المفردة و النص ، السياق العام و الدلالة الذهنية و الحسيّة
بحثاً عن محمّد في القرآن [ 3 ]

امارير امارير في السبت ٢٤ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

ليست هذه قفزةً في الفراغ ، و ليست دعوةً لإبتداع أو افتعال المشاكل ، فإرادة [ المعرفة ]  تفرض البحث عن أسبابٍ منطقيّة و [ القطيعة ] مع [ التراث ] ، هذا الذي ارتبط عن طريق الخطأ بسبب الاستعجال في البحث عن الحلول السهلة مع [ الدين ] ، بل و مع [ النصّ ] الديني ، و قد بدأ الأمر منذ بدأت رحلة استدعاء الذاكرة الجماعيّة للمسلمين ، عبر نصوص التاريخ الإسلامي و الفقه ، فعمليّة فهم دلالات [ اللفظ ] داخل [ النص ] عبر سياقه و مفاهيمه ، تؤكّد حقيقة كون المفهوم داخل النص لا يعني معنى الكلمة أو اللفظ خارجه ، إذ أنّ [ اللغة ] هي نتاج [ العقل ] ، و [ النص ] هو نتاج [ الفكر ] ، بنية النّص عبر جملة دلالات الألفاظ التي يحتويه ، و النّص الديني مبنيٌّ على جملة تصوّراتٍ عامةٍ ، و مضمونٍ خاصٍ يحيط هذه التصوّرات لتعطي الكلمة مدلولاتٍ تختلف أحايين كثيرة عن مدلولات اللغة الإعتيادي ، للكلمة دائماً دلالتان (1)دلالة [ حسيّة ] و (2)دلالة [ ذهنيّة ] ، الأولى مرتبطة بالذاكرة العامة ، و الأخرى مرتبطة [ بالنّص ] الذي ترد فيه الكلمة ، و هذا هو الباب الذي شرعه البعض في البحث عن دلالات [ الرمز ] و [ المجاز ] في القرآن و ما وراء النّص ، فمعرفة الأشياء عبر [ مسميّاتها ] تختلف بين المنظور [ المعجمي ] للغة ، [ سياقها العام ] أو [ دلالتها الخاصّة ] عبر [ النّص ] المكتوب بذات اللغة .

