبعض التلف بالمقارنة مع المعلومة الأصلية، و ذلك بارتباط وطيد مع الوسيلة المستعملة لحفظ هذه المعلومة ومدى قدرتها على تمثيل الحقيقة أحسن تمثيل؛ وأعطي مثالا بسيطا على ذلك؛ عندما نأخذ شريط فيديو رقمي، وهو من أهم الوسائل لحفظ المعلومات، نجد أن نوعية الشريط المصور تتعلق أولا بالتكنولوجيا المستعملة لنقل الصوت و الصورة و بمهارة الشخص الذي يصوره ثانيا، ورغم ذلك فهي دائما نسخة تقريبية للواقع. كما أنه من الصعب، وفي غالب الأحيان من المستحيل، إظهار المعلومات التي تخص الأحاسيس، الروائح و الأجواء العامة بصفة عامة على هذا الشريط كما نستشعرها حين تواجدنا في عين المكان حين القيام بالتسجيل.  

وهذا ينطبق أيضا حتى على أي نص مكتوب، فمطابقة النص لما يجول حقيقة في مخيلة كاتبه من فكرة يرتبط بمقدوره على بلورة هته الأفكار وكفاءته الأدبية لإيصالها بإخلاص تام.

وجود التلف المتعمد و الغير المتعمد بالمعلومات المتوافدة على عقولنا عبر حواسنا يفرض علينا حتمية الاحتراز من كل ما من شأنه أن يضلل، و بالخصوص، الحقائق الدفينة التي أودعها الله تعالى بأنفسنا كما يحثا على الاجتهاد الفكري بدل التلقي السلبي و السلمي.

أما بالنسبة لكتاب الله العزيز، فقد قادتني تجربتي إلى التيقن بأن كتاب الله بقي محفوظا بعناية الله تعالى و ذلك من خلال حقيقة عظيمة و هامة جدا بقيت مختزلة في ثلاث كلمات لمدة جد طويلة، لو طرأ أي تغيير، ولو بالبسيط، على إحداهن لغابت عنا هته الحقيقة. وقد سبق لي أن نشرت على هذا الموقع فحوى هته الحقيقة في مقال تحت عنوان

"الإعجاز القرآني فيما ورد عن خلق الغلاف الجوي للأرض (سماوات الأرض) : وهم نظرية الانفجار العظيم ووجود الأراضي السبع"

 وللتذكير ألخصها فيما يلي:

في سورة الطلاق الآية:

" اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبۡعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىۡءٍ عِلۡمًا(12) "

يخبرنا الحق سبحانه في ثلاث كلمات "مِنَ الۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنّ" أنه خلق من الأرض سبع سماوات (أي خلق منها غلافها الجوي وذلك على شكل غازات خرجت من داخلها كما تقول النظرية العلمية الوحيدة بشأن هذا الخلق) شبههن بالسماوات العلى. فلو كان قد طرأ أي تغيير  في محاولة لشرح الآية حسب المعتقد آن ذاك ، كما حدث مع باقي الكتب السماوية، لضاعت هته الحقيقة إلى الأبد.

وقد تطاول بعض المفسرين على هته الآية، في محاولة لتفسيرها، دون الارتكاز على أي مصدر موثوق مما أدى إلى شيوع فكرة وجود أراض أخرى في الكون شبيهة لأرضنا لم يشر الله تعالى لخلقها في كل القرآن الكريم كما أنها تتنافى و الدور الذي أناطه الله تعالى بالإنسان و الأرض في كونه الفسيح.

إن تجربتي مع هته الآيات هي التي قادتني لتغيير منطق تعاملي مع القرآن الكريم وزادت من تشبثي بما جاء به، كما أكدت لي ضرورة الاعتماد على النفس فيما يخص التعامل مع آيات الله المسطرة في كتابه الجليل و المتواجدة في كونه الفسيح، و هو في الحقيقة ما نحن مطالبين به من الحق سبحانه من خلال التفكر و التدبر استخدام العقل والتحسب من من هو جاهز و مألوف، ولا حاجة لذكر الآيات القرآنية التي تحتنا على ذلك، فهي عديدة و معروفة.

من ناحية أخرى، فمضمون النص القرآني، على خلاف أي نص آخر، لا يتغير و لا يتعارض فيما بينه لأنه بكل بساطة ينطق بالحقائق المطلقة بخصوص ما أراده الله أن يعرفه لنا، لكن طغيان الشائع و المألوف والقصور العلمي و كذلك محاولة البعض لتفسير كل آيات الذكر الحكيم، دون أي مسند قوي، حجب عنا هته الحقائق وأثر في طريقة تعاملنا معه.    

