بوابات الموت والألم
باب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب

محمد عبدالرحمن محمد في الجمعة ٢٣ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

  

                  

   آخر يوم من خريف 2011م العاشرة صباحا  وشمس الواحة تبعث الدفء في زهور  هى أطفال في سن الحضانة والمدرسة، ترتاد الوحدة الصحية بإحدى قرى الواحة  مع الآباء أوالأمهات  أوالإخوة الكبارلتوقيع الكشف الطبي سواء  للآباء والأمهات أو للأطفال..ومن بين تلك الزهور أطفال أبناء للعاملين بالوحدة يأتون مع امهاتهم أو أبائهم برفقتهم من سن سته شهور وحتى ستة  سنوات..

 لأنه لا توجد دور حضانة تستقبل أبناء وبنات العاملين بالمصلحة .. فإن  معظم هؤلاء الممرضات يحضرن أبنائهن الذين هم تحت سن المدرسة .. من الصباح يلعبون في طرقات الوحدة وفي فنائها المتسع ..  وهم معرضون  لأن يحبوا على الأرض أو يزحفوا وهم صغار معرضين للعدوى ونزلات البرد .. في الشتاء وضربات الشمس ولدغ العقارب في الصيف..!

أما عن أبناء الممرضات الذين بلغوا سن المدرسة فهم بعد انتهاء اليوم الدراسي غالبا ما ياتي منهم الكثير لينتظروا امهاتهم لحين انتهاء مواعيد العمل الرسمية فمنهم من هو أومن هى في الصف الأول او الثاني او الثالث الابتدائي. ويظلوا معهن بالعمل لمدة ساعة او ساعتين.. حتى يذهبوا مع امهاتهن لبيوتهم..

  أحمد محمود  زهرة من زهور الربيع عمره  ست سنوات عاد من مدرسته في الثانية عشرة ظهر  في آخر يوم من أيام خريف 2011م  وفي انتظار أن يعود  لبيته مع أمه الممرضة..

نسيت أمه مفاتيح المنزل في حجرة رعاية الأمومة والطفولة.. وكان طفلها احمد يقف عند باب الخروج الرئيسي للمصلحة .. فرجعت إلى حجرة رعاية الأمومة والطفولة لتحضر المفاتيح..

 تسلق  الطفل أحمد باب الوحدة الحديدي الذي يبلغ وزن الضرفة الواحدة فيه أكثر من ربع طن أي حوالي مائتين وخمسون كليو جرام.. ليلهو ويلعب عليه ويتأرجح ..!!

باب الوحدة  يبدو عليه كأنه صُمم ليكون بابا للبنك المركزي ثقيل طويل عريض مصنوع من الحديد .. يعطي انطباعا كاذبا بأنه باب لحماية المنشأة  و حماية من بداخل المنشأة من العاملين والمترددين على الوحدة للكشف الطبي ..  

عند بناء الوحدات الصحية  بالواحات   فالباب الحديدي الثقيل الطويل العريض المصنوع من الحديد.. يكون رمزا للأمان والرحمة بمن في الداخل.. من العاملين والمنتفعين من الخدمة المقدمة..  ومن بين هذه الخدمات المقدمة في ذلك اليوم المشئوم.. تطعيم أطفال القرية من هم في سن التطعيم..

 وكانت حملة تطعيم منظمة .. ومركزة ..  وكانت والدة الطفل احمد من بين فريق العمل في حملة التطعيم في هذا اليوم..

 انتهت حملة التطعيم بنجاح.. وقارب يوم العمل على الانتهاء وأتى الطفل  أحمد  لأمه حتى ينصرف معها إلى منزله..

تركته  أمه عند بوابة الوحدة الحديدية (الباب الحديد) وذهبت ثلاثين متراً لإحضار المفاتيح من غرفة الرعاية..

تسلق الطفل أحمد الجزء السلفي من الضرفة القاتلة.. واخذ يتأرجح عليها ..

 فإذا بهذه الضرفة القاتلة تنفصل بنفسها لثقلها وفساد تركيبها في السور متأرجحة وأحمد يتأرجح عليها .. وتلقيه على الأرض وتجثم فوق رأسه  وجسمه.. مهشمة الرأس تهشيما,, ونزيفاً بالمخ وكسرا بقاع الجمجمة..!!

  لم نستطع أن نقدم له شيئاً في الوحدة حاولنا ان نقطب الجرح الكبير بالرأس بسرعة وإرساله إلى المستشفى المركزي ..