إن معضل [ تأويل ] النصّ يبقى محور التحّدي الأساسي الموضوع أمام الجميع : ]أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد 24 ، المسألة هي توقّف الباحثين في سبل المعرفة عند قيمة [ التراث ] ، الذي يبقى محاولةً تقتصر في إطارها و أشخاصها ، فالوحي هو أساس المعرفة ، و المعرفة غير مقيّدةٍ بتأويلٍ أو منهجٍ عبر كل المستويات التي تبنّت الحديث عن [ تفسير ] النّص ، و هو أمرٌ غير ممكن الحدوث قطعاً بسبب التشابك الحاصل في فهم [ المتشابه ] و جعله [ مُحكماً ] ، و في تفسير [ المحكم ] و جعله [ متشابهاً ] عبر الإرث الفقهي [ الثابت ] لمختلف الطوائف ، الفرق ، الملل و النحل عبر التاريخ الإسلامي : ]هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران 7 ، و هذه الآية تحديداً قُرأت خارج سياقها العام لمتّصل بمفهوم الفتنة بمعنى عزل النّص عن امتداده التراكمي المعرفي من الداخل : ]وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً [الإسراء 73 ، كما انّها تحوي الإجابة على السؤال المحوري ، كيف يمكن تفسير القرآن ، أفقياً أم عموديّا ؟ ، [ التفسير الأفقي ] بمعنى تكوين تراكم معرفي ينطلق من قاعدةٍ معرفيةٍ : ]آيَاتٌمُّحْكَمَاتٌ [، للوصول الى المعاني الخفيّة للآيات التي تقع ضمن نفس السياق : ]َأُخَرُمُتَشَابِهَاتٌ [، أم [ التفسير العمودي ] حيث يتم عزل السور ، الآيات و الكلمات داخل النّص عن بعضها البعض دون بحثٍ عن تراكمٍ معرفيٍّ يربط بين السياقات المتكرّرة للكلمة داخل النّص ؟  ، إنّ إشكاليّة فهم اللغة خارج [ مدولالتها ] الكليّة ، تبقى إشكاليّةً معقّدةً [ خارج النص ] ، فالدلالة اللفظيّة و المعنويّة للكلمة يصعب تأطيرها لأن [ المفردة/الكلمة ] تبقى مجرد جزءٍ من رصيد تكوين [ المعرفة ] ، و المعرفة داخل الرصيد [ القاموسي ] للكلمة الواحدة توصل إلى نتائج معرفيّة متنوعة بل و أحياناً متعارضة ، لكن دلالة الكلمة [ داخل ] سياق [ النص ] الواحد ، توصل إلى حدود إمكانية فهم و استيعاب الغائية الغائبة ، و تدريج الفهم الى مستوى الحقيقة الأقرب ،  وعبر هذا الفهم [ الكلّي ] يمكن فهم و استيعاب القوانين العامة و بناء نمط و سياق [ عام ] بفهم النص و تأويله ، حيث تكون القاعدة من داخل النص هي [ المنطلق ] نحو فهم دلالات و معاني المفردة  ذات العلاقة الدلاليّة القريبة كما البعيدة أيضاً ، فعند قراءة [ سياق ] ورود [ المفردة/الكلمة ] ، فإن النص دائماً كما أسلفت يحوي داخله [ السر ] ، و اللغة تحوي دائماً داخلها [ الرمز ] ، و سياق [ المفاهيم ] يتناسق بالتأكيد مع سياق الكلمات في النص القرآني ، كون [ وحدة النّص ] توصل إلى [ وحدة المفاهيم ] و محاولة الوصول إلى [ وحدة النتائج ] بإستمرار ، كما أن دقّة التعبير القرآني ، يوصل الى دقة و عمق دلالة اللفظ داخل السياق القرآني ، فالموت مثلاً داخل القرآن غير مرتبط دائماً [ بفسيولوجيا ] وظائف الاعضاء ، و الحياة أيضاً ، الخطاب القرآني خطابٌ عقليٌّ يركّز على معاني أخرى للحياة و الموت تربطهما بالعقل و منهج القرآن العقلي : ]أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام 122 ، فالموت في القرآن كما هي الحياة لا يمكن فهمهما وفق الفهم [ البيولوجي ] لكلمة الموت بمعنى [ انعدام الحياة ] البيولوجيّةفقط ، بل أن السياق و طريقة التعبير عن المعنى يوصل لمعنى آخر بمعنى الموت بما يوازي عدم القدرة أو الرغبة على [ تفعيل العقل ] ، و تبعاً تحرير [ النّص ] من القيود التي تعزله بعيداً عن واقع الناس ، [ الموتى ] داخل السياق القرآني هم من فارقتهم النفس وفق سياقٍ عامٍ للكلمة داخل  النّص ، أي من انفصلت الصلة بينهم و بين المكان و الزمان ، و مثال ذلك قوله تعالى :  ]كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى [البقرة 73 ، ]وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى [آل عمران 49 ، لكن هذا السياق يختفي عبر دلالةٍ خاصّةٍ بذات الكلمة داخل سياق ثنائيّة آخر ، يكون فيه الموتى وفق معنى الرمز ، هم من لم يتوفّر لهم الحق في الإختيار كي يجبروا على اختيار سوء الطريق : ]إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل 80 ، ]َإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [الروم 52 ، وفي الآيتين هنالك طائفتان رمز لهم برمزي [ الموتى / مُجبر ] و [ الصّممُختار ] ، قوله : ]َإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [دليلٌ على كون المشار إليه بالميت هو في واقع الأمر حيٌّ لكنّه لا يمتلك حق تقرير مصيره في الإستماع ، و قوله :  ]َلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء [دليلٌ على كون الصمم مفعولٌ من قبل المخاطَب مع سبق الإصرار ، كون من يوجّه الخطاب يجهل نيّة المُخاطِب ، و لا يملك القدرة على إجباره على الإستماع لحجّته ، ليوصل الى معنى سياق عام لكلمة [ أموات ] بمعنى : الأحياء الذي نزعوا عنهم التكليف باختيار التقليد و رفض اتّباع الطريق السوي ، المبني على الحق في الإختيار ، و هو ما يرد في النّص مراراً و تكراراً : ]وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ، أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل21 ، ]وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ، وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ، وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [فاطر 22 ،  ]وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ [البقرة 154 ، ]وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران 169 ، ]كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة 28 ، حيث دلالة السياق العام لكلمة [ أموات ] متّصلٌ دائماً بالكفر ، الإيمان و المعرفة ، خلاف سياق ورود كلمة [ موتى ] المرتبط دوماً بالبعث من القبور .