و في عودة إلى مضمون هذا المقال، فإنني عندما أستحضر تاريخ البشرية أتساءل على السر وراء كل تلك الحروب التي أتت على الأخضر و اليابس و التي  تدور رحاها بين أشخاص لم يسبق لأحد منهم أن صادف حتى الآخر (العدو). وفي هذا المقام أتذكر الجرأة و التضحية التي أقدم عليها الملاكم الأسطورة مجمد علي كلاي عندما رفض خوض حرب الفيتنام وقال إنه لن يقطع آلاف الأميال ليقاتل أشخاص ليس بينه و بينهم أية عداوة. شخص استطاع أن يجهر بما في داخله و بما يملي عليه ضميره في وجه أقوى الأنظمة العالمية.

وعندما أستحضر كذلك تاريخ الديانات "التوحيدية" أستحضر كل التطاحن و الانزلاقات التي آل إليها من يحلمون الرسالات السماوية، سواء فيما بينها أو داخل كل واحدة منها، و التي جاءت أصلا لتنور الطريق على الإنسانية و لإرشدها إلى خالقها، وهي  التي جعلت من الدنيا آخر أولوياتها؛ وذلك بالرغم من أنها تكمل بعضها و تدعو إلى طريق واحد، طريق الله الذي فيه خلاص و نجاة كل فرد  في المجتمع من براثين الذي أقسم أن يقف سدا منيعا أمام الإنسان و الطريق المستقيم "الشيطان". ومن هذا الباب أطرح هذا السؤال :

أي صورة يمكن أن تقدم هته الديانات الملطخة بدماء التطاحن و الطغيان و الفساد و الاستبداد و الانحراف و القمع إلى من يبحث عن الحقيقة الشافية و عن طريقه المستقيم ؟

بعد دراسة لتاريخنا و حاضرنا نجد وراء كل هذا عامل مهم و قوي جدا يتعلق بارتباط الفرد بمحيطه الاجتماعي، الذي كفله أيام صباه وضعفه حتى اشتد عوده  ، وارتباطه كذلك بما وجد عليه آباءه و أجداده فأصبح  يتكلم لغتهم و يدين، في غالبية الأحيان، دينهم ومتشبع بثقافتهم و عاداتهم و خرافاتهم و مستعد أن يدافع بحياته  من أجل هته المكتسبات التي يرى فيها حقيقة الحياة المطلقة وأنه مهدد فيها من طرف كل من  لا يشاركه نفس القيم و المبادئ، بحيث لا يبقى له من صورة عن الآخر إلا الهواجس و المخاوف التي تصبح أداة في أيدي الساسة تساعدها على تطويع شعوبها حسب إرادتها. و في ظل كل هذا يتناسى الفرد كل القواسم المشتركة بين بني البشر التي يحملها في جيناته و بين طياته مهما اختلفت لغته و معتقداته ، قواسم العقل و الأحاسيس الإنسانية وحب الحياة وغيرها، و التي لم و لن تتغير في الإنسان مهما طال الزمان أو قصر.

ومن خلال منبر هذا الموقع الحر أطرح هته الأسئلة الكبيرة على كل متشبث و متعصب لما وجد فيه نفسه دون أي اختيار أو مشورة:

ماذا كنت تختار لو طلب منك أن تختار لغتك، أبواك، موطنك ؟

ماذا لو أوجدت في موقع شخص أنت من أشد المناهضين له الآن؟

هل كل حركاتك و سكناتك صادرة عن قناعة و عن رضا أم هي مسلمات لا سبيل و لا قدرة للتحقق منها و تمحيصها ؟

هل أنت مستعد للإفصاح عن قناعاتك الدفينة بالرغم من مخالفتها للشائع و المعتقد وتحمل العواقب التي قد تنجم عن ذلك؟

هل اخترت معارفك وتفحصت المناهل التي ارتشفت منها في عمر المتلقي السلبي ؟

و أخيرا

هل أنت مستعد للتنصل من كل الموروثات واستشراف المستقبل بقلب سليم و نظرة مغايرة؟

هته الأسئلة يحاول أن يجيب عليها ذوو العقول و الألباب و أولو العزيمة الذين لا يسلمون بالواقع المعاش و يبحثون في لحظات خلوتهم وتأملهم عن الحقيقة التي تحجب عنهم في لحظات الضعف و في زخم الحياة المعتادة و المألوفة، ويبدون في محيطهم أناس غير عاديين قد يتهمهم بعض الجاهلون بالجنون.

سنحاول إن شاء الله تعالى في المقالات الموالية أن نبين على أن الله تعالى و من خلال القرآن الكريم، بتعاليمه الإلهية الكونية، هو الوحيد القادر على أن يكفل الفرد في محاولته التجرد من كل ما علق بداخله من موروثات حجبت عنه الحقائق و أعمت بصيرته وأنسته نفسه.

وإلى حين مقال آخر، أستودعكم الله، الذي لا تخيب ودائعه

والسلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

اجمالي القراءات 8626