 لكن عربة الاسعاف معطلة... منذ أسابيع أخطرنا الادارة الصحية لإصلاحها ولم تستجب حتى الآن..

  أحد سائقي سيارات النقل الصغيرة  حضر بسرعة وذهب ممرض من ممرضي الوحدة مع الطفل داخل كبينة السيارة إلى المستشفى المركزي ..

 فارق الطفل أحمد الحياة فقد كان قلبه يبطئ النبض رويدا رويدا .. قبل أن يصل المستشفى المركزي على بعد خمسة عشر كيلو متر وحتى المستشفى المركزي حالته يرثى لها وليس بأحسن حالا من الوحدة..!..

كانت أمه الثكلى تصرخ بحرقة وأنين وهى تركب في صندوق  السيارة الربع نقل .. بحرقة وتدعو الله أن يسترها.. معاه.. لكنه فارق الحياة !

وقُتِل الطفل أحمد تحت  الباب الحديد الثقيل الطويل العريض المصنوع من الحديد..

  بناء الوحدات الصحية أو ترميمها يكون غير مطابق للمواصفات بالمرة .. ميزانيات هزيلة لبناء الوحدات أو ترميمها ، ولكي يربح المقاول أرباحا كبيرة يخالف المواصفات القياسية في الأساس وفي  المباني والكهرباء والسباكة.. وحتى البوابات .. يكون تركيبها بطريقة سيئة  كما يقولون بالعامية تلصيم البوابة على السور مع ثقلها .. وبطريقة تدل على أن الضمير قد مات ودفن منذ ستة  آلاف عام..

بوابات الموت في الوحدات الصحية  بجميع وحدات الإدارة الصحية.. لها مواصفات لكي تكون نائباً لملك الموت.. أو لابد أن تكون ثقيلة طويلة عريضة أكثر من نصف طن..

لابد أن يكون تركيب البوابة بالتلصيم.. وتكون البوابة وهى مفتوحة  كل ضرفة ممتدة وغير لاصقة بالسور لعيب فني في التركيب.. وبالتالي فهى عرضة للزلزلة والتحريك من مكانها ..

 لابد أن يكون تثبيتها في السور بطريقة سطحية  ثلاث قطع حديد بطول خمسة سم من الحديد الملحوم بطريقة سيئة .. مما يجعلها  تترك السور وتنهار فوق رأس من يقترب منها.. عند أقل حركة لها..

 كل بوبات الوحدات الصحية وحتى المستشفى المركزي بهذا القبح وهذا السوء  وهذا التصميم القاتل..

 هو قتل متعمد ممن صمم هذه البوابات .. هو قتل متعمد ممن استلم المباني وتلك البوابات من المقاول.. هو أهمال جسيم من مهندسي الإسكان بالمدريات لقبولهم استلام تلك المباني وتلك البوابات القاتلة.. بعد أخذ الرشواى الكبيرة ..

هذا هو القتل بطرقه المختلفة . من إهمال جسيم من حكومات مستبدة  لاتحترم حرمة أرواح وأنفس اطفالنا..

 السؤال .. من قتل أحمد..؟؟؟

 أليست حكومات المستبد العسكري الفرعوني سواء كان مبارك أو المجلس العسكري من بعده..هى من تقتل  أبناء المصريين وتستحيي نسائهم..؟

أليس هذا هو قتل النفس بالفساد في الأرض  من الاهمال والتسيب في البناء والتصميم  والتسلم بهذه المواصفات الفاسدة  الفاتكة.. لأطفالنا.

هذه الآيات الكريمة تعبر عن قتل النفس بغير النفس وعن نظير القتل وهو الافساد في الأرض وجزاؤه جزاء القتل.. عند الله تعالى في الآخرة .. اما في الدنيا .. فلابد من إحقاق العدل ومنع الفساد والافساد في الأرض .. يقول تعالى:

 {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{27} لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ{28} إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ{29} فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ{30} فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ{31} مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ{32} إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{33} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{34}

فالله تعالى يعلمنا.. أنه من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً ومن قتل نفساً بالافساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً

وهذا البوابات بوابات الجحيم لأسر العاملين بتلك المصالح الحكومية.. هى بوابات الإفساد  هى بوابات القتل .. وكل باب منها هو  باب في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب.

اجمالي القراءات 13639