أيضاً في الآية التي نصّها حديثٌ [ عام ] عن [ الموؤودة ] في قوله تعالى : ]وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ [التكوير 8-9 ، فإنّنا هنا لا يمكننا فهمها أو عزلها داخل إطار القصّة التاريخيّة المعلن عنها ، وهي جريمة دفن الوليدات الإناث في مرحلةٍ تاريخيّةٍ عبر روايةٍ تفتقر الى الواقعيّة من جهةٍ ، كون القول بعموم وأد البنات في مجتمع الجزيرة يوصل الى نتيجة انقراض ساكنة المنطقة كنتيجةٍ حتميةٍ لكون هذا الأمر عامٌ غير خاص ، و لا علاقة له بالخطاب القرآني العام داخل الآية من جهةٍ أخرى ، حيث أن  [ ال ] التعريف في [ الموؤودة ] يوصل الى فاعلية الحالة مع المكان و الزمان على تغيّرهما رغم غياب الحالة التاريخيّة ، لغاية التميّيز بين [ الموتى ] وفق السياق العام أو الدلالة الخاصّة و [ الأموات ] تحديداً ، فنصل الى نتيجة كون الحديث في الآية هو حديثٌ عن العزل أو [ الوأد الإجتماعي ] للمرأة عبر عزلها عن الحراك الإجتماعي ، السياسي و الثقافي للمجتمع ، و احتكار دورها كرأس مالٍ جنسيٍّ في مجتمعٍ من الذكور ، لتكون ضمن ضمن طائفة [ الأموات ] بعد الإبتعاد عن حصر الحالة في تاريخيّتها الغير ممكنة أصلا ، و التي تعنى فقط [ الموتى ] ، و لنا في حالة [ النقاب ] كزيّ ديني لا أصل له في شريعة القرآن ، بل الأنكى اختفاء حديثٍ كان يكرّره الفقهاء عن زوجة الرسول مفاده أنّه قال : [ ... إذا بلغت المرأة برز منها هذا و هذا ، و أشارت الى الوجه و نصف الساعد ] ، ليكون النقاب نموذجاً حيّاً على مسالة الوأد الإجتماعي للمرأة : ]قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور 30 ،  ]وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور 31، ]سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِممِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح 29 خير مثال ، بل أنّه لا وجود له في أي شريعةٍ دينيّةٍ سوى [ سفر التكوين ] في [ التوراة / العهد القديم ] :  [  و طالت الأيام ، فماتت ابنة شوع زوجة يهوذا ، فأقام يهوذا مناحة ، ثم صعد الى جزازي غنمه الى ثمنه ، هو و حيرة صاحبة الغدلامي ، فأُخبرت ثامار و قيل لها : ها هو حموك صاعدٌ الى ثمنه ، ليجزّ غنمه ، فنزعت ثياب ترمّلها عنها ، و تغطّت بخمارٍ و لبست برقعاً ، و جلست عند مدخل عينايم ، التي على طريق ثمنه ، لأنها رأت أن شبله قد كبر و هي لم تعط له زوجة ، فلمّا رآها يهوذا حسبها عاهرةً ، لأنها غطّت وجهها ، فمال إليها على الطريق و قال : دعيني أدخل عليك ..... ] ، و هو النص الذي حاول الإنجيل تلطيفه ، تهذيبه و شرح خصوصيّته لتلك الفئة بعينها [ العاهرات ] ،  و ذاك الزيّ بعينه [ البرقع / النقاب ] : [  أريد أن تزين النساء ذواتهن بلباسٍ مرتبٍ ، مع حشمةٍ و رزانةٍ  ، لا بظفر الشعر أو الذهب ، أو اللآلي او الثياب الغالية جداً ، بل بالأعمال الصالحة ، أي بما يليق بنساء قلن أنهن ورعات ] ، تيموثاس ، الإصحاح الثاني ، [ الإنجيل / العهد الجديد] .

اجمالي القراءات 10665